الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن نبينا وإمامنا وقدوتنا ورسولنا محمد عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. في هذا الحديث جواز النظر إلى من يريد نكاحها كما تقدم فإن رسول الله صعد فيها النظر وصوبه، وفيه من الفوائد أيها الأخوة الكرام: الفائدة الأولى جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح. والفائدة الثانية للإمام الولاية على المرأة التي لا قريب لها إذا أذنت، وأنه يعقد للمرأة من غير سؤال عن وليها هل هو موجود أم لا. الفائدة الثالثة: لا تثبت الهبة إلا بالقبول فإنها لما وهبت نفسها ولم يقبل رسول الله ما ثبتت الهبة. الفائدة الرابعة: لابد من الصداق في النكاح ويصح أن يكون شيئاً يسيراً لقوله ولو بخاتم من حديد، فيصلح بكل ما تراضى عليه الزوجان أو من إليه ولاية العقد بما فيه منفعة، وضابطه أن كل ما يصلح أن يكون قيمة وثمناً لشيء صح أن يكون مهراً. الفائدة الخامسة: ينبغي ذكر الصداق في النكاح لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة، ولو عقد بغير ذكر الصداق صح العقد ووجب لها مهر المثل بالدخول، إذا لم يذكر صداقاً صح العقد ووجب للمرأة بعد الدخول مهر مثلها من النساء، ويستحب تعجيل المهر. وهنا أقول يظن بعض الناس عندما يشترطون على الرجل عاجلاً من المهر وآجلاً أن العاجل هو المهر وأن الآجل عقاب رادع لكل من سولت له نفسه أن يطلق امرأته، وهذا شائع، ويغالون في تعين هذا القدر المؤجل ويبالغون مبالغة شديدة لكي لا يفكر أبداً مهما أساءت إليه امرأته أن يطلق، وهي نفسها تذكره كلما ضاقت نفسه أن يتخلص منها إذا كانت سيئة الخلق وغير ذات دين تذكره وتقول له: إذا أردت أن تطلق فعليك أن تتذكر أن عليك كذا وكذا من الأموال التي اشترطوها عليه. وهذا كلام غير صحيح بل الذي يتعين على كل زوج إن رضى بعاجل وآجل من المهر أن يعلم أن عليه أن يؤدي لزوجته هذا الآجل لا كما يظنون أنه لا يدفع إلا عند الطلاق. إن اتفقا أن يكون العاجل ثلاثين ألفاً مثلاً والآجل عشرين ألفا فينبغي أن يعلم أن عليه أن يؤدي هذه العشرين متى استطاع. ومما قال العلماء: يستحب تعجيل المهر يعني لو أراد خاطب أن يدفع المهر كله لأولياء الزوجة فليسوا لهم أن يمنعوا ذلك، وليس لهم أن يقولوا لا بل عاجل وآجل، لأن هذا يدل على أنهم عند نفس الظن بأن الآجل عقاب رادع لمن أراد أن يطلق، من أحب أن يعجل المهر فليسمح له بذلك، وينبغي أن تختفي هذه العادة، أي مال يساوي أن تعود المرأة بعد حين إلى بيت أبويها كأنها لم تكن بالأمس متزوجة. وتبدأ المشاكل مشاكل الإنفاق عليها والأولاد إن كانت قد رجعت بأولاد وما ليس بخاف من المشاكل الكثيرة التي غصت بها بيوت المسلمين في هذه الأيام. الفائدة السادسة: يجوز الحلف وإن لم يكن عليه يمين لأن الرجل كان يحلف لرسول الله من غير أن يستحلفه رسول الله ولم ينكر عليه ذلك، ويجوز أيضاً الحلف على ما يظنه لأن رسوله قال: ((اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئاً)) فدل هذا على أن الرجل حلف على ما يظن ولو كانت لا تكون إلا على العلم لما كان أمر رسول الله له بالذهاب إلى أهله. الفائدة السابعة: لا يجوز للرجل أن يُخرج من ملكه ما لا بد له منه كالذي يستر عورته أو ما يسد خلته من الطعام والشراب، لأن رسول الله علل منعه عن قسمه ثوبه بأنها إذا لبسته لم يكن عليه منه شيء، فلا ينبغي أن يُخرج الرجل من ملكه ما لا بد له منه إلا أن يفرض عليه ذلك فرضاً، لأن هذا الرجل لو أراد أن يفيء لها بما اشترطه على نفسه وقسم الإزار بينهما وأعطاها النصف وبقي له النصف لما عاد النصف صالحاً لستر عورته فلا ينبغي. الفائدة الثامنة: اختبار مدعى الإعسار فإن رسول الله لم يصدقه في أول دعواه الإعسار حتى ظهر له قرائن صدقه، وفيه دليل على أنه لا يسمع دليل مدعي الإعسار حتى تظهر قرائن إعساره، يعني الذي يقول: أنا في عسر، أنا في ضنك، أنا في فقر، أنا في ضيق، لا ينبغي أن يصدق حتى تظهر قرائن إعساره وقرائن فقره وضنكه، فإن النبي لم يوافقه عندما قال: لا أجد شيئاً. قال: ((اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا))ً. ومما ينبغي التحري في أمور الذين يتكففون الناس ويسألونهم كثيراً ويعتادون هذه المسألة فينبغي أن ينظر في أمورهم كي لا يكون عطاؤهم من باب الإعانة على البطالة وعلى استجلاب الأموال من غير تعب ولا جد ولا معاناة فيها، وهذه فائدة كما ترون مستنبطة من هذا الحديث العظيم وهي جلية وواضحة. التاسعة: لا تجب الخطبة للعقد، فلو تم العقد من غير خطبة، من غير أن يتقدم الرجل ويقول: أخطب إليك ابنتك مثلاً، واتفقوا على أن يعقد مباشرة صح ذلك، لأن الخطبة لم ترد في شيء من طرق هذا الحديث، حديث سهل بن سعد . ويجوز أن يكون الصداق منفعة كالتعليم لأن صداق هذه المرأة على الرجل أن يعلمها ما معه من القرآن، فيجوز أن يكون الصداق منفعة كالتعليم، ويدل عليه قصة موسى مع شعيب إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج . الفائدة العشرة: قوله : ((ملكتكها وزوجتكها وأمكناكها))، هذه الروايات في حديث واحد دلت على أنه لا يشترط صيغة معينة للعقد، فإذا عقد بلفظ يفيد معنى النكاح صح النكاح، خاصة إذا قُرن به الصداق أو قصد به النكاح. وأختم هذا الحديث أن أقول: ينبغي علينا جميعاً أن نعلم بأن من يسر الزواج فقد عسّر الزنا، ومن عسر الزواج فقد يسر الزنا، فمن يسر على المسلمين الزواج فقد أغلق الأبواب دون ارتكاب هذه الفاحشة ذات الأثر السيء على المسلمين، حيث تنذرهم ببطش الله وانتقامه وعقابه. فمن يسر الزواج فقد غلق الأبواب على هذه الفاحشة المنكرة التي يكفينا من نكارتها أنها قرنت بالشرك في سورة النور حيث قال الله تبارك وتعالى: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك الزاني لا تمكنه من الزنا إلا زانية أو مشركة، لا تمكنه من ذلك إلا من كانت فيها هذه الصفات الذميمة، وكذلك بالنسبة للزانية لا ينكحها إلا زان فيه هذه الخصال. فمن عسر الزواج فقد فتح أبواب الزنا على مصراعيها لمن لا طاقة له بهذه الشروط يستسهل من خلالها تصريف غريزته التي أودعت فيه. ومما قال النووي رحمه الله في الحديث المتفق عليه عن أنس بن مالك قال النبي : ((يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا)) قال النووي رحمه الله تبارك وتعالى قوله : ((يسروا)) مقترن بقوله: ((ولا تعسروا))، لأنه لو قال: يسروا فقط ولم يعطف عليها بقوله: ((ولا تعسروا)) لفهم المخاطبون أن من يسر مرة واحدة فقد نفذ أمر رسول الله ، فأضاف ((ولا تعسروا)) ليفيد منع التعسير مطلقاً، وأن على المسلم أن ييسر دائماً، وهذا من بلاغة كلام رسول الله ، لو قال يسروا واكتفى، لقال كل أحد: يسرت مرة، وتقال هذه الكلمات كثيرة: لقد أعطيت مرة، لقد تصدقت مرة، لقد فعلت مرة، لا تطالبوني بالمزيد، فقد فعلت هذا مرة سابقة وهنا لو قيل: يسروا فقط لكان الناس فيهم غلظة وشدة، ولاحتجوا أنهم قد يسروا مرة من المرات في حياتهم، ولسوف يكونون معسرين بعد ذلك ولا حجة عليهم. لكن قوله ((ولا تعسروا)) منع منعاً باتاً. وأقول أيضاً: من رمي بسهم مسموم من سهام إبليس فأصيب بداء العشق المحرم بسبب النظرة فإنه يوصف له الدواء الآتي: عليه أن يبادر إلى الزواج لأنه كما قال رسول الله ((أغض للبصر وأحصن للفرج)) وهذا لمن ليس بمتزوج. وأما المتزوج فإن أصيب بنفس الداء فليعمل بما قاله رسول الله قال: ((فليأتي أهله فإن معها مثل الذي معها)). ثم عليه أيضاً أن يحافظ على الصلوات الخمس، من أصيب بهذا الداء، داء العشق المحرم، عليه أن يبادر إلى الزواج، وإن كان متزوجاً عليه أن يأتي أهله عليه، كذلك أن يحافظ على الصلوات الخمس، فبالمحافظة عليها خير كثير خاصة إذا كانت في جماعة. ثالثاً: عليه أن يكثر من التضرع وقت السحر بالدعاءين الصحيحين الواردين عن رسول الله : ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))، ((اللهم مصرف القلوب صرّف قلبي إلى طاعتك)) عليه أن يكثر من هذا الدعاء ليصرف الله قلبه إلى طاعته، وليفرغ قلبه من محبة ما سوى الله إلا ما كان لله تبارك وتعالى كمحبة الزوجة لله والأهل لله والأخوة لله، نحبهم لأن الله أمرنا بمحبتهم والرفق بهم ونحبهم لأن بهم خصالاً يحبها الله تبارك وتعالى. أسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا جميعاً من يستمعون القول فيتبعون أحسنه. |