الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى أصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فإن أول هذه الأمور الخمسة التي يجب عليك أن تتبعها مع الوالدين وفيها يتجلى إحسانك إليهما. أولاً: ألا تتأفف من شيء تراه أو تشمه من أحدهما أو منهما مما يتأذى به الناس ولكن اصبر على ذلك منهما واحتسب الأجر عليه من الله جلا وعلا، واحذر الضجر والملل القليل والكثير وعليك بالرفق واللين معهما والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً. ثانياً: أن لا تنغص ولا تكدر عليهما بكلام تزجرهما وتنهرهما به، وفي هذا منع من إظهار المخالفة لهما بالقول على سبيل الرد عليهما والتكذيب لهما، يمتنع تماماً أن تخالفهما بقولك رداً عليهما أو مكذباً لهما. يمتنع هذا تماماً ويمتنع عليك أن تنغص وتكدر عليهما بكلام تنهرهما وتزجرهما به. ثالثاً: أن تقول لهما قولاً كريماً حسناً طيباً مقروناً بالاحترام والتعظيم مما يقتضيه حسن الأدب وترشد إليه المروءة، كأن تقول: يا أبت ويا والدي أو يا أماه ويا والدتي، ولا تدعوهما بأسمائهما ولا ترفع صوتك أمامهما ولا تحدق فيهما بنظرك، بل يكون نظرك إليهما نظر لطف وعطف وتواضع. رابعاً: أن تدعو الله أن يرحمهما برحمته الواسعة كفاء رحمتهما بك وجميل شفقتهما عليك. خامساً: أن تتواضع لهما وتتذلل وتطيعهما فيما أمراك به ما لم يكن معصية لله وتشتاق وترتاح إلى ما يطلبانه وبذله وتشتاق وترتاح إلى ما يطلبانه منك من حطام الدنيا الفانية رحمة منك بهما وشفقة عليهما وعلى ضعفهما، فقد أكد جلا وعلا التوصية على الوالدين من وجوه كثيرة وكفاهما أن شفع الله الإحسان إليهما بالأمر بتوحيده، ونظمها في سلك واحد قضى بهما معاً. وأما ما جاء في سنة رسول الله من الحث على بر الوالدين فهو كثيرٌ كثير، من ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة)) أي رغم أنف من أدرك والديه في سن الكبر فلم يفعل معهما ما يوجب دخوله الجنة بل عقهما وفعل معهما ما يوجب تعذيبه وما يوجب سخط الله تبارك وتعالى وغضبه عليه. رغم أنفه إلى غير ذلك من الأحاديث التي أكد فيها رسول الله ما أكده الله عز وجل في الآيات السابقة من كتابه تبارك وتعالى من التوصية ببر الوالدين. وليس بر الوالدين مقصوراً عليهما في الحياة فقط بل يتعدى إلى ما بعد وفاتهما، ففي سنن أبي داود وفي صحيح ابن حبان عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله إذا جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي علي من بر والدي شيءٌ أبرهما به بعد موتهما؟ قال: ((نعم، الصلاة عليهما، يعني الدعاء لهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وصلة الرحم التي لا صلة لك إلا من قبلهما وإكرام صديقهما)). ولذلك جاء عن ابن عمر أنه وهو في طريقه إلى مكة ومعه من بين من معه من التابعين عبد الله بن دينار، فلقي ابن عمر أعرابياً، فنزل عن حماره، وأركبه إياه، وأعطاه عمامته،فقال له ابن دينار: يا أبا عبد الرحمن يرحمك الله إن هذا من الأعراب، وهم يكفيهم القليل. فقال له ابن عمر: إن أبا هذا كان وداً لعمر بن الخطاب، كان صديقاً له وصاحباً له وكانت بينهما مودة وإن رسول الله قال: ((من بر الولد لوالديه أن يبر أهل ودهما أو كما قال عليه الصلاة والسلام)). فيا عباد الله أحسنوا إلى الوالدين ما أمكنكم الإحسان، وكونوا معهما في غاية الأدب والاحترام واحذروا سوء الأدب معهما وإلا هويتم في هوة شقاء ما لها من قرار، وكونوا معهما على أفضل ما يكون إجلالاً واحتراماً، وإن حصل منهما لكم ظلم فلا تبادلوهما بظلمهما، بل عليكم ببرهما مهما حصل منهما، إنما الذي يرخص لك يا عبد الله فيه ألا تطعهما إن أمراك بمعصية لله عز وجل، وما عدا ذلك فبرهما واجب لا يزول مهما حدث منهما، نعم، لأنهما هما اللذان لولا الله ثم إياهما لما خرجت إلى هذا الوجود، وهما اللذان سخرهما الله لك، فصبرا على ما لقيا من الأهوال، فالله الله في الوالدين وفي برهما، فمن كان الوالدان في حاجته اليوم منا، غداً يكون في حاجة أبنائه، وكما تدين تدان. وقال الله في الآية الرابعة والأربعين من سورة الروم: من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا واغفر لنا ما مضى من ذنوبنا وارزقنا عملاً زاكياً ترضى به عنا وخذ إلى الخير نواصينا واختم لنا بخير واجعل عواقب أمورنا إلى خير وتوفنا وأنت راضٍ عنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وآمنا في أوطاننا ودورنا وانصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان واشف مرضانا وارحم موتانا وعليك بمن عادانا وبلغنا بما يرضيك آمالنا واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا وصلِ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه. وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. |