عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت الآخرة همَّه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له)) رواه الترمذي. أيها الإخوة: جاء في سنن ابن ماجه أن معاوية زار أبا هاشم وهو طعين فبكى أبو هاشم. فقال معاوية: ما يبكيك؟ أي خال أوجع يشئزك أم على الدنيا فقد ذهب صفوها؟ قال: على كلٍ لا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهداً وددت أني كنت تبعته قال: ((إنك لعلك تدرك أموالاً تقسم بين أقوام، وإنما يكفيك من ذلك، خادم ومركب في سبيل الله)) فأدركت وجمعت. لاحظوا أيها الإخوة: ما يبكي الصحابة؟ إنه يبكي على شيء من الأموال جاءتهم من الفتوحات والتي أفاء الله بها عليهم، جاءتهم الأموال وجاءتهم الدنيا وهي راغمة لأن همهم كان هو الدين .. همهم الآخرة لم يكن همهم الدنيا ولا المناصب، سعوا للآخرة .. انطلقوا بهذا الدين في جميع أنحاء المعمورة داعين إلى الله ومجاهدين في سبيله، فجمع الله لهم بين العز والرفعة والسؤدد، وبين الغنى والملك، ورغم ذلك يبكون على أنهم نالوا شيئاً من الدنيا زيادة على حاجتهم الضرورية. فما هو حالنا هذه الأيام. ما هو حال المسلمين اليوم؟ كم عدد الذين يحملون هم الدين؟ وكم هم الذين يحملون هم الآخرة بين الأمة يحملون إلا هموماً دنيوية زائلة؟ قال الله تعالى: فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم هدفهم الدنيـا، يتعلم للدنيـا ويخرج فلا يفكر ولا يخطط إلا للدنيا، للسيارة – للعمارة – للوظيفة- للثروة – للجاه. وربما ينحط في تفكيره وتخطيطه .. فلا يحمل إلا هم المباريات وفوز فريقه، فيوالي ويعادي في ذلك، لا راية له إلا راية الفريق، ولا إخوان له إلا مشجعي الفريق الذي يشجعه ومن عداهم فهم خصوم وأعداء. ليس معنى كلامي هذا أيها الإخوة أن الإنسان لا يسعى في الحياة الدنيا ويطلب الرزق الحلال ويفكر في بناء بيت وشراء سيارة لا .. إنما أقصد من كلامي هـذا أن المسلم يجب أن يكون همه الأول والأخير هو الدين هو التوحيد .. هو الآخرة والفوز بالجنة، ولا بأس أن يدرس ويتعلم ويتخرج ويطلب الرزق ويتخرج ويعمر ويركب سيارة فارهة ويلبس اللباس الجميل ويستمتع بما أحل الله من متع الحياة الدنيا وكل ذلك يكون تحت مظلة الاهتمام بالـدين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين أما من جعل الدين وراء ظهره ولا هم له إلا الدنيا فقد قال الله تعالى فيهم: إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا وأطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون . أيها الإخوة: جاء في سنن ابن ماجه عن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: ((من جعل الهموم هماً واحداً، هم المعاد، كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحــوال الدنيا، لم يبال الله في أي أو ديته هلك)). وجاء في الحديث القدسي قول الله تعالى: ((يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلاً، ولم أسد فقرك)). إذاً أيها الإخوة: الأصل أن يكون الدين هو الاهتمام الرئيس في حياة المسلم وتأتي الأمور الأخرى تابعة لذلك الاهتمام فبؤرة التركيز والتفكير والتخطيط عند المسلم هو الإسلام، فيبدأ بنفسه بإصلاح نفسه، بإصلاح عقيدته، بتجديد توحيده لله تعالى وسلوك الصراط المستقيم والسعي في تحقيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم في جميع عباداته، ثم ينتقل إلى تعليم من يعول وجيرانه، مع الاهتمام بأمور المسلمين في جميع بقاع الأرض والتفكير فيهم، فهم إخواننا وإن اختلفت اللغات أو الجنسيات فيساعدهم بقدر المستطاع وأقلها الدعاء لهم بظهر الغيب في صلاته وفي قيامه وآخر الليل. أيها الإخوة: كان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وهمه الوحيد إقامة الدين وكذلك كان هم الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما أنا والدنيا! إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة. ثم راح وتركها)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا ملعونة. ملعون ما فيها، إلا ذكـر الله وما والاه أو عالماً أو متعلماً)). والصحابة كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الآخرة وعن الجنة وما يقربهم إليها ويقدمون أنفسهم وأموالهم في سبيل الله. جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك)). فتذكر أخي المسلم هذا الأمر واجعل همك الآخرة، اجعل همك الدين ونصرة الدين وإخوانك المسلمين وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له. ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة)). فاللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا يــا رب العــالمين. |