أنـكحة محـرمة
سبق الكلام عن نوعين من أنواع الأنكحة المحرمة وهي نكاح المتعة ، ونكاح المسيار ، وقد أفردناها لأهميتها ، وهي نتكلم باختصار عن أنواع أخرى من الأنكحة المحرمة ومنها :
- نكاح الرهط
وهو وطء الجماعة للمرأة أي أن يجتمع رجال عدة فيجامعون امرأة واحدة ثم تحمل وإذا أنجبت تختار بنفسها رجلا منهم ليكون أبا لهذا المولود وهذا الرجل الذي وقع عليه الاختيار لا يستطيع رد ذلك، فيكون أبا له طوعا أو كرها، وهذا النكاح كان معروفا في الجاهلية، وقد أخبرت عنه عائشة رضي الله عنها حيث قالت: كان الرهط دون العشرة يدخلون على المرأة فيصيبونها فإذا اجتمعوا عندها تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع عنه الرجل (رواه البخاري).
لعمر الله إن في ذلك امتهان للمرأة في الجاهلية إلى أبعد الحدود فلله الحمد والمنة فلقد أكرم الإسلام المرأة وجعلها تسمو وترتفع عن مثل هذه الدناءة والفجور.
وهو أحد الأنكحة الجاهلية، وصورته أن يأخذ الرجل زوجته ويبحث عن رجل معين فيه صفات عالية كأن يكون رئيسا أو شجاعا أو كريما ونحو ذلك فيجعله يجامعها لكي تحمل منه فتنجب ولداً يحمل صفات عالية كصفات الرجل الذي جامعها.
وتحدث عنه عاثشة أيضاً بقولها: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى تتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد (رواه البخاري).
نعوذ بالله من الدياثة والخزي، وإن هذا الفعل القبيح لتتنزه منه بعض الحيوانات فضلا عن بني الإنسان وصدق الله { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [سورة الفرقان:44].
وهو النكاح السري، وقد كان في الجاهلية معروفا وكانوا يقولون: ما استتر فلا بأس، وما ظهر فهو لوم. وقد قال الله فيه: {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } [سورة النساء:25].
وهو أن يقول الرجل للرجل: اترك لي زوجتك أي تنازل عنها وأتنازل لك عن امرأتي مدة محددة وهذا محرم وهو من الدياثة.
كان الرجل إذا مات وتحته امرأة أستبق إليها ورثته فأيهم وضع عليها ثوبه فهي له ويتصرف فيه كيف يشاء وقد قال الله فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً } [سورة النساء:19].
وهو أحد صور الفساد الظاهري الذي يجهر فيه أمام الناس دون حياء ولا شرف ولا غيرة كما تفعل البهائم في تلقيحها لبعضها، وهو شبيه بنكاح الرهط إلا أنه أخلع منه فنكاح الرهط يجتمع فيه رجال أقل من العشرة فيجامعون المرأة وقد يكون سرا أما نكاح السفاح والبغي فليس للرجال الذين يزنون بالمرأة حدود فهي قابلة وراضية أن ينكحها عشرات من الرجال بل تدعوهم إلى ذلك أمام الناس وهذا النكاح من أنكحة الجاهلية والذي يوجد في هذه الزمان بعض آثاره ولكن مع التخفي والاستتار غالباً، ويوجد في بعض الأماكن ما هو علني كبيوت الدعارة والفنادق التي تجلب العاهرات والسافرات في تلك الليالى الحمراء كما يسمونها والتي يحلو لهم فيها جمع الراقصات وشرب الخمور ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وتحدث عائشة أيضاً عن هذا فتقول: ونكاح يجتمع الناس الكثير فيه فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها وهن البغايا، كن ينصبن على أبواهن رايات تكون علماً، فمن أرادهن دخل عليهن، وإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطته به.
لا يمتنع من ذلك فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم.
نكاح الشغار هو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته لرجل آخر على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته ولا مهر بينهما، وهذا النوع محرم فهو مبادلة بدون مهر، سواء اشترطا ذلك أو سكتوا عنه لكن مقصدهم واضح .
وسمي شغارا لخلوه عن العوض ومنه قولهم: شغر المكان إذا خلا، وقيل: من شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول، فشبه قبحه بقبح بول الكلب ودليل تحريمه حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق (متفق عليه) وفي رواية لمسلم: ( لا شغار في الإسلام )
ويذكر أن العباس بن عبد الله أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته فكتب معاوية إلى مروان ففرق بينهما: وقال معاوية: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله (رواه أحمد) قال شيخ الإسلام: من قال إن النكاح يصح مع نفي المهر فقد أسقط ما أوجبه الله. قال النووي: أجمع العلماء على أن نكاح الشغار منهي عنه.
ونكاح المحلل محرم وسمي محللاً لقصده الحل. والمقصود أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقا بائنا فلا تحل له إلا إذا نكحها زوج آخر ثم طلقها هذا الزوج فإنها تحل بعد ذلك للزوج الأول كما في قوله تعالى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [سورة البقرة:235] الآية.
وعن عائشة قالت: طلق رجل امرأته ثلاثا، فتزوجها رجل، ثم طلقها قبل أن يدخل بها فأراد زوجها الأول أن يتزوجها فسئل رسول الله عن ذلك فقال: لا، حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول (متفق عليه واللفظ لمسلم).
وصورة هذا النكاح أن يندم الرجل لطلاق زوجته طلاقا بائنا فيتفق مع رجل آخر ليتزوجها ثم يطلقها لتعود إلى زوجها الأول فيكون هذا النكاح المقصد منه تحليل المرأة بعد طلاقها لزوجها الأول.
وأدلة تحريمه: حديث ابن مسعود قال: لعن رسول الله المحلل والمحلل له (رواه أحمد والترمذي).
وقوله صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له” (رواه ابن ماجة والحاكم).
إياك والتيس المحلل إنه والمستحل لردها تيسان
لعن النبي محللا ومحللا فكلاهما في الشرع ملعونان
قال ابن مسعود : المحلل والمحلل له ملعونان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
قال عمر بن الخطاب وهو يخطب: والله لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما فكلاهما زان.
وروى نافع عن ابن عمر أن رجلا قال له: امرأة تزوجتها أحلها لزوجها لم يأمرني ولم يعلم، قال: لا، إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكها وإن كرهتها فارقها وإن كنا نعده على عهد رسول الله صلى اللة عليه وسلم سفاحا.
قال الشافعي: نكاح التحليل ضرب من نكاح المتعة.
قال ابن قدامة: وهو في الجملة حرام باطل وسئل ابن تيمية عنه فقال: هو محرم وفاعله ملعون.
لقد أباح الشرع للرجل أربعة من النساء الحرائر فقط ولا يجوز أن ينكح امرأة خامسة ما دام في عصمته أربعة إلا أن يطلق واحدة أو يتوفاها الله فيحق له أن يتزوج أخرى يقول تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } [سورة النساء:3].
وفي عهد النبي عليه الصلاة والسلام أسلم غيلان الثقفي وعنده عشرة نساء فأمره رسول الله أن يختار منهن أربعاً ويفارق البواقي (رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد ومالك في الموطأ).
وقال قيس بن الحارث: أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: اختر منهن أربعاً.
ولو قال قائل: لماذا هذا التحديد بأربع؟
فيقال له: إن إطلاق العنان للرجل أن يتزوج ما شاء يؤدي إلى الفوضى والظلم وعدم المقدرة على القيام بحقوق النساء. وكذلك حصر الرجل على زوجة واحدة يفضي إلى الشر وقضاء الشهوة بطرق محرمة وهذا العدد (أربع) هو العدد الذي يتمكن به الرجل من تحقيق العدل والقيام بحق الزوجية وسد حاجة الرجل إن احتاج إلى أكثر من واحدة.
ولو قال قائل: لماذا رسول الله تزوج بأكثر من هذا العدد ؟
فيقال: إن ذلك خصوصية لرسولنا صلى الله عليه وسلم وفيه اتساع أفق ونظر بعيد منه فكان أهم مقاصده من ذلك الدعوة إلى الله عن طريق رؤساء القبائل لربطهم على كلمة الله وقد تحقق له ذلك صلوات الله وسلامه عليه ولم يكن شهوانياً كما ادعى بعض الفلاسفة الضالين ولذلك كان كل نسائه من الثيبات إلا عائشة رضي الله عنها.
- زواج كافرة من غير أهل الكتاب
لقد حرم الله تعالى الزواج من الكافرة مطلقاً إلا إن كانت من أهل الكتاب ((اليهود والنصارى)) مع التقيد بالضوابط الشرعية قال الله تعالى:{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [سورة البقرة:221].
وذلك لاستحالة اجتماع الزوجين على عقيدتين متنافرتين مما يسبب نزاعهما والمخاطرة بعقيدة الأولاد وفسادهم إلا إن كانت الزوجة كتابية بشرط تلافي السلبيات الخطيرة كما ذكرنا سابقاً.
وقال تعالى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } [سورة الممتحنة:20].
- الجمع بين الأختين أو القريبتين المحرَّم الجمع بينهما
لا يجوز أن يجمع الرجل بين ما حرم الله ورسوله الجمع بينهما قال تعالى بعد ذكر المحرمات: {وأن تجمعوا بين الأختين} [سورة النساء:13].
وقال عليه الصلاة والسلام: “لا تجمعوا بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها” (متفق عليه).
وقد ذكر أهل العلم قاعدة في ذلك وهي: “لا يجمع الرجل بين امرأتين لو كانت أحدهما رجلا لم يصح له أن يتزوج الأخرى”. وإليك مثال ليتضح به المقال: امرأة وبنت بنتها هل يجوز لرجل أن يجمع بينهما؟ الجواب: لا، لأن المرأة لو كانت رجلاً فهل يجوز أن يتزوج من بنت بنته؟ لا فهو جدها فما دام أنه لا يجوز زواجه منها إذا لا يجوز الجمع بين هذه المرأة وبنت بنتها وهكذا.
فإن لم تنطبق القاعدة فيجوز الجمع وإليك مثال على ذلك: امرأة وبنت خالتها هل يجوز لرجل أن يجمع بينهما؟ الجواب: نعم، لأن المرأة لو كانت رجلا فهل يجوز له أن يتزوج من بنت خالته؟ نعم، فما دام أنه يجوز زواجه منها إذا يجوز الجمع بين هذه المرأة وبنت خالتها.
كأن يكون الزواج بغير رضى من أحد الزوجين أو عدم حضور ولي المرأة عند من يشترطون ذلك أو عدم تعيين الزوجة أو عدم وجود شاهدين فهذا يجعل الزواج باطلا والعقد غير صحيح وقد رتب بعض أهل العلم على ذلك أن هذا الزواج سفاح وليس نكاح بل قال بعضهم إن كان الزوج عارفا بذلك وعالما به فإن جماعه لها يعتبر زنى نسأل الله السلامة وقد سبقت الإشارة إلى ذلك.
لا يجوز مثل هذا النكاح ما دامت المرأة لا تزال تحت زوج ولا يسمح الإسلام أبداً بمبدأ تعدد الأزواج أما في الجاهلية فكان سائدا كما سبق.
يحرم نكاح المرأة الزانية لقوله تعالى: { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [سورة النور:3].
أي لا يجوز للرجل إذا طلق زوجته ثلاث طلقات وبانت منه أن ينكحها إلا إذا نكحها رجل آخر رغبة فيها وليس نكاح تحليل فقط ويشترط دخول الآخر بها ومجامعتها ثم إذا طلقها فيجوز عندئذ أن يعقد زوجها الأول النكاح عليها قال تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا } [سورة البقرة:235].
وفي الحديث ((حتى يذوق من عسيلتها ما ذاق الأول))
يحرم على الرجل النكاح ما دام محرما بحج أو عمرة فهو من محظورات الإحرام لأن ذلك ينافي معنى الإحرام.
ولقوله عليه الصلاة والسلام: “لا يَنكِح المحرم ولا يُنكِح ولا يَخْطُب” (رواه مسلم).
لا يجوز للرجل أن ينكح امرأة لم تخرج من عدتها لأن المرأة لها عدة تنتظر فيها إذا طلقها زوجها أو توفي عنها وذلك للتأكد من خلو المرأة من الحمل وإتاحة الفرصة للزوج لمراجعة زوجته ما دامت في العدة وكان الطلاق رجعيا.
وأما إذا كانت المرأة حائضا فلا يمنع من عقد النكاح عليها دون الجماع حتى تطهر بشرط أن تكون خرجت من عدتها ولم يكن هناك مانع شرعي من النكاح.
فلا يجوز إطلاقا للرجل أن يتزوج امرأة من محارمه وسيأتي الكلام عن المحرمات، ومن فعل ذلك فهو زان والزنى من كبائر الذنوب والزاني إن كان محصنا فإنه يقتل وإن كان غير محصن فإنه يجلد مائة جلدة كما ذكر الله بقوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } [سورة النور:2].
والذي يزني بأحد محارمه فجرمه أعظم بكثير من الزاني بغير أحد محارمه بل ذكر أهل العلم أن الذي يزني بإحدى محارمه يقتل مباشرة سواء كان محصنا أو غير محصن واستنبطوا ذلك من قول الله تعالى في حق الزنى عموما { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [سورة الإسراء:22] وأما في حق زوجة الأب والتي هي من المحارم فقال: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً} [سورة الإسراء:32] ففي الآية الثانية أضاف مقتا مما يدل على عظم الزنى بالمحارم.
وبالله التوفيق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
[ انظر وصايا وإتحاف قبل ليلة الزفاف ، المغني ، حاشية الروض المربع ، ]