بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أكبر خطأ وقع به الناس أن أهل الدنيا يعيشون للدنيا ولم يدخلوا الآخرة في حساباتهم :
أيها الأخوة الكرام, آية اليوم:
﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾
[سورة البقرة الآية:171]
نعق بمعنى خاطب الدواب, والدواب لا تفهم؛ لا المخاطب يخاطب من يعقل, ولا السامع يعقل ما خوطب:
﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾
[سورة البقرة الآية:171]
أخواننا الكرام, أكبر خطأ أن نتوهم أن المسلم يصلي؛ الفرق بين المسلم وغير المسلم, بين المؤمن وغير المؤمن, بين الذي عرف الله وبين الذي لم يعرفه, كما بين الثرى والثريا, كما بين الأرض والسماء.
لو ذهبنا نحلل شخصية المؤمن: إنسان هادف, في ذهنه تصور صحيح, عن الكون والحياة والإنسان, هذا التصور الصحيح جعله يسلك سلوكاً صحيحاً, هذا الإنسان أمامه هدف, هدفه الجنة.
لذلك أكبر خطأ وقع به العصر أن أهل الدنيا يعيشون للدنيا, وما أدخلوا الآخرة في حساباتهم, والدليل قوله تعالى:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
[سورة الليل الآية:1-4]
على وجه الأرض ستة آلاف مليون إنسان, كل إنسان يتحرك لهدف في فكره؛ هذا يتزوج, هذا يؤسس بيتاً, هذا ينال شهادة عليا, هذا يرتكب جريمة زنا, هذا يسافر, كل إنسان يتحرك لهدف في ذهنه.
المؤمن هدفه الآخرة و السعي للآخرة يشعره بالسعادة :
لكن الله جلّ جلاله جعل كل هذه الأهداف -أهداف الستة آلاف مليون- تدخل في حقلين فقط, قال:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل الآيات : 5-6]
كلمات جامعة, مانعة, دقيقة، صدَّق أنه مخلوق للجنة, هذه العقيدة، لو ضبطت العقيدة بكلمة واحدة؛ أنت أيها الإنسان لم تخلق للدنيا, بل جئت إلى الدنيا لتدفع ثمن الآخرة بالضبط.
أهل الدنيا تصورهم أنهم خلقوا للدنيا؛ همه أن يكون بيته فخماً, عنده دخل كبير, عنده مركبة فارهة, يقترن بامرأة جميلة, ينجب أولاداً أذكياء, يعيش حياة بتصوره سعيدة, هدفه الدنيا, وهذه الدنيا كما قيل: تغر, وتضر, وتمر.
الآن: المؤمن هدفه الآخرة, لكن يسعد في الدنيا أضعافاً مضاعفة عما يسعد بها غير المؤمن؛ لأنه عندما اختار الآخرة, أي شيء في الدنيا يعجبه, أي شيء يرضيه, هدفه كبير.
تصور طالب جامعة, أدى امتحاناً بأعلى مستوى, يتوقع العلامات التامة, أي شيء متعب في سيره إلى الجامعة, بعلاقته مع صديق يمتصه, لماذا يمتصه؟ لأن هدفه الأكبر تحقق. فلذلك أحد أسباب سعادة المؤمن أن هدفه الأكبر تحقق.
مرة أخ -أنا أظنه صادقاً في الاعتراض- قال لي: تقول: المؤمن سعيد, قال لي: والله ليس بسعيد, مثله مثل غيره, لا يختلف عنه بشيء, فأنا أمام ثلاثين شخصاً, أريد تعليقاً, قلت له: إذا كان الإنسان موظفاً, معاشه أربعة آلاف ليرة, - ضربت له رقماً قليلاً جداً-, وعنده ثمانية أولاد, وبيته بالأجرة, وعليه دعوى إخلاء, ما وضع هذا الإنسان؟ قال لي: سيئ جداً, قلت له: لا يوجد أسوأ من هذا؛ فقر مدقع, أولاد, بيت, مصروف, دخل محدود, له عم يملك خمسمئة مليون, وليس له أولاد, توفي بحادث, بحسب نظام الإرث الخمسمئة مليون لمن؟ لهذا الفقير.
أي في ثانية واحدة عندما مات عمه آلت ثروة عمه إليه؛ لكن هناك وثائق, و براءة ذمة, و روتيناً معقداً في المالية, حتى يصل إلى المبلغ بعد سنتين, لماذا هو في هاتين السنتين أسعد إنسان؛ مع أنه لم يأكل لقمة زائدة, ولم يشتر معطفاً؟ لأنه دخل بوعد حقيقي, أنه سيملك خمسمئة مليون, إن أخذهم بعد سنة, بعد سنتين, ما من مشكلة, لكن الآن يملكك خمسمئة مليون.
صدق ولا أبالغ: هذا حال المؤمن, خالق الكون وعده بالجنة, لذلك هذا الوعد يمتص كل متاعب الدنيا.
المؤمن صدّق أنه مخلوق للحسنى فبنى حياته على العطاء :
لذلك: أحد أسباب سعادة المؤمن أن الله وعده بالجنة؛ لذلك يقبل زوجة وسطاً, دخلاً قليلاً, عملاً متعباً, لكن كله حلال, يسعى للحلال ابتغاء وصوله للجنة, هذا حال المؤمن، لذلك: قد يعيش المؤمن بمتاعب كبيرة, لكن لا يحس فيها؛ هدفه كبير, هدفه الجنة, لذلك قال تعالى:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
[سورة الليل الآية:1-4]
دقق:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل الآيات : 5-6]
صدَّق أنه مخلوق للحسنى, والحسنى هي الجنة؛ لأنه صدق أنه مخلوق للحسنى, اتقى أن يعصي الله, ولأنه اتقى أن يعصي الله, والجنة تحتاج إلى عمل, بنى حياته على العطاء.
صدق ولا أبالغ, هناك كلمة مستعملة حديثاً اسمها: "استراتيجية المؤمن"؛ استراتيجيته الأساسية العطاء, وغير المؤمن الأخذ.
الناس زمرتان لا ثالث لهما :
لذلك يقع على رأس الهرم البشري زمرتان؛ الأقوياء والأنبياء؛ الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا, الأقوياء أخذوا ولم يعطوا, الأنبياء ملكوا القلوب, والأقوياء ملكوا الرقاب, الأقوياء عاش الناس لهم, والأنبياء عاشوا للناس, والناس جميعاً تبعٌ لقوي أو نبي، لهذا أحبّ الناس الأنبياء, وخافوا من الأقوياء.
وكل إنسان لا بدّ من أن يكون تابعاً لنبي كريم أو لقوي قويم, فالمؤمن سلاح كماله الإيمان بالله، والذي يكون تابعاً لقوي؛ سلاحه قوته ما يملك من سلطة, هذا التقسيم حقيقي:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل الآيات : 5-6]
أول سطر: هؤلاء المؤمنون في الأرض؛ أعطى, بنى حياته على العطاء, واتقى أن يعصي الله, لأنه صدق أنه مخلوق للجنة, والثاني:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل الآية : 8-9 ]
ما دام كذب بالجنة, آمن بالدنيا, إيمانه بالدنيا يدفعه إلى أن يأخذ لا أن يعطي, وإلى أن يستمتع لا أن يعمل صالحاً, هذا التقصير, فأنت اسأل نفسك: أنت مع أي زمرة؟
﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل الآيات : 5-6]
المؤمن يسعى للجنة و غير المؤمن يمشي في طريق مسدود :
المؤمن يسعى للجنة, يقبل بزوجة غير جميلة, بدخل محدود أحياناً؛ ما دام عمله صالحاً, مادام له أعمال صالحة عند الله, هدفه الأساسي تحقق, تجد المؤمن سعيداً؛ دخله محدود, بيته صغير, زوجته وسط, حياته المادية عادية جداً, بل أقل من عادية, تجده ممتلئاً سعادة, لأن هدفه كبير, وغير المؤمن مترف؛ بيت, دخل, مركبة, يقول لك: لا يعاش في هذا البلد, كلام مضحك, كلام إنسان يمشي في طريق مسدود, والله غير المؤمن يمشي في طريق مسدود.
وأنتم تظنون هذا وأحياناً معكم حق, وأنا أحياناً أظن أن الذي معه مال هو إنسان سعيد, أبداً, المال مهما كنت تملك مالاً, الدنيا لها سقف، أي على الطعام كم تأكل؟ يمكن أفقر إنسان يأكل كما يأكل أغنى إنسان, إنسان ينام على سرير؛ النوم عام بين كل الناس, والزواج عام بين كل الناس, الأساسيات في الحياة مشتركة بين كل الناس, بالعكس ربما كان هذا الفقير أسعد بأهله وأولاده من الغني؛ فلذلك حينما تبحث عن الإيمان بحثت عن السلامة, وحينما تبحث عن الإيمان بحثت عن السعادة:
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) ﴾
[سورة الليل الآية:1-6]
أنا أتمنى أن يكون مفهوم الجنة ماثلاً في ذهنك كل دقيقة.
طرق الباب, لا أفتح, وقت نومي, إذا كان مؤمناً بالدنيا, تؤمن بالآخرة, تفتح وتخدم الناس.
والله هذا المفهوم -مفهوم الجنة والعمل لها- إذا أدخلته في حساباتك اليومية يختلف سلوكك مئة وثمانين درجة.
أقول لك هذه الكلمة: إن لم تنعكس موازينك مئة في المئة, أو مئة وثمانين درجة, يكون إيمانك فيه ضعف.
أوضح شيء: المؤمن يسعد أن يعطي, غير المؤمن يسعد أن يأخذ, المؤمن يسعده العمل الصالح, غير المؤمن تسعده المتعة المادية.
المؤمن آمن بالمبادئ والقيم وغير المؤمن تسعده المتعة المادية :
هناك تقسيم دقيق للبشر؛ مؤمن وغير مؤمن؛ المؤمن هدفه الآخرة, يسعد ببيته, والمؤمن في التعبير اليومي بيتوتي, بيته جنته؛ زوجته, أولاده, بناته, أما غير المؤمن المقاهي, ودور اللهو, فهنا يشعر بالسرور.
فيا أيها الأخوة:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
[سورة الليل الآية:1-4]
دقق:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) ﴾
[سورة الليل الآية:5-11]
الآن:
﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾
[سورة البقرة الآية:171]
كلامه غير معقول, طلباته غير معقولة, غير واقعية, ولا يوجد من يسمع له أساساً, أما المؤمن فيناجي ربه؛ المؤمن آمن بالآخرة, المؤمن آمن بالمبادئ والقيم, المؤمن بيته جنة, المؤمن زواجه مسعد, لأنه في استقامة.
المؤمن بنى حياته على الشكر وغير المؤمن بنى حياته على التشكي والكفر:
فيا أيها الأخوة, الآخرون:
﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾
[سورة البقرة الآية:171]
يا الله! أصم: لا يسمع الحق, أبكم: لا ينطق به, أعمى: لا يرى آيات الله؛ يرى المركبات, والبيوت, والمناصب, والدخل, والغنى, والثروات:
﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾
[سورة البقرة الآية:171]
ما هذا الإنسان؟ أصم: لا يسمع الحق, أبكم: لا ينطق إلا بالباطل, أعمى: لا يرى فضل الله عليه؛ يرى ضعفه, يرى دخلاً لا يكفيه, يرى الأولاد متعبين, يرى زوجة غير وفية مثلاً.
تجده يجلس مع إنسان كل حياته شكوى, شكوى, لا يوجد شيء, حتى الأغنياء يشتكون أحياناً؛ لذلك المؤمن بنى حياته على الشكر, وغير المؤمن بنى حياته على التشكي والكفر:
﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾
[سورة البقرة الآية:171]
العقل منافذه العين, والسمع, واللسان؛ أبكم: لا ينطق بالحق, لا يوجد عنده شيء في الداخل, لا يوجد حق ينطق به, أعمى: لا يرى آيات الله, أصم: لا يسمع كلام الله عز وجل.
إذاً: عقله منافذهُ خارجية, مبرم, فإذا كان المنفذ الخارجي مغلقاً, لو الباب مفتوح هذا بحكم أنه مغلق, ما دام المنفذ الخارجي مغلقاً, هذا مغلق أيضاً:
﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾
[سورة البقرة الآية:171]
هم لا يعقلون, لأن منافذ العقل مغلقة؛ لذلك قيل: حبك الشيء يُعمي ويُصِم.
والحمد لله رب العالمين