الآثار الواردة في شرك الیهود بالله
الآثار:
قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً = 18 } [سورة الجن 72/19]
27229 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا} كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله فأمر الله نبيه أن يوحد الله وحده. ([1])
المسألة الأولى : عبادة العجل
قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [سورة الأعراف 7/139]
11690 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} قال ابن جريج: على أصنام لهم قال: تماثيل بقر فلما كان عجل السامري شبه لهم أنه من تلك البقر فذلك كان أهل شأن العجل {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} ([2])
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُُ = 54 } [سورة البقرة 2/54]
786 -حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال: حدثنا إبراهيم بن بشار قال: حدثنا سفيان بن عينة قال: قال أبو سعيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال موسى عليه السلام لقومه: {فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ = 54 } [سورة البقرة 2/54] قال: أمر موسى عليه السلام قومه عن أمر ربه عز وجل أن يقتلوا أنفسهم قال: فاحتبى الذين عكفوا على العجل فجلسوا وقام الذين لم يعكفوا على العجل وأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضاً. فانجلت الظلمة عنهم وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل كل من قتل منهم كانت له توبة وكل من بقي كانت له توبة. ([3])
788 -حدثني محمد بن عمرو الباهلي قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله تعالى: {بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ} قال: كان موسى أمر قومه -عن أمر ربه - أن يقتل بعضهم بعضاً بالخناجر فجعل الرجل يقتل أباه ويقتل ولده فتاب الله عليهم.([4])
789 -حدثني المثنى قال: حدثنا آدم قال: حدثنا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية في قوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ} الآية. قال: فصاروا صفين فجعل يقتل بعضهم بعضاً فبلغ القتلى ما شاء الله ثم قيل لهم: قد تيب على القاتل والمقتول. ([5])
قوله تعالى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ [سورة طـه 20/89]
18317 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قال الله: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ} ذلك العجل الذي اتخذوه {قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً}. ([6])
1290 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: ثنا معمر، عن قتادة: {وأشربوا في قلوبهم العجل} قال: أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم. ([7])
المسألة الثانية : عبادة العزير:
قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [سورة الصافات 37/25]
22469- حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل قال: ثنا أبو الزعراء قال: كنا عند عبد الله فذكر قصة ثم قال: يتمثل الله للخلق فيلقاهم فليس أحد من الخلق كان يعبد من دون الله شيئاً إلا وهو مرفوع له يتبعه قال: فيلقى اليهود فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: نعبد عزيرا قال: فيقول: هل يسركم الماء؟ فيقولون: نعم فيريهم جهنم وهي كهيئة السراب ثم قرأ: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً = 100 } [سورة الكهف 18/100] قال: ثم يلقى النصارى فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: المسيح فيقول: هل يسركم الماء؟ فيقولون: نعم فيريهم جهنم وهي كهيئة السراب ثم كذلك لمن كان يعيد من دون الله شيئا ثم قرأ عبد الله {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ = 24 } ([8])
المسألة الثالثة : عبادة( بعل) وهم قوم الياس من بني بني إسراثيل :
22690- حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه قال: إن الله قبض حزقيل وعظمت في بني إسرائيل الأحداث ونسوا ما كان من عهد الله إليهم حتى نصبوا الأوثان وعبدوها دون الله فبعث الله إليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران نبيا. وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة فكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل يقال لـه: أحاب كان اسم امرأته: أربل وكان يسمع منه ويصدقه وكان إلياس يقيم له أمره وكان سائر بني إسرائيل قد اتخذوا صنما يعبدونه من دون الله يقال له بعل. ([9])
قوله تعالى : {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ = 124 } [سورة الصافات 37/125]
22688- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ = 125 } [سورة الصافات 37/126] قال: بعل: صنم كانوا يعبدون ,كانوا ببعلك, وهم وراء دمشق وكان بها البعل الذي كانوا يعبدون. ([10])
المسألة الرابعة : عباد الأحبار والرهبان
قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ = 31 } [سورة التوبة 9/31]
12924- حدثنا ابن وكيع قال: ثنا أبي عن سلمة عن الضحاك: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ} قال: قراءهم وعلماءهم. ([11])
12926- حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري عن حذيفة أنه سئل عن قوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} كانوا يعبدونهم؟ قال: لا كانوا إذا أحلوا لهم شيئا أستحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه. ([12])
12927- قال: ثنا جرير وابن فضيل عن عطاء عن أبي البختري: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} قال: أنطلقوا إلى حلال الله فجعلوه حراما وانطلقوا إلى حرام الله فجعلوه حلالا فأطاعوهم في ذلك فجعل الله طاعتهم عبادتهم ولو قالوا لهم اعبدونا لم يفعلوا. ([13])
12928- حدثنا ابن وكيع قال: ثنا ابن أبي عدي عن أشعث عن الحسن: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً} قال: في الطاعة. ([14])
12929- حدثني محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن المفضل قال: ثنا أسباط عن السدي: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : لم يأمروهم أن يسجدوا لهم ولكن أمروهم بمعصية الله فأطاعوهم فسماهم الله بذلك أربابا. ([15])
12930- حدثنا ابن وكيع قال: ثنا ابن نمير عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً} قال: قلت لأبي العالية: كيف كانت الربوبية التي كانت في بني إسرائيل؟ قال قالوا: ما أمرونا به ائتمرنا وما نهونا عنا انتهينا ! لقولهم: وهم يجدون في كتاب الله ما أمروا به وما نهوا عنه فاستنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم. ([16])
المسألة الخامسة : التحاكم الى بالجبت والطاغوت
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} [سورة النساء 4/60]
7816- حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر في هذه الآية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ} قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فكان المنافق يدعو إلى اليهود لأنه يعلم أنهم يقبلون الرشوة، وكان اليهودي يدعو إلى المسلمين لأنه يعلم أنهم لا يقبلون الرشوة، فاصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن من جهينة، فأنزل الله فيه هذه الآية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ}... حتى بلغ: {وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} ([17])
7817- حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عامر في هذه الآية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} فذكر نحوه، وزاد فيه: فأنزل الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} يعني المنافقين {وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ} يعني اليهود {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ} يقول: إلى الكاهن {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} أمر هذا في كتابه، وأمر هذا في كتابه أن يكفر بالكاهن. ([18])
7818- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: زعم حضرمي أن رجلاً من اليهود كان قد أسلم، فكانت بينه وبين رجل من اليهود مدارأة في حق، فقال اليهودي له: انطلق إلى نبي الله! فعرف أنه سيقضي عليه. قال: فأبى، فانطلقا إلى رجل من الكهان، فتحاكما إليه. قال الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} ([19])
7820- حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} قال: كان ناس من اليهود قد أسلموا ونافق بعضهم، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل الرجل من بني النضير قتلته بنو قريظة قتلوا به منهم، فإذا قتل الرجل من بني قريظة قتلته النضير، أعطوا ديته ستين وسقا من تمر. فلما أسلم ناس من بني قريظة والنضير، قتل رجل من بني النضير رجلا من بني قريظة، فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النضيري: يا رسول الله إنا كنا نعطيهم في الجاهلية الدية، فنحن نعطيهم اليوم ذلك. فقالت قريظة: لا، ولكنا إخوانكم في النسب والدين، ودماؤنا مثل دمائكم، ولكنكم كنتم تغلبوننا في الجاهلية، فقد جاء الله بالإسلام فأنزل الله يعيرهم بما فعلوا. فقال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [سورة المائدة 5/54] فعيرهم، ثم ذكر قول النضيري: كنا نعطيهم في الجاهلية ستين وسقا وتقتل منهم ولا يقتلون، فقال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [سورة المائدة 5/50]. وأخذ النضيري فقتله بصاحبه. فتفاخرت النضير وقريظة، فقالت النضير: نحن أكرم منكم، وقالت قريظة: نحن أكرم منكم، ودخلوا المدينة إلى أبي برزة الكاهن الأسلمي، فقال المنافق من قريظة والنضير: انطلقوا إلى أبي برزة ينفر بيننا! وقال المسلمون من قريظة والنضير: لا، بل النبي صلى الله عليه وسلم ينفر بيننا، فتعالوا إليه! فأبى المنافقون، وانطلقوا إلى أبي برزه فسألوه، فقال: أعظموا اللقمة! يقول: أعظموا الخطر. فقالوا: لك عشرة أوساق، قال: لا، بل مائة وسق ديتي، فإني أخاف أن أنفر النضير فتقتلني قريظة، أو أنفر قريظة فتقتلني النضير فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوساق، وأبى أن يحكم بينهم، فأنزل الله عز وجل: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ} وهو أبو برزة، وقد أمروا أن يكفروا به، إلى قوله: {وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} ([20])
8824 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ} قال: تنازع رجل من المؤمنين ورجل من اليهود، فقال اليهودي: اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف، وقال المؤمن: اذهب بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ}... إلى قوله: {صُدُوداً}قال ابن جريج: يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، قال: القرآن، وما أنزل من قبلك، قال: التوراة. قال: يكون بين المسلم والمنافق الحق، فيدعوه المسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحاكمه إليه، فيأبى المنافق ويدعوه إلى الطاغوت. قال ابن جريج: قال مجاهد: الطاغوت: كعب بن الأشرف. ([21])
الدراسة:
توحيد الله وإفراده بالعبادة هو ما بعث الله به موسى وبقية أنبياء بني إسرائيل إلى آخرهم عيسى عليهم السلام .
وقد بدأ بهم الكفر بالله والشرك به في أول عهدهم بمجاوزة البحر ونجاتهم من فرعون من الغرق كما قال تعالى:{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ = 138 } [سورة الأعراف 7/138] .
فكان أول استعدادهم للشرك تمثال بقرة شاهدوه فطلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم مثله ولما أنكر عليهم وبين لهم خطر ما يطلبون لم تلبث قلوبهم المشربه بالشرك أن يتحينوا أول فرصة فكان ذلك يوم ذهب موسى صلى الله عليه وسلم لموعده مع ربه فكانت المناسبة لهذه القلوب المريضة كما قال تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ = 51 } [سورة البقرة 2/51] ولشناعة فعلهم هذا وتأثيره في من جاء بعدهم فقد ذكره الله في نحو سبع مواضع من القرآن لعظم ما اقترفوه في: سورة البقرة أربع مرات، وفي النساء والأعراف وطه. ([22])
وسبب عبادتهم للعجل ذكره الله بقوله: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى = 84 قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ = 85 فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي = 86 قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ = 87 فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ = 88 أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً = 89 وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي = 90 قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى = 91 قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا = 92 أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي = 93 قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي = 94 قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ = 95 قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي = 96 قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً = 97 إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً = 98 } [سورة طـه 20/83-98]
ذهب موسى عليه السلام إلى ميقات ربه فعمد رجل منهم يقال له (السامري) ([23]) فأخذ ما كان استعاره من الحلي فصاغ منه عجلاً وألقى فيه قبضة من التراب كان أخذها من أثر فرس جبريل عليه السلام حين رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه فلما ألقاها فيه خار كما يخور العجل الحقيقي، فراحوا يرقصون حوله ويفرحون، وقالوا :هذا إلهكم وإله موسى فنسي أي: فنسي موسى ربه عندنا وذهب يتطلبه وهو ههنا.
قال الله تعالى -مبيناً بطلان ما ذهبوا إليه وما عولوا عليه من إلهية هذا الذي قصاراه أن يكون حيواناً بهيماً وشيطاناً رجيماً-: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً} [سورة طـه 20/89]وقال {أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} [سورة الأعراف 7/148]فذكر أن هذا الحيوان لا يتكلم ,ولا يرد جواباً, ولا يملك ضراً, ولا نفعاً, ولا يهدي إلى رشد, اتخذوه وهم ظالمون لأنفسهم وعالمون في أنفسهم بطلان ما هم عليه من الجهل والضلال, {وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ} [سورة الأعراف 7/149] أي ندموا على ما صنعوا {وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة الأعراف 7/149] ولما رجع موسى عليه السلام إليهم, ورأى ما هم عليه من عبادة العجل, ومعه الألواح المتضمنة التوراة ألقاها مع عظمتها, ولكن الأمر جلل, كما قال صلى الله عليه وسلم : ((ليس الخبر كالمعاينة إن الله خبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يلق الألواح فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح.)) ([24])
ثم أقبل عليهم فعنفهم, ووبخهم, في صنيعهم هذا القبيح فاعتذروا إليه بما ليس بصحيح وقالوا: حملنا أوزاراً من زينة القوم التي خرجنا بها معنا من مصر, فهم تحرجوا من تملك حلى آل فرعون وهم أعدائهم, ولم يتحرجوا بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم من عبادة العجل الجسد الذي لـه خوار, ثم أقبل على أخيه هارون عليه السلام : هلا لما رأيت ما صنعوا اتبعتني فأعلمتني بما فعلوا! فقال: خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل فتركتهم وجئتني وأنت قد استخلفتني فيهم وقد كان هارون عليه السلام نهاهم عن هذا بقوله: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ} [سورة طـه 20/90] أي إنما قدر الله أمر هذا العجل, وجعله يخور فتنة واختباراً لكم وأن ربكم الله قالوا: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى.
وقد شهد الله لهارون عليه السلام أنه نهاهم وزجرهم عن ذلك فلم يطيعوه ولم يتبعوه, لأن اليهود يزعمون: أنّ هارون عليه السلام هو السّامريّ الذي صنع العجل لبني إسرائيل، وأمرهم بعبادته، وهذا ليس غريباً عنهم في كذبهم على الأنبياء. ([25])
ثم أقبل موسى على السامري الذي قال: رأيت جبرائيل وهو راكب فرساً فقبضت قبضة من أثر فرس جبريل, و لما ألقاه في هذا العجل المصنوع من الذهب كان من أمره ما كان ولهذا قال :فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي قال لـه موسى: فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ,وهذا دعاء عليه بأن لا يمس أحداً معاقبة له على مسه مالم يكن له مسه, هذا معاقبة له في الدنيا ثم توعده في الأخرى فقال: {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً} [سورة طـه 20/97] فعمد موسى عليه السلام إلى هذا العجل, فحرقه بالنار وقيل بالمبارد ثم ذراه في البحر. ([26])
ومحبتهم للعجل وصفها الله بوصف معجز بقوله :أشربوا وهذا يعني: جعلت قلوبهم تشربه، وهذا تشبيه عن تمكن أمر العجل في قلوبهم. حتى غلب عليه وخالط قلبه. ([27])
قال البغوي: "أدخل في قلوبهم حب العجل وخالطها كإشراب اللون لشدة الملازمة، يقال: فلان أشرب اللون إذا اختلط بياضه بالحمرة." ([28])
وتوعد الله الذين لم يتوبوا من عبادة العجل بالغضب والذلة بالدنيا , والنار بالآخرة.
ووردت آثار كثيرة في كيفية تنفيذهم للتوبة وكانت: قتلهم أنفسهم لكي يتوب الله عليهم، ولم يبين سبحانه وتعالى كيفية ذلك القتل ، بل اكتفى بقوله {فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [سورة البقرة 2/54] . كما لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يفصل ذلك. ولكن ورد بعض التفصيلات لكيفية ذلك القتل في بعض الآثار، وذكر عدد القتلى من جراء القتل وغالب هذه التفصيلات منقولة عن كتب بني إسرائيل.
وفي سياق ما حصل من اليهود السابقين: خاطب الله اليهود في كل زمان (عن فعل آبائهم وأسلافهم وتكذيبهم رسلهم وخلافهم أنبياءهم، مع تتابع نعمه عليهم وسبوغ آلائه لديهم، معرفهم بذلك أنهم من خلافهم محمداً صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به وجحودهم لرسالته، مع علمهم بصدقه على مثل منهاج آبائه وأسلافهم، ومحذرهم من نزول سطوته بهم بمقامهم على ذلك من تكذيبهم ما نزل بأوائلهم المكذبين بالرسل من المسخ واللعن وأنواع النقمات) ([29])
وأما عن عبادتهم للعزير ,فهو ما سيبعث عيه فئام منهم ففي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري _: ((أن أناساً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟)) قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة ضوء ليس فيها سحاب قالوا: لا قال: وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ضوء ليس فيها سحاب قالوا: لا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما تضارون في رؤية الله عز وجل يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما. إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن تتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله بر أو فاجر وغبرات أهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم :ما كنتم تعبدون قالوا :كنا نعبد عزيرا بن الله فيقال: لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فماذا تبغون فقالوا: عطشنا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ثم يدعى النصارى فيقال لهم: من كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح بن الله فيقال لهم :كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال لهم: ماذا تبغون فكذلك مثل الأول حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها فيقال: ماذا تنتظرون تتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا: فارقنا الناس في الدنيا على أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد فيقول :أنا ربكم فيقولون: لا نشرك بالله شيئاً مرتين أو ثلاثاً.)) ([30])
وأما عبادتهم (لبعل) فإن إلياس عليه السلام دعى قومه من بني إسرائيل إلى إفراد الله بالعبادة, وأنكر عليهم عبادتهم لغيره فقال :{أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ = 125 } [سورة الصافات 37/125]
1- وبعل هنا : هو الرب في لغة أهل اليمن، تقول: من بعل هذا الثور: أي من ربه؟
2- وقيل: هو صنم كان لهم يسمى بعلاً.
3- وقيل امرأة كانوا يعبدونها.
قال السّيوطيّ : "وكلّ ما في القرآن من ذكر البعل فهو الزّوج إلاّ {أتدعون بعلاً} فهو الصّنم" ([31])
وقد ورد ت آثار طويلة في قصة إلياس مع قومه حاصلها, أنهم كذبوه وعبدوا بعلاً، وورد في بعض الآثار, أنهم هم أهل بعلبك ([32]) ومن هنا جاءت التسمية.
ومع دعوته لهم, إلا أنهم كذبوه, قال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ = 127 } [سورة الصافات 37/127] أي للعذاب يوم الحساب {إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} أي الموحدين منهم. ([33])
وأما عبادتهم للأحبارهم والرهبان, فهي كما قال صلى الله عليه وسلم : ((بطاعتهم في تحريم الحلال وتحليل الحرام.)) وكما قال الحسن: {أَرْبَاباً} في الطاعة.
و الأحبار: جمع حبر، وهو الذي يحسن القول وينظمه ويتقنه بحسن البيان عنه. ومنه ثوب محبر أي جمع الزينة.
والرهبان جمع راهب مأخوذ من الرهبة، وهو الذي حمله خوف الله تعالى على أن يخلص له النية دون الناس، ويجعل زمانه له وعمله معه وأنسه به. ([34])
وقال الضحاك: الأحبار :قراؤهم، ورهبانهم علماؤهم. ([35])
وقصة قدوم عدي بن حاتم الطائي _ ,برواياتها المتعددة تجلي كيف فسر صلى الله عليه وسلم عبادتهم لهم، وكيف صاروا لهم أربابا، قال _: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب)) فقال: ((يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك.)) قال: فطرحته وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} قال: قلت: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم! فقال: ((أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: قلت: بلى. قال: فتلك عبادتهم.)) ([36])
وكما قال حذيفة _: ((كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه.))
وقال أيضاً _: ((أما إنهم لم يكونوا يصومون لهم، ولا يصلون لهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً أحله الله لهم حرموه، فتلك كانت ربوبيتهم.)) وقال: ((لم يعبدوهم، ولكنهم أطاعوهم في المعاصي.))
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ((لم يأمروهم أن يسجدوا لهم، ولكن أمروهم بمعصية الله، فأطاعوهم، فسماهم الله بذلك أرباباً.))
وقال أبو البختري رحمه الله ([37]): ((انطلقوا إلى حلال الله فجعلوه حراماً، وانطلقوا إلى حرام الله فجعلوه حلالاً، فأطاعوهم في ذلك، فجعل الله طاعتهم عبادتهم، ولو قالوا لهم اعبدونا لم يفعلوا.))
وسئل أبو العالية رحمه الله : ((كيف كانت الربوبية التي كانت في بني إسرائيل؟ قال: قالوا: ما أمرونا به ائتمرنا، وما نهونا عنا انتهينا لقولهم: وهم يجدون في كتاب الله ما أمروا به وما نهوا عنه، فاستنصحوا الرجال، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.)) ([38])
وهم إلى اليوم يطيعون علمائهم, حتى في نبذهم التوراة وما أمروا فيها, والاستعاضة عنها بالتلمود الذي عملتها أيديهم الآثمة.
ويتبع ما سبق تحاكمهم إلى طواغيت الأرض, وترك حكم الله, وهذا من الشرك الأكبر الذي أمروا أن يجتنبوه، وذلك يوم أن شاورت قريش بعض أحبارهم في المفاضلة بينهم وبين ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ففضلوا الكهنة والشياطين ممثلة بحيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وكل طاغوت: على ماجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالوا: إنكم أهدى من محمد سبيلاً، بل توجوا ذلك بسجودهم للأصنام كما في الأثر: ((أن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين من كفار قريش، فاستجاشهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمرهم أن يغزوه، وقال: إنا معكم نقاتله، فقالوا: إنكم أهل كتاب، وهو صاحب كتاب، ولا نأمن أن يكون هذا مكراً منكم، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما! ففعل، ولأن هذا منطبق عليهم كجنس.
قال الطبري رحمه الله بعد أن ساق أسباب النزول للآية : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ} [سورة آل عمران 3/23]... إلى قوله: {وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [سورة النساء 4/52] .
"وأولى الأقوال بالصحة في ذلك قول من قال: إن ذلك خبر من الله جل ثناؤه عن جماعة من أهل الكتاب من اليهود، وجائز أن يكون كانت الجماعة الذين سماهم ابن عباس رضي الله عنهما في الخبر الذي رواه محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعد أو يكون حيياً وآخر معه، إما كعباً وإما غيره." ([39])
ففضل علماء وكبار اليهود حكم الطاغوت وشرك الجاهليين على الإيمان والتوحيد الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم , قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} [سورة النساء 4/51]
ومعنى الآية:إن الله وصف الذين أوتوا نصيباً من الكتاب من اليهود بتعظيمهم غير الله بالعبادة والإذعان له بالطاعة في الكفر بالله ورسوله ومعصيتهما، وأنهم قالوا: إن أهل الكفر بالله أولى بالحق من أهل الإيمان به، وإن دين أهل التكذيب لله ولرسوله أعدل وأصوب من دين أهل التصديق لله ولرسوله، وذكر أن ذلك من صفة كعب بن الأشرف، وأنه قائل ذلك. ([40])
ويمكن الجمع بينها كما قال الطبري: يصدقون بمعبودين من دون الله يعبدونهما من دون الله، ويتخذونهما إلهين؛ وذلك أن الجبت والطاغوت اسمان لكل معظم بعبادة من دون الله، أو طاعة أو خضوع له، كائنا ما كان ذلك المعظم من حجر أو إنسان أو شيطان.
وإذ كان ذلك كذلك وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها كانت معظمة بالعبادة من دون الله فقد كانت جبوتاً وطواغيت، وكذلك الشياطين التي كانت الكفار تطيعها في معصية الله، وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولاً منهما ما قالا في أهل الشرك بالله، وكذلك حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف، لأنهما كانا مطاعين في أهل ملتهما من اليهود في معصية الله والكفر به وبرسوله، فكانا جبتين وطاغوتين. ([41])
هذا ما وصف الله به اليهود , ولم يفرق بين أولهم وآخرهم ومن عاصروا الرسول صلى الله عليه وسلم ومن سبقه, وأن سلسة الكفر والشك والشرك ماضية بينهم على قدر كبير فوصفهم وصف عام, ولو بان أن سبب النزول في مقولة الشرك أو عبادة غير الله على أي وجه فهي تنسب للجميع.
-----------------------------------------------------
([1]) تفسير الدر المنثور ( 8 / 306 ) - تفسير القرطبي عن مجاهد ( 19 / 22 ) تفسير ابن كثير ( 4 / 432 ). حسنه في التفسير الصحيح (1/223)
([2]) تفسير الطبري ( 9 / 45 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 533 ) - تفسير القرطبي ( 7 / 273 ).
([3]) تفسير الطبري ( 1 / 286 ) تفسير الدر المنثور ( 1 / 168 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 93 ).
([4]) تفسير الطبري ( 1 / 287 ) تفسير ابن كثير ( 1 / 93 ).
([5]) تفسير الطبري ( 1 / 287 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366).
([6]) تفسير الطبري ( 16 / 202 ) تفسير ابن كثير عن ابن عباس ( 3 / 163 ) - تفسير القرطبي عن ابن عباس أيضا ( 11 / 236 ). حسنه في التفسير الصحيح (1/223)
([7]) تفسير الطبري ( 1 / 422 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 52 ) - تفسير ابن أبي حاتم (1/176) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 219 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 127 ) . صححه في التفسير الصحيح (1/164)
([8])تفسير الطبري ( 23 / 48 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 10 / 3367 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 260 ) المستدرك على الصحيحين ( 4 / 542 ) - مصنف ابن أبي شيبة ( 7 / 511 ).
([9]) تفسير الطبري ( 2 / 596 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 750 ) إسناده ضعيف.
([10]) تفسير الطبري ( 23 / 92 ) تفسير ابن أبي حاتم ( 10 / 3225 ) - تفسير الدر المنثور ( 7 / 119 ).
([11]) تفسير الطبري ( 10 / 114 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 6 / 1784 ).
([12]) تفسير الطبري ( 10 / 114 ) - تفسير عبد الرزاق ( 2 / 272 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 174 ) - تفسير القرطبي ( 8 / 120 ).
([13]) تفسير الطبري ( 10 / 115 )تفسير الدر المنثور ( 4 / 174 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 6 / 1784 ).
([14]) تفسير القرطبي ( 4 / 105 ).
([15]) تفسير الطبري ( 10 / 115 ) - تفسير ابن كثير بمعناه ( 2 / 350 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281).
([16]) تفسير الطبري ( 10 / 115 ) - تفسير ابن أبي حاتم (6/1784) .
([17]) تفسير الطبري ( 5 / 152 ) .
([18]) تفسير الطبري ( 5 / 153 ) .
([19]) تفسير الطبري ( 5 / 153 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 580 ) .
([20]) تفسير الطبري ( 5 / 154 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 991 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 581 ) حسنه في التفسير الصحيح (2/281).
([21]) تفسير الطبري ( 5 / 154 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 991 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 582 ) - تفسير القرطبي ( 5 / 263 ) . صححه في التفسير الصحيح (3/122)
([22]) أورد الطبري نحواً من خمسين أثراً في العجل والسامري اختصرت الكلام عليها مع إبعاد الاسرائيليات التي نبه عليها العلماء كابن كثير وغيره.
([23]) وردت آثار في تعريف السامري- اسمه ، وأصله ، وحبه عبادة البقر ... وغير ذلك . كله من الإسرائيليات لما فيها من المبالغات وعدم دقة المصدر اللهم الا كتب أهل الكتاب.
([24]) قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه- المستدرك على الصحيحين ج2/ص351.
([25]) كما ورد في سفر الخروج، الأصحاح (32) انظر الفصل في الملل ج1/ص140 اليهودية لأحمد شلبي 182.
([26]) البداية والنهاية لابن كثير 1/286-288 بتصرف . انظر المحرر الوجيز لابن عطية ( 4/61 واليهودية لاحمد شلبي 180 ومابعدها.
([27]) تفسير القرطبي ج2/ص31.
([28]) تفسير البغوي ج1/ص95.
([29]) تفسير الطبري ج1/ص281.
([30]) رواه البخاري 4/1672.
([31]) الإتقان (1/417).
([32]) مدينة بالشّام وهي من مدن لبنان الآن وهي قديمة البناء ، فتحت بصلح في زمن عمر t سنة (14هـ) وكان لأهلها صنمٌ يدعى (بعْلاً) فسمِّيت به لعبادة أهلها له، واسم الموضع (بَك).امعجم البلدان 1/453)، بتصرف يسير.
([33]) تفسير ابن كثير ج4/ص21 وسيأتي مزيدا من التفصيل عند الكلام عن أنبيائم بإذن الله.
([34]) تفسير القرطبي ج8/ص119 لسان العرب - ابن منظور ج4/ص158.
([35]) تفسير ابن أبي حاتم ج6/ص1784.
([36]) رواه أحمد 4/378 والترمذي 2953.
([37]) سعيد بن فيروز ابو البختري بفتح الموحدة والمثناة بينهما معجمة بن ابي عمران الطائي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فيه تشيع قليل كثير الارسال من الثالثة مات سنة ثلاث وثمانين تقريب التهذيب 1 /240.
([38]) انظر للروايات المتعددة في تفسير الطبري 10/115.
([39]) تفسير الطبري 4 /138.
([40]) تفسير الطبري 5/133.
([41]) تفسير الطبري ج5/ص130تفسير ابن كثير ج1/ص513.