أيها الإخوة: تكلمنا في الأسبوع الماضي عن ضرب الأمثال في القرآن والسنة، ومن الأمثال التي جاءت في السنة وتبين وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وتوضح للناس بأن لا خلاص لهم ولا نجاة إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأن بعثته صلى الله عليه وسلم جاءت لتفرق بين الناس .. فمنهم من أطاع واتبع، ومنهم من عصى وكذب، فريق في الجنة وفريق في السعير. هذا المثل جاء في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً. فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة .. فقالوا: أولوها له يفقهها .. فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم فمن أطاع محمداً صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس)). ففي هذا المثل توضيح للناس بأن الله عز وجل خلق الجنة وأعدها للعباد فهو سبحانه وتعالى الملك القدوس مالك الملك .. بنى هذه الدار التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فأرسل الداعي، أرسل رسله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وهم الدعاة إلى هذه المأدبة وإلى هذه الدار التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فمن استجاب للداعي وأطاع فقد فاز بهذه الدار، وأما من أبى وعصى فقد خسر والعياذ بالله. قال تعالى: من يطع الرسول فقد أطاع الله . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)) وهذا أيضاً يوضحه ما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفةً طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير. وكان منها أجادبُ أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوْا، وأصاب طائفةً منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)). النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المثل يقسم الناس في الاستجابة للهدى والعلم إلى ثلاثة أصناف ... ويشبههم بأنواع من الأرض التي نزل عليها المطر ((مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً)) فالنوع الأول أرض طيبة قبلت الماء وأنبتت الزرع .. قال تعالى: وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج فالذين استجابوا للهدى والعلم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم عاشت قلوبهم وانتعشت بهذا الهدي والعلم فاستجابوا للدعوة وتعلموا العلم وقاموا بحقه من العمل بأداء الطاعات وترك المنكرات ثم حملوا الشعلة ليقتبس منها غيرهم .. إنهم هداة مهتدون انتفعوا ونفعوا .. تفقهوا في الدين وحفظوه فنشروا العلم والفقه وعملوا بما علموا، فانتفع الناس بعلمهم وفقههم وبسيرتهم وسلوكهم وأخلاقهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: ((فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به، فعلم وعلم)). وأما الصنف الثاني فهم أجادب .. أي الأرض التي لا تنبت ولكنها تختزن الماء كما جاء في الحديث .. وكان منها أجاذب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا. فهؤلاء الناس هم الحفاظ الذين حفظوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والهدى، ولكن قدراتهم محـدودة لا يستطيعون التفقه والاستنباط، فنقلوا ما حفظوه إلى غيرهم من الأمة كما هو، فلهم فضل في ذلك النقل حيث حفظوا العلم وأدوه إلى غيرهم، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه .. سئل أحد الحفاظ من السلف يسمى مطر الوراق سئل عن حديث فرواه .. ثم سئل عن معناه قال: لا دري إنما أنا زاملة، أي أنا كراس أو ملزمة أو كما نقول: (دوسية) للحفظ فقط، فقال له السائل: جزاك الله من زاملة خيراً. وهذا يدل على أن مسألة الاستنباط والفهم لا تتأتى لكل إنسان كما لا يحق أن يفسر أحد شيئاً من القرآن والسنة برأيه وهواه. إنما يكون العلم والفقه بمعرفة فهم وفقه السلف الصالح، جيل الصحابة والتابعين وأئمة الهدى والدين .. ويدل على أن هناك من هو حافظ للقرآن والسنة، ولكنه لا يتعدى أن يكون كجهاز التسجيل فقط للنصوص، وهذا لا يعيبه ولا ينقص من قدره .. فكل إنسان له قدرات في الفهم والعلم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. |