ماذا يريد منا الأعداء؟
(2)
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } سورة آل عمران: 102. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}سورة النساء: 1. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب: 70 - 71، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون:
تكلمنا في الخطبة السابقة عن بعض مكايد أعداء الله - عز وجل – للإسلام ولبني الإسلام منذ أول وهلة، وكيف حارب اليهود الدين الإسلامي بكل ما يستطيعون، وسنذكر مؤامراتهم في العصر الحديث بعد أن نذكر الطرف الثاني المتآمر على الإسلام والمسلمين ألا وهم الصليبيون الحاقدون. لقد بدأ الإسلام ينتشر في كل مكان، وبدأت دعوة التوحيد تغزو أوروبا المسيحية، فما كان من الدول النصرانية إلا أن تواطأت كلها على الإسلام، وأعدت العدة للحروب الصليبية، ثم قامت فعلاً بهذه الحروب وقدمت لها حشوداً كبيرة من رجالها وأموالها، وعدتها وعتادها، وليس ما صنعه الصليبيون الحاقدون في بلاد الأندلس عنا ببعيد، فبعد أن ترك المسلمون دينهم، أمسوا في واقع من التخلف والتفرق ومجافاة الإسلام لا يحسدون عليه، بل يرثى لحالهم فيه، مما أدى إلى استيقاظ عدوهم من الصليبيين الحاقدين. وكانت الحروب الصليبية عاملاً محركاً للمسلمين، وموقظاً لهم من نومهم أو من غفواتهم، حتى يهبوا ويلتفتوا إلى سهام عدوهم، التي بدأت تجتاز الثغور إلى مقاتلتهم، ويدركوا واقعهم، ويتبصروا أسباب الضعف الذي أصابهم، ويعملوا على ترميم القواعد التي تآكلت من بنيانهم، فكان موقف المسلمين يومئذٍ يحمل خطتين من خطط العمل، على شيء من الضعف في تركيزهما.
الخطة الأولى: خطة الدفاع عن البلاد الواقعة هدفاً للعدو الصليبي ضمن الإمكانات التي تسمح بها حالة تجميع القوى المبعثرة عند حلول الأزمة.
الخطة الثانية: خطة العمل على إصلاح الداخل الذي نخرت عظامه أسباب الفساد و التخلف، والفرقة بين صفوف المسلمين.
وقيض الله للمسلمين الشهيد نور الدين، ثم البطل صلاح الدين، ثم فيضاً آخر من أبطال المسلمين عرباً وغير عرب، ولم يتم للمسلمين النصر على عدوهم ورد كيدهم إلا بمقدار ما أصلحوا من واقعهم، وقوموا من معوجِّهم.
ولقد كانت خطة من يرى الحروب الصليبية القيام بحرب مادية مسلحة بالأسلحة العسكرية لغزو بلاد المسلمين، واستلاب أموالهم، وهدم حضارتهم، وتقدمهم في شتى المجالات الإنسانية.
كانت هذه خطة الصليبيين، يوم كانت عقول المسلمين وأفكارهم ونفوسهم لا تسمح لعوامل التنصير تؤثر فيها، يوم كانت العواصم الإسلامية في العالم تعيش في خيرات مجدٍ خلّفه المد الإسلامي في العلم والحضارة والتقدم، في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية المادية والنظرية، بالإضافة إلى ألوان المعارف الروحية الدينية، والكمالات الأخلاقية، والنظم التشريعية الشاملة كل شؤون السلوك الإنساني الفردية والاجتماعية، والكفيلة بضمان الحق والعدل والسعادة.
بينما كانت عواصم العالم الآخر غارقة في أوحال الجهالة والتخلف، والبعد عن القيم الحقيقة للأخلاق الفاضلة الكريمة، والكمالات الإنسانية، والمفاهيم الصحيحة للحياة.
لقد أرسل مدبروا الحرب الصليبية عيونهم إلى البلاد الإسلامية، وبثوا جواسيسهم، ليتحسسوا واقع المسلمين، وليكتشفوا مواطن القوة والضعف لديهم، وليتخذوا لهم من ضمن البلاد الإسلامية أعواناً لهم يوالونهم. وقد ظفروا من ذلك بنصيب كبير تصيدوه من أهل الذمة، ومن الطوائف والفرق المنحرفة، التي كانت قد نشأت في جسم الأمة الإسلامية بأنواع الكيد اليهودي والمجوسي والصليبي. ثم لما سنحت لهم الفرصة ركبت قراصنتهم البحار، ولعاب الأمل بانتزاع الأرض المباركة من أيدي المسلمين يسيل على عرض أشداقهم، وأحلام الظفر بعرش المشرق الإسلامي وسائر بلاد المسلمين تتراقص لهم، واحتلوا بعض الثغور الإسلامية على حين غرة من المسلمين، يرافقها ضعف في قوتهم وتفرق في صفوفهم.. واستمرت الحروب بينهم وبين المسلمين قرابة قرنين كاملين، هما القرنان الثاني عشر والثالث عشر من الميلاد، ثم انتهت بجلائهم بعد أن أسسوا لأنفسهم في المشرق العربي الإسلامي عروشاً صغيرة تابعة لممالكهم من وراء البحار.
ولما كتب الله عليهم الجلاء، على أيدي الأبطال المسلمين الذين رفعوا راية الإسلام، وقاتلوا في سبيل الله، كانت عظة هذه الحروب في نفوس الصليبيين هي: وجوب تحويل المعركة مع المسلمين من حرب سافرة مسلمة توقظهم من سياستهم، وتعيدهم إلى أسس دينهم، وتحيي فيهم روح الجهاد في سبيل الله، إلى حرب مقنعة يدخل في حسابها الغزو الفكري والنفسي والخلقي، والغزو الحضاري والمدني الاقتصادي، وأخذ مفكروهم يضعون الخطط لتنفيذ هذه الحروب المقنعة.
وبدأ جنود هذه الحروب القادمون بأقنعة شتى ينفذون خططها بكل مكر ودهاء وخبث، متسترين بالعلم، أو بالتجارة، أو بالصناعة، أو بتحسين المظاهر الفنية في مختلف مجالات الحياة، إلى غير ذلك من أقنعة جميلة مقبولة لدى أنفس الشعوب، وكانت ثمرة هذه الحروب المقنعة وافرة لأعداء الإسلام والمسلمين..
أيها المسلمون:
لقد أدرك أعداء الله - عز وجل – أن الغزو المادي يولد في الشعوب رد فعل عنيف، يحمي أكثريتها من تقبل الغزو بكل أنواعه، لما فيه من العداء السافر، والتسلط بالقهر والغلبة.
وانتهى المخططون إلى أن وضعوا لأنفسهم القاعدة التالية: (إذا أرهبك سلاح عدوك فأفسد فكره ينتحر به).
وفيما يلي صور من حملات الغزو الفكري التبشيري الاستعماري:
تحت عنوان الحركة التبشيرية: جاء في كتاب (لبنان في التاريخ): "وكان من نتائج الحروب الصليبية فكرة اجتذاب المسلمين إلى اعتناق المسيحية عن طريق الإقناع، بدلاً من طريق القوة والإكراه. وهي فكرة كان لها فيما بعد أبعد الأثر في الحياة الثقافية في الشرق الأدنى.
إن الخيبة التي منيت بها الحملات الصليبية في الوصول إلى غايتها، وموت الدوافع التي كانت تدفع بالناس للالتحاق بها، مهّد الطريق لفكرة جديدة: استمالة المسلمين واجتذابهم بطرق سلمية ودية، وهذه الفكرة هي أساس مبدأ التبشير المسيحي.1
أيها المسلمون: لا بد أن يفقه المسلمون ما يريد منهم أعداؤهم، قال تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى}سورة البقرة: 120.
فمهما رفعت من شعارات براقة، ودعاوى كاذبة من أعداء الله - عز وجل – فإنما هي لخدمة هذه الغاية التي ذكرها الله - تعالى- في كتابه الكريم..
أيها المسلمون: لقد ظهرت عداوة أعداء الله - عز وجل – وهم ينظمون ويخططون لتنصير العالم الإسلامي.
أتعلمون أن هناك عدداً هائلاً من المنظمات التنصيرية التي تعمل في بلاد الإسلام لمحو الإسلام؟ ومنها:
1. جمعية البعثة الكنيسية (cms)وهي مؤسسة عام 1799م وتعمل في مجال وزارة الصحة والتعليم وميزانيتها لعام 1979م هي 2,100,108جنيه إسترليني.
2. زمالة الإخلاص للمسلمين (ffm)وهي مؤسسة عام 1915م وتعمل مباشرة في وسط المسلمين ومهمتها تنظيم المؤتمرات، وإعداد الكتب للمسلمين وخاصة الذين يتنصرون منهم.
3. جمعية تنصير الشرق الأوسط (meco) تأسست عام 1976م، ومهمتها الرئيسية إنتاج الكتب ونشرها في أوساط المسلمين، وباللغة العربية وخاصة للشرق الأوسط ومنطقة الخليج، وأحدث مشروع لها الإنجيل للأطفال بالعربية، وتنظيم تدريب المبشرين في دولة الإمارات العربية المتحدة.
4. الكنيسة الإصلاحية في أمريكا (rca) وهي بروتستانتية أمريكية تعود لعام 1857م، وباشرت نشاطها في البحرين والكويت وعمان. وميزانيتها 4.533.763 دولار سنوياً. ولها ست بعثات في البحرين، وثلاث في الكويت، واثنتا عشر في عمان.
5. عملية التحريك (om) تأسست عام 1958م، وتهتم بتنظيم وتدريب المبشرين المتطوعين لفترات قصيرة، ومن أهم أعمالها أنه تتبعها سفينتان عائمتان متنقلتان تحويان مخازن هائلة من الكتب ومراكز لتدريب المبشرين، اسمها لوجوس وبها 16 بعثة متفرغة، ودولوس وبها 25 بعثة متفرغة.
6. بعثة الإنجيل المتحدة (team) تأسست عام 1890م في اسكندنافيا وتغير اسمها عام 1949م، وهي منظمة دولية تهتم بالأمور التربوية والطبية والإذاعية وميزانيتها 9 ملايين دولار سنوياً. ولها 15 بعثة في دولة الإمارات المتحدة.
وغير ذلك من المنظمات العالمية النصرانية الضخمة التي تعمل ليل نهار في تنصير أبناء المسلمين. وما أفريقيا إلا أكبر دليل على ذلك، فإنهم يستغلون جهل المسلمين وفقرهم مما يجعل الكثيرين يتركون دينهم ويدخلون في دين النصرانية ولا حول ولا قوة إلا بالله..
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:-
أيها المسلمون: ماذا يريد منا أعداؤنا من النصارى وغيرهم؟ إنهم يريدون منا ترك كل ما يمت إلى الإسلام بصلة، ومن وسائلهم في ذلك:
1. البعثات الرسمية التنصيرية والتي منها في الخليج العربي فقط في الثمانينات 80 بعثة.
2. صانعوا الخيام وهم مبشرون على شكل فنيين وأطباء ومدرسين.
3. المسلمون الذين درسوا في الغرب وعادوا وربما يتنصرون مستقبلاً أوقد تنصروا.
ولهذا يهتم النصارى بتدريب العرب المسيحيين من لبنان، وأقباط مصر، وأما الطرق التي يتبعها النصارى لتنصير المسلمين في بلاد الخليج فهي أربع:-
1. العمل الطبي: حيث ينتج الاتصال المباشر. والمسلم بحاجة للنصراني فيذهب إليه، ويتم نشر عملية التنصير.
2. الاتصال على المستوى الشخصي: ويتم ذلك بواسطة صانعي الخيام، وإذا وجدوا تجاوباً يتعمقون فيه، وخاصة لدى بعض المسلمين في مجالات العمل، والتقنية، وصانعوا الخيام مبشرون يأتون على شكل حرفيين كأطباء لإدارة المستشفيات، أو مدرسين للتعليم، ومهندسين.
3. إنتاج الأدب وتوزيعه في سبيل تنصير المسلمين، كالمكتبات والمعاهد، وخاصة سفينة لوجوس في موانئ الخليج.
4. راديو التنصير: وهو وسيلة خطيرة جداً في التنصير.
5. القنوات الفضائية المتخصصة في التنصير.
6. مئات بل آلاف من مواقع الانترنت التي تدعو إلى النصرانية وتهاجم الإسلام وتبث الشبهات ضده، وتهاجم النبي - صلى الله عليه وسلم – وأصحابه - رضي الله عنهم-.
وأخيراً أيها المسلمون:
نختم هذه الخطبة بذكر شيء من خطاب البابا شنودة لشعب الكنيسة في مصر حتى نرى مدى خبث الأعداء، ومدى ما يريد أعداء الله من الإسلام والمسلمين، قال ذلك العلج:
" يجب مضاعفة الجهود التبشرية الحالية، إذ أن الخطة التبشيرية التي وضعت على أساس اتفق عليه للمرحلة القادمة، وهو زحزحة أكبر عدد ممكن من المسلمين عن دينهم، والتمسك به، على ألا يكون من الضروري اعتناقهم المسيحية، فإن الهدف هو زعزعة الدين في نفوسهم، وتشكيك الجموع الغفيرة منهم في كتابهم وصدق محمد، ومن ثم يجب عمل كل الطرق واستغلال كل الإمكانيات الكنسية للتشكيك في القرآن، وإثبات بطلانه وتكذيب محمد.. وإذا أفلحنا في تنفيذ هذا المخطط التبشيري في المرحلة المقبلة، فإننا نكون قد نجحنا في إزاحة هذه الفئة من طريقنا، وإن لم تكن هذه الفئات مستقبلاً معنا فلن تكون علينا. غير أنه ينبغي أن يراعى في تنفيذ هذا المخطط التبشيري أن يتم بطريقة هادئة لبقة وذكية، حتى لا يكون ذلك سبباً في إثارة حفيظة المسلمين أو يقظتهم.2
ولهذا وأمثاله نقول لهم كما قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} سورة التوبة: 32 .ونقول لهم أيضاً كما قال تعالى:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} سورة الأنفال: 30.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
1- نقلاً عن كتاب (أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها) لعبد الرحمن الميداني.
2- نقلاً عن كتاب أجنحة المكر الثلاثة ص30-37.