السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لديَّ إحدى قريباتي مِن بيت تقوى وصلاح، والدتُها مِن الداعيات، ووالدها رجلٌ صالحٌ - نحسبهما كذلك، ولا نزكيهما على الله - والفتاةُ تصغرني بخمسِ سنوات تقريبًا، كانتْ متفوقةً في دراستها، ومحبوبة من الجميع، واجتماعية.
قبل سنوات شاهَد أحدُ إخوتها فيلمًا إباحيًّا مع أصدقاء السوء، وثارتْ شهوته، ولم يجدْ ما يفرغ فيه تلك الشهوة إلا هذه المسكينة! فقام بإجبارها على ذلك - في غياب والديه - فرضختْ له بالقوة، وأخذ ما يُريد منها، وبعد ذلك أخبرتْ هي والديها بما حصل، ومنذ ذلك الحين أصبح وضْعُ الأسرة سيئًا!
أما الفتاةُ فقد ساءتْ حالتُها النفسية جدًّا جدًّا، وأصبحت انطوائيَّة، ولا تتكلم مع أحدٍ، حتى مستواها الدراسي أصبح سيئًا جدًّا، ولا تريد الذهاب إلى المدرسة، وتقول: ليس لديها صديقات، وأخوها المعتدي هذا ترَك الدراسة، وأصبح سجين البيت والعقاقير النفسية - ولا حول ولا قوة إلا بالله!
أنا الوحيد مِن العائلة الذي أعرف ما حدَث لها، ولم أخبرْ أحدًا، ووالداها يحبانني كثيرًا، ويحترمانني جدًّا، ولا يعلمانِ بأني عَرَفتُ ما حدث لها!
سؤالي:
1- هل يصلح أن أتزوَّج بهذه الفتاة؟
2- وهل بزواجي منها سيصلح حالُها، وترجعُ الفرحةُ إليها وإلى ذلك البيت الصالح مرةً أُخرى؟
3- وهل بزواجي منها ستتحسَّن حالتُها النفسيةُ، وتستطيعُ أن تربي أطفالًا، أو أنها تحتاج إلى جلسات مع طبيبة نفسية؟
أنا أشعر بالمسؤولية، والشفقة تجاهَهَا، وأشعر أن الله لم يطلعني عَلَى ما حدث لها عبثًا.
وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:
فشكر الله لك تلك المروءة والشهامة، والإحساس العالي بالمسؤولية والنجدة، والرحمة التي وعد الله أن يرحم أهلها، وهي حقًّا خطوة رائعة نحتسب عند الله أن يجزلَ لك بها المثوبة، وأن يعظمَ أجرك بهذا القصد الحسن، والعمل الصالح.
وبعد - أيها الأخ الكريم - فما أن قرأتُ رسالتك حتى تذكرتُ قوله تعالى: {
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة: 30]؛ فإنَّ ملائكةَ الباري -سبحانه- ظنُّوا أن الإنسان المستخلَف في الأرض سيفسدُ فيها وحسب، وأنهم قائمون بعبادته -سبحانه- على وجهٍ خالٍ من المفسدة، وغابتْ عنهم الحكمُ البالغة من خلق الإنسان؛ فأجابهم الله تعالى: {
إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}؛ فكلام السَّفَرة الكرام البَرَرة بحسب ظنهم، ولكن الله تعالى عالم بالظواهر والسرائر، وعالم الخير الحاصلِ من خلق الإنسان، وأنه أضعاف أضعاف ما يتضمنه مِن شر؛ ومن ذلك الخير: أن الله اجتبى منهم الأنبياء، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحصلتْ أنواع العبادات الكبيرة؛ كالجهاد في سبيل الله، وبذل المُهَج رخيصة فيه - سبحانه - وأظهر ما كمن في غرائز الإنسان من الخير والشر بالابتلاء، ومن تلك العبادات الكبار إغاثة الملهوف، وتفريج المكروب، ورحمة الخلق، يُدرك هذا مَن تدبَّر قوله تعالى: {
أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}؛ فهنيئًا لك تلك النفس العالية، والإنسان كبير النفس تطلب همته الأمور العالية؛ كما قال المتنبي:
وَإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبَارًا تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الْأَجْسَامُ
فأَقدِم على ما نويتَ عليه في مُساعدة تلك المسكينة، وجبر كسرها، وتعويضها؛ وخاصةً أنها امرأة متديِّنة، ومن أسرةٍ ملتزمة، وتوكَّل على الله، وتقدَّم إليها في أسرع وقت، ما دمتَ مُستعدًّا لذلك، وكنْ على يقين أن حالتها النفسية ستتحسَّن بمجرد معاملتك الحسنة، وعاطفتك الجياشة التي ستغمرها وتنسيها ذلك الحادث الأليم؛ وسيكون كل هذا الدفء كفيلًا بإذابة الجليد المتراكم إثر الصدمة النفسية، ولا بأس أن تُرَاجِعَا معًا إحدى الطبيبات النفسيات؛ لإعادة تأهيل نفسها مرةً أخرى، وإعادتها إلى ما كانتْ عليه من استقرار وأمنٍ وصفاء، وكل هذه أمورٌ سهلة وميسورة - بفضل الله - فما بالك بمَن يقدم على هذا - وهو حسن الظن بالله - طمعًا فيما أعده الله لمن أغاث الملهوف، وفرَّج عن المكروب؟!
فتوكَّل على الله، واعلم أنك بموقفك هذا سيفتح الله لك أبوابًا مِن الرِّزق والسعادة، والأمن والاستقرار؛ الذي قد لا تجده مع غيرها - إن شاء الله - تحقيقًا لا تعليقًا، وضعْ أمامك هذا الحديث الشريف: "
إن الخير لا يأتي إلا بالخير"(صحيح البخاري).