الغرب.. التاريخ الذهبي للرعب والإرهاب!
الإرهاب صناعة غربية صهيونية.. فلِمَ توجيه سهام الاتهام إلى الإسلام؟!
يتلقى مليار ونصف مليار نسمة تقريباً من المسلمين الصفعاتِ والضرباتِ تلو الأخرى على الأقفاء، من الغرب الحاقد عامة، ومن ستة ملايين إسرائيلي خاصة... لقد فقد الأسدُ المسلم العجوزُ قوتَه المادية بعدما قلل من أهمية قيمه الروحية، فأصبح بلا مخلب ولا ناب، وهان حتى على الماعز والقردة والخنازير، بل الأدهى والأمرّ أنه أصبح غرضًا يُرمى، ويُغار عليه ولا يُغير، إذ تعدو الذئاب على من لا كلاب له. ولله در الشاعر إذ يقول:
أسفي على الإسلام هان عرينُه وعدا عليه الفاتكُ المستأسدُ!
أصبحنا فعلا غثاءً كغثاء السيل، لم يعد المسلم كما كان في السابق؛ له الهيبة، وله المنعة، وله القوة. بل الأغرب أنه أصبح يتندر به ويضحك عليه! وأضحى رمزًا للسخرية والاستهزاء والضعف والتخلف من جهة، كما ينعت بالإرهابي وقنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة من جهة أخرى.
أعتذر من هذه العبارات الانتقاصية والجوفاء في آن.. لكنها تجسيد حي لواقع المسلمين الذي يزداد تدميرًا من قبل الأعداء والأدعياء!
صحيح أن المرارة تغص الحلوق، والقلوب المسلمة يعتصرها الألم؛ لكن تشخيص الداء خير من التعامي عنه.
ما أروع كلام أحد الشعراء:
إني تذكرتُ -والذكرى مؤرقةٌ- مجدًا تليدًا بأيدنا أضعناهُ
أنى اتجهتَ إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصًا جناحاهُ
كم صرَّفتنا يدٌ كنا نُصرِّفها وبات يَمْلِكنا شعبٌ ملكناهُ
نعم! (لن يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به حال أولها)، جيل العدل، جيل السيادة والقيادة، جيل الرواد في كل شيء: التعليم والمعرفة والسياسة والحضارة!
فعرضنا لهذه الأبيات ليس عودة إلى الوراء وبكاء على اللبن المسكوب بإثارة كوامن الحسرة والأسى. كلا! بل تأصيل لمسألة نحن بصدد مطارحتها ومناقشتها نقاشًا علميًّا؛ درءًا للفتنة ودفعًا لكل شبهة و"بعثًا لروح الأمل" في صفوف أبناء الصحوة الإسلامية التي توجه لها سهامُ الاتهام، والتي تخبط هذه الأيام خبط عشواء من خلال الاستجداء بالغرب والتملق للعلمانيين للتملص من لقب "الإرهاب"؛ لأن الهزيمة النفسية أس البلاء وبرهان ساطع على استمرار ثقافة متجمدة تقف مكانها تنظر إلى الآخر على أنه المنقذ.
يقول الأمير شكيب أرسلان: (من أعظم أسباب انحطاط المسلمين في العصر الأخير فقدُهم كل ثقة بأنفسهم، وهو من أشد الأمراض الاجتماعية، وأخبث الآفات الروحية، لا يتسلط هذا الداء على أمة إلا ساقها إلى الفناء).
هكذا خرج علينا الإعلامُ الغربي ومِنْ ورائه مؤسساته العتيدة (الرئاسة في شخص بوش الذي تصنف مرحلته الأعنف في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بالإجماع، ومؤسسة راند، وتنظيم الأسابيع الثقافية لتشويه الإسلام: أسبوع الفاشية الإسلامية في الجامعات الأمريكية، تقاريرهم الاستراتيجية، أعمالهم الصبيانية - الرسوم المسيئة - تصدر ممن يضعون أنفسهم في خانة التنوير تارة، والتعبير عن صوت المواطن المقهور تارة أخرى..) بمصطلح غطى مساحة كبيرة: إنه "الإرهاب"؛ الذي عجز لسانهم "الفصيح" عن إعطاء مدلول واضح سهل له يفهمه القاصي والداني. لكن أبوا إلا اللجلجة لتحقيق فكرتهم الميكافيللية. نعم! نسي الإنسان الأشقر العينين والأبيض البشرة أن الإسلام ما كان في يوم من الأيام دينَ عنف وإرهاب، بل ذلك من صميم عقيدتهم المحرفة وفكرهم الانتهازي البراغماتي! رحم الله الشاعر إذ يقول:
حكمنا فكان العدلُ منا سجيةً فلما حكمتم سال بالدم أبطحُ
وحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح!
لكن في المقابل؛ ألا ترون معي –أيها الإخوة القراء- أننا مددنا وهيأنا ظهورنا للركوب فامتطانا كل راكب، ولم نُطِل البنيان العقدي السليم، فسهل عليهم القفز عليه! وسيبقى الحال على ما هو عليه حتى إشعار آخر. {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 15].. لكن مع هذا الهوان وهذا الضعف الذي ينخر جسد الأمة الإسلامية طولا وعرضا.. يجب علينا أن نرد على أفعالهم الصبيانية -لأن "كل فعل له رد فعل"- ردًّا علميًّا وحضاريًّا بالكلمة التي تتغلغل إلى العقل الذي لا يفهم معنى الرحمة ومعنى الإنسانية... لكن في الوقت نفسه يكون من الأجدر أن نعرّف أبناءنا وأبناءهم بسيرة الغرب الدموية ومجازرهم ومذابحهم التي نقشت على الصخور التي عجزت المدونات والمخطوطات عن محو أثرها. نعم! تاريخهم تاريخ دموي يتمعر وجه كل أوربي وغربي منصف عند تصفحه خجلا!
الإرهاب.. مصطلح عجز الغرب عن تحديده!
في هذا المضمار أقيم الكثير من المؤتمرات طبقًا للتوصيات الأمريكية للتعريف بظاهرة الإرهاب.. لكنه بقي تائهًا وغامضًا وممجوجًا؛ لخدمة الأغراض الصهيونية تارة، والأهداف الإمبريالية-بالمعنى الماركسي- الأمريكية والأوربية تارة أخرى؛ فسميت المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني إرهابًا، وما تقوم به دول التحالف الغربي في العراق نشرًا للديمقراطية والحرية! وحتى لا أذهب بأخي القارئ الكريم بعيدًا عن لب وكنه الموضوع أرجع إلى قواميسهم اللغوية. تقول الموسوعة البريطانية Britannica Encyclopedia: "تتكون كلمة (إرهاب) في اللغة الإنجليزية بإضافة اللاحقة ism إلى الاسمTerror بمعنى فزع ورعب وهول، كما يستعمل منها الفعل Terrorize بمعنى يرهب ويفزع"، ومن التعاريف التي وقفت عندها أيضًا في هذا الباب ما يلي:
- في قاموس أكسفورد Oxford Dictionary نجد كلمة إرهاب Terrorism تعني سياسة أو أسلوب يعد لإرهاب المناوئين أو المعارضين لحكومة ما وإفزاعهم. فالإرهابي Terrorist هو الشخص الذي يحاول أن يدعم آراءه بالإكراه أو التهديد أو الترويع[1].
- وعرفه (جينز برج) Ginsburg بأنه "الاستعمال العمدي للوسائل القادرة على إحداث خطر عام يهدد الحياة أو السلامة الجسدية أو الصحية أو الأموال العامة"[2].
- كما عرفه (سوتيل) بأنه "العمل الإجرامي المقترف عن طريق الرعب أو العنف، أو الفزع الشديد من أجل تحقيق هدف محدد"[3].
- أما (نومي جال اور) Noemi Gal-or فيعرف الإرهاب على أنه "طريقة عنيفة أو أسلوب عنيف للمعارضة السياسية، وهو يتكون من العنف والتهديد، وقد يمارس الإرهاب ضد أبرياء أو ضد أهداف لها ارتباط مباشر بالقضية التي يعمل من أجلها الإرهابي"[4].
وعرفت الموسوعة السياسية الإرهاب بأنه: "استخدام العنف -غير القانوني- أو التهديد به أو بأشكاله المختلفة؛ كالاغتيال والتشويه والتعذيب والتخريب والنسف وغيره بغية تحقيق هدف سياسي معين... وبشكل عام استخدام الإكراه لإخضاع طرف مناوئ لمشيئة الجهة الإرهابية"[5].
تعرف الموسوعة الإلكترونية "Encarta" الإرهاب بأنه استعمال العنف، أو التهديد باستعمال العنف، من أجل إحداث جو من الذعر بين أناس معينين. يستهدف العنف الإرهابي مجموعات (إثْنية) أو دينية، أو حكومات، أو أحزاب سياسية، أو شركات، أو مؤسسات إعلامية.
- هو ارتكاب أو التحضير لارتكاب جريمة عنيفة باستخدام أدوات عسكرية مادية أو معنوية ينجم عنه ضحايا غير عسكريين و/أو أبرياء، وذلك بهدف إثارة الرعب، وسواء كانت دوافع الجاني سياسية أو غير سياسية. أو إثارة قلاقل واضطرابات تهدد أمن البلاد بشكل عام.
- أما التعريف القانوني للإرهاب فهو عنف إجرامي ينتهك القانون ويستلزم عقاب الدولة!!!!
- ثم إرهاب رعاية الدولة هو ما تقوم به دولة معينة من رعاية جماعات مسلحة من دعم (لوجيستكي) لإثارة قلاقل في بلد معين لخدمة أغراضها السياسية والاقتصادية كما هو الشأن في متمردي جزر القمر التي تتلقى دعمًا من فرنسا، ومرتزقة بلاك ووتر في العراق التي تقتل الأبرياء، ومليشيات بدر التي تتلقى دعمًا من إيران لتمديد أجل احتلالها للعراق مقابل عجزها عن خوض أي حرب أخرى مرتقبة.
- أما إرهاب دولة فهو ما تقوم به دولة الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين.
** على ضوء التعاريف السابقة نخلص إلى أن الإرهاب الغربي: إيقاع أنواع متعددة من الأذى والتسلط المادي أو المعنوي بالآخرين، ورفض الاستماع إليهم أو التحاور معهم، ويبدأ الأذى بالتكذيب والتشهير والدعاية الكاذبة، وينتهي بحرب الإبادة والتصفية الجماعية (محاكم التحقيق إلى محرقة غزة إلى المتابعات والاختطافات التعسفية، وبين هاتين المرحلتين مراحل كثيرة من التسويغ المزيف لإعلامهم والحصار الاقتصادي وفرض توجهاتهم الاجتماعية ونشر الانحلال الأخلاقي!).
التاريخ الغربي.. يزخر بالإرهاب والمتطرفين!
فالشبهة التي تمثل البضاعة والعُملة الرائجة عند الإعلام والرأي العام الغربي: أن الإسلام يشجع ويغذي الإرهاب. فما هذا الهراء؟!.. الإسلام في العمق دين السلام؛ يشهد على ذلك القاصي والداني!.. فلا نحكم على الإسلام من خلال تصرفات بعض المسلمين الطائشة؛ فـ"الشاذ لا يقاس عليه". فحتى الحرب الجهادية في الإسلام وضع لها شروط وضوابط، وهو ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقتلوا شيخًا كبيرا..."، فعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله؛ لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة". [أبو داود، ج3 ص86 رقم 2614]،
وفي حديث آخر: "سيروا باسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً" [سنن ابن ماجة، ج2 ص953].
كما كان ينهى عليه الصلاة والسلام عن التعرض للرهبان وأصحاب الصوامع، وعن التمثيل والغلول؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا بعث جيوشه قال: "اخرجوا باسم الله، قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، لا تعتدوا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع" [مسند أحمد، ج1 ص200].
وانظروا حاليا إلى ما تقوم به آلة التدمير الأمريكية في العراق وأفغانستان، وما تقوم به روسيا من أعمال وحشية في الشيشان، وما تنفذه إثيوبيا في الصومال بدعم أمريكي لمحو أثر أي صحوة إسلامية في العالم...!!!. فمن ينعم النظر في أحوال العالم يرى أن قوات الاستكبار العالمي لا تضع عينيها على الإرهاب الصهيوني الحقيقي.. بل يستحق الصمت.. ثم التفاهم.. ثم الإدانة.. ولله در الشاعر إذ يقول:
قتلُ امرئٍ في غابة جريمةٌ لا تُغتفرْ
وقتلُ شعبٍ كامل مسألةٌ فيها نظرْ!
فالإرهاب إذن صناعة غربية، فهذه ليست تهمة ملفقة. فلو عدنا إلى بعض محطاتها التاريخية الدموية لما وسعتنا صفحات هذا المنبر الجاد. لكن الأولى الوقوف بشكل مختصر على بعضها:
أ- الإرهاب المؤسساتي المنظم:
1- الحروب الصليبية:
إن عبارة "الحروب الصليبية" التي دامت أكثر من قرنين (من 1095م إلى 1291م) تثير في الأذهان صورًا مثقلة بالدماء والعنف الوحشي الذي اتسمت به هذه الحروب التي خلفت كثيرًا من الذكريات عن دمويتها المفرطة.. لقد كان الناس في أوربا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر يرون في الحركة الصليبية أمرًا مقدسًا، فقد أدخلت الدعاية البابوية الزاعقة في رُوع الوعي العام أن الحملة الصليبية "هي حرب مقدسة أمر بها الرب" فأهلكت حرث المسلمين ونسلهم[6].
وباختصار يصف غوستاف لوبون ما أحدثه الصليبيون من كوارث فيقول: (ولم يكتفِ الفرسان الصليبيون الأتقياء بذلك، فعقدوا مؤتمرًا أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود وخوارج النصارى، الذين كان عددهم نحو ستين ألفًا، فأفنوهم على بكرة أبيهم في ثمانية أيام، ولم يستثنوا منهم امرأة ولا ولدًا ولا شيخًا، وأراد الصليبيون أن يستريحوا من عناء تذبيح أهل القدس قاطبة، فانهمكوا بكل ما يستقذره الإنسان من صنوف السكر والعربدة)[7].
2- محاكم التفتيش.. تاريخٌ أسود وماض أليم:
بداية الإشكال لماذا لم يستطع الإنسان الغربي النصراني أن يتجاوز عقدته هذه المرة تجاه الحضارات الأخرى، ويتعايش مع هذه الحضارة كما تعايشت معه؟! أم أن عقدته ظلت مستحكمة ومتغلغلة، ولم يتمكن من الإفلات منها، ولو مرة واحدة في تاريخه، ليتحاور مع حضارةٍ ما؟!
محاكم التحقيق في العصور الوسطى البابوية:
بدأت محاكمات التفتيش الكاثوليكية (inquition) بعدما أجاز البابا جريجوري التاسع عام 1232م استعمالها كوسيلة للتعذيب ووصف المتهمين بالبدعة والهرطقة (أي كل ما يخالف توجهات الكنيسة المحرفة التي يسيطر عليها الإكليروس. بالإضافة إلى احتكارهم للكتاب المقدس: الإنجيل، وترويجهم للأكاذيب والترهات لاستنزاف أموال الناس بالباطل، وأكبر دليل على ذلك ما يسمى بصكوك الغفران) على الإقرار، وهذا التطور أدى إلى بروز الإقرار كأهم مبدأ لإقامة البنية الجنائية بجانب الشهادة، وتميزت حملات الكنيسة للتفتيش بالتوقيف بالشبهة والتعذيب حتى الإقرار ثم الحكم بالإعدام حرقًا، ونادرًا ما كانت تسمح هذه المحاكمات للمدعى عليه أن يقابل المدعي. أما بخصوص وسائل التعذيب فإنها ازدادت قسوة مع الوقت (الجلد، والحرمان من الأكل والنوم، والخنق بالماء، وبتر أثداء النساء، والعرض لعضات الجرذان، الخ) وإلى هذا، فقد انتشرت حملات محاكمات التفتيش في أرجاء أوربا الوسطى والجنوبية كما اتسع استهدافها لتشمل أرجاء واسعة من أوربا..
محاكم التفتيش الإسبانية.. تاريخ مؤلم وأكثر قتامة!
وكانت مأساة المسلمين مع سقوط غرناطة آخر قلاع المسلمين في إسبانيا سنة 897هـ-1492م، من أفظع مآسي التاريخ؛ إذ شهدت تلك المرحلة التاريخية أعمالاً وحشية ارتكبتها محاكم التحقيق (التفتيش)؛ لتطهير إسبانيا من آثار الإسلام والمسلمين، وإبادة تراثهم الذي ازدهر في هذه البلاد زهاء ثمانية قرون من الزمان.
ومع الحلقة الأخيرة من المأساة قام السلطان أبو عبدالله بتسليم غرناطة إلى النصارى، بعد توقيعه معاهدة الاستسلام معهم بتاريخ (21/1/890هـ-25/ 11/1491م)، تلك المعاهدة التي تضمنت 27 مادة، تحدد أولاها ضرورة تسليم غرناطة قبل 25/1/1492م للملكين الكاثوليكيين (فرديناند ملك أراغون وإيزابيلا ملكة قشتالة)، وتضمنت المواد الأخرى حقوق المسلمين في الأندلس بعد دخولهم في حكم النصارى.
ويصف المؤرخ والفقيه المغربي "الناصري" الوضع قائلا: "..وفي سنة سبع وتسعين وثمانمائة استولى النصارى على الحمراء (غرناطة).. وكانت الشروط سبعة وستين.. منها..إقامة شريعتهم على ما كانت.. ثم إن النصارى نكثوا العهد.. إلى أن آل الحال لحملهم (المسلمين) على التنصر منذ أربع وتسعمائة.. وامتنعت قرى وأماكن.. فجمع لهم العدو الجموع واستأصلهم.. ثم بعد هذا كله كان من أظهر التنصر من المسلمين يعبد الله خفية.. فشدد النصارى في البحث عنهم حتى أحرقوا كثيرًا منهم.. ولما أجلاهم العدو عن جزيرة الأندلس خرجت ألوف منهم بفاس وألوف بتلمسان وخرج جمهورهم بتونس.. وكذلك بتطاوين وسلا.."[8].
فعلا سرعان ما عمدت محاكم التفتيش الإسبانية إلى نقض المعاهدة التي وقعتها مع الموريسكيين (المسلمين الذين أجبروا قهرًا على التنصر) وذلك لتبقى ديانة إسبانيا -على حد تصورهم الهلامي- النصرانية الكاثوليكية هي الموجودة فقط على أرض إسبانيا! من هنا بدأت الحملة مع المسلمين بتحويل مسجد غرناطة الأعظم إلى كاتدرائية، ثم بدأت الكنيسة بتنظيم فرق لتنصير المسلمين. وتطورت أشكال القمع، واستفحل التعذيب من سلاح في الحرب الدينية إلى سلاح في الحرب الطبقية والسياسية. وهكذا قرر التفتيش الإسباني الاستنطاق بالتعذيب، كما أصدرت أوربا في القرن السادس عشر والسابع عشر أكبر مجموعة شرائع لمأساة تعذيب عرفها العالم.
يقول د. علي الكتاني مؤسس ورئيس جامعة ابن رشد الإسلامية في قرطبة في محاضرته القيمة "كيف تعامل القشتاليون النصارى مع مسلمي الأندلس بعد سقوطها؟"[9]: (إن القسيسين كتبوا على جميع من كان أسلم من النصارى أن يرجعوا قهراً إلى الكفر، ففعلوا ذلك، وتكلم الناس ولا جهد لهم ولا قوة، ثم تعدوا إلى أمر آخر، وهو أن يقولوا للرجل المسلم: إن جدك كان نصرانياً فأسلم فترجع نصرانياً... وبالجملة فإنهم تنصروا عن آخرهم بادية وحاضرة، وامتنع قوم عن التنصر، واعتزلوا النصارى، فلم ينفعهم ذلك، وامتنعت قرى وأماكن كذلك، منها بلفيق وأندرش وغيرهما، فجمع لهم العدو الجموع واستأصلهم عن آخرهم قتلاً وسلباً...).
وبدأت المحن والابتلاءات -الأعنف في نوعها- تنزل على المسلمين هناك تترى:
- محنة الموريسكيين.. والإبادة الجسدية والفكرية للمسلمين في الأندلس: الموريسكيون هم المسلمون المتنصرون قسراً؛ الذين عاشوا في بلاد الأندلس بعد سقوطها، واضطروا للتظاهر بالنصرانية ولكنهم كتموا إيمانهم، فكانوا يقيمون الصلاة في منازلهم، ويغتسلون، ويمارسون شعائرهم سرًّا. وكتبوا القرآن الكريم سراً باللغة العربية، مقروناً بشروح وتراجم الخميادية، و"الالخميادو" هي اللغة التي اتخذها الموريسكيون بعد أن مُنعوا من استعمال العربية.. لكن محاكم التحقيق "التفتيش" لاحقت الموريسكيين، فحظرت عليهم كل ممارسة أو شعيرة إسلامية يمارسونها في الخفاء، حتى إنها وضعت قائمة طويلة بهذه المحظورات، ومنها: أن الموريسكي أو العربي المتنصر، يعد عائدًا إلى الإسلام، إذا امتدح محمداً، أو قال إن يسوع المسيح ليس إلهاً.
وكان قد صدر قانون في عهد الإمبراطور شارلمان سنة 1526م، يحرم على الموريسكيين التخاطب باللغة العربية، وارتداء الثياب العربية، واستعمال العمامات، وإقامة الحفلات على الطريقة الإسلامية... وفي سنة 1555م توفي هذا الإمبراطور، وخلفه ولده الملك فيليب الثاني، الذي كان شديد التعصب والتزمت، فصدر ذلك القانون القديم محرمًا استعمال اللغة العربية، وسائر ما هو عربي من العادات والتقاليد، وأعلن قانوناً في غرناطة أول يناير سنة 1567م في اليوم الذي سقطت فيه غرناطة، ينص على أنه: يمنح الموريسكيون ثلاثة أعوام لتعلم اللغة القشتالية، ثم لا يسمح بعد ذلك لأحد منهم أن يتكلم، أو يكتب، أو يقرأ اللغة العربية، أو يتخاطب بها، وكل معاملات أو عقود تجري بالعربية تكون باطلة، ولا يعتد بها لدى القضاء أو غيره، ويجب أن تسلم الكتب العربية، من أية مادة، لتُقرأ وتُفحص، ثم يُرد غير الممنوع منها لتبقى لدى أصحابها مدى الأعوام الثلاثة فقط.
لم يتوقف اضطهاد الموريسكيين عند هذا الحد، وإنما توالى حتى انتهى إلى أن يتخذ مجلس الدولة قراراً بالإجماع في 30/1/1608م، ينص على طرد الموريسكيين من بلادهم، ونفيهم إلى خارج إسبانيا، وقد اتخذت تدابير قمعية عظيمة إزاء من تخلف منهم عن الرحيل، فمثلاً صدر قرار عام 1611م، بالنسبة للمتخلفين من المسلمين في "بلنسية"، يقضي بإعطاء جائزة ستين ليرة، لكل من يأتي بمسلم حي، وله الحق في استعباده، وثلاثين ليرة لمن يأتي برأس مسلم قُتل[10]..
الرد المفحم:
وللموازنة بين المرحلتين (الفتح الإسلامي وحكم الإسبانيين) يقول وال ديورانتSad كان حكم العرب نعمة وبركة على الزراع من أهل البلاد، ذلك أن الفاتحين لم يبقوا على الضياع التي كبرت فوق ما يجب، والتي كان يمتلكها القوط الغربيون، وحرروا رقيق الأرض من عبودية الإقطاع… وكان العرب في معظم الأحوال يتركون أعمال الزراعة إلى أهل البلاد، ولكنهم كانوا يستعينون بأحدث ما أُلف من الكتب في علومها، وبفضل توجيههم بلغت هذه العلوم في إسبانيا من التقدم أكثر مما بلغته في أوروبا المسيحية… وكان هناك أسطول تجاري يزيد على ألف سفينة يحمل غلات الأندلس ومصنوعاتها إلى أفريقية وآسية...).
وبرغم ما قامت به محاكم التفتيش الإسبانية، بقيت همسات وتلال شاهدة على تغلغل عقيدة المسلمين بين أهلها برغم محاولات الطمس والتغليف! ومن الأمثلة الشاهدة في هذا الباب: الغرناطي الذي التقى الدكتور (علي المنتصر الكتاني) في كوبنهاجن (الدنمارك) في 5/11/1973م، (وقد ولد ونشأ في برشلونة وأسلم سنة 1969م)، فقد قال عن سبب إسلامه: (كنت طفلاً صغيراً عند احتضار جدتي، فجذبتني إليها، وهمست في أذني قائلة: "إن الدين النصراني ليس ديننا وليس هو الدين الحق، عندما تكبر حاول أن تعرف دينك" فلما كبرت درست تاريخ إسبانيا، وفهمت قصد جدتي، فتعلمت الدين الإسلامي، واقتنعت به).
3- الإبادة الجماعية للهنود الحمر:
ومن أهم الدراسات الجدية والجيدة في هذا الباب ما كتبه علي بركاش في كتابه أمريكا..الشاهد والتاريخ وما سطرته أنامل الأستاذ منير عكش -الباحث العربي المتخصص في دراسة الإبادة الجماعية للهنود الحمر- في كتابه السامق "أمريكا والإبادات الجماعية" إذ روى فيه قصة أشهر إبادة في التاريخ؛ وكيف تم عبر فصولها استبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة من خلال اختراع أفظع نظام تطهير عرقي على وجه الأرض[11].
فالأمة الأمريكية قامت على دماء وعظام وأراضي وأملاك أكثر من 100 مليون قتيل ومعذب من الهنود الحمر -سكان أمريكا الأصليين- وحتى يومنا هذا لا تزال المطبوعات الأمريكية تحاول إيهام الجميع بأن الفضل في إعمار أمريكا يعود إلى المستوطنين البيض، لكن الواقع أن أغلب الأراضي كانت تستثمر من قبل الهنود الحمر أنفسهم حتى قبل قدوم البيض، أما البيض فقد قاموا بعمل المحتلين واللصوص وقطاع الطرق، الذين بنوا رفاهيتهم على دماء ومعاناة عشرات الملايين من الهنود الحمر والعبيد.
أكد منير العكش الباحث في علوم الإنسانيات والمتخصص في دراسات الإبادة الجماعية للهنود الحمر: "إن الإمبراطورية الأمريكية قامت على الدماء وبنيت على جماجم البشر، فقد أبادت هذه الإمبراطورية الدموية 112 مليون إنسان (بينهم 18.5 مليون هندي أبيدو ودمرت قراهم ومدنهم) ينتمون إلى أكثر من 400 أمة وشعب، ووصفت أمريكا هذه الإبادات بأنها أضرار هامشية لنشر الحضارة، وخاضت أمريكا -في إبادة كل هؤلاء البشر وفق المعلوم والموثق- 93 حرباً جرثومية شاملة، وتفصيل هذه الحروب أورده الكاتب الأمريكي هنري دوبينز في كتابه "أرقامهم التي هزلت" في الجزء الخاص بأنواع الحروب الجرثومية التي أبيد بها الهنود الحمر بـ 41 حرباً بالجدري، و4 بالطاعون، و17 بالحصبة، و10 بالأنفلونزا ، و25 بالسل والديفتريا والتيفوس والكوليرا، وقد كان لهذه الحروب الجرثومية آثارٌ وبائية شاملة اجتاحت المنطقة من فلوريدا في الجنوب الشرقي إلى أرغون في الشمال الغربي، بل إن جماعاتٍ وشعوبًا وصلتها الأوبئةُ فأبيدت بها قبل أن ترى وجه الإنسان الأمريكي الأبيض.
وإن أشد إرهاب تمارسه الإدارة الأمريكية ما دأبت عليه هوليود المتخصصة في الفبركة من هدم للحضارة الهندية وطمس معالمها عبر تصويرها بالوحشية والهمجية والدموية القائمة على التمثيل بالإنسان الأبيض الذي أتى يعلمهم الحضارة، وكل هذا محض افتراء على الحضارة الهندية التي استقبلت الإنسان الأبيض، وأنقذته من الموت المحدق، وعلمته زراعة الأرض وعمارتها وكيفية استغلال ثروات الطبيعة في البلاد الهندية. ولا ننسى ما سطرته كتب التاريخ من أعمال العبودية والاسترقاق التي مارستها في حق الإنسان الإفريقي الأسود، في إطار ما يسمى بالتجارة الثلاثية.
وقد ذكر المؤرخون المتخصصون في تاريخ الإبادة الجماعية للهنود أمورًا يعف اللسان عن ذكرها وتقشعر الأبدان لتذكرها..
4- الاحتلال والاستئصال الحديث والمعاصر أرقى أشكال الإرهاب!
وفي القرن العشرين عاشت أوربا انبعاثًا جديدًا وعلى نطاق واسع لظاهرة التعذيب الذي مارسته الجيوش والمخابرات في الحرب العالمية الأولى والثانية، وكذا الأنظمة الفاشية والنازية والشيوعية، وعلى خلاف ما أظهرنه محاكمات التفتيش في القرون الوسطى من تركيز على التعذيب الجسدي لفرض العقيدة الدينية، أظهرت حملات القمع الفاشية والنازية والشيوعية الحديثة اعتمادًا أكبر على التعذيب النفسي لفرض الأيديولوجية، وأدت هذه الأحداث والتقدم العلمي في أوربا إلى تطورات مهمة في دراسة التعذيب وكيفيات إتقانه وتجهيزه وإدارته وتدريسه وكذا إخفاؤه، وهذا كله ساعد في انتشاره عبر العالم.
كما تبنت بعض الدول الإرهابَ كجزء من الخطة السياسية للدولة مثل دولة هتلر النازية في ألمانيا، وحكم ستالين في الاتحاد السوفيتي آنذاك، إذ كانت ممارسة إرهاب الدولة تحت غطاء أيديولوجي لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية وثقافية.
كما لا ينبغي أن يختفي عن أذهاننا الحركات الإمبريالية التي قادتها كل من فرنسا وبريطانيا إبانَ القرن التاسع عشر الميلادي التي أتت على الأخضر واليابس!
أما ما تقوم به الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة فيمثل نموذجًا تستحيي الوحوش الضارية أن تفعله بإخوانها في الغابات، خاصة في العراق وأفغانستان (سجن أبو غريب، سجن غوانتنامو..) يقول نعوم تشومسكي في كتبه الماتع "قياصرة وأباطرة الإرهاب الدولي الجديد": إن أحفاد المستعمرين الإنكليز -الذين لم يقلوا عن أسلافهم وحشية- أرادوا "تطهير" أمريكا الشمالية من عدوهم لأنه آفة محلية -بل وذئاب بزي بشر يقفون في وجه التقدم الحضاري كما يقول جورج واشنطن- فقللوا عددهم من 10 ملايين إلى 200 ألف بحسب بعض التقديرات الأخيرة ، إن استخدام القوة العسكرية عدوانياً في فيتنام والعراق وأفغانستان وفلسطين وكوسوفو وبلغراد.
أما الإرهاب الفكري الغربي فحدث ولا حرج من خلال التطاول السافر على كتاب الله؛ بوضع ما يسمى الفرقان الحق (عفوًا الفرقان الباطل)، وفرض إملاءاتها في تغيير مناهج البلدان العربية والإسلامية بدعوى أنها تفرخ الإرهاب والإرهابيين! وليس ببعيد عنا ما سمعناه عبر شبكات الإعلام "من لم يكن معنا فهو مع الإرهاب" هكذا يتم إقصاء كل رأي، ويؤسس لدى المستبد عقلية استئصالية إقصائية، ومن ثم يبدأ في ممارسات تخرج عن القانون وقد تخرج أيضًا حتى عن القواعد الأخلاقية والسلوكية. وليس خافيًا علينا أيضًا ما أفصح عنه لسانه بلا شعور من حرب صليبية وما تخطه مراكزهم البحثية بأن الحرب القادمة ستكون مع الإسلام.[هانتنغتون: صدام الحضارات].
يقول مراد هوفمان: "إن أوربا وأمريكا تتسامحان مع أي دين، إلا إذا كان هذا الدين هو الإسلام؛ نعم، إذا سبرت غور النفس الأوربية ولو بخدش سطحي صغير لوجدت تحت الطبقة اللامعة الرقيقة عداء الإسلام، تلك العقدة الدفينة التي يمكن استدعاؤها في أي وقت".
5- الإرهاب الأمريكي: بين أعمال الإبادة.. ومكر الروغان الإعلامي:
تنوعت وتباينت أشكال الإرهاب الأمريكي ومنها:
أ- جرائم أمريكا في اليابان وفيتنام.
ب- جرائم أمريكا بحق المسلمين في العراق وأفغانستان.
ج- إساءة أمريكا للأسرى والمسلمين عامة.
لكن؛ لا ناعي ولا بواكي ولا حزين ولا مترحم على مذابح تحدث يوميًّا في حق المسلمين!!.
هكذا تظل بعض مناطق العالم الإسلامي ضحية المكر الاستخباراتي الأمريكي مما يتسبب في سيول حمامات الدم الجارية وإزهاق للأرواح البريئة ومشاهد الدمار ومسلسل شنائع الإرهاب شاخصة؟!
لكن ألا يعني في الوقت نفسه؛ الإخفاق الذريع للسياسة الأمريكية في الشرق الإسلامي (العراق، فلسطين، لبنان..) وسقوط كل ما كانت تتبجح به من المفاهيم: الديمقراطية والمبادئ الإنسانية، وذهابها إلى هاوية الجحيم عالميًا، واندثار هيبة القطب الواحد وإلى الأبد.. كما يتنبأ بذلك عدد لا يستهان به من الخبراء الاستراتيجيين الغربيين؟!
والكتاب المهم الذي صدر آخرًا للمفكر بيير هاسيز بعنوان (الرعب والإمبراطورية) يلقي الأضواء على أسباب غطرسة القوة والهيمنة الأحادية القطب التي تسود العالم الآن باسم القضاء على (الإرهاب)؛ فبعد فوضى الحرب الباردة مرورًا بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وحرب أفغانستان والعراق يهاجم هاسيز الاستراتيجية العالمية التي تتلخص في الحرب على الإرهاب والتي تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تتركز حول مجموعة من الحروب الوقائية!.. وينتقد هاسيز بضراوة العمل المستفز الذي تحاول أمريكا القيام به، وهو أن يكون لها القرار الأول والأخير إزاء ما هو خير وما هو شر، فـ(هاسيز) يرفض تلك الهيمنة على مقدرات العالم والبشرية من قبل الإمبراطورية الحديثة!
لعل القارئ الكريم أصيب بالغثيان من جراء سقوط المفاهيم الأمريكية والغربية (الديمقراطية والحرية والعدالة) والتناقضات المخزية المسفهة التي تتخبط فيها.. إنها لغة الإسفاف وإعلام الابتذال واصطناع المصطلحات الرنانة التي تفرضها عنجهية الأقوياء الظلمة في رفع الشعارات البراقة الزائفة في ضمان المصالح والمنافع والهيمنات على حسب القيم والمبادئ وأشلاء الضعفاء بل هي تعلن وبمنتهى الوضوح زيف الغرب الذي قطع الشعرة بين المقاومة والإرهاب...!!
6- الإرهاب الصهيوني بين فتاوى إباحة محرقة "إسلاموكوست" غزة والدعم الأمريكي لها!
إن الغرب -ومن ورائه دولة الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين- لا يعرف البتة السلام، ولا أدل على ذلك من تلك المفاوضات الماراطونية التي يعقدها باستمرار مع حكومات الاستسلام؛ التي تزيد الملح في الجرح!..فلم المراهنة على رهان خاسر مع دول الغرب التي لا تعرف إلا لغة السلاح والبطش والإبادة والمحرقة. رحم الله الشاعر إذ يقول:
الغربُ يكفر بالسلام وإنما بسلامه المزعوم يستهوينا
الغربُ يحملُ خنجرًا ورصاصة فعلام يحمل قومُنا الزيتونا!
ولو أحصينا فتاوى إباحة (المحرقة) من قبل الصهاينة لغيرهم (الأغيار) لإثبات أن محرقة غزة ليست زلة لسان؛ فلن يكفي المجال، ولكن هذه بعض النماذج كي لا ننسى:
- في يونيو2001م نشرت (هاآرتس) فتوى أعدها الحاخام اليهودي (أوري ميتسجر) جاء فيها أن "السلطات (الإسرائيلية) يجب أن تبذل قصارى جهدها من أجل القضاء على خصوبة العرب المسلمين في فلسطين؛ حتى يتوقف النسل الإسلامي تمامًا، وتصبح فلسطين خالصة لليهود. وبعدها من الممكن التفكير في حلم إقامة (الهيكل) و(إسرائيل الكاملة)!!!
- في أغسطس2004م أفتى الحاخام المتطرف (عوفاديا يوسف) في خطبة بثتها الفضائيات (الإسرائيلية) بأن اليهودي عندما يقتل مسلمًا فكأنما قتل ثعبانا أو دودة! ولا أحد يستطيع أن ينكر، لأن كلا من الثعبان والدودة خطر على البشر؛ لهذا فإن التخلص من المسلمين مثل التخلص من الديدان أمر طبيعي أن يحدث![12].
انظروا إلى هؤلاء العدميين الذين يريدون التخلص من المسلمين أنى كانوا.. وهذه الفتاوى الإرهابية لم تأتِ هكذا جزافًا واعتباطًا، بل بعد مساندة المجتمع الدولي لها بدءًا من أبيها الحنون -الظالم الكوسمولوجي أمريكا- إلى فرنسا التي تمنع في قانونها أن يشكك في المحرقة النازية! ولعل متابعة الكاتب الكبير رجاء جارودي والمؤرخ المتخصص في الحرب العالمية الثانية دافيد إيرفينغ الذي شكك في الهولوكوست.. خير دليل على الغباء الإرهابي الذي تشجعه الدول المتقدمة ماديا والمتخلفة روحيا!!!
ب- أهم المنظمات الإرهابية الغربية والصهيونية:
أما عن المنظمات الإرهابية في العالم الغربي فلا يمكن عدها؛ ومن أشهرها جماعة الدرب المضيء البيروفية، و(بادر-ماينهوف) الألمانية، ومنظمة (الألوية الحمراء) الإيطالية، والجيش الجمهوري الأيرلندي، والجيش الأحمر الياباني، ومنظمة (إيتا) الباسكية، التي عُدَّت من أشهر المنظمات الإرهابية في تاريخ القرن العشرين من منظور غربي. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية هي معقل مئات من أخطر العصابات الإرهابية في العالم مثل جماعة كوكوكس كلان التي تخصصت في قتل السود وغيرها.. وإذا كان اليهود هم أول من أسس منظمة إرهابية في التاريخ فقد كونوا بعد ذلك عددًا من أشهر المنظمات الإرهابية في العالم مثل عصابات الهاجاناه وأرجون وشتيرن وهاشوميرو النوطريم (وهي الشرطة اليهودية الإضافية) وكتيبة (لافيه) من أخطر الأذرع القذرة التي تستخدمها (إسرائيل) في أعمال تصفية واغتيال واعتقال الفلسطينيين...
ج - الإسلام.. يتألق سموًّا وروعة وعدلا برغم أنف الحاقدين:
اطلعت على بعض الأقوال التي يشيب لها الولدان؛ من ذلك ما قاله المنصر الأصولي جيري فالويل في برنامج 60 دقيقة الذي تبثه محطة CBS: "إن النبي محمد إرهابي"، وقول القس المتطرف بات روبرتسون -الذي يملك أكبر شبكة فضائية دينية- واصفاً الإسلام بأنه خدعة كبيرة، وأن النبي محمداً كان مجرد متطرف، لقد كان سارقاً وقاطع طرق[13] وحاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلم. وهاهنا لا بأس من الوقوف وقفات مع شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحيم حتى ممن يختلفون في عقيدته مع إشارات خفيفة لمدرسة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد سمت شريعةُ الإسلام في التعامل مع غير المسلمين سموًا لم يرقَ إليه قانونٌ من القوانين البشرية أو نظام من الأنظمة. فتدبر معي أخي القارئ في عظمة هذا الدين الذي توجه إليه سهام الاتهام حتى ممن يسمون أنفسهم نخبة.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رأى يهوديًّا مسنًّا يسأل الناس ما معناه: "ما أنصفناه؛ أخذنا منه في شبيبته وننساه في شيبته، اضربوا له من بيت المال". أي: اجعلوا له خراجًا يعيش منه. وقال عليه الصلاة والسلام: (من آذى ذميًّا فأنا خصيمه يوم القيامة).
وقد نهت الشريعة الإسلامية عن الغلو في الدين، وحذرت المسلمين منه حتى لا ينجرفوا أو ينحرفوا، فجعل الله هذه الأمة وسطًا، وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. وروى الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما)[14]، وقال ابن عمر رضي الله عنه " إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله"[15].
بل أكثر من ذلك؛ فقد حرم الإسلام ترويع الآمنين كما روى الإمام النسائي عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أشار المسلم على أخيه المسلم بالسلاح فهما على جرف جهنم ، فإذا قتله خرا جميعا فيها)[16].
هذا غيض من فيض، وهذه قطرات من بحر مملوء بالنور الإلهي الأبدي الذي لا يدانيه أي نور على وجه البسيطة. فلِمَ هذا الهراء الذي تروجه وسائلُ الإعلام الغربية ظلمًا وعدوانًا على أمة حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم!
الخلط الممجوج بين الإرهاب والجهاد:
هذا الموضوع يتطلب تحليلا معمقًا، لكن الأولى هنا بالمقام الوقوف عند بعض الإشارات العامة؛ فالإرهاب أعمال عدوانية غير مشروعة كما بينا سابقًا مما تقوم به دولة الاستكبار العالمي الولايات المتحدة نموذجًا والمنظمات ودولة الكيان الصهيوني الغاصب وما تقوم به بعض العصابات أو مجموعات أو "جماعات خارجية" محسوبة على الإسلام من تصرفات طائشة داخل بلاد المسلمين من إثارة الذعر والخوف بين أهلها، والإرهاب هنا هو إفساد في الأرض، وتدمير للحياة الإنسانية، وهو ما ترفضه جميع الرسالات السماوية والشرائع، وقد وقف الإسلام منه موقفًا حاسمًا، قال تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وفرض الإسلام أشد العقوبات على الأعمال التي تهدد الأمن العام كعمل قطاع الطريق ونحوه، مما يستلزم أقصى العقوبة، وفي هؤلاء المجرمين وأمثالهم نزل قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].
أما الجهاد في سبيل الله فهو جزء من منهج الأنبياء والمرسلين ومنهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو حرب عادلة لدفع العدوان الذي يحول بين الناس وبين حرية العقيدة، قال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]، يقول غوستاف لوبون في هذا السياق: (وقد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة، فلما قهر النصارى عرب الأندلس، فضل هؤلاء القتل والطرد عن آخرهم على ترك الإسلام، ولم ينتشر القرآن بالسيف إذن، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب أخيرًا كالترك والمغول)[17].
نرجو من الناظر في كلامنا هذا أن يمحو عن قلبه وفكره كل ما علق، وما عسى أن يكون عنده من إشكال! وعلى المسلمين اليوم أن يعروا فضائح الممارسات الغربية وفظائعهم التي يندى لها جبين الإنسانية في هذا الزمان.
أيها المسلمون.. الخلل هاهنا!
حتى لا أطيل أقول: لقد تم فك الارتباط وتوسيع الشرخ بين الإسلام وبين السلوك والمعاملات، وتم اختزال الدين الإسلامي في العبادات فقط، وتم اختصار العبادات في أداء الشعائر والانشغال بها دون غيرها انشغالا أجوف غير فاعل ولا مؤثر؛ لا يحض على خلق حسن، أو يؤدى إلى انضباط والتزام. فنرى المسلم يحرص على أداء الصلوات في موعدها، وهذا جميل! لكنه في الوقت نفسه يغش ويحتكر في تجارته ويطفف في الميزان. تراه يصوم ويحج هذا حسن! ولكنه يرتشي، بل يهرب أموال المسلمين إلى البنوك خارج البلاد بالمليارات دون أن تستفيد منها بلاد المسلمين.. تراه يحج البيت الحرام كل سنة، ولكنه يستولي على أراضي الدولة مستغلا نفوذه!... سلوكيات تبعد كثيرًا عن جوهر الفضائل التي يحضنا عليها إسلامنا. رحم الله أحد الذين أسلموا أخيرًا إذ يقول: "الحمد لله الذي عرفني الإسلام قبل أن أعرف المسلمين"، بل القرآن الكريم يوضح ما نحن بصدده؛ كما في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
إننا بكلامنا هذا لسنا ممن يراوح مكانه في ساحات الفكر المغلق بأسوار التقليد ويقطع أحذيته أو يغيرها ويظن أنه يقطع المسافات نحو الأهداف المرجوة. ولسنا ممن يروّج لفكر مادي متجمد يعود إلى العصور الغابرة، بل ندعو إلى فكر ديني متجدد. فالإسلام لا يكره أحدًا على الدخول فيه، بل يبصره إلى الطريق الهادي إلى سواء السبيل بالكلمة الرقيقة والرقراقة؛ يقول تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].. لكن انظروا حاليا ما تصنع أمريكا في العراق وأفغانستان والبلدان العربية والإسلامية من أجل فرض ديمقراطية على مقاسها!!!
إن التحدي قائم اليوم على تحرير الإنسان المسلم –فردًا وأمة- من أغلال استرقاق العولمة! عقيدة وثقافة واجتماعًا واقتصادا! لقد فقد المسلم اليوم كثيرًا من خصائصه الفطرية –إذ هو عبد خالص لله- وكاد يصير جزءًا من منظومة الغرب الحضارية، لكن على شكل ذرة تدور على الهامش! خادمًا غير مخدوم! ومستهلكًا غير منتج! ومفعولا غير فاعل! تمامًا على وزان هذا الحديث النبوي الشريف: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها! فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟قال: بل أنتم كثير؛ ولكنكم غثاء كغثاء السيل! ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله ! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)[18]، وتلك نتيجة لمروقه من مدار العبودية الخالصة لله، إلى شرك الأهواء والشهوات، التي ضلت به في ظلمات الوثنية العالمية الجديدة![19].
ولكن برغم المرارة القاسية فليتنفس المسلمون الصعداء وليثقوا في ربهم بشرط تحقيق شرط النصرة! ومن أجمل ما قرأت ما قاله مايكل هاملتون مورغان -والحق ما شهدت به الأعداء!- في كتابه النفيس "تاريخ ضائع"[20]: (لقد ولت عصور المسلمين الذهبية الأولى, ولكن على ما يبدو هناك عصور جديدة تخرج إلى النور, برغم أن العناوين اليومية تشير إلى عكس ذلك..).
وفقنا الله وإياكم لكل ما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] William little etal ، The Shorter Oxford English Dictionary (london: Oxford University press ، 1967) p. 2155.
[2] عبد العزيز مخيمر عبد الهادي، الإرهاب الدولي (القاهرة: دار النهضة العربية ، 1986 م)، ص 24.
[3] محمد تاج الدين الحسيني، مساهمة في فهم ظاهرة الإرهاب الدولي، القاهرة 1990م، ص 23.
[4] Noemi Gal – or ، International Cooperation to Suppress Terrorism ( New York: st. Martin`n press ، 1985) P. 2.
[5] عبد الوهاب الكيالي وآخرون، موسوعة السياسة، الجزء الأول (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1985م.
[6] د. قاسم عبده قاسم: الوجه الآخر للحروب الصليبية: دموع المعتدين ومخاوفهم، مجلة العربي، العدد590، يناير 2008، ص: 56-57 بتصرف يسير، وللتوسع في الموضوع أكثر هناك دراسة قيمة للكاتب نفسه بعنوان (ماهية الحروب الصليبية) –سلسلة عالم المعرفة..
[7] حضارة العرب، ص (327).
[8] أبو العباس أحمد بن خالد الناصري: الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى ج:4.
[9] عبد الجبار الرفاعي: متابعات ثقافية
http://zis.topcities.com/andalus.html[10] للتوسع في الموضوع يرجع إلى: محمد عبد الله عنان –نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين- مكتبة الخانجي – القاهرة - الطبعة الرابعة 1408هـ -1987م، المقري- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب- تحقيق إحسان عباس- دار صادر- بيروت 1388هـ - 1968م .
[11] فهمي هويدي: استدعاء سيناريو إبادة الهنود الحمر، الشرق الأوسط العدد 23/01/2008م.
[12] محمد جمال عرفة: المحرقة النازية حلال.. وهولوكوست "غزة" حرام!! مجلة الفرقان، العدد 75 ربيع ثان 1429هـ، ص10.
[13] مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، عدد 291، شهر 5، 2003م، من مقال أجهزة الإعلام الغربية وموضوع الإرهاب، نبيل دجاني، ص33.
[14] البخاري - الديات (6469)، أحمد (2/94).
[15] صحيح البخاري مع فتح الباري، 12/ 188، كتاب الديات، حديث رقم (6862).
[16] النسائي تحريم الدم (4116).
[17] حضارة العرب، نفس المرجع، ص (128).
[18] أخرجه أحمد وأبو داود، وابن ماجه وابن أبي شيبة عن ثوبان مرفوعًا، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وفي الجامع الصغير.
[19] فريد الأنصاري: الفطرية.. بعثة التجديد المقبلة من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام، منشورات رسالة القرآن رقم:3 ص: 7و8.
[20] مايكل هاملتون مورغان: تاريخ ضائع - ترجمة: أميرة نبيه بدوي - دار نهضة مصر, القاهرة الطبعة: الأولى – 2008م –الجزيرة نت.