الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: إن الخليفتين عثمان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما بطلان من أبطال المواجهة .. وهما شهيدان من أهل الجنة. كانت أول مواجهة لعثمان حينما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية إلى مكة حينما منعت قريش النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من دخولها، فأوفد عثمان ليخبرهم أنما جاء للعمرة وليس للحرب. وذهب عثمان رضي الله وبلغ رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أجاره أبان بن سعيد فقالت قريش إن أردت أن تطوف بالبيت أنت فافعل، ولكنه قال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول صلى الله عليه وسلم فاحتبسته قريش، وعندها أشيع أنه قتل .. فكان سبباً في بيعة الرضوان: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة . وأما المواجهة الثانية: فهي التي كانت في خلافته رضي الله عنه. فبعد أن قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعهد إلى ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم عثمان على أن يكون الأمر بينهم، فاختير عثمان وبويع بالخلافة واستمرت الفتوحات في عهده، وكان هناك من المنافقين وممن أظهر الإسلام من يكيد للإسلام. وبعد مرور عشر سنوات على خلافته رضي الله عنه ظهر شخص يدعى عبد الله بن سبأ من يهود اليمن أظهر إسلامه أمام الناس وأخذ يؤلب الغوغاء وعامة الناس على الخليفة عثمان ويثير بعض الشبهات حوله وهكذا استمر متنقلاً بين بلاد المسلمين حتى جمع حوله من هؤلاء الغوغاء أمة - بضعة آلاف - فجاء إلى المدينة وحاصر بيت عثمان رضي الله عنه، فأراد الصحابة أن يدافعوا عن عثمان. ولكنه رفض ذلك. وكان بإمكان الخليفة وضع حراسة مشددة حوله وتأليب أهل المدينة على هؤلاء الغوغاء ومناجزتهم بالسيوف، لكنه لم يفعل، وأقسم على الناس ألا يتدخلوا في هذا الأمر، وقال: إنه مستعد لمواجهتهم وحده، فخرج إليهم من فوق السور، وذكرهم بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وما فعله معه من توسعة المسجد النبوي، وشراء البئر ليشرب منها المسلمون، وتجهيز الجيش حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم)). قالوا: نعم، نشهد بهذا، قال: الله أكبر، لقد شهدوا، فانفضوا من حوله. ولكن المنافق الذي خطط للعملية وأمثاله لا يريدون هذا بل يريدون أن تسفك الدماء الزكية الطاهرة. فعمل حيلة بأن كتب كتاباً مزوراً بلسان الخليفة إلى والي مصر بأن يقتل هؤلاء الذين جاءوا وحاصروه في المدينة. وأعطى الكتاب أحد أعوانه من خدم عثمان رضي الله عنه، وأخذ هذا الذي يحمل الكتاب يتظاهر أمام الناس بالخوف والترقب والحذر .. فقال أتباعه: من هذا؟ ولماذا يظهر عليه الخوف؟ فاعترف بأن لديه كتاباً من الخليفة إلى واليه على مصر، فأخذوه منه فانقلبوا إلى عثمان وحاصروه مرة أخرى في داره .. فأنكر عثمان الكتاب وقال لا علم لي به وأنه مزور، لكنهم اقتحموا عليه داره، وقتلوه وهو يقرأ القرآن، عليهــم من الله ما يستحقون. لقد رضي عثمان رضي الله عنه بأن يصبر ويتحمل هذا لوحده حتى لا تسفك دماء المسلمين في المدينة، وخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة على بلوى تصيبه، وقد ورد أيضاً في صحيح الجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان: ((يا عثمان، إن الله مقمصك قميصاً، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني)) والمراد بالقميص، الخلافة وكان المنافقون يريدون خلعه أو قتله، فصبر وبقي حتى قتلوه، وكان قتله في آخر شهر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين للهجرة رضي الله عنه. قرر علي رضي الله عنه أن يرسخ قواعد دولته ويختار القادة والولاة والأمراء لبلاده وجيشه أولاً ثم يأخذ بدم عثمان من كل من شارك في قتل عثمان، ولكن هناك من طالب أولاً قتل قتلة عثمان .. فقال لهم علي: أنا أريد قتلة عثمان، قتل الله من قتل عثمان، إيتوني بقتلة عثمان وأنا أقتلهم، لأنه يعلم أن هؤلاء القتلة اندمجوا في الجيوش ولهم عزوة وجماعة، ولا يمكن أخذهم إلا بعد ترسية قواعد الدولة ومؤسساتها التنفيذية، وإلا أصبحت القضية ثارات وغارات تذهب بالصالح والطالح. وإن ما حصل بين الصحابة من اجتهادات نصون ألسنتنا عن الخوض فيه مع اعتقاد حبنا لهم جميعاً رضي الله عنهم أجمعين. وبالمناسبة فإن ما يقال عن التحكيم بين أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وعمرو ابن العاص رضي الله عنه غير صحيح، قيل: أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أنا أخلع علي مثل ما أخلع خاتمي هذا، وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: وأنا أثبت صاحبي أي معاوية مثل ما أضع خاتمي هذا. فهي قصة مختلقة ليس لها أساس من الصحة. أيها الإخوة: أعود وأذكركم بما قلته: إن علياً رضي الله عنه أحد بطلي المواجهة وله عدة مواقف مشهودة، فأول موقف له رضي الله عنه مع المواجهة كان يوم الهجرة حينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، حينما أرادت قريش قتله، فخرج صلى الله عليه وسلم ووضع علياً مكانه، حيث نام في فراشه صلى الله عليه وسلم رغم أنه يعلم بإمكان قتله تلك الليلة. والموقف الثاني في فتح خيبر بعد أن استعصت، فأخذ الراية وتم الفتح على يديه، وقد كانت أكثر الرايات عنده في الغزوات والحروب، وفي أكثر المشاهد. وأما الموقف الثالث والعظيم فهو موقفه من الخوارج ومن الشيعة .. فأما الشيعة فكان رئيسهم المنافق عبد الله بن سبأ، فقد وصل بهم الحال إلى أن قالوا: أنت إلهنا. أنت ربنا، فخدّ لهم علي رضي الله عنه الأخاديد وأشعل فيها النار، وقال: من لم يرجع عن قوله ألقيته فيها، فردوا عليه بقولهم: الآن ازداد يقيننا أنك ربنا، ولكنه تراجع عن حرقهم بالنار رضي الله عنه، وأخذ يقتلهم بالسيف. أما الخوارج الذين كفروا الصحابة، وكفروا بالذنوب فقد ناجزهم وقاتلهم قتالاً شديداً، وكان له شرف قتل قائدهم وقتل جمع غفير منهم، ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فساد هذه الفرقة، وأن من قتل هؤلاء المبتدعة له أجر عظيم كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن في قتلهم أجراً عظيماً لمن قتلهم يوم القيامة)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود)) وفي رواية: ((لأقتلنهم قتل عاد)). فكانوا في عهد علي رضي الله عنه، فحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن المنافقين المتربصين بأهل الخير أشباه النمل الأبيض (الأرضة)، قتلوا أبا الحسن غدراً قبل أن يقتل من بقي من قتلة عثمان رضي الله عنه، وقد قُتلوا جميعاً، آخرهم قتله الحجاج، وهم يبلغون ما يقرب من ألفي رجل تقريباً. جاء في صحيح الجامع عن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أحدثكم بأشقى الناس؟ رجلين، أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه حتى يبل منها هذه)) وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى رأس علي وإلى لحيته. قُتل علي رضي الله عنه ليلة السابع عشر من رمضان سنة أربعين للهجرة بعد خلافة استمرت ما يقارب خمس سنين، قتل غدراً وهو خارج لصلاة الفجر ولا يعرف قبره رضي الله عنه. هذه نبذة مختصرة عن الخليفتين الراشدين رضي الله عنهما وعن جميع الصحابة والآل، وأسأل الله العلي العظيم أن يجمعنا بهم في مستقر رحمته إنه ولي ذلك والقادر عليه. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. |