اتهــام الطــبري رحمه الله تعالى بالتـشيــع
علي بن عبد الرحمن العويشز
الحمد لله أحق حمداً وأوفاه ، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله خير خلقه ومصطفاه ، وعلى آله وصحبه وسلك طريقه ، واتبع سنته ، واهتدى بهداه إلى يوم نلقاه.
أما بعد :
فمن العجائب أن يتهم إمام من أئمة المسلمين الكبار ، وشيخ المفسرين على الإطلاق ابن جرير الطبري بالتشيع ، فهذا مما يتعزى به العلماء والصالحون من بعده إذا ما اتهم أحدهم بأمر هو منه براءٌ .
وفي هذا المقال سأبيّن حقيقة هذا الاتهام وسببه وبطلانه وأقوال بعض العلماء في عقيدته. والله المستعان .
أولاً: حقيقة ما اتهم به:
ليس المراد باتهام الطبري- يرحمه الله- بالتشيع مجرد حب علي رضي الله عنه و شيعته و معرفة فضل آل البيت ،فهذا جزء من الدين , وهو من عقيدة أهل السنة و الجماعة , و لكن المراد بالاتهام التشيع المرفوض و المذموم الذي يغالي في حب علي رضي الله عنه و آل البيت , و يتطرف في حبـهم و يصل إلى الطعن في بقية الصحابة و ازدراء مواقفهم و سبــهم ســـــــراً و علناً[1]
ثانياً: سبب الاتهام[2]:
يرجع سبب الاتهام- والعلم عند الله- إلى عدة أمور وهي:
1- تصنيفه في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
2- إثباته الأسانيد و الروايات لحديث غدير خم .
3- مناظرته مع داود الظاهري الذي نتج عنها أن صــنف ابن داود الظاهري واسمه محمد كتابا ًفي الــرد على الطــبري و رمـاه بالعـــــــظائم و الرفض , كما ذكر ذلك عوام الحنابلة في بغداد.
4- اشتباه اسمه باسم أحـد الروافض وهو محمد بن جرير بن رستم أبو جعفر الطبري.
5- إكثاره من الرواية عن لوط بن يحيى و يكنى بأبي مخنف و قد روى عنه خمسمائة وسبعاً و ثمانين رواية , وهو إخباري تالف لا يوثق به كما قال عنه الذهبي وقد رمي بالرفض و الكذب .
ثالثاً: بــطــلان هــذه التهمــة:
لاشك أن الإمام الطـــــــــــبري رحمه الله تعالى إمام من أئمة أهل السنة و الجماعة فقد قال عنه الخطيب البغدادي:
(كان أحد أئمة العلماء يحكم بقوله , و يرجع إلى رائه لمعرفته و فضـــله و كان قد جمع من العلوم مالم يشاركه فيه أحد من أهل عصره )[3]
وقال مؤرخ الإسلام الحافظ أبو عبد الله الذهبي :
(الإمام الجليل المفسر أبوجعفر صاحب التصانيف الباهرة ......من كبار أئمة الإسلام المعتمدين)[4]
وقال ابن كثير:
(....بل كان أحد أئمة الإسلام علماً و عملاً بكتاب الله و سنة رسوله)[5]
يتبين من خلال كلام هؤلاء العلماء الجبال أن الطبري رحمه الله من أئمة الإسلام المعتمدين و من أهل السنة و الجماعة وهو بعيد كل البعد عن هذه التهمة.
و أما عن الأمور التي نقمت و شغب بها عليه فيقال فيها و يجاب عنها بما يأتي:
أولاًً: تصنيفه في فضائل علي رضي الله عنه .
هذا ليس دليلاً على تشيعه و ذلك أن أهل السنة و الجماعة يقرون بفضله رضي الله عنه و إمامته و أنه رابع الخلفاء الراشدين و له من الفضـــــــائل و المناقب الشيء الكثير الذي لا يكاد يخلو منه كتاب من كتب السنة .
ثم إنه رحمه الله صنف كتابا ًمن فضائل أبي بكر و عمر رضي الله عنهما و هذا مالا تصنفه الروافض.
ثانياً: تصحيحه لحديث غدير خم و جمعه للروايات و الأسانيد فهي من ناحية حديثية بحتة, ولا يلزم من تصحيحه للحديث إن يكون شيعياً رافضياً.
قال ياقوت:
(كان قد قال بعض الشيوخ ببغداد بتكذيب خبر غدير خم ، وقال: إن علي ابن أبي طالب كان باليمن في الوقت الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم بغدير خم .... وبلغ أبا جعفر ذلك ، فابتدأ الكلام في فضائل علي بن أبي طالب ؛ وذكر طرق حديث غدير خم)
قال ابن كثير: (رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غديرخم في مجلدين)[6]
ثالثاً: أما ما كتبه محمد بن داود الظاهري في الرد على ابن جرير الطبري فهو مجرد دعوه مفتقرة إلى الدليل, ثم إن كلام الأقــران يطــوى ولا يروى و ينبغي أن يتأنى فيه و ينظر و يتمهل سيما إذا لم يوافقه غيره فيه .
رابعاً: أن ابن جرير الطبري رحمه الله قد وفقه أحد علماء الرافضة باسمه و اسم أبيه و كنيته و لقبه ومعاصرته وكثرة تصانيفه.
قال الذهبي رحمه الله:
(أقذع أحمد بن علي السليماني الحافظ , فقال:كان يضع للروافض , كذا قال السليماني , و هذا رجم بالظن الكاذب , بل ابن جرير من كبارأئمة الإسلام المعتمدين , و ما ندعي عصمته من الخطأ , ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل و الهوى , فإن كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغي أن يتأنى فيه , لا سيما في مثل إمام كبير , فلعل السليماني أرادالآتي )[7] . ويقصد بالآتي أبو جعفر محمد بن جرير ابن رستم الطبري قال الذهبي عنه :
(رافضي له تواليف , منها كتاب الرواة عن أهل البيت رماه بالرفض عبدالعزيز الكتاني ).
قال ابن حجر في لسان الميزان معلقا على كلام الذهبي :
(ولو حلفت أن السليماني ما أراد إلا الآتي لبررت , والسليماني حافظ متقن كان يدري ما يخرج من رأسه فلا أعتقد أن يطعن في مثل هذا الإمام بهذا الباطل)[8].
وقد كان ابن رستم هذا يقول بقول الشيعة في مسح الأرجل في الوضوء فنسب خطأً إلى صاحبنا الطبري .
خامساً : أما روايته عن ابن مخنف فقد بين رحمه الله في مقدمة تاريخه موقفه من رواية أبي مخنف و غيره .
فقال رحمه الله :
( وليعلم الناظر في كتابنا هذا ان اعتمامه في كل ما أحضرت ذكره مما شرطت اني راسمه فيه ، أنما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه و الآثار التي أنا مسندها إلى روايتها فيه ..
إلى إن قال :
فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه , أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لا يعرف له وجهاً من الصحة , ولامعنىً من الحقيقة , فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا , و إنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا , و إنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا)[9]
ويضاف إلى هذا ان منهج عدداً من المحدثين الرواية عن بعض المهتمين و الجاهيل والضعفاء لعرف حالهم و حال مروياتهم .
رابعاً: أقوال العلماء في عقيدتة :
(1) أبو القاسم اللالكائي :
قال رحمه الله :سياق ما روي من المأثور عن السلف في جمل اعتقاد أهل السنة والتمسك بها والوصية بحفظها قرناً بعد قرن ثم ذكر رحمه الله عقيدة الثوري والأوزاعي وابن عينية وابن حنبل وابن المديني وأبي ثور والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم والتستري وابن جرير الطبري .
ثم ذكر طرفاً من عقيدته التي رواها عنه اللالكائي بالإسناد الصحيح وبقيتها مطبوعة في صريح السنة .
(شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي،والتصبير في معالم الدين مقدمة المحقق 29).
(2) ابن تيمية :
أشار إلى عقيدة الطبري الشيخ ابن تيمية في قاعدة الاسم والمسمى من مجموع الفتاوى 6/187 فقال ...كما ذكره أبو جعفر الطبري في الجزء الذي سماه "صريح السنة" ذكر مذهب أهل السنة في القران والرؤية ،والإيمان والقدر والصحابة وغير ذلك .
وذكر أن مسألة اللفظ ليس لأحد من المتقدمين فيها كلام ؛كما قال لم نجد فيها كلاماً عن صحابي مضى ولا عن تابعي قفا إلا عمن في كلامه الشفاء والغناء ، ومن يقوم لدينا مقام الأئمة الأولى أبو عبد الله أحمد بن حنبل فإنه كان يقول :اللفظية جهمية .ويقول :من قال لفظي بالقران مخلوق فهو جهمي ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع .
وذكر ان القول في الاسم والمسمى من الحماقات المبتدعة التى لايعرف فيها قول لأحد من الأئمة ....) ا.هـ
(3) الذهبي :
ذكره من ضمن السلف الذين يثبتون علوالله عزوجل واستواءه على العرش ونقول قول الطبري بالإسناد : ( وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر )
ثم قال وتفسير ابن جرير مشحون بأقوال السلف على الاثبات.
(العلو للعلي الغفار للذهبي، ومختصر العلو للذهبي تحقيق الألباني)
(4) ابن القيم :
قال ابن القيم في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية : قول الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري الإمام في الفقه والتفسير والحديث والتاريخ واللغة والنحو والقران قال في كتاب صريح السنة ونقل كلامه وعده من جملة السلف الذي يرجع لأقوالهم في مسائل الاعتقاد. (اجتماع الجيوش الإسلامية /194)
(5) عبد الله بن عبد العزيز المصلح آل شاكر :
قال : ( الطبري سلفي المعتقد وله مع أهل الزيغ صولات وجولات ) .
الإمام الطبري لعبد الله المصلح
(6) علي بن عبد العزيز الشبل :
قال :الإمام محمد بن جرير الطبري من كبار أئمة أهل السنة والجماعة المتبعين منهج وعقيدة السلف الصالح في أنواع توحيد الله سبحانه وبقية أصول الإيمان وما يتبعه من مسائله والصحابة والإمامة .
فهو في الكل على مذهب أهل الحديث ، مذهب الطائفية الناجية والفرقة المنصورة ، لم يعرف عنه غير هذا وتفسيره مليء بكل ما ذكرت ،بل هو مصدر تفسير أهل السنة والجماعة.
(مقدمة كتاب التبصير في معالم الدين للمحقق علي الشبل)
(7) محمد الحمود النجدي :
قال : له كتاب في عقيدة أهل السنة والجماعة أسماه ( صريح السنة ) أما عقيدته في التفسير فهو إمام متبع ، نصر مذهب السلف واحتج له ودافع عنه ،ولكنه في صفة الغضب والحياء ذكر أقوال المفسرين دون أن يرجح شيئاً منها.
(القول المختصر المبين في مناهج المفسرين 10)
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
----------------------
[1] كتاب الإمام الطبري شيخ المفسرين د.محمد الزحيلي(58) .
[2] أنظر المصدر السابق (50) ، و أراء الطبري الكلامية لطه محمد رمضان (19/27) ، و تحقيق مواقف الصحابة من الفتنة في ضوء روايات الطبري والمحدثين (1/187ـ201) ، وحقبة من التاريخ لعثمان الخميس (18)، والإمام الطبري لعبد الله المصلح (39)
[3] تاريخ بغداد (2/163).
[4] ميزان الاعتدال (3/498) .
[5] البداية و النهاية 11/145،146
[6] مقدمة تاريخ الأمم والملوك (65)
[7] ميزان الاعتدال (3/499)
[8] لسان الميزان (5/100)
[9] تاريخ الأمم والملوك (1/8) .