أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي، هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فقد قسم العلماء الذنوب إلى صغائر وكبائر، والفرق بين الصغائر والكبائر أن الكبائر ورد عليها التهديد بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب, كما أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة ولا تكفرها مجرد الأعمال الصالحة كما هو الحال مع الصغائر، فقد ورد أن الصغائر تكفرها الصلاة إلى الصلاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة و رمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) [رواه مسلم وغيره]. ثم اعلم أخي المسلم وفقك الله أن اللعن الذي ذكر على بعض الذنوب في القرآن أو في السنة يجعل هذه الذنوب تعد من كبائر الذنوب. واللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله. ولا يكون ذلك إلا لله وحده، فهو حقه سبحانه أن يطرد من يشاء من رحمته أو يدخل من يشاء في رحمته، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ولكنه سبحانه لم يلعن إلا من يستحق اللعن والطرد من رحمته. وقد لعن الله في كتابه بعض مرتكبي المعاصي فمن ذلك مثلاً قوله تعالى فيمن قتل مؤمناً متعمداً بغير حق: وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93]. وقال تعالى في الظالمين: لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ [الأعراف:44]. وقال تعالى في الكافرين: إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً [الأحزاب:64]. وغيرها من الآيات. وأما في السنة المطهرة فقد ورد اللعن لكثير من المعاصي التي تعد من كبائر الذنوب، فلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابها ليعلم هؤلاء قبح ما عملوا وشناعة ما صنعوا حتى يرجع أصحاب تلك المعاصي إلى الله ويتوبوا إليه قبل أن يريد أحدهم التوبة فلا يتمكن من ذلك. وأذكر لكم جملة من الأحاديث الواردة في اللعن على بعض الذنوب أي لعن مرتكبيها وهي كما أشرنا تعد من كبائر الذنوب ويجب التوبة منها. أولاً: لعن زائرات القبور من النساء، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن زائرات القبور" وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن زوارات القبور". وزيارة القبور اليوم عند كثير من النساء على أنها من المنكرات فإنه يحصل فيها من المنكرات التي تضاف إلى نفس الزيارة الشيء الكثير. فمن ذلك مثلاً دعاء صاحب القبر وطلب الولد والرزق، والطواف والذبح وغير ذلك كثير والله المستعان. وكل تلك الأمور التي ذكرت من الشرك بالله تعالى. ثانياً: لعن المتخذين القبور مساجد، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخذين على القبور المساجد، وقد تواتر عنه ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة وابن عباس وأبي هريرة وزيد بن ثابت وأبي عبيدة ابن الجراح وأسامة بن زيد. ومعنى اتخاذ القبور مساجد له ثلاثة أشكال: 1- الصلاة على القبور بمعنى السجود عليها. 2- السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء. 3- بناء المساجد عليها وقصد الصلاة فيها. وهذه الأمور كلها محرمة بل هي من كبائر الذنوب، وأهلها قد وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم شرار الخلق كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد)). وانظر اليوم إلى كثير من بلدان العالم الإسلامي، كم من المساجد قد بنيت على قبر. وكم من المساجد دفن فيها أموات. وأدى هذا إلى عودة المظاهر الشركية التي حذر منها رسولنا . ثالثاً: كذلك ورد لعن من ذبح لغير الله، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال حدثني رسول الله بكلمات أربع وذكر منها: ((ولعن الله من ذبح لغير الله)) [رواه مسلم]. وكم من المسلمين اليوم يذبحون للأموات. وكم منهم يذبحون للجن بأمر السحرة الذين يذهبون إليهم. فيقول الساحر: اذبح تيساً ولا تسم الله عليه، أو اذبح ديكاً لونه كذا ولا تسم الله عليه. وهذا أيها الموحدون ذبح للجن. رابعاً: ورد لعن من لعن والديه، ففي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((لعن الله من لعن والديه)) وقد تعجب أصحاب الفطر السليمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم تعجبوا وقالوا: وكيف يلعن الرجل والديه؟ واستنكروا هذا أشد الاستنكار فبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل قد يكون سبباً في لعن والديه فقال عليه الصلاة والسلام: ((يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه)) فيكون بذلك متسبباً في لعن والديه فهو ملعون. وأما نحن فنقول كيف لو رأى أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم كيف لو رأوا بعض الناس اليوم ممن يلعنون والديهم ويسبونهم مباشرة ماذا تراهم كانوا سيقولون؟! عباد الله: لقد وجد بعض الناس في أيامنا هذه ممن يسبون والديهم بل وربما سمع البعض منا عمن ضرب والديه نسأل الله العافية. وليبشر هؤلاء بالجزاء من لدن رب العالمين الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض. وذلك أن رسول الله قد أخبر أن عقوبة العقوق لا تؤجل ليوم القيامة، بل إنها عقوبة تعجل لصاحبها في الدنيا قبل أن يلقى الله، ثم إذا كان يوم القيامة لقي جزاءه أيضاً، فعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم)) [رواه أبو داود]. خامساً: لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)) [رواه البخاري]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل)) وجاء في بعض الروايات تسمية المتشبه من الرجال بالنساء بـ(المخنث) فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء. وقال: أخرجوهم من بيوتكم...)) الحديث. وتأمل أخي الكريم وفقك الله حال الأمة أجمع في أيامنا هذه وما وصل إليه الكثير من شبابنا في تشبههم بالنساء، فلبس بعضهم لبسة النساء، ومشى بعضهم مشية النساء، بل ووجد من الشباب من يضع المساحيق على وجهه تماماً مثل النساء. وكذلك وجد من يهتم بشعره كاهتمام النساء بشعورهن، فأصبح شعره هو شغله الشاغل، ينام وهو يصففه، ويصحو ليصففه. وحدث كذلك عن النساء ولا حرج. فقد تشبه الكثير من نساء المسلمين بالرجال في لبسهن، وتأمل مثلاً مدى انتشار لبس ما يسمى بـ (البنطلون أو البنطال) الذي هو أصلاً من لبس الرجال، مع انتشار الفتوى من العلماء بعدم جواز لبسه للنساء لأنه تشبه بالرجال، ولكن لا حياة لمن تنادي. وتأمل كذلك ما يفعله كثير من النساء بشعورهن، فقد قامت كثير من النساء بقص شعرها مثل الرجال وإزالة تلك الخصيصة التي خصها بها الله وفرق بها بينها وبين الرجال. ولكن لا الرجال رضوا بما قسم الله لهم، ولا النساء رضين بما قسم الله لهن، والله المستعان. |