أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله تبارك وتعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد: فهذا حكم آخر نضيفه إلى ما تقدم من أحكام الأولاد في الإسلام، هو حكم ختان المولود، وأتكلم عليه في اثنتي عشرة نقطة: أولاً: في معنى الختان واشتقاقه ومسمّاه. ثانيًا: في ختان إبراهيم الخليل والأنبياء من بعده عليهم صلوات الله وسلامه. ثالثًا: في مشروعية الختان وأنه من أصل الفطرة. رابعًا: في اختلاف أهل العلم في وجوبه واستحبابه. خامسًا: في وقت وجوبه. سادسًا: في اختلاف أهل العلم في الختان يوم السابع من الولادة. هل هو مكروه أم لا. وحجة الفريقان. سابعًا: في بيان حكمة الختان وفوائده. ثامنًا: في القدر الذي يؤخذ في الختان. تاسعًا: في بيان أنه يعُم الذكر والأنثى. عاشرًا: في المسقطات لوجوبه. حادي عشر: في ختان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والاختلاف فيه هل ولد مختونًا أم لا ومتى خُتن؟ ثاني عشر: في الحكمة التي من أجلها يُبعث الناس يوم القيامة غرلاً غير مختونين.
أولاً: في معنى الختان واشتقاقه ومسمّاه: فالختان اسم فعل الخاتن، وهو مصدر كالنزال والقتال، ويسمى به موضع الختن أيضًا، ومنه الحديث الصحيح: ((إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل)). ويُسمى في حق الأنثى خفضًا. يقال: ختنت الغلام ختنًا وخفضت الجارية خفضًا, والجارية كما سبق وأن أشرنا: كلمة لا تطلق على الأمة فحسب، ولكن تُطلق على الأنثى بصفة عامة. وتُعرف إن كانت أمة أو حرة بالقرينة وأكثر ما تُستعمل على العموم للصغار لصغار الإناث. ويقال لغير المختون الأقلف، والقُلفه والغرلة: هي الجلدة التي تُقطع. فختان الرجل بأن تُقطع الجلدة التي فوق الحشفة من فرجه، وختان المرأة بأن يُقطع جزء من الجلدة التي هي كعرف الديك فوق فرجها. والمقصود أن الختان اسم للمحل الذي يبقى بعده قطع الجلدة من الرجل والمرأة، واسم للفعل أيضًا وقد يطلق الختان على الدعوة إلى وليمته، كما تطلق العقيقة على ذلك أيضًا. وأما عن ختان إبراهيم الخليل عليه السلام والأنبياء من بعده، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم)) قال البخاري رحمه الله: والقدوم مخففة وهو اسم موضع، وقال غيره: إنه اسم للآلة. فالختان كان من الخصال التي أمر الله بها إبراهيم خليله فأتمهن وأكملهن، فجعله إمامًا للناس. وقد رُوي أنه عليه السلام أول من اختتن ولكن الذي في الصحيح لا يفيد ذلك، فإن فيه: ((اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة)) أخرجه البخاري (3356)، ومسلم (2270). ثم استمر الختان بعده في الرسل وأتباعهم حتى في المسيح، فإنه اختتن والنصارى تُقر بذلك ولا تجحده، كما تُقر بأنه حرّم لحم الخنزير وحرم كسب السبت, وصلى إلى الصخرة ولم يصم خمسين يومًا، وهو الصيام الذي يسمونه الصوم الكبير. لم يصمه عليه السلام، وفي جامع الترمذي وقال عنه حسن غريب ومُسند الإمام أحمد عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله : أربع من سنن المرسلين: الحياء (وهذه الكلمة غلَّطها الإمام الشيخ الحافظ أبو الحجاج المزي وقال: بل هي الختان وليست الحياء ولا الحناء؛ لأن الحياء خلق والحناء ليست من السنن، ولا ذكرها رسول الله في خصال الفطرة بخلاف الختان، وقد روى المحاملي هذا الحديث عن الشيخ الذي رواه عنه الترمذي بعينه بلفظ الختان فوقعت النون في الهامش فذهبت واختلف في اللفظة فالصحيح الختان إذن: ((أربع من سنن المرسلين: الختان، التعطر، السواك، النكاح)). وأما عن كون الختان مشروعًا وأنه من أصل الفطرة: ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط)). فجعل الختان رأس خصال الفطرة وإنما كانت هذه الخصال من الفطرة؛ لأن الفطرة هي الحنيفية ملة إبراهيم، وهذه الخصال أمر بها إبراهيم عليه السلام، وهي من الكلمات التي ابتلاه ربه بهن كما ذكر عبد الرزّاق عن معمر عن أبي طاووس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية، قال في تفسير الكلمات التي ابتلى الله عز وجل بها إبراهيم خليله، قال: ابتلاه بالطهارة، خمسٌ في الرأس وخمس في الجسد. التي في الرأس: قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظافر وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء) انتهى كلام ابن عباس، والفطرة فطرتان: فطرة تتعلق بالقلب وهي معرفة الله ومحبته وإيثاره على ما سواه، وهذا مما فطر الله الناس عليه، لولا أن الناس بدلوا بعد ذلك فمنهم من هودّ أبناءه، ومنهم من نصرّهم، ومنهم من مجسّهم. وفطرة عملية: وهي هذه الخصال. فالأولى تزكي الروح وتطهر القلب، والثانية تطهر البدن، وكل منهما تُمد الأخرى وتقويها. وكان رأس فطرة البدن: الختان. وأما عن اختلاف أهل العلم في وجوبه واستحبابه: فقد اختلف الفقهاء في ذلك، فقال الشعبي وربيعة، والأوزاعي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك، والشافعي، وأحمد: هو واجب، وشدّد مالك في ذلك حتى قال: "من لم يختتن لم تصح إمامته، ولم تُقبل شهادته". وقال الحسن البصري وأبو حنيفة: "لا يجب بل هو سُنة"، وقال ابن أبي موسى من أصحاب أحمد: هو سنة مؤكدة، واحتج الموجبون بوجوه بلغت خمس عشرة وجهًا لا تتسع هذه الخطبة لبسطها كلها، فأذكر أول هذه الوجوه وأهمها، ثم أشير إلى خُلاصة بقيتها. أما الوجه الأول الذي احتج به الموجبون على أن الختان واجب، فهو قوله تعالى في الآية الثالثة والعشرين بعد المائة من سورة النحل: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ [النحل: 123] والختان من ملته لما تقدم. وخلاصة خمس وجوه أُخر أحاديثُ مرفوعات وموقوفات ومراسيل يشهد بعضها لبعض أن النبي أمر بالختان، والأمر للوجوب إذا لم تصرفه قرينة إلى أمور أخرى كالاستحباب والإباحة والإرشاد ونحو ذلك. من المرفوعات: ما رواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق ورواه أبو داود عن محمد بن مخلد عن عبد الرزاق ثم عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عثيم بن كليم عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبي فقال: قد أسلمت فقال: ((ألق عنك شعر الكفر)) أي احلق. قال: وأخبرني آخر أن النبي قال لآخر: ((ألقِ عنك شعر الكفر واختتن))، ومن الموقوفات ما روى وكيع وأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الأقلف ـ وهو غير المختون كما عرفنا ـ لا تُقبل له صلاة ولا تُؤكل ذبيحته. ومن المراسيل قول الزهري قال رسول الله : ((من أسلم فليختتن وإن كان كبيرًا)). فهذه خلاصة خمس وجوه احتج بها الموجبون، وخلاصة ثلاث وجوه أخر: أنهم قالوا: الختان من أظهر الشعائر التي يُفرق بها بين المسلم والنصراني وغير النصراني من الكفار عباد الصليب وعُبّاد النار وغيرهم. ولهذا قال الخطابي في أحد الوجوه: إن الختان وإن كان قد ذُكر في جملة السنن، إلا أنه عند كثير من العلماء على الوجوب لأنه من شعار الدين، وبه يُفرق بين المسلم والكافر. وعدم الاختتان من شعار عُبّاد الصليب وعُبّاد النار، والختان من شعار الحنفاء، وقد عرفنا أن إمامهم إبراهيم عليه السلام قد اختتن، فقال: شعارًا للحينفية، وتوارثه عنه بنو إسماعيل، وبنو إسرائيل صلوات الله على أنبياءه جميعًا وسلامه. فلا يجوز موافقة عباد الصليب القَلْف في شعار كفرهم. ورد القائلون بالاستحباب على هذه الأدلة بكلام لا يدفعها واستدلوا هم أيضًا بأدلة منها: ما يروى عن ابن عباس موقوفًا بإسناد ضعيف: "الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء" وقد عرفتم أنه يروى بإسناد ضعيف موقوفًا عن ابن عباس رضي الله عنهما. فأدلة الموجبين أظهر وقولهم في المسألة هو الحق إن شاء الله وقدّر. وأما عن وقت وجوبه فهو عند البلوغ:عند التكليف بالعبادة، فلا يجب قبل البلوغ، ولما كان الواجب يؤدي إلى أن تتم أمور من باب تمامه، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. لما كان ذلك كذلك. كان من الأفضل أن يتم الختان قبل البلوغ. فإن أمر النبي لأصحابه أن يعلموا أبناءهم وأن يأمروهم بالصلاة لسبع وأن يضربوهم عليها لعشر دال على أنه لم يكن يسوع لهم ترك ختانهم حتى يجاوزا البلوغ، والله أعلم. وأما عن الاختلاف في الختان يوم السابع من الولادة هل هو مكروه أم لا؟ وحجة الفريقين فالحق أنه لم يرد نهي عن الختان يوم السابع من الولادة يشهد لكراهة من كره ذلك من بعض أهل العلم. ولم يرد في استحبابه خبر يرجع إليه؟ فبقي الأمر على التخيير والإباحة، غير أنه إذا فعل في ذلك اليوم (يوم السابع) من الولادة كان أرفق بالصبيان وكان تحريًا لبعض الصحابة الذي ورد أنهم ختنوا أبناءهم في هذا اليوم. وإذا تُرك الأولاد حتى تتقدم سنهم شق ذلك عليهم، وهذا معروف ومُجرب. وأما عن حكمة الختان وفوائده: فالختان من محاسن الشرائع التي شرعها الله سبحانه لعباده. وكمّل به محاسنهم الظاهرة والباطنة وهو مكمل الفطرة التي فطرهم عليها سبحانه، ولهذا كان من تمام الحنيفية ملة إبراهيم. ولهذا قال هشام ابن العاص رضي الله عنه في وقعة أجنادين التي جرت بين المسلمين والروم: يا معشر المسلمين، إن هؤلاء القلف لا صبر لهم على السيف (أي الروم) وذكر المسلمين بشعار دينهم وصليبهم القلف: عدم الختان. وجعله مما يوجب إقدام الحُنفاء عليهم وتطهير الأرض منهم. والمقصود أن صبغة الله هي الحنيفية التي صبغت القلوب بمعرفته ومحبته والإخلاص له وعبادته وحده لا شريك له، وصبغت الأبدان بخصال الفطرة من الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الآباط والمضمضة والسواك، ونحو ذلك من خصال الفطرة وظهرت فطرة الله على قلوب الحنفاء وأبدانهم، هذا مع ما في الختان من الطهارة والنظافة والتنزيه والتزيين وتحسين الخلقة، وتعديل الشهوة، التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوان، وإن عُدمت بالكلية ألحقته بالجمادات. هذا مع ما فيه أيضًا من بهاء الوجه وضياءه وفي تركه من الكسفة التي تُرى عليه. وأما عن القدر الذي يؤخذ في الختان فتقدم أن ختان الرجل يكون بأن تٌقطع الجلدة التي تغطي الحشفة من فرجه، وأما في النساء فيقطع جزء منها ويبقى على جزء، لما رواه أبو داود عن أم عطية أن النبي أمر ختّانة تختن، وقال لها: ((إذا ختنتي فلا تنهكي فإنه أحظى للمرأة وأحب للبعل)) [1]. ففي هذا إشارة كافية إلى القدر الذي يؤخذ في الختان، والمرأة في حاجة إلى ما الرجل في حاجة إليه من فوائد الختان، وبهذا تأتي النقطة التاسعة، وهي أن الحكم يعم الذكر والأنثى؛ لأنه قد جاء في الحديث الصحيح عن النبي ((إذا التقى الختانان)) ولا يقال ختان للمرأة إذا إذا خُتنت فعلاً، وهذا يدل على أن النساء كُن يختتن، والمرأة في حاجة إلى ما الرجل في حاجة إليه من فوائد الختان. والنقطة العاشرة في مسقطات وجوب الختان: متى يسقط؟ يسقط لأربعة أمور مختصرة من أمور كثيرة: أولاً: أن يولد الصبي لا قُلفة له فهو مستغنٍ عن الختان إذ لم يُخلق له ما يجب ختانه، وهذا متفق عليه بين العلماء. ثانيًا: ضعف المولود عن احتماله بحيث يخاف عليه من الختان، ويستمر به الضعف كذلك، فهذا يُعذر في تركه، إذ غايته أنه واجب فيسقط بالعجز عنه كسائر الواجبات. ثالثًا: أن يسلم الرجل كبيرًا فيخاف على نفسه منه فيسقط عنه وهذا عند الجمهور وإن قال البعض بضرورة ختانه عملاً بما جاء من الأقوال والأحاديث المرفوعات والموقوفات والمراسيل، إلا أن الجمهور على أنه إذا خيف على نفسه من التلف إذا أسلم كبيرًا فإنه يسقط عنه. رابعًا: الموت، فلا يجب ختان الميت باتفاق الأمة، وهل يُستحب ؟ الجمهور على أنه لا يستحب، حتى الاستحباب لا يذهب إليه جمهور أهل العلم، وهو قول الأئمة الأربعة أنه لا يستحب ختان من مات من المسلمين ولم يكن قد اختتن. وذهب بعض الأئمة المتأخرين إلى أنه يُستحب وقاسوا على إزالة شارب الميت إذا كان شاربه طويلاً، ولم يكن قد قصّه قبل وفاته، قاسوا على إزالة شاربه وحلق عانته وتقليم أظافره ونتف إبطه قاسوا الختان على هذه الأمور، وهذا مخالف لما عليه عمل الأمة، فهو قياس فاسد لأنه إزالة الشارب وحلق العانة تقليم الأظافر ونتف الإبط لتكميل الطهارة وإزالة: وسخه ودرنه، وأما الختان فهو قطع عضو من أعضاءه، والمعنى الذي شُرع لأجله في الدنيا قد زال بالموت، فلا مصلحة في ختانه، والله أعلم. وأما ما جاء في ختان نبينا محمد والاختلاف في ذلك، هل ولد مختونًا أم لا؟ ومتى ختن؟ فالأحاديث التي وردت في أنه ولد مختونًا ضعيفة لا تصح، وتكلم العلماء فيها كلامًا وافيًا، وليس في ولادته عليه الصلاة والسلام مختونًا فضيلة أو خاصية يختص بها عليه الصلاة والسلام؛ إذ قد وجد من الناس من ولد مختونًا، ولو كان فضيلة أو خاصية لما شاركه فيها أحد ثم إن الختان ابتلاء وقد ابتلي به إبراهيم، وهو لرفع الدرجات ودرجته أعلى من درجات الأنبياء جميعًا فلا يخص عليه الصلاة والسلام من هذا البلاء لأنه من قبيل رفع درجاته . وقال بعض أهل العلم قد ورد في بعض الروايات على ما فيها من ضعف أو كلام أو مقال أن عبد المطلب جد النبي ختنه في يوم سابعه وصنع له مأدبة ودعا إليها الناس وسماه محمدًا . ثم قال هؤلاء العلماء: وهذا أشبه بالصواب وأقرب إلى الواقع والله أعلم. ثم النقطة الأخيرة أيها الأخوة الكرام في الحكمة التي لأجلها يبعث الناس يوم القيامة غرلاً غير مختونين، فقد وعد الله تبارك وتعالى ـ وهو صادق الوعد ـ الذي لا يخلف وعده إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ [آل عمران: 9] وعد أنه يعيد الخلق كما بدأهم أول مرة، ومن صدق وعده أن يعيده على الحالة التي بدأه عليها كما قال في الآية الرابعة بعد المائة من سورة الأنبياء: يَوْمَ نَطْوِى ٱلسَّمَاء كَطَىّ ٱلسّجِلّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَـٰعِلِينَ [الأنبياء: 104] وقال في الآية الثلاثين من سورة الأعراف: كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأنعام: 29]. وأيضًا: فإن القلفة لا حاجة إليها في الجنة؛ لأن أهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون، فليست هناك نجاسة يُصب الغُرلة فيلزم التحرز منها، وليست القلفة مما يعوق لذة الجماع ويمنعه، ثم إن هذا كله إن قُدّر استمر الخلق على ما يبعثون عليه بعد خروجهم من قبورهم فإنه من المعروف أنه تغير أحوالهم وتمد في خلقهم ويزاد في خلق أهل الجنة وخلق أهل النار في الصحيحين وغير الصحيحين، يُمد في الخلق ويزاد فيه لتكمل متعة أهل الجنة بالنعيم مع ضخامة أجسامهم بخلاف ما هم عليه عندما ماتوا فيبعثون على خلق أبيهم آدم (على طوله) على ثلاثة وستين ذراعًا وغير ذلك من الأوصاف، وأنهم يحشرون على صورة القمر، أول زمرة تدخل الجنة وجوههم على صورة القمر، ومن بعدهم وجوههم على صورة أضوأ كوكب دري في السماء, أهل النار يزاد في خلقهم كذلك حتى يصير الضرس كالجبل ليزداد إحساسهم بالعذاب إذا جحدوا وكفروا وفسقوا ولم يستجيبوا للفطرة التي فطرهم الله عليها، فإنَّ الناس يحشرون حفاة عراة، وبعد ذلك يكسون ويزاد ويمد في خلقهم فمن الجائز أيضًا أن تزال الغرلة والقلفة بعد ذلك ومن الممكن أن تستمر وتدوم، وليس هناك خبر يُعلم يجب المصير إليه في هذه المسألة والله سبحانه وتعالى، أعلم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
[1] رواه أبو داود
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أحتاج إلى أن أنبه إخواني أهل السنة الذين هم حريصون على سماع الحق والعمل به إلى ضرورة الاحتراز مما يبتدع في النصف من شعبان من الصلوات التي ليس عليها دليل من كتاب الله ولا من سنة رسوله ، ولا من فعل أصحابه رضي الله عنهم، فإن في الحديث الذي جاء فيه نزول الله عز وجل ليلة النصف من شعبان على القول بتحسينه عند بعض العلماء لا يبرر هذه العبادات التي ليس عليها دليل يرجع إليه ويُستند إليه، فمدار العبادات أيها الأخوة الكرام على الاتباع وليس على الابتداع. ثم أحب أن أنبه أيضًا إلى أن الإحصاءات في الوفيات قد أفادت أن خمسة وثمانين بالمائة ممن يتوفون، يموتون بسبب حوادث السيارات في هذا البلد، وخمسة عشر بالمائة منهم يموتون بأسباب أخرى، فأوجه إخواني إلى أن يراعوا القواعد المرعية في قيادة السيارات وألا يلقوا بأنفسهم في المهالك إلقاءً ، وأن يراعوا أن أحوال هذه الآلات لا تنضبط ولا تضمن، فالأولى بهم أن يحافظوا على أنفسهم وأن يسيروا على القدر الذي يسمح لهم بتدارك الأمور إن حدث خلل. نسأل الله أن يُسلم الجميع من الشرور والبلايا، ونسأل الله تعالى لنا ولكم حيثما كنا من أرض الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأمننا في أوطاننا ودورنا، وانصر اللهم المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في أفغانستان وفلسطين وفي كل مكان يجاهد فيه في سبيلك يا رب العالمين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا، وعليك بمن عادانا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه آمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. |