شبهة العلم بجنس المولود من الغيب
الشبهة
يستطيع البعض الآن العلم بذكورة الجنين وأنوثته, وقد قال تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَام) [لقمان: 34] وهو من ضروب الغيب الذي استأثر الله به.
الإجابة
قبل أن نتكلم عن هذه المسألة نود أن نبين أنه لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً، وأنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة, فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له, وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته, لأن صريح القرآن الكريم وحقيقة الواقع كلاهما قطعي, ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً.
فإذا تبين ذلك فلا بد من أن نعلم أن ما وصل إليه الطب الآن من كونهم بواسطة الآلات الدقيقة يستطيعون الكشف عما في الأرحام، والعلم بكونه أنثى أو ذكراً, فإنه لا يعارض الآية، حيث إن الآية تدل على أمر غيبي وهو متعلق علم الله تعالى في هذه الأمور الخمسة, والأمور الغيبية في حال الجنين هي: مقدار مدته في بطن أمه, وحياته، وعمله, ورزقه, وشقاوته أو سعادته, وكونه ذكراً أم أنثى قبل أن يُخلًّق, أما بعد أن يخلق فليس العلم بذكورته أو أنوثته من علم الغيب؛ لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاثة التي لو أزيلت لتبين أمره, ولا يبعد أن يكون فيما خلق الله تعالى من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكراً أم أنثى، وليس في الآية تصريح بذكر العلم بالذكورة والأنوثة, وكذلك لم تأت السنة بذلك.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية لقمان: وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه, ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه.
والناس في هذا المسألة طرفان ووسط:
فطرف تمسك بظاهر القرآن الكريم الذي ليس بصريح وأنكر خلافه من كل أمر واقع متيقن, فجلب ذلك الطعن إلى نفسه في قصوره, أو الطعن في القرآن الكريم حيث كان في نظره مخالفاً للواقع المتيقن.
وطرف أعرض عما دل عليه القرآن الكريم وأخذ بالأمور المادية المحضة, فكان بذلك من الملحدين، وأما الوسط فأخذوا بدلالة القرآن الكريم وصدقوا بالواقع, وعلموا أن كلا منهما حق, ولا يمكن أن يناقض صريح القرآن الكريم أمراً معلوماً بالعيان, فجمعوا بين العمل بالمنقول والمعقول, وسلمت بذلك أديانهم وعقولهم، وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وقفنا الله وإخواننا المؤمنين لذلك, وجعلنا هداةً مهتدين, وقادة مصلحين, وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت, وإليه أنيب
والحمد لله أنه لم يوجد ولن يوجد في الواقع ما يخالف صريح القرآن الكريم, وما طعن فيه أعداء المسلمين على القرآن الكريم من حدوث أمور ظاهرها معارضة القرآن الكريم فإنما ذلك لقصور فهمهم لكتاب الله تعالى أو تقصيرهم في ذلك لسوء نيتهم, ولكن عند أهل الدين والعلم من البحث والوصول إلى الحقيقة ما يدحض شبهة هؤلاء ولله الحمد والمنة.
=============
* موقع سبيل الإسلام