السلام على من اتبع الهدى،أما بعد:
وجدت على الإنترنت مقالا عن زواج المتعة، ورد عليه مختصرًا بأن زواج المتعة هو زنى كاملاً مكملاً، وأن الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - لم يأمر بهذا العمل الفاحش على الإطلاق، وأن ما جاء في صحاح السنة هو حديث مدسوس مثله مثل غيره. ما دعاني لهذا الرد هو ما قرأته في صحيح مسلم عن زواج المتعة، وأن الرسول الأعظم أمر به في إحدى الغزوات (ولم يذكر أي غزوة) ومن ثم منعه ومن ثم أحله في فتح مكة ثلاثة أيام ثم منعه!
رأيي الخاص: أنا لا أعترف بهذا الحديث على الإطلاق بأنه قد صدر عن رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله - لمعارضته للقرآن الكريم قولاً وفعلا.
* أول غزوة هي غزوة بدر بعد الهجرة بثلاث سنين. فليست هي غزوة بدر.
* الأحكام الاجتماعية لم تتأخر ثلاث سنين بالنزول وإلا لكانت الحالة الاجتماعية في ضياع بعد الهجرة. هاجر مع الرسول الأعظم الى المدينة المنورة رجال متزوجون ونساء متزوجات أسلموا، ولكن أزواجهم لم يسلموا بعد، وكذلك من كان منهم له ولد. فالمنطق يقول بأن الأحكام الشرعية الاجتماعية (إذا سميناها) من أوائل الأحكام المنزلة بعد الهجرة مباشرة لتثبيت الأحوال الاجتماعية للرجال والنساء على حد سواء وكذلك لذريتهم.
* فهل يعقل أن يأمر أو يحلل الرسول الأعظم ما يسمى بزواج المتعة (الذي هو قضاء حاجة جنسية مقابل بدل معلوم ولمدة معلومة)، أي التمتع الجنسي فقط لا غير، والعرب مشهورون بأنسابهم وأنساب خيلهم أيضا؟
* طبعا الذي لا يقبله العقل والمنطق هو أن الرسول الأعظم - صلوات الله وسلامه عليه - قد أحل زواج المتعة ثلاثة أيام في فتح مكة! هل يقبل عاقل بهذا بعد أن نزلت الأحكام القرآنية كلها كاملة بأن يحلل الرسول الأعظم - صلوات الله وسلامه عليه - زواج المتعة في فتح مكة؟ أو لم يكن يهم المسلمين في فتح مكة إلا إشباع وإفراغ شهواتهم الجنسية؟
* كما نسمع من الشيعة، لقد وضعوا قوانين وشروطا وأحكاما لزواج المتعة أضعافا مضاعفة عما نزل من آيات في كتاب الله القرآن العظيم عن الزواج والطلاق. وكما أجابني أحد أسيادهم بالإيميل عندما كتبت له رأيي، قال بأن زواج المتعة هو موضوع بحث فقهي.
* ألم يحن الوقت لأن نغربل الأحاديث الشريفة ونلغي إلغاء تاما الأحاديث التي تنافي الشرع الإلهي والتي لا تصدر عن خاتم الأنبياء والرسل الموحى إليه، والذي لا ينطق عن الهوى المعصوم؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد حان الوقت لغربلة الأفكار المنافية للقواعد العلمية الرصينة والمنافية للدراسة النقدية الدقيقة، فحين يتكلم شخص عن الحديث مع من يوافقه أو يخالفه ينبغي أن يعلم الأساس الذي بني عليه علم الحديث وقانون التصحيح والتضعيف، وهذا ما نراك أيها الأخ السائل قد جانبته تمامًا، فلم تلتفت إلى الأحاديث الواردة في إباحة المتعة ولم تنظر إليها وقد ثبتت في الصحيحين فمن ذلك:
ما رواه البخاري في صحيحه قال: حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري يقول: أخبرني الحسن بن محمد بن علي وأخوه عبد الله عن أبيهما أن عليًّا رضي الله عنه قال لابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر. وهذا حديث إسناده كالشمس، رواته كلهم ثقات أئمة لا يشق لهم غبار.
وما رواه الإمام مسلم في صحيحه قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني حدثنا أبي ووكيع وابن بشر عن إسماعيل عن قيس قال: سمعت عبد الله يقول: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {المائدة:87}. وهذا حديث رواته أئمة ثقات جبال من العلم والتحقيق.
وما رواه مسلم في صحيحه قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أبو عميس عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثًا ثم نهى عنها.
وهذه أحاديث رواتها ثقات، والطعن في هذه الأحاديث طعن في الشريعة؛ لأن نقلة هذه الأحاديث هم نقلة أحاديث الصلاة والصيام وبقية أمور الإسلام. وانظر الفتوى رقم:
68402. والفتوى رقم:
24142 ففيها بيان إباحة المتعة ثم نسخ ذلك.
واعلم أن العقل لا يمنع جواز نكاح المتعة، فجوازه ومنعه حكم شرعي لا عقلي، قال أبو بكر الجصاص: وقد روي عن جماعة من السلف أنها زنا؛ حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح بن الليث عن عقيل ويونس عن ابن شهاب عن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل عن ابن عمر أنه سئل عن المتعة؟ فقال: ذلك السفاح. وروي عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان نكاح المتعة بمنزلة الزنا.
فإن قيل: لا يجوز أن تكون المتعة زنًا؛ لأنه لم يختلف أهل النقل أن المتعة قد كانت مباحة في بعض الأوقات أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبح الله تعالى الزنا قط.
قيل له: لم تكن زنًا في وقت الإباحة، فلما حرمها الله تعالى جاز إطلاق اسم الزنا عليها، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الزانية هي التي تنكح نفسها بغير بينة، وأيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر. وإنما معناه التحريم لا حقيقة الزنا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: العينان تزنيان، والرجلان تزنيان، فزنا العين النظر، وزنا الرجلين المشي، ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه. فأطلق اسم الزنا في هذه الوجوه على وجه المجاز، إذ كان محرمًا، فكذلك من أطلق اسم الزنا على المتعة فإنما أطلقه على وجه المجاز وتأكيد التحريم. اهـ
وننبهك إلى أمرين: الأول: أن تحذر أشد الحذر من الكلام في الشرع إلا بعلم وفهم ومعرفة بكلام العلماء وقواعد الاستنباط.
الثاني: أن تحية أهل الإسلام هي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وقد نص الفقهاء رحمهم الله تعالى أن من قال: السلام على من اتبع الهدى لم يستحق جوابًا لأنه لم يأت بتحية الإسلام.
والله أعلم.