أيها الإخوة: إن من أركان الإيمان الستة، الإيمان بالملائكة ... وهو من الإيمان بالغيب الذي امتُدح المؤمنون به . لقد خلق الله الملائكة من نور وهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ويسبحون الليل والنهار لا يفترون ولا يسأمون ولا يعلم عددهم إلا الله ... قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين أصحابه: ((أتسمعون ما أسمع؟)) قالوا: ما نسمع من شيء قال: ((إني لأسمع أطيط السماء وما تلام أن تئط، وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم)). أيها الإخوة: لقد أوتيت الملائكة القدرة على أن يتشكلوا بغير أشكالهم فهذا جبريل عليه السلام كان يأتي على صورة أحد الصحابة اسمه (دحية الكلبي)، لكن خلقته التي خلق عليها جبريل عليه السلام خلقة عظيمة وله ستمائة جناح، سد الأفق بأجنحته، حيث قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ملك من الملائكة الذين يحملون العرش فقال: ((أذن لي أن أحدث عن أحد حملة العرش ما بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة عام)) وفي رواية: ((ما بين شحمة أذنيه وعاتقه خفقان الطير سبعمائة عام)) فسبحان الخلاق العظيم وللملائكة مزايا وخصائص منها سرعة الانتقال بشكل لا يتصور ولا يقاس بمقاييس البشر. لقد ذكر بعض أهل علم الهيئة المعروف باسم علم الفلك أن هناك من النجوم التي لم يصل ضوؤها إلى الأرض إلا بعد مئات السنين الضوئية، ومن المعروف أن الشمس أقرب نجم إلى الأرض لا يصل ضوؤها إلا بعد دقائق تقريباً، وهذه النجوم كلها في السماء الدنيا ... بينما يكون الملك في السماء السابعة فينزل إلى الأرض في لمح البصر،فسبحان الذي خلقهم. وقد ذكر الله عز وجل عنهم أنهم رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، وأنهم عباد مكرمون، استجابوا لأمر ربهم حينما أمرهم بالسجود لآدم تشريفاً وتكريماً له، فأطاعوا ربهم ونفذوا أمره، وهذا فيه تحقيق منتهى العبودية والطاعة لرب العالمين، وقد وجهنا للاقتداء بهم في الصلاة حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟)) قالوا وكيف يصفون عند ربهم قال: ((يكملون الصف الأول فالأول ويتراصون في الصف)). وللملائكة علاقة وثيقة ببني آدم عامةً وبالمؤمنين خاصةً، فالعلاقة مع بني آدم تكون في أمور منها كتابة أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم، وأشقياء أم سعداء، وذلك في أرحام أمهاتهم بعد إكمال 120 يوماً. كما جاء في حديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. والملائكة منهم من يتولى حراسة الإنسان، له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله . قال ابن عباس رضي الله عنهما: (المعقبات هم الملائكة جعلهم الله ليحفظوا الإنسان من أمامه ومن ورائه، فإذا جاء قدر الله الذي قدر أن يصل إليه خلوا عنه) قال الله تعالى: وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون . فالحفظة الذين يرسلهم الله من الملائكة يحفظون العبد حتى يأتي أجله المقدر عليه. وأيضاً الملائكة هم الموكلون بحفظ أعمال بني آدم من خير وشر: وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون . وقال تعالى: إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ورقيب وعتيد هما صفتان للملكين، أي حاضران شاهدان لا يغيبان عن العبد، وليس اسمهما رقيب وعتيد كما يظن بعض الناس، فكل منهما رقيب عتيد. والملائكة تحمل روح العبد بعد موته، فمنهم ملائكة للعذاب وأخرى ملائكة الرحمة حيث تأخذ كل منهما الروح التي ينزعها ملك الموت من العبد إما إلى النعيم وإما إلى الجحيم والعياذ بالله. وأيضاً هم الموكلون بسؤال العباد بعد موتهم في قبورهم، وقد روي عن اسم الملكين الموكلين بالسؤال أحاديث صححهاكثير من أهل العلم، أنهما: منكر ونكير، فيسألان الميت بعد دفنه ورجوع الروح إليه من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وبالمناسبة فليس هناك رواية صحيحة تثبت أن اسم ملك الموت عزرائيل أو خازن الجنة اسمه (رضوان) فملك الموت لم يذكر في القرآن والسنة إلا باسم ملك الموت، وكذلك خازن الجنة، أما خازن النار فقد ثبت اسمه بالقرآن: مالك. وكذلك الأمين على الوحي جبريل أو جبرائيل، والموكل بالقطر والنبات ميكائيل، أو ميكال، والموكل بالنفخ في الصور إسرافيل، والرعد الموكل بالسحاب. كما جاء في سنن الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((الرعد ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب معه مخا ريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله)). أما علاقة الملائكة بالمؤمنين، فهم يحبون المؤمنين ويسددونهم ويصلون عليهم وعلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، وصلاتهم على المؤمنين معناه الدعاء لهم والإستغفار لهم، وهم يصلون أيضاً على معلمي الناس الخير، وعلى من يأتي المسجد للصلاة، وعلى الذين يصلون في الصف الأول، وعلى الذين يبقون في المسجد بعد انقضاء الصلاة. وعلى الذين يسدون الفرج في الصفوف، وعلى المتسحرين، وعلى الذين يزورون المرضى، وهذه كلها وردت بها أحاديث صحيحة لا يسع الوقت لذكرها كلها .. قال الله تعالى: هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور . والملائكة تؤمن على دعاء المؤمن وتدعو له إذا دعا لأخيه بظهر الغيب قال صلى الله عليه وسلم: ((دعوة المرء مستجابة لأخيه بظهر الغيب، عند رأسه ملك يؤمن على دعائه كلما دعا له بخير قال: آمين، ولك بمثله)). وهم يستغفرون للمؤمنين قال الله تعالى: الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا . والملائكة تحضر مجالس العلم والذكر وتحف أهلها بالأجنحة...، وكذلك تحضر خطبة الجمعة، بل يحضرون من أول النهار حيث يسجلون من حضر للصلاة: الأول فالأول حتى إذا صعـد الخطيب المنبر جلسوا يستمعون الذكر، وهم يتعاقبون فينا ليلاً ونهاراً عند صلاة الفجر وصلاة العصر. |