أهمية الموضوع: * التناسي لأهميته ولأهمية تلك الآداب. * لبيان ضرورتها في حياة المسلمين اليوم ونحتاج إلى أن نتواصى بها. مباحث الموضوع: · ضرورة الأخوة في حياة المسلمين. · وآداب الأخوة. · ثمار الأخوة.
المبحث الأول: ضرورة الأخوة في حياة المسلمين أ- أدلة تحث على الأخوة: * الأخوة نعمة كبيرة ومنّة عظيمة من الله تعالى: واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً . وهو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم . · الأخوة لازمة لأنها مقتضى الإيمان: إنما المؤمنون إخوة . وفي حديث الطبراني عن ابن عباس: قال: قال ((أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله عز وجل)) حسنه الأرناؤوط. · الأخوة لازمة تقتضي المحبة لله عز وجل: قال ابن القيم: (من تمام محبته – أي الله – وموجباتها لا من قواطعها، فإن محبة الحبيب تقتضي محبة ما يحب، ومحبه ما يعين على حبه ويوصل إلى رضاه وقربه) [روضة المحبين:299]. · الأخوة لازمة لأنها كانت من سعي الأنبياء: فقد قال موسى: رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي من وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيراً . وقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في بادئ هجرته. والشريعة حرمت كثيراً من المحرمات من أجل الحفاظ على الأخوة:كالسخرية، التنابز، سوء الظن، الغيبة، التدابر، التقاطع، الغيبة، النميمة، القتل، التجسس.. وغيرها. ب- حرص السلف على الأخوة: قال عمر: ((لقاء الإخوان جلاء الأحزان)). سفيان ((ما ماء العيش. قال: لقاء الإخوان)). وقال بعضهم: "روح العاقل في لقاء الإخوان". وقيل لمحمد بن المنكدر: ما بقي من لذتك؟ قال: التقاء الإخوان وإدخال السرور عليهم. وقيل لبعض الحكماء: ما العيش؟ قال: إقبال الزمان وعز السلطان، وكثرة الإخوان. وقيل: حلية المرء كثرة إخوانه. وقال الحسن: إخواننا أحب إلينا من أهلينا، إخواننا يذكروننا بالآخرة، وأهلونا يذكروننا بالدنيا. وقال علي لابنه الحسن: يا بني الغريب: من ليس له حبيب. وقال شاعر: وكنت إذا الصديق نبا بأمري وأشرقني على حنق بريقي غفرت ذنوبه وكظمت غيظي مخافة أن أعيش بلا صديق قال بعض الأدباء: أفضل الذخائر أخ وفي. وقال بعض البلغاء: صديق مساعد، عضد وساعد. وعبر عن ذلك شاعر فقال: هموم رجال في أمور كثيرة وهمي في الدنيا صديق مساعد نكون كالروح بين جسمين قسمت فجسماهما جسمان والروح واحد قال ابن المعتز: القريب بعدواته بعيد والبعيد بمودته قريب قال خالد بن صفوان: إن أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم. وقال سفيان: لربما لقيت الأخ من إخواني فأقيم شهراً عاقلاً بلقائه.
المبحث الثاني: شروط الأخوة وآدابها: أ- شروط الأخوة: 1. أن تكون خالصة لوجه الله: وروى البخاري ومسلم عن أنس مرفوعاً: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)). وفي حديث البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً: ((سبعة يظلهم الله في ظله)). فذكر منهم: ((ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه)). وفي حديث مسلم عن معاذ مرفوعاً: ((قال تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ)). 2. على أن تكون على الطاعة والخير: وفي حديث مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً: ((إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)). قال ابن تيمية: (فقوله أين المتحابون بجلال الله؟ تنبيه على ما في قلوبهم من إجلال الله وتعظيمه مع التحاب فيه، وبذلك يكونون حافظين لحدوده دون الذين لا يحفظون حدوده لضعف الإيمان في قلوبهم) [مجموع الفتاوى 10/83]. الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين . وفي حديث أحمد عن ابن عمر مرفوعاً: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ويقول: والذي نفس محمد بيده ما تواد اثنان فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما)). وروى البخاري في الأدب المفرد وأحمد عن أنس مرفوعاً: ((ما تواد اثنان في الله فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما)). 3. أن تكون قائمة على النصيحة: وروى مسلم من حديث تميم مرفوعاً: ((الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))، وروى مسلم عن جرير: ((بايعت رسول الله على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم)). ((إذا استنصحك أخوك فانصح له)). آداب الأخوة: 1- الإعلام بالمحبة: روى ابن المبارك في الزهد أبي ذر: ((إذا أحب أحدكم صاحبه فليأت في منزله فليخبره أنه يحبه في الله تعالى)). وروى أحمد عن المقدام بن معد يكرب مرفوعاً: ((إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه)). وروى أبي داود وأحمد عن أنس: ((كنت جالساً عند رسول الله إذ مر رجل فقال رجل من القوم يا رسول الله: إني أحب هذا الرجل قال: هل أعلمته بذلك؟ قال: لا، فقال: قم فأعلمه قال: فقام إليه فقال: يا هذا والله إني لأحبك في الله، قال: أحبك الذي أحببتني له)). 2- التهادي: روى الببهقي في سننه عن أبي هريرة مرفوعاً: ((تهادوا تحابوا)). 3- التزاور: عن أبي هريرة: ((يا أبا هريرة زر غباً تزدد حباً)) أخرجه الحاكم وغيره بأسانيد فيها مقال. وقال بعضهم: عليك بإغباب الزيـارة إنها إذا كثرت كانت إلى الهجر مسلكاً فإني رأيت الغيث يُسأم دائماً ويسـأل بالأيدي إن كـان ممسكاً وقال آخر: وقد قال النبي وكان يروي إذا زرت الحبيب فزره غباً وقال آخر: أقلل زيارتك الصديق تكون كالثوب استجده وأملُّ شيء لا مرئٍ أن لا يزال يراك عنده 4- بذل المال: روى أحمد عن معاذ قال: قال ((وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ)). بذل المال على ثلاث مراتب:أهونها: المساهمة في المال "كرم". وأوسطها: المواساة "سخاءً". وأعلاها: تقديم الأخ في المال على النفس "إيثار".ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة . فإن لم تصادف نفسك في رتبة من هذه الرتب مع أخيك فاعلم أن عقد الأخوة لم ينعقد بعد في الباطن، وإنما الجاري بينكما مخالطة رسمية لا وقع لها في العقل والدين. 5- إفشاء السلام: روى مسلم عن أبي هريرة: قال: قال ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)). روى البخاري معلقاً عن عمار: ((ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار)). 6- ترك الطمع في الدنيا وفيما عند الناس: روى ابن ماجه عن سهل بن سعد مرفوعاً: ((ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس)). ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى . روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعاً: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) أي من الخير. والأنصار تركوا الدنيا حباً في إخوانهم:روى البخاري عن أنس قال: دعا النبي والأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين فقالوا: لا، إلا أن تقطع لإخواننا المهاجرين مثلها، قال: ((أما لا، فاصبروا حتى تلقوني فإنه سيصيبكم بعدي أثرة)). 7- التزام الأدب في الحديث: أ- اترك الحدة وعلو الصوت: واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير . روى مسلم عن ابن عمرو: ((لم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً)) قال علي: (من لانت كلمته وجبت محبته). ب- الإصغاء إليه عند الكلام والإقبال عليه بوجهك. قال جريج بن عطاء: (إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه، وقد سمعته قبل أن يولد). وزيد: (فيحملني حسن الأدب على الاستماع إليه حتى يفرغ). وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه ولعله أدرى به التوسط في المزاح: الرفق يمن وخير القول أصدقه وكثرة المزاح مفتاح العداوات لا تماري ولا تكثر المعارضة له: قال ابن قدامة: "من أشد الأسباب إثارة للحقد والحسد بين الإخوان: المماراة". وقيل: ((لا تمار حليماً ولا سفيهاً فإن الحليم يقليك، وإن السفيه يؤذيك)). روى البخاري مرفوعاً: ((إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم)). لا يوجه النقد اللاذع لأخيك فتجرح المشاعر. 7- حرارة العاطفة لإخوانك: الأخوة التي لا شوق ولا حنين من القلب لها فهي خواء، والعاطفة القلبية للمحبوب ركن في المحبة. وفي الطبراني في الأوسط عن عائشة: (جاء رجل من الأنصار إلى النبي فقال: يا رسول الله إنك أحب إلي من نفسي وأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك، فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلت الجنة خشيت أن لا أراك). روى أحمد في(الزهد) عن عمر كان يذكر الأخ من إخوانه بالليل فيقول: ما أطولها من ليلة فإذا صلى الغداة غدا إليه فإذا لقيه التزمه واعتنقه. يا ليتني أحيـا بقربهـم فإذا فقدتهم انقضى عمري فتكون داري بين دورهم ويكون بين قبورهم قبري وقال آخر: وما تبدلت مذ فارقت قربكم إلا هموماً أعانيها وأحزاناً وهل يسر بسكنى داره أحد وليس أحبابه للدار جيراناً وقال آخر: كنا نزوركـم والدار جامعة في كل حال فلما شطت الـدار صرنا نقدر وقتاً في زيارتكم وليس للشوق في الأحشاء مقدار وقال آخر: ومن عجب أنـي أحن إليهـم وأسأل عنهم من لقيت وهم معي وتطلبهم عيني وهم في سوادها ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي متـى شـم المحب لكم نسيماً تلـت عينـاه آي المـرسـلات ففـي فسـخ القلوب لكم ديارٌ وذا معنـى القلـوب العامـرات أتسـعدنـا بقربكـم الليالـي وصبح الوصل يمحـو القاطعات قال بعض السلف: إن الذباب ليقع على صديقي فيشق عليّ. أنا المهاجر ذو نفسين واحدة تسير بها نفسي وأخرى رهن إخواني وقال آخر: أبا بكر لئـن حـرفتك عنـا تصاريف الحوادث والدهـور فلم نرحـل بأنفسـنا ولكـن عجّ الشـوق عن مهج الصدور فقدت بفقـدك الـود المصفى وأخـلاقاً تكشف عـن بـدور أشـيعـه إلـى سـفر كأني أشيع والـديّ إلـى القبــور وما ودعـتـه إلا ونفسـي تودعنـي بتـوديـع السـرور ولا أتبعـتـه باللحـظ إلا رددت اللحظ عن طرف حسير وكان الشهر قبل اليوم يوماً فصـار اليوم بعدك كالشـهور وقال الشافعي: إذا المـرء لا يرعـاك إلا تكلفـاً فـدعـه ولا تكثـر عليـه التأسـفا ففي الناس أبدال وفي الترك راحة وفي القلب صـبر للحبيب ولو جفـا فمـا كـل مـن تهواه يهواك قلبه ولا كل من صافيته لك قـد صــفا إذا لم يكن صـفو الوداد طبيعـة فـلا خيـر فـي ود يجـئ تكلفـاً ولا خيـر في خـل يخون خليله ويلقــاه مـن بعـد المودة بالجفـا وينكـر عيشـاً قـد تقادم عهـده ويظهر سراً كان بالأمس فـي خفـا سلام على الدنيا إذا لم يكـن بهـا صديق صدوق صادق الوعد منصفاً 8- ترك النجوى وأنت معه: إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا . في الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود مرفوعاً: ((إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما، فإن ذلك يحزنه)). في الحديث المتفق عليه عن ابن عمر مرفوعاً: ((إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه، فإن ذلك يحزنه)). 9- التجرد في الرأي وسعة الصدر عند سماع النصيحة. روى مسلم عن واثلة بن الأسقع مرفوعاً: ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)). وروى مسلم عن ابن مسعود مرفوعاً: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)). 10- الألفة مع الأخوان: والألفة لا تتحقق إلا بوصف مشترك بين الإخوان من عادات وطباع متشابهة. قال مالك بن دينار: (لا يتفق اثنان في عشرة إلا في أحدهما وصف من الآخر يناسبه). روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال ((الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)). وفي حديث ابن عمر مرفوعاً: ((المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف إذا قيد انقاد وإذا أنيخ على صخرة استناخ)). كم صديق عرفته بصديق كان أحظى من الصديق العتيق رفيق صحبته في طريق صار بعد الطريق خير رفيقٍ وقال آخر: وإذا صحبت فاصحب صاحباً ذا حياء وعفاف وكرم قولـه للشـيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم 11- النصح له سراً: قال الشافعي: تعمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى سماعه فإن خالفتني وعصيت قولي فلا تجزع إذا لم تعط طاعـة |