هل صحيح أنك يا ابنة آدم أقوى من الصم الصلاب ؟
وأنك يا ابنة حواء أشد من الجبال الراسية ، وأعتى من الريح العاتية ؟!
وأنك أصلب من صِلاب الحديد ؟!
سُئل عليٌّ رضي الله عنه : أي الخلائق أشـدّ ؟
فقال : أشدّ خلق ربك عشرة :
الجبال الرواسي ، والحديد تنحت به الجبال ، والنار تأكل الحديد ، والماء يطفئ النار ، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يعني يحمل الماء ، والريح تقل السحاب ، والإنسان يغلب الريح يعصمها بيده ويذهب لحاجته ، والسُّكر يغلب الإنسان ، والنوم يغلب السكر ، والهم يغلب النوم ، فأشد خلق ربكم الهـمّ .
نعم فأنتِ قوية
لا ترهبي التّيّار أنتِ قوية | | بالله مهما استأسد التّيـار |
أنتِ قوية بالله
أنتِ قوية بأخواتك
أما سمعتِ قول ربك للقوي الأمين {
سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } ؟
إذا أحسست بالضعف فإياك أن تُسلمي قيادك لأعدى أعدائك
إياك أن تستسلمي لنزغات الشيطان
إياك أن تلفّي الحبل حول عنقك ثم تُسلميه لعدوّك يقودك حيث أراد
إياك أن تضعي القيد في يديك
ثم تقولي : قـيّدوني !
لا . بل أنت من قـيّدت نفسك
إياك أن تنظري من ثقب مُظلم فلا ترين إلا السواد
وإياك أن تكتبي أحرفك على صفحة سوداء بقلم اسود فتضيع جهودك
أنت حُـرّة وهكذا خُلقت وولدتِ
نعم .. فُـكّي القيود
وألقي الآصار
ثم اعلمي أن لك ميدانا رحبا فسيحاً سِيحي فيه
فالخيل لها مضمار لا تخرج عنه في السباق
أما إني لا أدعو لنبذ القيم والأخلاق والمبادئ
ولكن تشكو بعض الفتيات من وضعهن داخل البيوت
حتى أرسلت لي فتاة تشكو وضعها فتقول : في بعض الليالي الخاليات فكّرت كثيراً في الانتحار
وأخرى أرسلت لي رسالة تُنبئ عن ضيق وضجر
وأخبرتني أنها لا تُكلّم أحداً في البيت ، وكأنما تعيش في عُزلة
فقلت من ينظر في الصفحة السوداء لن يرى سوى السواد
ومن ينظر من فتحة منظار مُغلق فلن يرى شيئا
هل رجعت إلى حمى الله عز وجل فرأيت كرمه ؟
هل أخذت كتاب ربك لتري الكون الفسيح ؟
لتعيشي حياة السعداء
هل تفاءلت بما يجري من حولك وإن كان لا يلوح في سمائك ما يُبشّر ؟!
هل تأملت أن مع العسر يسرا
وأن مع الفَرَج مع الكَرْب
إذا اشتملت على اليأس القلوب | | وضاق لما به الصدر الرحيب |
وأوطأت المكاره واطـمأنت | | وأرست في أماكنها الخطوب |
ولم تر لانكشاف الضرّ وجهاً | | ولا أغنى بحيلته الأريب |
أتاك على قنوط منك غوث | | يمن به اللطيف المستجيب |
وكل الحادثات إذا تناهت | | فموصول بها الفرج القريب |
فيا أُخيّــة
أنت قوية بالله عز وجل
أنت عزيزة ما تمسّكت بحبله
إذا كان الله معك فأنت أمّـة ولو كنت وحدك
إن باستطاعتك أن تقودي نفسك إلى الضيق
بل إلى الانتحار
عندما لا ترضين بقدر الله
عندما ترين أن كل شيء في الحياة ضدّك
أتدرين ما الانتحار ؟
إنه خسران الدنيا والآخرة إنه أقرب طريق للجحيم
أتدرين ما الجحيم ؟؟؟
إنها مأوى الكافرين
إنها دار العذاب الأبدي
فمما فررتِ ؟
فـررت من الضيق والعذاب النفسي لتُلقين بنفسك في عذاب لا طاقة لك به ، بل لا طاقة لجبال الدنيا به .
تأملي هذه الصورة من صور اليوم الآخر
وقارني بين الموقفين
وبين الحالَين
قال صلى الله عليه وسلم :
« يُؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة ، فيصبغ في النار صبغة ، ثم يقال : يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط ؟ هل مَـرّ بك نعيم قط ؟
فيقول : لا والله يا رب .
ويُؤتى بأشدّ الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة ، فيصبغ صبغة في الجنة ، فيقال له : يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط ؟ هل مَـرّ بك شدة قط ؟
فيقول : لا والله يا رب ! ما مرّ بي بؤس قط ، ولا رأيت شدة قط » رواه مسلم .
هذا أنعم أهل الدنيا ولكنه من أهل النار
أين ذهب تنعّمه في الدنيا ؟
أين ذهبت القصور الفاخرة ؟
والمراكب الفارهة ؟
أين ذهب الخدم والحشم ؟
أين ذهب اللذّات ؟
أين ما لذّ وطاب في الدنيا ؟
وأين ... وأين .. ؟
ذهبت كلّها بغمسة واحدة في النار ، فكيف بمن يُقاسي أهوالها ؟
كيف بمن طعامه الزقّوم ، وشرابه {
مِن مَّاء صَدِيدٍ . يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } ؟؟؟
وفي الصورة المقابلة
يُؤتى بالمؤمن الذي قاسى شدائد الدنيا
وذاق مرارة الفقر والحرمان
وعانى من الأمراض والأوجاع
ومن ضيق ذات اليد
ملبسه في الدنيا خشن
وطعامه أخشن
ليس له مال وفير
ولا قصور ولا دور
ربما بات الليالي جائعا
بل ربما تلوّى من الجوع حتى يسقط
وربما رقّع ثوبه رقعة بعد أخرى
وأصلح نعله مرّات ومرّات
وربما سُجن
أو عُذّب
أو ضُرب
أو عاش شريدا طريدا
ولكنه حَمَل الإيمان في قلبه فما ضرّه ذلك
لقي ربّـه فلقي عنده العوض
فيغمس غمسة واحدة في نعيم الجنة
فينسى كل شدّة وكل بؤس
فالأول نسي كل نعيم في لحظة واحدة
والآخر نسي كل شدّة في لحظة واحدة
فلو كان البؤس والشدّة في الدنيا يُتقرّب بها إلى الله لاشتراها أُناس عرفوا قدر هذه الغمسة !
فكوني واثقة بالله
واعلمي أنه لا حزن يدوم ولا سرور
المصدر: موقع صيد الفوائد