هذا هو طريق الحوار الصحيح الموصل إلى الوحدة الإسلامية ..
ربيع بن هادي المدخلي احد علماء الحديث بمكة المكرمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد : فقد نشرت جريدة المدينة ضمن ملحقها ( الرسالة ) في يوم الجمعة 2/ 3 / 1427هـ الموافق 31 مارس 2006م /العدد (15682) : مقالاً لمحمد عطية تحت عنوان '' كتب الشيعة الروائية جميعها قابلة للعرض الدقيق والتمحيص والمراجعة ''.
أولاً - جاء في هذا المقال : ثناء على خادم الحرمين - حفظه الله - الذي تبنى الحوار الوطني وشجعه لحرصه على جمع كلمة الأمة وحرصه على ما يصلحها ويدفع عنها الفتن , وأثنى على علماء السنة الذين يدعون إلى الحوار بين السنة والشيعة .
ونحن نؤيد الدعوة إلى الحوار النـزيه , وأطلب من أطراف الحوار أن يضعوا الأصول الصحيحة التي يقوم عليها الحوار والتي توصلنا إلى النتائج المحمودة التي ينشدها كل مصلح مخلص , مع رجائي أن يتوفر الصدق والإخلاص والحرص على الوصول إلى الحق والأخذ به .
وخير مثال أضربه للحوار الجاد النـزيه :
أ- حوار الصحابة المهاجرين والأنصار في السقيفة حيث انتهى بجلسة واحدة فقط بتسليم الأنصار والمهاجرين بأن الخلافة في قريش , وبناءً على ذلك تمت البيعة لأبي بكر .
ب - حوار عمر والصحابة لأبي بكر في قتال أهل الردة , حيث انتهى هذا الحوار في جلسة واحدة إذ اقتنعوا بحجة أبي بكر على وجوب قتال أهل الردة , فاجتمعت كلمتهم على قتال أهل الردة وحفظ الله الإسلام وأظهره باجتماع كلمتهم على الحق والتصميم على نصرة الإسلام.
ج-س حوار ابن عباس مع الخوارج حين أرسله علي - رضي الله عنه لمحاورتهم وكانوا في أصح الروايات أربعة وعشرين ألفا عرضوا عليه شبههم على علي - رضي الله عنه - في قضية التحكيم ففندها ابن عباس شبهة شبهة في ضوء الكتاب والسنة .
ولما كان جلهم صادقاً في دينه مخلصاً في طلب الحق فسرعان ما تبددت عنهم تلك الشبه وتهاوت أمام حجج الكتاب والسنة التي أدلى بها حبر الأمة ابن عباس - رضي الله عنهما - في جولة واحدة فرجع منهم إلى الحق عشرون ألفاً من أربعة وعشرين ألفا . هذه أمثلة قليلة من كثير يرجع فيها أهل الإنصاف وطلاب الحق إلى الصواب والحق
فهل يتخذ متحاورونا هذه الأمثلة نبراساً يحسم كثرة الجدال والمراء المذمومين شرعاً وعقلا . يجب أن يكون أطراف الحوار من الجادين في الوصول إلى الحق وحسم الخلاف وإنهائه على الوجه الذي يرضي الله ، ولا يجوز بحال أن يكون الحوار من أجل الحوار الأمر الذي لا يقف عند حد .
ثانياً - جاء ضمن مقاله ما نسبه إلى الشيخ عبد المحسن العبيكان - حفظه الله - من أنه '' ميز بين الأقوال والأفعال , فأفعال الناس التي لا تستند إلى دليل وقول وحجة شرعية لا تحسب على المذاهب ، ولكن المعتبر هو قول أرباب المذاهب , وتفهمه أن الشيعة ليس لديهم قاعدة الصحيح في كتبهم , فإن كتب الشيعة الروائية جميعها قابلة للعرض والتدقيق والتمحيص والمراجعة , فما وافق كتاب الله وثبت صدوره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق معلوم سواء عن طريق أهل البيت عليهم السلام أو الصحابة المنتجبين رضوان الله عليهم قبل وما خالفه ضرب به عرض الجدار '' .
أقول : إني أتفاءل بتسليم الشيخ محمد عطية بأن الشيعة ليس لديهم قاعدة الصحيح في كتبهم ، وكتب الشيعة الروائية جميعها قابلة للعرض والتدقيق والتمحيص والمراجعة '' .وأسأله :
1 - هل علماء الشيعة كلهم على هذا الاعتقاد ؟ فإذا كانوا كلهم أو جلهم على هذا الاعتقاد فليثبت لنا ذلك بالأدلة .
2 أ- طلب منه بيان وسائل وطرق وموازين هذا التدقيق والتمحيص ...الخ .
3 - جاء في كلامه قوله : '' فما وافق كتاب الله وثبت صدوره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق معلوم سواء عن طريق أهل البيت عليهم السلام أو عن طريق الصحابة المنتجبين رضوان الله عليهم قبل وما خالفه ضرب به عرض الجدار '' . وهذا كلام جيد نتفاءل به في الجملة .
لكن هل الشيعة مستعدون للالتزام بالأصول الصحيحة المعتبرة في نقد الأخبار وبيان صحيحها من سقيمها من باطلها وكذبها .
فمن تلك الأصول أن رواية الكذابين والمتهمين بالكذب وأهل الفسق لا تقبل وروايات المجهولين والروايات المرسلة والمنقطعة والمعضلة لا تقبل وروايات الضعفاء في الحفظ وفاحشي الغلط لا تقبل , والروايات الشاذة والمنكرة لا تقبل .
ويعرف العلماء المعتبرون الحديث الصحيح بأنه رواية عدل تام الضبط متصل السند غير معل ولا شاذ وأدلتهم على ذلك الكتاب والسنة .
وهل الشيعة مستعدون للالتزام بالمنهج الصحيح في تفسير القرآن ومن ذلك تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة وتفسير القرآن بأقوال الصحابة الذين نـزل القرآن بلغتهم وعرفوا أسباب النـزول وشاهدوا تطبيق الرسول وعاصروا نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهل هم مستعدون للسير على المنهج الصحيح في التفقه في النصوص القرآنية والنبوية بحمل المجمل على المبين وحمل المطلق على المقيد ، والعام على الخاص ومعرفة الناسخ من المنسوخ وتقديم الناسخ على المنسوخ .
فإن كان الشيعة مستعدون للأخذ بهذه الأصول في نقد كتبهم وكتبنا فقد اختصرنا طريق الحوار الطويل بل وصلنا إلى ما نريده.
ثالثاً - قال ابن عطية :
'' إن أطروحة الشيخ العبيكان وكما قلتها في اتصال هاتفي مع الأستاذ عبد العزيز قاسم بعد المكاشفة بان لها أثراً ودوراً إيجابياً في وحدة المسلمين من جهة ودعم الوحدة الوطنية من جهة أخرى . ان بلاد التوحيد يتسع قلبها لكل موحد يؤمن بالله رباً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً وبالكعبة قبلة وبالقرآن الكريم الذي برأه الله وضمن سلامته وصيانته من التحريف حيث يقول سبحانه وتعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) والقائل بالتحريف يخالف شريعة السماء وقد اتفقت أقوال المذهب الشيعي المعتبرة على براءة القرآن وبراءتهم من ذلك القول وان قرآنهم قرآن سائر المسلمين ''.
أقول : لو كانت الشيعة في كل زمان ومكان يقولون مثل ما قاله هنا محمد عطية لما وجدت هذه الفجوة الكبيرة والهوة السحيقة بين أهل السنة والشيعة , فالشيعة الإمامية يكفرون أصحاب محمد وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان ويكفرون أهل السنة .
وكتبهم في التفسير وفي الرواية والعقائد مشحونة بذلك .
وكتبهم في التفسير والرواية تصرح بأن القرآن قد حرفه الصحابة وزادوا فيه ونقصوا ولا سيما ما يتعلق في زعمهم بذم الصحابة وما يتعلق بالإمامة وأهل البيت .
وقد جمع النوري الطبرسي في إثبات تحريف القرآن كتاباً ضخم الحجم سماه ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ) جمع فيه أكثر من ألفي رواية تنص على التحريف وجمع فيه أقوال جميع الفقهاء وعلماء الشيعة التصريح بتحريف القرآن الموجود اليوم بأيدي المسلمين حيث أثبت أن جميع علماء الشيعة وفقهاءهم المتقدمين والمتأخرين يقولون : إن هذا القرآن الموجود اليوم بين أيدي المسلمين محرف , انظر '' كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار'' للسيد حسين الموسوي '' ص79 وانظر كتاب '' الشيعة والقرآن '' للشيخ إحسان إلهي ظهير وانظر الكافي للكليني (2/627-633) . فإن أردت أن ينجح الحوار وتتحد الأمة فعليك بالشجاعة والصراحة والاعتراف بواقع الشيعة وهو ما اعتقدوه ودونوه في كتبهم وتداولته أجيالهم واطلع عليه أهل السنة من أن الصحابة قد حرفوا القرآن وزادوا فيه ونقصوا , يابن عطية أرجو الابتعاد في الحوار عن إنكار البدهيات .
رابعاً - قال ابن عطية : '' إن الوحدة الإسلامية قادمة وما كلام هؤلاء الأعلام إلا نور على الدرب و دعم لحركة الحوار الوطني ليأخذ دوره الحقيقي وبعده العميق في توثيق الصلة والروابط بين أبناء المسلمين وأبناء الوطن الواحد '' أقول :
1- إن القاري لهذا الكلام يجد رغبة قوية من قائله في تحقيق الوحدة الإسلامية وثناء عاطراً على قيادة هذه البلاد الحكيمة وعلى العلماء الذي فتحوا صدورهم للحوار فينبغي شكرهم والتعامل معهم بكل صراحة ووضوح ولا يشك أحد في رغبة القيادة والعلماء الصادقة في إزالة أسباب الفرقة والاختلاف والفتن وهذا أمر يشاركهم فيه كل مسلم ناصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ولا سيما علماء هذا البلد فإنهم والحمد لله دعاة إلى جمع الكلمة واجتماع الأمة كلها على كتاب الله وسنة رسوله ، وما أجمل ذلك اليوم الذي تزول فيه كل أسباب الفرقة والخلاف وتقوم على أنقاضها الوحدة الصحيحة التي يتعطش لها ويرنو إليها كل من دان بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عقيدة ومنهجاً ودان بقول الله تعالى : '' فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً '' وبقول الله تعالى : '' وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله '' وبقوله تعالى : '' واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا '' وقوله تعالى : '' إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء '' وقوله صلى الله عليه وسلم : '' تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك '' وغير ذلك من النصوص القرآنية والسنة النبوية التي تحث الأمة على الوحدة وتحذرهم من الفرقة وتذم أهلها وتتوعدهم بالعذاب الشديد والهلاك المبيد .
2- إن ابن عطية ليصف القرآن بأنه قد برأه الله وضمن سلامته وصيانته من التحريف ويستشهد بقول الله تعالى : '' إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون '' وهذا حق لا غبار عليه وهو واقع القرآن فلا يستطيع أحد أن يزيد في نصوصه وكلماته المعجزة حرفاً ولا يستطيع أن ينقص منه حرفاً ومن حاول ذلك فضحه الله وأخزاه . ولكن التحريف لمدلولاته ومقاصده قد حصل من بعض الفرق ولا سيما الشيعة ولا سيما في كتب تفسيرهم وكتب رواياتهم !!! ولكن الله الذي ضمن حفظ هذا القرآن بين هذا التحريف والتبديل من نصوص القرآن نفسه وعلى أيدي العلماء الربانيين .
ولا ينكر هذا إلا مكابر وأنا أتحمل المسئولية عن إثبات ما أقول .
3- وقول ابن عطية : '' والقائل بالتحريف يخالف شريعة السماء ... الخ.
أقول : ثم ما حكم من يدعي أن الصحابة حرفوه ويلعنهم ويكفرهم ؟!
أرجو من ابن عطية الإجابة على هذا السؤال بل أرجو الإجابة من كل من يحرص من الشيعة على الحوار ووحدة الكلمة بين أهل السنة والشيعة وغيرهم .
4- قول ابن عطية : وقد اتفقت أقوال المذهب الشيعي المعتبرة على براءة القرآن وبراءتهم من ذلك القول وأن قرآنهم قرآن سائر المسلمين '' .
أقول : لا يسلم لابن عطية دعوى اتفاق الشيعة فإن كتبهم المعتبرة ترد دعوى هذا الاتفاق وعلماء السنة المطلعون على ما في خبايا كتب الشيعة يردون هذه الدعوى الكبيرة . وعلماء الشيعة ومنهم الطبرسي الذي فتش كتبهم وفلاها صرح بإجماع علماء الشيعة على دعوى تحريف القرآن .
ولا نسلم بدعوى ابن عطية ولعل مرد قوله إلى عدم اطلاعه ، ومن علم حجة على من لم يعلم.إن خلاص الشيعة من هذه الفاقرة العظمى يكمن في اعترافهم بها وإدانة هؤلاء بما يستحقون من الأحكام العادلة .
هذا هو الموقف الصحيح الذي يجب على من يحرص على الحوار وعلى وحدة الأمة .
5- قول ابن عطية : '' إن الوحدة الإسلامية قادمة وما كلام هؤلاء الأعلام إلا نور على الدرب ودعم لحركة الحوار الوطني ليأخذ دوره الحقيقي وبعده العميق في توثيق الصلة والروابط بين أبناء المسلمين وأبناء الوطن الواحد '' .
أقول : يجب أن نجتهد جميعاً في تحقيق هذه الطموحات وندعمها بالصدق والصراحة في الأقوال والشجاعة في الأفعال وتحطيم العقبات التي تقف في وجه هذه الوحدة . وتلك العقبات الكثيرة هي : العقائد والأقوال والأعمال المخالفة لصريح القرآن والسنة فمن توجد عنده هذه المخالفات يجب أن يعترف بها في ضوء الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة التي زكاها الله في كتابه وزكاها رسول الله في سنته وشهد لهم عدول الأمة بالتزام نصوص الكتاب والسنة ونشرها والجهاد في إعلائها وهداية البشرية إليها .
فإن فعلنا ذلك تحقق ما نصبو إليه من وحدة الأمة وتوثيق الروابط المتينة بين المسلمين وبين أبناء هذا الوطن ونكون أسوة حسنة لغيرنا في سائر العالم الإسلامي وغيره .وللحديث بقية.
الجمعة 16 ربيع الأول 1427 - الموافق - 14 ابريل 2006 - ( العدد 15696).