الآثار الواردة في تسمية الیهود
أولا: الآثــــار:
المطلب الأول: تسميتهم بني إسرائيل
قولـه تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ = 40 } [سورة البقرة 2/40]
666- حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن إسرائيل كقولك عبد الله. ([1])
667- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن المنهال عن عبد الله بن الحارث قال: إيل: الله بالعبرانية. ([2])
668- حدثنا به ابن حميد قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ = 40 } قال: يا أهل الكتاب للأحبار من يهود. ([3])
المطلب الثاني: تسميتهم باليهود:
قوله تعالى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ. } [سورة الأعراف 7/156]
914 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: حدثني حجاج عن ابن جريج قال: إنما سميت اليهود من أجل أنهم قالوا: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} ([4])
11802 - قال: ثنا أبي عن شريك عن جابر عن عبد الله بن يحيى عن علي قال: إنما سميت اليهود لأنهم قالوا {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} ([5])
حدثني المثني قال: ثنا عبد الله بن صالح قال: ثني معاوية عن علي عن ابن عباس رضي الله عنهما : {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} يعني: تبنا إليك. ([6])
حدثنا ابن البرقي قال: ثنا عمرو قال: سمعت رجلا يسأل سعيدا: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} قال: إنا تبنا إليك. ([7])
المطلب الثالث: تسميتهم أهل الكتاب:
قولـه: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ = 40 } [سورة البقرة 2/40]
668 - حدثنا به ابن حميد قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ = 40 } قال: يا أهل الكتاب للأحبار من يهود. ([8])
1481 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة قال: حدثني ابن إسحاق. وحدثنا أبو كريب قال: ثنا يونس بن بكير قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسدا ًإذ خصهم الله برسوله صلى الله عليه وسلم ، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا، فأنـزل الله فيهما: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ = 109 } [سورة البقرة 2/109] الآية. ([9])
5678 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج قال: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا يهود أهل المدينة إلى ذلك فأبوا عليه فجاهدهم، قال: دعاهم إلى قول الله عز وجل : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [سورة آل عمران 3/64] .. الآية. ([10])
5689 - حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا يهود أهل المدينة إلى كلمة السواء، وهم الذين حاجوا في إبراهيم وزعموا أنه مات يهودياً. فأكذبهم الله عز وجل ونفاهم منه فقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْـزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ = 65 }[سورة آل عمران 3/65] ([11])
6044- حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال: ثني محمد بن محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ومنحوا فيه قالت: أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد ولا تبعه إلا أشرارنا ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره فأنـزل الله عز وجل في ذلك من قولهم: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ} [سورة آل عمران 3/113] إلى قوله: {وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ = 114 } ([12])
6633 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري عن أبي الجحاف عن مسلم البطين قال: سأل الحجاج بن يوسف جلساءه عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ = 187 } [سورة آل عمران 3/187] فقام رجل إلى سعيد بن جبير فسأله فقال: وإذ أخذ الله ميثاق أهل الكتاب يهود "ليبيننه للناس" محمد صلى الله عليه وسلم ولا يكتمونه فنبذوه. ([13])
21623- حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة قال: ثني محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان مولى آل الزبير عن عروة بن الزبير وعمن لا أتهم عن عبيد الله بن كعب بن مالك وعن الزهري وعن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعن محمد بن كعب القرظي وعن غيرهم من علمائنا: أنه كان من حديث الخندق أن نفراً من اليهود منهم: سلام بن أبي الحقيق النضري، وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا حتى قدموا مكة على قريش فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله. فقال لهم قريش: يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه. ([14])
المطلب الرابع: تسميتهم بالعبرانيين:
قولـه تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ = 35 } [سورة يوسف 12/35]
14739 - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا عمرو بن محمد عن أسباط عن السدي: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ = 35 } قال: قالت المرأة لزوجها: إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس، يعتذر إليهم ويخبرهم أني راودته عن نفسه ولست أطيق أن أعتذر بعذري، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر وإما أن تحبسه كما حبستني فذلك قول الله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} ([15])
1346 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا جرير عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث قال: "إيل" الله بالعبرانية. ([16])
14744 - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا عمرو بن محمد عن أسباط عن السدي قال: لما دخل يوسف السجن قال: أنا أعبر الأحلام. فقال أحد الفتيين لصاحبه: هلم نجرب هذا العبد العبراني نتراءى له! فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئاً. فقال الخباز: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه وقال الآخر: إني أراني أعصر خمراً. ([17])
21185- حدثنا محمد بن المثنى قال: ثنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا علي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية. فيفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنـزل إلينا وأنـزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن لـه مسلمون.)) ([18])
الدراســــة:
اليهود هم أمة موسى صلى الله عليه وسلم واختلف في تسميتهم على أقوال:
1- الهود التوبة وقولـه عز وجل{إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [سورة الأعراف 7/156] أي تبنا إليك، قاله النووي رحمه الله .
2- وقال غيره هاد في اللغة معناه: مال، يقال: هاد زفر هيادة وهوداً. وقال المبرد في قولـه تعالى: {هُدْنَا إِلَيْكَ} أي: ملنا إليك ويقال لمن تاب: هاد؛ لأن من تاب من شيء مال عنه.
ثم اختلف فيما تابوا عنه:
1- فقال الليث: سميت اليهود يهوداً اشتقاقاً من هادوا أي: تابوا من عبادة العجل، فعلى هذا القول لزمهم هذا الاسم في ذلك الوقت.
2- وقال غيره: سموا بذلك؛ لأنهم مالوا عن دين الإسلام، وعن دين موسى عليه السلام ، فعلى هذا إنما سموا يهوداً بعد أنبيائهم.
3- وقال ابن الأعرابي يقال هاد إذا رجع من خير إلى شر ومن شر إلى خير، وسموا اليهود بذلك لتخليطهم وكثرة انتقالهم من مذاهبهم.
4- وحكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال سميت اليهود لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة، وعلى هذا: التهود تفعل من الهيد بمعنى الحركة، يقال: هدته أهيده هيداً كأنك تحركه ثم تصلحه.
5- وقيل: اليهود معرب يهوذا بن يعقوب عليهما السلام بالذال المعجمة عرب ثم نسب الواحد إليه.
6-ويقال: هاد إذا دخل في اليهودية، وتهود إذا تشبه بهم ودخل في دينهم، وهود إذا دعي إلى اليهودية، ومنه الحديث ((فأبواه يهودانه.)) ([19])
وقال البخاري :"هادوا صاروا يهوداً، وأما قوله: (هدنا) تبنا هائد تائب."([20])
وقال ابن منظور: "الهَوْدُ: التَّوْبَةُ هادَ يَهُودُ هَوْداً و تَهَوَّد: تابَ ورجع إِلـى الـحق فهو هائدٌ. وقومٌ هُودٌ: مِثْلُ حائِلٍ وحُولٍ وبازِلٍ وبُزْلٍ؛ قال أَعرابـي: إِنِّـي امرُؤٌ مِنْ مَدْحِه هائِدُ وفـي التنـزيل العزيز: {إِنَّا هُدْنا إِلـيك} أَي تُبْنا إِلـيك وهو قول مـجاهد وسعيد بن جبـير وإِبراهيم. قال ابن سيده: عدّاه بإِلـى لأَن فـيه معنى رجعنا، وسميت الـيهود اشتقاقاً من هادُوا أَي تابوا وأَرادوا بالـيَهُودِ الـيَهُودِيِّـينَ ولكنهم حذفوا ياء الإِضافة.
قال سيبويه: "وفـي الـحديث: ((كلُّ مَوْلُود يُولَدُ علـى الفِطْرَةِ حتـى يكون أَبواه يُهَوِّدانِه أَو يُنَصِّرانِه.)) ([21]) ؛ معناه أَنهما يعلـمانه دين الـيهودية والنصارى ويُدْخلانه فـيه. و التَّهْوِيدُ: أَن يُصَيَّرَ الإِنسانُ يَهُودِيَّاً. وهادَ و تَهَوَّد إِذا صار يهوديَّا. ([22])
وهذا الذي دلل له علماء اللغة هو الذي وردت به الآثار عن السلف رحمهم الله فإضافة الى الآثار السابقة, أخرج ابن أبي حاتم بسنده إلى عبد الله بن مسعود _ قال: ((نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية بكلمة موسى عليه السلام إنا هدنا إليك، ولم تسمت النصارى بالنصرانية من كلمة عيسى عليه السلام كونوا أنصار الله.))
وقال أنه المروي عن أبى الطفيل، وأبى العالية، ومجاهد وسعيد بن جبير، وإبراهيم التيمي، والنخعي، وعكرمة، وعطاء الخراساني، والربيع بن أنس، والضحاك، وقتادة. ([23])
وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود _ قال: ((نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية ولم تسمت النصارى بالنصرانية إنما تسمت اليهود باليهودية بكلمة قالها موسى إنا هدنا إليك فلما مات قالوا هذه الكلمة كانت تعجبه فتسموا اليهود، وإنما تسمت النصارى بالنصرانية لكلمة قالها عيسى من أنصاري إلى الله؟ قال الحواريون: نحن أنصار الله فتسموا بالنصرانية.)) ([24])
وقد ورد ذكراليهود في القرآن الكريم ثمان مرات بلفظة اليهود وهو الاسم الذي يصفهم به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ما يطلق عليهم إلى اليوم.
نشأتهـــم :
تعود بداية اليهود كأمة ذات تاريخ وعقيدة إلى تلك الفترة التي أرسل الله تعالى فيها نبيه موسى - عليه السلام - إليهم بالتوراة لهدايتهم وتخليصهم من عبادة ماسواه.
واليهود هم تلك الأمة التي نشأت في مصر إثر استقرار أبناء يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام فيها. فقد عاشوا فيها حياة مستقرةً منذ عهد يوسف بن يعقوب عليهما السلام وتكاثروا في مصر وتناسلوا وصاروا الطبقة العاملة عند الأقباط.
ثم إن فرعون رأى في منامه ,كأن ناراً قد أقبلت من نحو بيت المقدس, فأحرقت دور مصر, وجميع القبط ولم تضر بني إسرائيل, فلما استيقظ هاله ذلك فجمع الكهنة والحذقة والسحرة وسألهم عن ذلك فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك النساء، وهو قولـه تعالى: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [سورة الأعراف 7/141].
واستمر الحال على هذا إلى أن "شكا القبط إلى فرعون قلة بني إسرائيل بسبب قتل ولدانهم الذكور، وخشوا أن تتفانى الكبار مع قتل الصغار فيصيرون هم الذين يلون ماكان بنو إسرائيل يعالجون، فأمر فرعون بقتل الأبناء عاماً وأن يتركوا عاماً."
وفي عام المسامحة ولد هارون عليه السلام وفي عام القتل ولد موسى عليه السلام وأراد الله تعالى لموسى أن يعيش في بيت فرعون نفسه يقول عز وجل : {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ = 7 فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناًً} [سورة القصص 28/7] .
وقد صدق الله وعده لأم موسى حينما بعثه إلى فرعون وبنى إسرائيل يدعوهم لعبادته. حيـث آمنـوا بـه وخرجـوا معـه من مصـر على إثـر الاضطهاد الذي لحق بهم من فرعون مصر ثم لم يلبثوا أن ارتدوا إلى عبادة العجل يقول تعالى: {قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [سورة البقرة 2/93].
وبسبب قسوة قلوبهم وعصيانهم فرض الله تعالى عليهم التيه قال تعالى: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاتَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [سورة المائدة 5/26]. وفي هذه الفترة توفى موسى عليه السلام ولم يدخل الأرض المقدسة ودخلها بنو إسرائيل بعد ذلك بقيادة نبي الله يوشع بن نون عليه السلام .
الأسماء التي اشتهروا بها
أُطلق على اليهود من خلال تاريخهم الطويل عدة أسماء مشهورة مثل:
1- العبريين أو العبرانيين
2- وأيضاً ورد في القرآن الكريم بعضاً من أسمائهم مثل: بنو إسرائيل.
3- وأهل الكتاب الذي يطلق عليهم بالاشتراك مع النصارى.
4- وأما في العصر الحديث فقد ظهر لهم اسم آخر هو : بنو صهيون أو أحباء صهيون ومنه الصهيونيون .
ولكلٍ من هذه الأسماء معنى وسبب من أجله سموا به، ولكنها في النهاية تدل في الأغلب على أتباع الدين الذي جاء به موسى-عليه السلام -.
وتفصيلها كما يلي:
أولاً: اليهــود:
هو من الأسماء المشهورة ويستخدم للدلالة على أتباع موسى - عليه السلام - وقد ورد ذكره في القرآن الكريم حوالي ثمان مرات بلفظة اليهود وقد اختلف في اشتقاق هذه الكلمة على رأيين :
1- الأول : أنها نسبة إلى صفة الندم والتوبة وهو الهود المذكور في قولـه تعالى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} وهي بذلك تكون نسبة إلى كلمة عربية.
ومعنى هدنا: "أي تبنا ورجعنا وأنبنا إليك" ([25]) قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا} يقول القرطبي: "وأجاز الفراء أن يكون هوداً بمعنى يهودياً حذف منه الزائد وأن يكون جمع هائد." ([26]) وعند ابن منظور أن الهود هو: "التوبة هاد يهود هوداً وتهود: تاب ورجع إلى الحق فهو هائد ... ... والهود: اليهود هادوا يهودون هوداً وسميت اليهود اشتقاقاً من هادوا أي تابوا ... ... وهود الرجل: حولـه إلى ملة يهود قال سيبويه: وفي الحديث: ((كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه أو ينصرانه))([27]) معناه: أنهما يعلمانه دين اليهودية والنصارى ويدخلانه فيه والتهويد أن يصير الإنسان يهودياً." ([28])
2- أما الرأي الثاني : أنه نسبة إلى إسم يهوذا وهو الإبن الرابع ليعقوب عليه السلام "ويهوذا إسم عبري معناه حمد." ([29])
والكثيرون على أنه نسبة إلى الهود وهو التوبة والرجوع إلى الحق وهو الحق كما صح في الآثار. يذكر الشهرستاني ذلك فيقول: "هاد الرجل: أي رجع وتاب وإنما لزمهم هذا الاسم لقول موسى عليه السلام {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}" ([30])
وقد وردت صيغ عديدة في القرآن لكلمة (اليهود):
هادوا: وقد وردت عشر مرات مسبوقة دائماً بالاسم الموصول:{الذين هادوا}
هدنا: ووردت مرة واحدة في معرض إقرارهم وتوبتهم وهم من اختارهم موسى للقاء الله.
هود: وردت ثلاث مرات وكلها في البقرة.
ثانياً: العبرانيون :
عرف اليهود في تاريخهم القديم باسم العبريين، حيث لم تكن لفظتي اليهود، أو بني إسرائيل قد شاعتا بعد، واختلفت آراء الباحثين حول أصل التسمية على أقوال أهمها: نسبة العبريين إلى فعل العبور والتنقل. يقول الدكتور: أحمد سوسه: "وقد ظلت هذه التسمية أي تسمية عبري وعبراني تطلق على الجماعات من القبائل النازحة من البادية ومن جهة فلسطين إلى مصر، وعلى هذا الأساس صار المصريون يسمون الإسرائيليين بالعبرانيين باعتبارهم من تلك الجماعات البدوية."([31])
ثالثاً: بنو إسرائيل :
سمى الله نبيه: يعقوب بن إسحق بن إبراهيم - عليهم السلام - إسرائيل فقال تعالى:{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَـزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ = 93 } [سورة آل عمران 3/93] وقد ذُكِرَ هذا الاسم في القرآن إحدى وأربعين مرة, خمساً وعشرين مرة في السور المكية, وستة عشر مرة في السور المدنية.
وجاء في تاج العروس: "وإسرال: هو مخفف عن إسرائيل ومعناه: صفوة الله وقيل عبد الله وهو يعقوب عليه السلام ." ([32]) وقال السدي أن معناه"سري الله" ([33])
وأخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما : ((.. ولم يكن من الأنبياء من لـه اسمان إلا إسرائيل وعيسى عليهما السلام فإسرائيل يعقوب وعيسى المسيح.)) ([34])
أما بنو إسرائيل فهم: رأوبين - شمعون - لاوي - يهوذا - يساكر - زبولون - يوسف - بنيامين - جاد - أشير - دان - نفتالي .([35])
وقد كون هؤلاء ونسلهم ماعرف فيما بعد بالأسباط الاثني عشر، وفي عهد رحبعام بن سليمان انقسمت مملكة اليهود إلى قسمين:
1- أحدهما: مملكة بني إسرائيل في الشمال، وعاصمتها شكيم وتتكون من جميع قبائل بني إسرائيل ما عدا قبيلتي يهوذا وبنيامين اللتين كونتا المملكة الجنوبية.
2- مملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم.
و عندما يطلق القرآن عليهم لفظ بني إسرائيل فإن هذا يكون في معرض المدح لهم، والتذكير بفضل الله تعالى عليهم، ورضاه عنهم، وماينبغي أن يكونوا عليه، يقول الله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُوا بِمَا أَنْـزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} [سورة البقرة 2/40-41].
وينسب القرآن من آمن منهم إلى هذه النسبة مثل قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ = 10 } [سورة الأحقاف 46/10] في من قال أنها نـزلت في عبد الله بن سلام _ كما في الصحيحين عن عامر بن سعد عن أبيه قال: ((ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام _)) قال: وفيه نـزلت {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [سورة الأحقاف 46/10] ([36]) ، ومن جنس قولـه تعالى: {أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ = 197 } [سورة الشعراء 26/197]
قال الطبري : "عني بعلماء بني إسرائيل في هذا الموضع: عبد الله بن سلام ومن أشبهه ممن كان قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل في عصره." ([37])
واليهود اليوم يطلقون على أنفسهم بني إسرائيل وذلك للدلالات الدينية الخاصة حيث تربطهم بيعقوب نسباً، وحتى يخلعوا على أنفسهم بهذا الوصف معنى القوة والقدرة واكتساب صفات الغلبة، ليتيسر لهم أن يحيوا الحياة التي يريدون، وبالأسلوب الذي يحبونه، وتتعلق به عواطفهم ويتفق واستعدادهم." ([38])
وأما تفصيل وجهة نظرهم الخاطئة فهي كالتالي:
تنسب تسمية "إسرائيل" إلى يعقوب عليه السلام ، حيث ترد في التوراة قصة مفادها أنه خاض عراكاً ضد رجل حتى مطلع الفجر عند جدول صغير في منطقة الأردن يدعى "يبوق"، ولما رأى الرجل أنه لا يقدر عليه، طلب منه أن يطلقه، فقال لـه لا أطلقك حتى تباركني، فباركه وقال لـه "لن يدعى اسمك يعقوب من بعد، بل إسرائيل، لأنك صارعت الله والناس وغلبت." ([39]).
ولفظة إسرائيل مكونة من كلمتين ساميتين قديمتين هما: (إسر) : بمعني غلب، و(إيل) : أي الإله أو الله، وقد أصبحت هذه التسمية مصدر فخر من الناحية القومية لبني إسرائيل وأصبحوا ينسبون أنفسهم لها فيقولون: "بيت إسرائيل" أو "آل إسرائيل" أو "بني إسرائيل"، وكثيراً ما يختصرون التعبير فيقولون "إسرائيل" فقط كما رأينا في مأثور التلمود والاسم العبري لفلسطين هو "إيرتس يسرائيل" أي "أرض إسرائيل".
وبالرغم من أن تيودور هرتسل زعيم الصهيونية السياسية، ورئيس المؤتمر الصهيوني العالمي الأول الذي عقد في مدينة بال بسويسرا عام 1897، لم يتردد في تسمية كتابه المتضمن لدعوته هذه "دولة اليهود" فإن هذه الدعوة الصهيونية آثرت عند الكتابة عن فلسطين أن تسميها "أرض إسرائيل"، حرصاً على تأكيد انتماء هذه الأرض إلى من يزعمون أنهم أسلافهم الأوائل، وهم أبناء يعقوب، أو "بنو إسرائيل".
وعندما أعلنت الصهيونية قيام دولتها في فلسطين في 15 مايو 1948، أطلقت عليها أسم "إسرائيل" وطبع هذا الاسم في الأعداد الأولى من "الجريدة الرسمية" في رأس صحيفة تدعى "إسرائيل"، ولكن بعد أن قامت موجة من النقد تجاه هذه التسمية قامت الحكومة الإسرائيلية بتغيير الاسم إلى "دولة إسرائيل" وإن كان الشائع هو استخدام الاسم المختصر في جميع أجهزة الإعلام الإسرائيلية.
وقد فضل الصهاينة استخدام هذا الاسم "دولة إسرائيل" لدولتهم، بدلاً من الاسم الذي كان قد اختاره هرتسل وهو "دولة اليهود" لأسباب نذكر منها:
إيجاد تناسق بين اسم الدولة، والاسم العبري لفلسطين، وهو "أرض إسرائيل".
إيثار الصفة العنصرية الكافية في اسم إسرائيل على الصفة الدينية في لفظة اليهود.
عدم الرغبة في التذكير بالحدود القديمة لمملكة يهود البائدة، التي لم تكن تشمل إلا القسم الجنوبي من فلسطين من دون ساحل البحر، مما يمثل قيداً تاريخياً للمطامع التوسعية الاستعمارية للصهاينة الذين يريدون أن يضعوا تحت قبضتهم أوسع رقعة ممكنة من الوطن العربي.
وقد خلقت هذه التسمية عدة مشاكل أمام المشرعين الصهاينة، حيث انتقلت صفة الإسرائيلي من الشعب (وهي صفة مذكرة في العبرية) إلى الدولة (وهي صفة مؤنثة في العبرية)، وهو الانتقال الذي أدى إلى انطباق هذه الصفة على كل من يقيم داخل إسرائيل من العرب والمسلمين والنصارى وأرغم السلطات الإسرائيلية على اعتماد هؤلاء العرب المقيمين فيها في عداد المواطنين الذي يتمتعون بالجنسية الإسرائيلية.
وقد أصبح اليهودي المقيم خارج إسرائيل، وفقاً لقانون العودة، الصادرة في 5 يوليو 1950، هو الآخر "إسرائيلياً".
والخلاصة أن الإسرائيلي وفق هذا المفهوم هو أولاً وأخيراً اليهودي المقيم في إسرائيل واليهودي المقيم خارج إسرائيل أيضاً، بشرط أن يكون صهيونياً متمسكاً بالولاء لإسرائيل، ومن هنا اكتسبت لفظة "إسرائيل" في المصطلح السياسي المعاصر دلالة مختلفة تماماً عن الإسرائيلي قبل الصهيونية، والإسرائيلي في بداوة العبريين الأولى. وقد تجدر الإشارة إلى عدم الخلط في إطار تحديد مفاهيم هذه الاصطلاحات بين اصطلاحات مثل "دولة إسرائيل" و "أرض إسرائيل".
إن "دولة إسرائيل" هي اصطلاح سياسي محدد، بينما "أرض إسرائيل" هي اصطلاح جغرافي فدولة إسرائيل يمكن أن تمتد على كل "أرض إسرائيل" أو على جزء من منها، أو حتى على أجزاء ليست تابعة "لأرض إسرائيل" (مثل شرم الشيخ والجولان على سبيل المثال)، ودولة إسرائيل هي الإطار الحاسم بالنسبة للمبدأ الصهيوني. ([40])
رابعاً: أهل الكتاب :
هذا الاسم مما أطلق على اليهود ويشترك معهم فيه النصارى. وقد ورد ذكره في القرآن إحدى وثلاثون مرة وقد عرَّفهم الشهرستاني بقوله: "الخارجون عن الملة الحنيفية، والشريعة الإسلامية ممن يقول بشريعة وأحكام وحدود وأعلام، وقد انقسموا إلى من لـه كتاب محقق مثل: التوراة والإنجيل، وعن هذا يخاطبهم التنـزيل بأهل الكتاب..."([41]).
وعلى تعريف الشهرستاني هم إذن من أنـزل عليهم كتاب سماوي وأرسل فيهم الرسل، وقد كان يقابلهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم الأمميين الذين كانوا على عبادة الأوثان والأصنام فأطلق عليهم هذا الاسم لتمييزهم عنهم، وقد ورد ذكر هذه التسمية في القرآن في معرض الإنكار عليهم، وتذكيرهم بما يجب أن يكونوا عليه، مثل قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} [سورة آل عمران 3/64] الآية. وقوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} [سورة آل عمران 3/70] وغيرها من الآيات.ولكن سياق الآيات وأسباب النـزول الواردة فيها تحدد -غالباً-المقصود بأهل الكتاب.
خامساً: بنو صهيون :
وهذا أيضاً من الأسماء التي تطلق على اليهود، وهو ما تنتسب إليه غالب طوائف اليهود اليوم، وكلمة صهيون هي نسبة الى المنطقة أو الجبل المطل على البيت المقدس. كما في الأثر الذي ساقه الطبري بسنده عن وهب بن منبه قال: ((لما اشتملت مريم على الحمل كان معها قرابة لها يقال لـه يوسف النجار، وكانا منطلقين إلى المسجد الذي عند جبل صهيون، وكان ذلك المسجد يومئذ من أعظم مساجدهم، فكانت مريم ويوسف يخدمان في ذلك المسجد في ذلك الزمان، وكان لخدمته فضل عظيم، فرغبا في ذلك فكانا يليان معالجته بأنفسهما، تحبيره وكناسته وطهوره وكل عمل يعمل فيه، وكان لا يعمل من أهل زمانهما أحد أشد اجتهاداً وعبادة منهما. ([42])
وقال عنه ياقوت الحموي: "موضع معروف بالبيت المقدس محلة فيها كنيسة صهيون، وصهيون أيضاً حصن حصين من أعمال سواحل بحر الشام من أعمال حمص." ([43])
وجاء في قاموس الكتاب المقدس: "صهيون: رابية من الروابي التي تقوم عليها أورشليم، ورد ذكرها للمرة الأولى في العهد القديم كموقع لحصن يبوسي، فاحتل داود الحصن وسماه مدينة داود، وإليها أتي بالتابوت فمنذئذ صارت الرابية مقدسة." ([44])
وأما الصهيونية فهي: منظمة يهودية تنفيذية، مهمتها تنفيذ المخططات المرسومة لإعادة مجد بني إسرائيل -اليهود- وبناء هيكل سليمان، ثم إقامة مملكة إسرائيل ثم السيطرة من خلالها على العالم تحت ملك (ملك يهوذا) المنتظر.
- وقد ظهر مصطلح الصهيونية (Zionism) لأول مرة على يد الكاتب الألماني ناثان برنباوم سنة 1893م.
- في عام 1882م ظهرت في روسيا لأول مرة حركة عرفت باسم ( حب صهيون ) وكان أنصارها يتجمعون في حلقات اسمها (أحباء صهيون) وقد تم الاعتراف بهذه الجماعات في عام 1890م تحت اسم " جمعية مساعدة الصناع والمزارعين اليهود في سوريا وفلسطين وإحياء اللغة العبرية.
- الصهيونية الحديثة وهي الحركة المنسوبة إلى تيودور هرتزل الصحفي اليهودي المجري ولد في بودابست في 2/5/1860م، حصل على شهادة الحقوق من جامعة فينا 1878م، وهدفها الأساسي الواضح قيادة اليهود إلى حكم العالم بدءاً بإقامة دولة لهم في فلسطين. وقد فاوض السلطان عبد الحميد بهذا الخصوص في محاولتين، لكنه أخفق، عند ذلك عملت اليهودية العالمية على إزاحة السلطان وإلغاء الخلافة الإسلامية.
- وقد أقام هرتزل أول مؤتمر صهيوني عاملي سنة 1897م، مستغلاً محاكمة الضابط اليهودي الفرنسي دريفوس الذي اتهم بالخيانة 1894م لنقله أسراراً عسكرية من فرنسا إلى ألمانيا، لكن ثبتت براءته فيما بعد ونجح هرتزل من تصوير المأساة اليهودية في زعمه من خلال هذه الواقعة الفردية وأصدر كتابه الشهير الدولة اليهودية الذي أكسبه أنصاراً لا بأس بعددهم، مما شجعه على إقامة أول مؤتمر صهيوني في بال بسويسرا 29-31/8/47 وقد علق عليه بقولـه : "لو طلب إلى تلخيص أعمال المؤتمر فإني أقول بل أنادي على مسمع من الجميع إنني قد أسست الدولة اليهودية." ونجح في تجميع يهود العالم حولـه، كما نجح في جمع دعاة اليهود الذين صدرت عنهم أخطر مقررات في تاريخ العالم وهي بروتوكولات حكماء صهيون المستمدة من تعاليم كتب اليهود المحرفة التي يقدسونها، ومن ذلك الوقت أحكم اليهود تنظيماتهم وأصبحوا يتحركون بدقة ودهاء وخفاء لتحقيق أهدافهم التدميرية التي أصبحت نتائجها واضحة للعيان في زماننا هذا.
وللمنظمة الصهيونية جانبان مهمان :ديني وسياسي
أما الجانب الديني فيتلخص فيما يلي :
1- إثارة الحماس الديني بين أفراد اليهود في جميع أنحاء العالم، لعودتهم إلى أرض الميعاد المزعومة ( أرض فلسطين).
2- حث سائر اليهود على التمسك بالتعاليم الدينية والعبادات والشعائر اليهودية والالتزام بأحكام الشريعة اليهودية.
3- إثارة الروح القتالية بين اليهود، والعصبية الدينية والقومية لهم للتصدي للأديان والأمم والشعوب الأخرى.
أما الجانب السياسي فيتلخص فيما يلي:
1- محاولة تهويد فلسطين (أي جعلها يهودية داخلياً) وذلك بتشجيع اليهود في جميع أنحاء العالم على الهجرة إلى فلسطين وتنظيم هجرتهم وتمويلها، وتأمين وسائل الاستقرار النفسي والوظيفي والسكني وذلك بإقامة المستوطنات داخل أرض فلسطين (وهي عبارة عن مجمعات سكنية حديثة كاملة المرافق تمولها الصهيونية من تبرعات اليهود والدول الموالية لهم في العالم)، وتوطيد الكيان اليهودي الناشئ في فلسطين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
2- تدويل الكيان الإسرائيلي في فلسطين عالمياً ، وذلك بانتزاع اعتراف أكثر دول العالم بوجود دولة إسرائيل في فلسطين وشرعيتها، وضمان تحقيق الحماية الدولية لها، وفرضها على العالم، وعلى المسلمين على وجه الخصوص. لذلك نجد أن الصهيونية تقوم بدور رئيس في دفع أمريكا وروسيا وأكثر الدول في أوربا لحماية إسرائيل سياسياً وعسكرياً ودعمها اقتصادياً وبشرياً، فبالرغم من أن أمريكا ودول أوربا - دول نصرانية - ، وبالرغم من أن روسيا شيوعية تحارب الأديان وبالرغم –أيضاً- من أن شعوب هذه الدول تكره اليهود بحق إلا أنها لا تزال تحمي دولة إسرائيل وتدعمها. وما ذك إلا بتأثير الصهيونية الواضح.
3- متابعة وتنفيذ المخططات اليهودية العالمية السياسية والاقتصادية، خطوة بخطوة، ووضع الوسائل الكفيلة بالتنفيذ السريع والدقيق لهذه المخططات، ثم التهيئة لها إعلامياً وتمويلها اقتصادياً، ودعمها سياسياً.
4- توحيد وتنظيم جهود اليهود في جميع العالم أفرادً وجماعات ومؤسسات ومنظمات، وتحريك العملاء والمأجورين عند الحاجة لخدمة اليهود وتحقيق مصالحهم ومخططاتهم.
هذه أهم أهداف وأساليب الصهيونية بإيجاز. ([45])
-------------------------------------------------
([1]) تفسير الطبري ( 1 / 248 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 153 ) إسناده ضعيف لضعف ابن حميد انظر: تهذيب الكمال 25/97 والتقريب 2/96.
([2]) تفسير الطبري ( 1 / 248 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 182 ) - فتح الباري (8/165) إسناده ضعيف.
([3]) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 95 ) إسناده ضعيف.
([4]) تفسير الطبري ( 1 / 318 ) - تفسير الطبري ( 9 / 79 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 182 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 251 ) .
([5]) تفسير الطبري ( 1 / 318 ) - تفسير الطبري ( 9 / 79 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 182 ) - تفسير ابن كثير ( 2 / 251 )
([6]) تفسير الطبري ( 9 / 78 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1577 ) - صحيح البخاري ( 4 / 1695 )
([7]) تفسير الطبري ( 9 / 78 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 5 / 1577 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 571 )
([8]) تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 95 ) إسناده ضعيف
([9]) تفسير الطبري (1/488) - تفسير ابن أبي حاتم (1/204) - تفسير الدر المنثور (1/260) إسناده ضعيف.
([10]) تفسير الطبري ( 3 / 302 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 2 / 669 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 234 )
([11]) تفسير الطبري ( 3 / 305 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 234 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)
([12]) تفسير الطبري ( 4 / 52 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/452-453) تفسير الدر المنثور ( 2 / 296 ) إسناده ضعيف.
([13]) تفسير الطبري ( 4 / 203 ) - تفسير عبد الرزاق ( 1 / 141 )
([14]) فسير الطبري ( 21 / 129 ) إسناده ضعيف.
([15]) تفسير الطبري ( 12 / 213 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 503 )
([16]) تفسير الطبري ( 1 / 248 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 182 ) - فتح الباري ( 8 / 165 ) إسناده ضعيف.
([17]) تفسير الطبري ( 12 / 214 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 7 / 2143 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 503 )
([18]) تفسير الطبري ( 21 / 3 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 9 / 3070 ) - تفسير الدر المنثور ( 6 / 469 ) - تفسير ابن كثير ( 3 / 417 )
([19]) تهذيب الأسماء واللغات للنووي ج: 3 ص: 357
([20]) صحيح البخاري ج: 3 ص: 1434
([21]) رواه البخاري ج:1 ص:465 وله عدة روايات
([22]) لسان العرب ج: 3 ص: 439
([23]) تفسير ابن أبي حاتم الجزء: 5 الصفحة: 1577
([24]) تفسير الدر المنثور ج:1 ص:182.
([25]) تفسيرابن كثير، ج2/334.
([26]) القرطبي، 2/74.
([27]) صحيح البخاري ح 1319
([28]) ابن منظور، لسان العرب، ج15/155-156.
([29]) قاموس الكتاب المقدس، ص 1085.
([30]) الملل والنحل، ج1/250.
([31]) د.أحمد سوسه، مفصل العرب واليهود في التاريخ، الطبعة الخامسة، 1981م، دار الحرية للطباعة، ص 505. وفصل في التسمية د. رفقى زاهر، قصة الأديان، دراسة تاريخية مقارنة، الطبعة الأولى، 1400هـ/ 1980م، دار المطبوعات الدولية، ص 33 .و إسرائيل ولفنسون، تاريخ اللغات السامية،الطبعة الأولى،دارالقلم1980م،بيروت،ص 77.
([32]) الزبيدي، تاج العروس، تحقيق: إبراهيم الترزي 1393هـ-1972، 10/52.
([33]) تاريخ الطبري ج:1 ص:192 وقال في قصة يعقوب صلی الله علیه وسلم :.. فكان يسري بالليل ويكمن بالنهار ولذلك سمي إسرائيل وهو سري الله.
([34]) المستدرك على الصحيحين ج:2 ص:405 وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
([35]) تفسير ابن أبي حاتم جزء : 1 صفحة : 243 ورواه عن ابي العالية وغيره.
([36]) رواه البخاري 3812 ومسلم 2483.
([37]) تفسير الطبري جزء : 19 صفحة : 113
([38]) صابر طعيمه، اليهود في موكب التاريخ، مكتبة القاهرة الحديثة، ص54.
([39]) سفر التكوين 23:20 وما بعدها
([40]) د. عبد الوهاب المسيري، ، موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية 1975. وموسوعة اليهود واليهودية والصهيونة لـه ايضا الموسوعة الفلسطينية، المجلد الثاني، 1984.
([41]) الملل والنحل، ج1/247.
([42]) تفسير الطبري ( 16 / 64 ) باختصار
([43]) معجم البلدان ج:3 ص:436
([44]) قاموس الكتاب المقدس، ص 558 .
([45]) انظر كتاب الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة، للشيخين: ناصر القفاري وناصر العقل والموسوعة الميسرة في الأديان للندوة العالمية للشباب الاسلامي1/529.