الآثار الواردة في الإيمان بالملائکة مطلقا
قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ = 26 } [سورة الأنبياء 21/26]
18522 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} قال: قالت اليهود: إن الله تبارك وتعالى صاهر الجن فكانت منهم الملائكة. قال الله تبارك وتعالى تكذيبا لهم وردا عليهم: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} وإن الملائكة ليس كما قالوا إنما هم عباد أكرمهم الله بعبادته. ([1])
قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} [سورة الصافات 37/158]
22765- حدثنا عمرو بن يحيى بن عمران بن عفرة قال: ثنا عمرو بن سعيد الأبح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} قالت اليهود: إن الله تبارك وتعالى تزوج إلى الجن فخرج منهما الملائكة قال: سبحانه سبح نفسه. ([2])
قوله تعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً = 40 } [سورة الإسراء 17/40] ([3])
16846 - حدثنا محمد قال: ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة {وَاتَّخَذَ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً} قال: قالت اليهود: الملائكة بنات الله . ([4])
المبحث الثاني:الآثار الواردة في جبريل وميكال خاصة
قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ = 96 } [سورة البقرة 2/96]
1328 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما : {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ} فهم الذين عادوا جبريل عليه السلام . ([5])
قوله تعالى: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} [سورة هود 11/17]
13949 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا: ثنا ابن إدريس عن ليث عن مجاهد قال: هو جبرئيل تلا التوراة والإنجيل والقرآن وهو الشاهد من الله. ([6])
13959 - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا أبي عن أبيه عن منصور عن إبراهيم في قوله: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى} قال: من قبله جاء بالكتاب إلى موسى. ([7])
قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [سورة البقرة 2/97]
1331 -حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة قال: حدثني محمد بن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين يعني المكي، عن شهر بن حوشب الأشعري: أن نفراً من اليهود جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا عن أربع نسألك عنهن فإن فعلت اتبعناك وصدقناك وآمنا بك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((عليكم بذلك عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدقني)) قالوا: نعم. قال: ((فاسألوا عما بدا لكم-وفيه- قالوا: فأخبرنا عن الروح! قال: ((أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه جبريل وهو الذي يأتيني؟)) قالوا: نعم ولكنه لنا عدو وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء فلولا ذلك اتبعناك. فأنزل الله فيهم: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} [سورة البقرة 2/97] إلى قوله: {كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [سورة البقرة 2/101]. . ([8])
1332 -حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: حدثني حجاج عن ابن جريج قال: حدثني القاسم بن أبي بزة: أن يهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم من صاحبه الذي ينزل عليه بالوحي فقال: ((جبريل)). قالوا: فإنه لنا عدو ولا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال. فنزل: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ} [سورة البقرة 2/97] الآية. ([9])
1333 -حدثني محمد بن المثنى قال: ثنا ربعي بن علية عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: نزل عمر _ الروحاء فرأى رجالاً يبتدرون أحجاراً يصلون إليها فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ههنا. فكره ذلك وقال: إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته الصلاة بواد فصلى ثم ارتحل فتركه. ثم أنشأ يحدثهم فقال: كنت أشهد اليهود يوم مدراسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان ومن الفرقان كيف يصدق التوراة فبينما أنا عندهم ذات يوم قالوا: يا ابن الخطاب ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك! قلت: ولم ذلك؟ قالوا: إنك تغشانا وتأتينا. قال: قلت إني آتيكم فأعجب من الفرقان كيف يصدق التوراة ومن التوراة كيف تصدق الفرقان! قال: ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا ابن الخطاب ذاك صاحبكم فالحق به! قال: فقلت لهم عند ذلك: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه أتعلمون أنه رسول الله؟ قال: فسكتوا. قال: فقال عالمهم وكبيرهم: إنه قد عظم عليكم فأجيبوه! قالوا: أنت عالمنا وسيدنا فأجبه أنت. قال: أما إذ أنشدتنا به فإنا نعلم أنه رسول الله. قال: قلت: ويحكم! إذاً هلكتم. قالوا إنا لم نهلك. قال: قلت: كيف ذاك وأنتم تعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا تتبعونه ولا تصدقونه؟ قالوا: إن لدينا عدواً من الملائكة وسلماً من الملائكة وإنه قرن به عدونا من الملائكة. قال: قلت: ومن عدوكم ومن سلمكم؟ قالوا: عدونا جبريل وسلمنا ميكائيل. قال: قلت: وفيم عاديتم جبريل وفيم سالمتم ميكائيل؟ قالوا: إن جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا، وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا. قال: قلت: وما منزلتهما من ربهما؟ قالوا: أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره قال: قلت: فوالله الذي لا إله إلا هو إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما وسلم لمن سالمهما ما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل ولا لميكائيل أن يسالم عدو جبريل. قال: ثم قمت فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم فلحقته وهو خارج من مخرفة لبني فلان فقال لي: ((يا ابن الخطاب ألا أقرئك آيات نزلن؟)) فقرأ على: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} حتى قرأ الآيات. قال: قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك الخبر فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر. ([10])
1335 -حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ} قال: قالت اليهود: إن جبريل هو عدونا لأنه ينزل بالشدة والحرب والسنة وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب فجبريل عدونا. فقال الله جل ثناؤه: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ}. ([11])
1336 - حدثني موسى بن هارون قال: ثنا عمرو بن حماد قال: ثنا أسباط عن السدي: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} قال: كان لعمر بن الخطاب _ أرض بأعلى المدينة فكان يأتيها وكان ممره على طريق مدراس اليهود وكان كلما دخل عليهم سمع منهم. وإنه دخل عليهم ذات يوم فقالوا: يا عمر ما في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد أحب إلينا منك! إنهم يمرون بنا فيؤذوننا وتمر بنا فلا تؤذينا وإنا لنطمع فيك. فقال لهم عمر _: أي يمين فيكم أعظم؟ قالوا: الرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء. فقال لهم عمر _: فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتجدون محمدا صلى الله عليه وسلم عندكم؟ فأسكتوا. فقال: تكلموا ما شأنكم؟ فوالله ما سألتكم وأنا شاك في شيء من ديني! فنظر بعضهم إلى بعض فقام رجل منهم فقال: أخبروا الرجل لتخبرنه أو لأخبرنه! قالوا: نعم إنا نجده مكتوباً عندنا ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي هو جبريل وجبريل عدونا وهو صاحب كل عذاب أو قتال أو خسف ولو أنه كان وليه ميكائيل إذا لآمنا به فإن ميكائيل صاحب كل رحمة وكل غيث. فقال لهم عمر _: فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أين مكان جبريل من الله؟ قالوا: جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره. قال عمر _: فأشهدكم أن الذي هو عدو للذي عن يمينه عدو للذي هو عن يساره والذي هو عدو للذي هو عن يساره عدو للذي هو عن يمينه وأنه من كان عدوهما فانه عدو الله. ثم رجع عمر ليخبر النبي فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه فقال عمر _: والذي بعثك بالحق لقد جئتك وما أريد إلا أن أخبرك. ([12])
1338 -حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: ثنا هشيم قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى في قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [سورة البقرة 2/98] قال: قالت اليهود للمسلمين: لو أن ميكائيل كان الذي ينزل عليكم لتبعناكم فإنه ينزل بالرحمة والغيث وإن جبريل ينزل بالعذاب والنقمة وهو لنا عدو. قال: فنزلت هذه الآية: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ}. ([13])
1340 -حدثنا أبو كريب قال: ثنا عثمان بن سعيد قال ثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما فى قوله: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ} قال: وذلك أن اليهود قالت حين سألت محمداً صلى الله عليه وسلم عن أشياء كثيرة فأخبرهم بها على ما هي عندهم إلا جبريل فإن جبريل كان عند اليهود صاحب عذاب وسطوة ولم يكن عندهم صاحب وحي - يعني تنزيل من الله على رسله - ولا صاحب رحمة - فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سألوه عنه أن جبريل صاحب وحي الله وصاحب نقمته. وصاحب رحمته. فقالوا: ليس بصاحب وحي ولا رحمة هو لنا عدو. فأنزل الله عز وجل إكذابا لهم: {قُلُ} يا محمد {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} يقول: فإن جبريل نزله. يقول: نزل القرآن بأمر الله يشد به فؤادك ويربط به على قلبك يعني بوحينا الذي نزل به جبريل عليك من عند الله وكذلك يفعل بالمرسلين والأنبياء من قبلك. ([14])
1357 -حدثت عن عن عمار قال: ثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: إن يهوديا لقي عمر فقال له إن جبريل الذي يذكره صاحبك هو عدو لنا. فقال له عمر: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [سورة البقرة 2/98]قال: فنزلت على لسان عمر _. ([15])
الدراسة:
بين الله تبارك وتعالى أن المعاصرين لدعوة موسى عليه السلام من فرعون ومن معه يعرفون الملائكة ويقدرونهم بدليل سؤالهم لموسى أن يأتي بهم ليشهدوا معه على صدقه كما قال تعالى: {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ = 53 } [سورة الزخرف 43/53] و موسى عليه السلام بعثه الله بما بعث به رسله, ومن ذلك الإيمان بالملائكة, ولكن اليهود وإيمانهم بالملائكة, ومحبتهم لهم - كما بينه القرآن- خاضع لأهوائهم, فهم ينتخبون في ذلك بأهوائهم, كما تقدم في صفاتهم وعقائدهم.
فالملائكة منهم العدو ومنهم الولي، ولكن قبل ذلك هناك بعض الروايات تنسب القول في بعض الآيات وإن لم يصرح باسمهم ولكن نص عليه بعض السلف كما مرّ في الآثار منهم من تكلم في أصل الملائكة فقالت اليهود: إن الله تبارك وتعالى تزوج إلى الجن فخرج منهما الملائكة وأن جنسهم إناث فهم بنات الله.
وهذا مجمل ما في الآيات التالية:
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ = 26 } [سورة الأنبياء 21/26]
{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ = 158 } [سورة الصافات 37/158]
{أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً = 40 } [سورة الإسراء 17/40]
وبينتها الآثار السابقة وهذا من شنيع قولهم كما مرً في نسبتهم الولد لله.
ولليهود مع جبريل عليه السلام شأن آخر فهم يعتقدون عداوته ويناصبونه البغض ويصرحون بذلك، ومع تعدد الروايات في سبب عداوة اليهود لجبريل عليه السلام إلا أن النتيجة واحدة وقد قال الطبري رحمه الله عند قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ = 97 مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ = 98 } [سورة البقرة 2/97-98] .
"أجمع أهل العلم بالتأويل جميعاً على أن هذه الآية نزلت جواباً لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدولهم، وأن ميكائيل ولي لهم. ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك." ثم أورد أكثر من أربعة عشر سبباً من أسباب النزول لهاتين الآيتين. ([16])
فمن الأسباب التي ذكرت:
1- أن عداوتهم لأنه ينزل عليهم بالعذاب، وهو قول الجمهور، ([17]) كما في المناظرة التي جرت بين اليهود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نبوته.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((سلوا عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه لئن أنا حدثتكم شيئا فعرفتموه لتتابعني على الإسلام)). فقالوا: ذلك لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلوني عما شئتم فقالوا أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن! أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل، وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم ومن وليه من الملائكة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعني. فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق، فقال: نشدتكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديدا فطال سقمه منه، فنذر نذرا لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل؟فقالوا: اللهم نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشهد الله عليكم وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان لـه الولد والشبيه بإذن الله، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله؟. قالوا: اللهم نعم! قال: اللهم اشهد. قال: وأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟. قالوا: اللهم نعم! قال: اللهم اشهد. قالوا: أنت الآن تحدثنا من وليك من الملائكة؟ فعندها نتابعك أو نفارقك. قال: فإن وليي جبريل، ولم يبعث الله نبيا فقط إلا وهو وليه. قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك. قال: فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا: إنه عدونا. فأنزل الله عز وجل: {مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [سورة البقرة 2/97] إلى قوله: {كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [سورة البقرة 2/101]. فعندها باؤوا بغضب على غضب وفي رواية قالوا: نعم ولكنه لنا عدو وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء فلولا ذلك اتبعناك.)) ([18])
2- ومن الأسباب: أنهم يرون أن جبريل عليه السلام حال بينهم وبين قتل بختنصر الذي خرب بيت المقدس, وسفك دماءهم, وسبى ذراريهم.
فقد حكى الثعلبي, والواحدي, عن ابن عباس رضي الله عنهما : ((أن سبب عداوة اليهود لجبريل عليه السلام : أن نبيهم أخبرهم, أن يختنصر سيخرب بيت المقدس, فبعثوا رجلاً ليقتله, فوجده شاباً ضعيفاً, فمنعه جبريل من قتله, وقال لـه: إن كان الله أراد هلاككم على يده فلن تسلط عليه, وإن كان غيره فعلى أي حق تقتله, فتركه فكبر يختنصر, وغزا بيت المقدس, فقتلهم, وخربه, فصاروا يكرهون جبريل لذلك.)) ([19])
3- ومن الأسباب: أنهم يرون أن جبريل عليه السلام عدل بالنبوة عن بني إسرائيل إلى بني إسماعيل، كما في تفسير مقاتل: قالت اليهود إن جبريل عدونا أمر أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا. ([20])
وأما الملك المحبوب عندهم فهو ميكال الذي ينزل بالرحمة والغيث كما مرّ في الآثار السابقة، ولذلك نصت الآية على ذكر جبريل وميكائيل رغم دخولهما ضمن الملائكة بالجملة، وذلك للرد على مزاعم اليهود في التفريق بينهما وتكذيب مزاعمهم حول معادة جبريل ومحبة ميكال.
والذي يفهم من سياق الآية أن اليهود كسبوا عداوة الله بعداوتهم للملائكة ولجبريل خاصة فليس لهم التفريق لأن الله وصف الملائكة جميعاً بوصف واحد فقال {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ = 50 } [سورة النحل 16/50] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ = 6 } [سورة التحريم 66/6] .
فليس لهم تصرف من عند أنفسهم, بل هم عباد مكرمون ,خاصة كبيرهم جبريل عليه السلام , فهو الروح القدس, ورسول الله إلى أنبيائه, وأفضلهم , وهو الذي بسبب عداوتهم له استحقوا غضب الله.
قال الطبري رحمه الله عند تفسير الآيات السابقة: "قل يا محمد - لمعاشر اليهود من بني إسرائيل الذين زعموا أن جبريل لهم عدو من أجل أنه صاحب سطوات وعذاب وعقوبات لا صاحب وحي وتنزيل ورحمة فأبوا اتباعك وجحدوا نبوتك وأنكروا ما جئتهم به من آياتي ..... وإعلام منه أن من عادى جبريل فقد عاداه وعادى ميكائيل وعادى جميع ملائكته ورسله؛ لأن الذين سماهم الله في هذه الآية هم أولياء الله وأهل طاعته، ومن عادى لله وليا فقد عادى الله وبارزه بالمحاربة، ومن عادى الله فقد عادى جميع أهل طاعته وولايته؛ لأن العدو لله عدو لأوليائه، والعدو لأولياء الله عدو له. فكذلك قال لليهود الذين قالوا: إن جبريل عدونا من الملائكة، وميكائيل ولينا منهم: {مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} [سورة البقرة 2/98] من أجل أن عدو جبريل عدو كل ولي لله. فأخبرهم جل ثناؤه أن من كان عدوا لجبريل فهو لكل من ذكره من ملائكته ورسله وميكال عدو، وكذلك عدو بعض رسل الله عدو لله ولكل ولى." ([21])
ومن افترائهم المعهود : قولهم: ولكن صاحب صاحبنا ,ميكائيل كما قالوه لعمر_ وهذا هو الكذب المبين, لأن جبريل هو الروح الأمين بين الله وجميع رسله, وهو ولي جميع الأنبياء,كما قال صلى الله عليه وسلم : ((فإن وليي جبريل ولم يبعث الله نبياً قط إلا وهو وليه.)) ([22])
وكذلك قول ورقة بن نوفل حين أخبرته خديجة رضي الله عنها بما رآه النبي صلى الله عليه وسلم يوم الغار فقال: ((هذا الناموس الذي نزل الله على موسى عليه السلام .)) ([23])
إن جبريل, وميكائيل عليهما السلام ,وجميع ملائكة الله, هم أولياء الله, ومن عادى لله ولياً فقد آذنه بالحرب وعدو أولياء الله عدو لله.
إذاً: اليهود الذين عادوا جبريل، قد عادوا الله وملائكته ورسله فهم بذلك كافرون والله عدو للكافرين.
-------------------------------------------------
([1]) تفسير عبد الرزاق ( 3 / 23 ) - تفسير الدر المنثور ( 5 / 624 ) - تفسير القرطبي ( 11 / 281 ). حسنه في التفسير الصحيح (1/223)
([2]) تفسير الطبري (23/ 108) تفسير القرطبي (15/134)
([3]) تفسير القرطبي ( 15 / 134 ).
([4]) تفسير الدر المنثور ( 5 / 288 ). صححه في التفسير الصحيح (3/262)
([5]) تفسير الطبري ( 1 / 431 ). إسناده ضعيف
([6]) تفسير الطبري ( 12 / 16 ).
([7]) تفسير ابن أبي حاتم ( 6 / 2015 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 411 ).
([8]) تفسير الطبري ( 1 / 432 ) تفسير ابن كثير ( 1 / 130 ) إسناده ضعيف.
([9]) تفسير ابن كثير ( 1 / 131 ).
([10]) تفسير الطبري ( 1 / 431 ) تفسير الدر المنثور ( 1 / 222 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 132 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 223 ).
([11]) تفسير الطبري ( 1 / 432 )تفسير عبد الرزاق ( 1 / 52 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 133 ). صححه في التفسير الصحيح (1/164)
([12]) تفسير الطبري ( 1 / 4333 ) تفسير الدر المنثور ( 1 / 223 -224).
([13]) تفسير ابن كثير ( 1 / 133 ).
([14]) تفسير الطبري ( 1 /435 - 436 ).
([15]) تفسير الدر المنثور ( 1 / 224 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 133 ) إسناده ضعيف.
([16]) تفسير الطبري 1/476-486 وانظر تفاصيل الروايات وتخريجها في العجاب في بيان الأباب لابن حجر 1/289 وما بعدها.
([17]) حكاه ابن حجر في العجاب 1/298.
([18]) تفسير الطبري ( 1 / 431 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 704 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 221 ) وأحمد في المسند عن 1/274-278 والطبراني في الكبير والترمذي 3117 مختصراً وصححه شاكر في تعليقه على التفسير وصححه في التفسر الصحيح1/115.
([19]) فتح الباري 866 والواحدي في أسباب النزول 28 ثم ضعف هذه الرواية ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب1/297.
([20]) أسباب النزول للواحدي 28.
([21]) تفسير الطبري ( 1 / 435 ).
([22]) تفسير الطبري ج1/ص432 ورواه أحمد1/274والترمذي3117 وقال حسن صحيح وصححه شاكر برقم 1605 في حاشية التفسير.
([23]) رواه البخاري ج1/ص4.