صحة حديث السفياني ؟
ما هي صحة رواية هذا الحديث التالي : روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق ، وعامة من يتبعه من كلب ، فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان ، فتجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة ، ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة فيبلغ السفياني فيبعث إليه جنداً من جنده فيهزمهم ، فيسير إليه السفياني بمن معه ، حتى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم ، فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم ) المستدرك .
الجواب : الحمد لله
هذا الحديث (حديث السفياني) من الأحاديث التي تناقلها الناس في السنوات الأخيرة ، وحاول بعض الناس تفسيره بما يوافق ما يمر به المسلمون من أزمات وحروب ، إلا أنه حديث ضعيف لا يصح .
قال عنه الشيخ الألباني رحمه الله :
" منكر : أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/520) من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة: ثنا الوليد بن مسلم : ثنا الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً .
وقال: صحيح على شرط الشيخين . ووافقه الذهبي .
قلت – أي الشيخ الألباني - : وفيه نظر من ناحيتين :
الأولى : أن ابن أبي سمينة لم يخرج له مسلم .
والأخرى : عنعنة الوليد بن مسلم ، فإنه كان يدلس تدليس التسوية ، وهو أن يسقط شيخ شيخه ، أي : شيخ الأوزاعي ، فقد جاء في ترجمته : عن الهيثم بن خارجة قال : قلت للوليد بن مسلم: قد أفسدت حديث الأوزاعي ! قال : وكيف ؟ قلت : تروي عنه عن نافع ، وعنه عن الزهري ، وعنه عن يحيى - يعني: ابن كثير - وغيرك يدخل بين الأوزاعي ونافع : عبدَ الله بن عامر الأسلمي ، وبينه وبين الزهري : قرة ، فما يحملك على هذا ؟ فقال : أُنبِّلُ الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء ! قلت : فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء المناكير – وهم ضعفاء - فأسقطتهم أنت ، وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الأثبات ، ضعف الأوزاعي ! فلم يلتفت إلي قولي !
ذكره العلائي في "المراسيل" (ص 118)، والحافظ في "التهذيب" ومن قبله الذهبي في "السير" (9/215)، ومن قبله المزي في " تهذيبه" (31/97)، ومن قبلهم ابن عساكر في "التاريخ" (17/906). وذكروا نحوه عن الإمام الدارقطني .
وإذا عرفت هذا، وأن الوليد كان يدلس تدليس التسوية أيضاً ، فمن الغريب أن لا يفصح الذهبي في كتبه عن ذلك ! ومنها : " السير "، فقال فيه : ثقة حافظ ، لكنه رديء الحفظ ، فإذا قال : حدثنا ، فهو حجة ". ومثله قوله في " الكاشف " : "... وكان مدلساً ، فيتقى من حديثه ما قال فيه: ( عن ) ". ولعله يعني ذلك في كل سلسلة إسناده ، أعني : كما عنعن هنا بين الأوزاعي وشيخه يحيى ، وبين هذا و ( أبي سلمة ) ، ويحتج به ، إذا صرح بالتحديث مكان العنعنة . هذا التأويل محتمل يساعد عليه ما تقدم، لكني رأيته قد أفصح بخلافه ، فقال في "المغني": " فإذا قال : حدثنا الأوزاعي ، فهو حجة "! وهذا تقصير منه بلا شك ، فالصواب وصفه بالنوعين من ( تدليس السماع) ، وهو ما صرح به الحافظ في "التقريب" و " مقدمة الفتح"، فقال فيه (450): " عابوا عليه كثرة التدليس، والتسوية ... وقد احتجوا به في حديثه عن الأوزاعي، و ..و ..". لكن في هذا الإطلاق المتعلق باحتجاج الشيخين به نظر ، فقد قال الذهبي عقب رواية الهيثم المتقدمة وغيرها: قلت : البخاري ومسلم قد احتجا به ، ولكنهما ينتقيان حديثه ، ويتجنبان ما ينكر له ".
قلت: ولعل حديثنا هذا من قبيل ما تجنباه لنكارته ، ولما فيه من العنعنة ، ولذلك فقد وهم الذهبي - فضلاً عن الحاكم - في تصحيحه على شرطهما ، لما علمت من ترجمة ابن أبي سمينة، ولأنه ليس فيه تحديث الأوزاعي فمن فوقه .
يضاف إلى ذلك : يحيى بن أبي كثير مدلس أيضاً عن شيوخه ، معروف بذلك ، كما في "مراسيل العلائي" وغيره .
والخسف المذكور في آخر الحديث قد صح من حديث حفصة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليؤمَّنَّ هذا البيت جيش يغزونه ، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض ، يخسف بأوسطهم ، وينادي أولُهم آخرهم ، ثم يخسف بهم ، فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم ) رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (1924 و 2432) " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (6520) .
وقد ضعف هذا الحديث - بل وجميع أحاديث السفياني كذلك - الدكتور الطريفي حفظه الله ، في ملتقى أهل الحديث :
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?s=&threadid=2560&perpage=15&pagenumber=2وكذلك الدكتور حاتم العوني حفظه الله :
http://www.islamtoday.net/fatawa/quesshow-60-10580.htmوقال الشيخ حمود التويجري رحمه الله :
" لم يجئ في خروجه – يعني السفياني - حديث صحيح يعتمد عليه " انتهى.
" إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " (1/63) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" حديث السفياني أخرجه الحاكم في مستدركه ، وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولكن الحاكم - رحمه الله - معروف بالتساهل بالتصحيح " انتهى .
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " (2/62)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب