ماذا يقصد الإمام الذهبي بوصفه بعض الرواة بقوله (الرافضي، المعتزلي)؟ ..
ماذا يقصد الإمام الذهبي بهذا؟
قال الذهبي في الميزان وعنه بن حجر في السان (علي بن الحسين بن موسى ....... ،ابوالقاسم، العلوي، الحسيني، الشريف المرتضى، المتكلم، الرافضي، المعتزلي، صاحب التصانيف، حدث عن سهل الديباجي والمرزباني، وغيرهما، ولي نقابة العلويه. [ولد سنة 355] ومات سنة 436 عن احدى وثمانين سنه، هوالمتهم بوضع كتاب "نهج البلاغه "وله مشاركه قويه في العلوم، ومن طالع" نهج البلاغه"جزم بأنه مكذوب على امير المؤمنين علي رضي الله عنه. ففيه السب الصراح، والحط على السيدين ابي بكر وعمر رضي الله عنهما، وفيه من التناقض والاشياء الركيكه والعبارات التي من له معرفه بنفس القرشيين الصحابه وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن الكتاب اكثره باطل.) انتهى
وقد بحثت عن اللفظين "معتزلي" و"رافضي" فوجدته قد تكرر في حال ابن أبي الحديد،
فهوشيعي غالي ومع ذلك يطلق عليه لقب "معتزلي"
فهل عند أحد من طلاب العلم معرفة بالمقصود؟
وشكراً مقدماً
خالد بن أحمد
إلى أخي خالد حفظه الله
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
تأثر الرافضة، تأثرا كبير ا بالمعتزلة، في أصول الإعتقاد، وقد نبه شيخ الإسلام رحمه الله إلى هذه المسألة، في عدة مواضع:
فقال رحمه الله في منهاج السنة (2/ 24): كان قدماء الشيعة متفقين على إثبات القدر والصفات، وإنما شاع فيهم رد القدر من حين اتصلوا بالمعتزلة في دولة بني بويه.
وقال رحمه الله في الفتاوى (28/ 489 _491): وصارت الرافضة الإمامية في زمن بني بويه بعد المائة الثالثة فيهم عامة هذه الأهواء المضلة: فيهم "الخروج"، و"الرفض"، و"القدر"، و"التجهم".
وكانت بداية تأثرهم بالمعتزلة، قبل ظهور مصطلح الرفض، (حيث ظهر هذا اللفظ، بعد أن رفضوا تأييد زيد بن علي، لما رفض أن ينتقص الشيخين، أبابكر، وعمر رضي الله عنهما)، حيث تأثر زيد بن علي، (وإليه تنسب الزيدية، وهم أقرب طوائف الشيعة لأهل السنة والجماعة)، بمباديء المعتزلة، ونصر آراء واصل بن عطاء، (أحد رؤوس المعتزلة)، لما قدم المدينة، وأخذ يروج لرأيه، في علي رضي الله عنه، حيث قال بأن علي رضي الله عنه، لم يكن مصيبا في حروبه بالشام، وقال أيضا بأن أحد الفريقين في الجمل، وصفين كان على خطأ لا محالة، (وهذا خلاف مذهب أهل السنة والجماعة، في هذه المسألة، حيث قالوا بأن عليا رضي الله عنه، كان أقرب إلى الحق من معاوية رضي الله عنه، والقتال قتال فتنة، ليس بواجب ولا مستحب، وكان ترك القتال خيرا للطائفتين مع أن عليا كان أولى بالحق، فلم يحكموا بخطأ أحد الفريقين، خطأ محققا، وإنما كلا الفريقين، مجتهد، من أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر، ومما يؤيد هذا وصفه صلى الله عليه وسلم، لقتلة الخوارج، بأنهم أدنى الطائفتين للحق، وهذا فيه إشعار بأن كليهما قريب من الحق، ولكن أحد الفريقين، أقرب إليه من الآخر، والله أعلم).
ثم ظهر تأثر الزيدية بأصول المعتزلة، في مسألة: مرتكب الكبيرة، حيث قالوا بأن من لم يتب من أصحاب الكبائر فهومخلد في النار، وهذا أحد أصول الخوارج أساسا، ثم سرى إلى المعتزلة، ولكنهم، لم يكفروا صاحب الكبيرة، كما فعل الخوارج، وإنما قالوا بأنه في منزلة بين منزلتي الإيمان والكفر في الدنيا، وأما في الآخرة فهومخلد في النار، وإن كان عذابه فيها أخف من عذاب المشركين والكفار، ومنهم سرى إلى الزيدية، كما سبق بيانه، ولعل هذا مما يؤيد قول شيخ الإسلام في الفتاوى، كما سبق في بداية البحث.
ثم زاد تأثر الرافضة بأصول المعتزلة، حيث نفوا صفات الخالق عز وجل، وقالوا بأن صفاته عز وجل هي عين ذاته، بحجة نفي تعدد الذوات، (وهذا خلاف مذهب أهل السنة والجماعة، الذين قالوا بأن صفاته عز وجل معان زائدة على ذاته)، وأما ما قالوه من نفي تعدد الذوات، فهوباطل مردود، لأن هذه الصفات، لا يمكن أن تقوم بذاتها، حتى نقول بأنها ذوات مستقلة، فلا قيام لها إلا بذات الخالق عز وجل على الوجه الذي يليق بجلاله، والعقل السليم، لا يمنع تعدد صفات ذات واحدة، مع التسليم بوحدتها، فيمكن مثلا أن نصف شخصا ما، بأكثر من صفة، فنقول بأنه، كريم وشجاع ,…الخ، فهل يعني هذا تعدد ذوات ذلك الموصوف؟!!.
وتأثروا أيضا، بالأصل الثاني من أصول المعتزلة، وهوالعدل، وهذا ما دفعهم إلى إيجاب فعل الله سبحانه وتعالى، الأصلح لعباده، وعليه، فإرسال الرسل واجب على الخالق عز وجل، لأن فيه مصلحة للعباد، ولا شك أن هذا فيه ما فيه من سوء الأدب مع الخالق عز وجل، لأنه ينافي طلاقة قدرته عز وجل، فمن ذا الذي يوجب على الخالق عز وجل أمرا ما؟!!، فلا يكتب أحد على الله أمرا ما، إلا ما كتبه سبحانه وتعالى على نفسه، كما في قوله تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة)، وعليه فإن أهل السنة والجماعة، قالوا بأن إرسال الرسل (جائز) في حقه سبحانه وتعالى، فقد يمتن على عباده بإرسالهم، وقد لا يمتن، والله أعلم.
وتأثروا بهم في مسألة معرفة الخالق عز وجل، وقالوا بأنها واجبة على العباد بالعقل، وليس بالشرع، وعليه وضعوا قواعد منطقية عقيمة للإستدلال بها على معرفة الخالق عز وجل، وعبروا عنها بمصطلح (أدلة إثبات الصانع)، بل وأوجبوا على العباد النظر في هذه القواعد المبتدعة، وكما سرى هذا إلى الشيعة، سرى إلى الأشاعرة، حتى قالوا، بأن أول واجب على الإنسان إذا بلغ التكليف، هوالنظر أوالقصد إلى النظر ثم الإيمان، ولا تكفي المعرفة الفطرية، ثم اختلفوا فيمن آمن بغير ذلك بين تعصيته وتكفيره، فأين هذا الجدل العقيم من الأدلة القرآنية المثبتة لوجود الخالق عز وجل، التي تخاطب الفطرة السوية والعقل السليم، كقوله تعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون، أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون)، فهذه آية تخاطب الفطرة السوية، حتى قال جبير بن مطعم رضي الله عنه، لما سمعها: كاد قلبي أن ينصدع (أوكلمة قريبة منها)، وهي في نفس الوقت تخاطب العقل السليم، بقياس سوي، يسمى قياس اللزوم، فإما أنهم خلقوا بلا خالق، وهذا مستحيل، وإما أنهم خلقوا أنفسهم، وهذا أيضا مستحيل، وإما أنهم خلقوا السماوات والأرض، وهذا أيضا مستحيل، لأنهم خلقوا، (بضم الخاء)، بعد خلق السماوات والأرض، فلم يبق إلا أن لهم خالقا، هوالله عز وجل، فألزمهم الخالق عز وجل بهذا في هاتين الآيتين الجليلتين، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام رحمه الله، في معرض رده على المناطقة، وأين هذا الأصل الفاسد، من قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أوينصرانه أويمجسانه)، ولم يق صلى الله عليه وسلم: أويسلمانه، فهومفطور على معرفة الخالق عز وجل وتوحيده، ولا حاجة له في هذا إلى هذه القواعد الفاسدة، وقد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، من ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه، إقراره بالتوحيد، ولم يأمره بالإستدلال بهذه القواعد الفاسدة، حتى يصح إيمانه، وعلى هذا سار أهل السنة والجماعة، فقالوا بأن أول واجب على العبد، هوتوحيد الله عز وجل وعبادته، وليس هذا النظر الفاسد، والله أعلم.
وتأثروا بهم أيضا، في مسألة التحسين والتقبيح، وقالوا بأنهما عقليان، فالعقل عندهم، يستقل بمعرفة الحسن والقبح، دون الرجوع إلى الشرع، حتى وصل بهم الأمر إلى القول بأن العقل يستقل بإدراك الأحكام التكليفية، دون حاجة للشرع، وهذا قول البراهمة، الذين أنكروا الرسالات السماوية، وقالوا بأن الرسول، هوالعقل، وأما أهل السنة والجماعة، فقالوا بأن للأفعال حسنا وقبحا يستطيع العقل إدراكهما، ولكن لا يلزم من كون الفعل حسنا، حسب إدراك العقل، أن يأمر به الشرع، ولا يلزم من كون الفعل قبيحا أن ينهى عنه الشرع، لأن العقول مهما نضجت فهي قاصرة، ومهما اتسعت فهي ناقصة، كما أشار إلى ذلك الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه: (الوجيز في أصول الفقه)، والله أعلم.
وتأثروا بهم في مسألة، رؤية الخالق عز وجل، حيث نفوا رؤيته عز وجل يوم القيامة، وهذا، كما هومعلوم مخالف للأدلة الصحيحة الصريحة، في هذه المسألة، وعليها بنى أهل السنة والجماعة، مذهبهم، فأثبتوا الرؤية، في الآخرة، وإن كان الخلاف قد حصل في رؤية الكفار والمنافقين لله عز وجل، ولكن الخلاف لم يحصل في أصل الرؤية، والله أعلم.
ومما سبق يتضح أن الرافضة، تلبسوا بأصول الإعتزال، تلبسا، شبه كامل، حتى صح إطلاق الإعتزال عليهم.