أيها الإخوة: إن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له. قال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وقال تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء وقال تعالى: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين . فلا يصح صرف شيء من العبادة لأي مخلوق، وإلا لكان ذلك شركاً محبطاً للعمل إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء . ومن أنواع العبادة التي صرف بعض الناس منها شيئاً لغير الله قديماً وحديثاً ... الدعاء، والتوسل، والتضرع، في الرخاء والشدة، بل إن المشركين قديماً يشركون في الرخـاء، أما في الشـدة فيدعون الله وحده، ويتوسلون بأسمائه وصفاته، ويتضرعون إليه مخلصين، كما قال تعالى: فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون . أما مشركو زماننا فإنهم يشركون في الشدة والرخاء بدعائهم الأموات أو الجن، والتضرع والتوسل بالقبور والأضرحة والعياذ بالله. أيها الإخوة: إن الدعاء والتوسل والتضرع لا يكون إلا لله وحده قـال تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين وقال تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون . والدعاء والتوسل والتضرع إلى الله عز وجـل لابـد أن يكـون خالصاً لله عز وجل، وموافقاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وهذان الشرطان أساسيان في كل عبادة .. فكل عباده لا تقبل إلا إذا كانت خالصة لله عز وجل وموافقة لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ، فالعمل الصالح هو الموافق للسنة ولما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والخالص هو الذي يكون لله وحده لا شريك له، والتوسل من العبادات فلا بد أن يكون خالصاً لله وموافقاً لما جاء به النبي صل الله عليه وسلم قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون . وقال تعالى: أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً . والوسيلة هنا معناها القربة أي تقربوا إلى الله بطاعته والعمل بما يرضيه. والتوسل المشروع أيها الإخوة: يكون بأحد ثلاثة أمور لا رابع لها، وما سوى هذه الأنواع الثلاثة مردود، لأنه إما توسل بدعي أو توسل شركي نسأل الله العافية. النوع الأول من التوسل المشروع: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا: ولله الأسماء الحسنى مثل قولنا: اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم أن ترحمني وتغفر لي. وقد جاء في القرآن والسنة من هذه التوسلات الكثير مثل قول الله تعالى: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . وقوله تعالى: وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين . ومثل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)). وقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: ((قد غفر له، قد غفر له)) حينما دعا في تشهده فقال: اللهم إني أسألك يا الله، الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم، وقوله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر: ((يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذ بك بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني))، فهذه توسلات إلى الله باسم من أسمائه الحسنى أو بصفة من صفاته سبحانه وتعالى. النوع الثاني: التوسل إلى الله تبارك وتعالى بالعمل الصالح كما جاء في قوله تعالى: ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ، وقوله تعالى: ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار . فنلاحظ في هذه الآيات أنه جاء توسل فيها بالإيمان بالله وبكتبه وبرسله صلى الله عليهم وسلم تسليماً كثيراً لطلب المغفرة وحسن الخاتمة، وهذا ما فعله الثلاثة الذين دخلوا في كهف فسدت الصخرة عليهم الغار، فقرروا أن يتوسلوا إلى الله بأحسن ما عملوا في حياتهم، فتوسل الأول ببره لوالديه وكيف كان لا يشرب اللبن الذي يحلبه من الماشية إلا بعد أن يشرب والديه، وأما الثاني فذكر قصة العامل الذي ترك أجرته، فقام باستثمار تلك الأجرة حتى نمت وكبرت، فحينما جاءه العامل الأجير أعطاه كل تلك الأموال التي كثرت والتي كان أصلها أجرته التي تركها منذ مدة. أما الثالث: فقد توسل بخشيته من الله عز وجل بعد أن قارب الوقوع في فاحشة الزنا مع ابنة عمه التي كانت في حاجة للمال فأعطاها ما تريد مقابل أن تمكنه من نفسها، فحينما قالت له اتق الله، قام ولم يقارف الفاحشة خوفاً من الله عز وجل وتنازل عن المبلغ الذي أعطاها إياه. وقد ذكر هؤلاء الثلاثة أن فعلهم ذلك كان خالصاً لله لا يريدون به إلا وجهه، فسألوا الله عز وجل أن يفرج عنهم مما هم فيه فتزحزحت الصخرة وانفتحت المغارة وخرجوا سالمين. التوسل الثالث المشروع هو التوسل إلى الله تعالى بدعاء الصالحين .. وهذا لا ينافي ما ذكرناه في خطبة الدعاء أن الأصل في الإنسان أن يدعو لنفسه في الأوقات المرجوة وأن يكثر من الأدعية الثابتة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا بأس أن يطلب أحياناً من أحد الصالحين أن يدعو له، وخاصة ممن يعرف عنه التقوى وإجابة الدعوة، وأخص من ذلك في حالة ما إذا كانت الدعوة لعامة المسلمين، كالدعوة للمجاهدين بالنصرة أو في حالة القحط حيث يطلب من الرجل الصالح أن يستسقي للمسلمين أو يطلب منه الدعاء بالمغفرة، فلقد طلب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو من هو، طلب من أويس القرني أن يستغفر له، وأويس هذا تابعي، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عنه وعن تقواه ... وقال لعمر: إن رأيته فاطلب منه أن يستغفر لك، وهذا معاوية رضي الله عنه أيام خلافته يطلب من أحد التابعين أن يستسقى للمسلمين لما عرف من تقواه وأنه مجاب الدعوة. أيها الإخوة هذه هي الأنواع الثلاثة الثابتة والصحيحة من التوسل. فعلينا الالتزام بها راجين من الله قبول العمل والاستجابة للدعاء. أسأل الله العلي العظيم أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه سميع مجيب. |