السؤال:
أنا شابٌّ في أواخر العشرينيات، تخرَّجتُ في كلية الهندسة، واستلمتُ وظيفتي - والحمد لله - وأخبرتُ أهلي بأني أُريد الزواجَ؛ لأصونَ نفسي، فرفضوا! وقالوا لي: لن تتزوَّج إلا بعد سنتين أو ثلاث!
عندما أسألهم عن السبب، يقولون: أنت لم تفعلْ لنا شيئًا، أَرِحْنا، وبعد ذلك تزوَّج، وأنا أخاف على نفسي الضَّياع، وأريد العفَّة، فإذا رفضتُ قرارَهم وتزوَّجتُ.
فهل هذا يعتبر مِن عُقُوق الوالدين؟
الإجابة:
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فممَّا لا شك فيه - أخي الكريم - أنَّ طاعة الوالدين ورضاهما مِن أوْكَدِ الحقوق وأوجبها؛للأدلَّة الصريحة مِن الكتاب والسُّنَّة الآمِرة بذلك، وإغضابَهما مِن أعظم الذنوب التي تُوجِب غَضَبَ الله عز وجل؛ فعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رضا الرَّبِّ في رضا الوالد, وسخط الرب في سخط الوالد»؛ (رواه الترمذي).[1]
قال المُنَاوي في "فيض القدير":"لأنه تعالى أَمَرَ أن يُطاع الأب ويكرم، فمَن امتثل أمْر الله فقد برَّ الله وأكرمه وعظَّمه؛ فرضي عنه، ومَن خالف أمره، غَضِب عليه"؛ اهـ.
والمرءُ قد يعذر أهلك في هذا الطلب الغريب؛ لأنهم أنفقوا عليك حتى تعلَّمتَ، وبعد تخرُّجك فكَّرتَ في الزواج، وكان الواجبُ في ظنِّهم أن تتمهَّل - قليلًا - لتردَّ لهم شيئًا مما فعلوه معك، ولكن نسوا أن هذه سُنة الحياة، لذلك فأنا أطلب منك أن تُطمئنهم - بالفعل قبل القول - أنك لن تتخلَّى عنهم، وزواجُك لا يعني التملُّص مِن حقوقهم، أو جحد فضلِهم بعد أن ربَّوْك وأنفقوا عليك حتى أصبحتَ مهندسًا، فاقتَطِع لهم جزءًا من راتبك - ولو قليلًا - ليشعروا بتعاوُنك معهم، وعدم تخلِّيك عنهم، فكثيرٌ من الآباء غايةُ ما يرجوه مِن أبنائه هو أن يشعروا به.
ولتَسْلُك معهم سبيلَ الإقناع لتحقيق مُرادك، واستخدِم كافَّة الأساليب الحسنة، والطرُق الحكيمة؛ لكَسْب رضا والديك، وموافقتهما على زواجك، وبيِّن لهما بغير مُوارَبَةٍ حاجتك للزواج، وخشيتك على نفسك،وأنَّ الشرع اهتمَّ بالزواج، وأخبر أنه يتحقَّق به كثيرٌ مِن مَصالح الدين والدنيا؛ فهو صيانةٌ للنفس مِن الفِتَن، وتحصين للفرج مِنَ الحرام، وطاعة لرسولنا - صلى الله عليه وسلم - حين قال: «يا معشرَ الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فلْيتزوَّج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأَحْصَنُ للفرج، ومَن لم يستطعْ، فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاء» (متفق عليه)، بل إنَّ الشرعَ قدَّمَه على طاعة الوالدين؛ إن خشي الوقوع في الزِّنا؛ قال القرطبي -رحمه الله تعالى-: "المستطيعُ الذي يخاف على نفسه ودينه مِن العزوبة؛لا يرتفع عنه ذلك إلا بالتزويج -لا يختلف في وجوب التزويج عليه". اهـ.
فواصلْ جهودَك في إقناع والديك، ولا تَيْئَس مِن ذلك، وعليك بكافة الأساليب الحسنة، والطرُق الحكيمة؛ ومن ذلك: التودد إليهما، وحُسن التعامل معهما، واللين في القول لهما، وتذكيرهما بنصوص الشرع الحاثة على النكاح، فإن استمرُّوا في رفْضِهم، فلك أن تتزوَّج بغير موافقتهم.
_____________
[1] حسَّنه الألباني في "السلسلة الصحيحة"، ورواه الطبرانيُّ بلفظ: «رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما».