بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين, وعلى صحابته الغر الميامين؛ أمناء دعوته, وقادة ألويته, وارض عنا وعنهم يا رب العالمين.
الله عز وجل يخاطب عامة الناس بأصول الدين و المؤمنين بفروع الدين :
لا زلنا أيها الأخوة في آيات الأمثال, والآية اليوم:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾
[سورة الحج الآية:73]
أيها الأخوة: لا شك أن الله سبحانه وتعالى حينما يخاطب عباده في القرآن يخاطبهم بصيغتين؛ مرة يقول الله عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
[سورة الأنفال الآية:20]
ومرة يقول الله عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾
[سورة البقرة الآية:21]
والعلماء يقولون: إن الله سبحانه وتعالى يخاطب عامة الناس بأصول الدين:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾
[سورة البقرة الآية:21]
ويخاطب المؤمنين بفروع الدين:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
[سورة الأنفال الآية:20]
السماع عام أما النظر فمقيد بمشيئة الإنسان وإرادته :
﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾
[سورة الأنفال الآية:21]
دائماً هناك خطاب للمؤمنين, وكأن الله عز وجل حينما يخاطب المؤمنين يقول: يا من عرفتموني, يا من آمنتم بوجودي, آمنتم بكمالي, آمنتم بوحدانيتي, يا من آمنتم بأسمائي الحسنى وصفاتي الفضلى, افعلوا, كذلك الخطاب للمؤمنين تفصيلي؛ الخطاب للمؤمنين بفروع الدين, الخطاب للمؤمنين بالتفاصيل, أما الخطاب للناس عامة فبالكليات:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾
[سورة البقرة الآية:21]
هنا الآية:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾
[سورة الحج الآية:73]
أي إنسان معني بهذه الآية:
﴿ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾
[سورة الحج الآية:73]
طبعاً هناك فرق كبير بين أن تسمع, وبين أن تستمع، السمع: إنسان يمشي في الطريق, سمع بوق مركبة, ليس له خيار في السماع أو عدم السماع, العين لها خيار, بإمكانك أن تغض بصرك, لذلك قال تعالى:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾
[سورة النور الآية:30]
أما السماع فلا تستطيع أن تسد أذنيك؛ فالسماع عام, أما النظر فمقيد, بمشيئتك وإرادتك.
عظمة الله عز وجل تتجلى في الحجوم الكبيرة و في الأشياء الصغيرة :
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾
[سورة الحج الآية:73]
أدق الحشرات لو اجتمعت قوى الأرض على أن تبدل من خصائصها لا تستطيع.
هناك أمثلة كثيرة؛ حينما وضعت البعوضة تحت المجهر, - المجاهر التقليدية مجاهر أساسها العدسة البللورية, أما المجاهر الحديثة فأساسها إلكتروني, أي يمكن للمجهر الإلكتروني أن يكبر خمسمئة ألف مرة- فلما وضعت بعوضة تحت هذا المجهر تبين أن في رأس البعوضة مئة عين, -وهناك صور لهذه العيون المئة-, وأن في فمها ثمانية وأربعين سناً, وكل ألف بعوضة تساوي غراماً واحداً, فالبعوضة وزنها واحد على ألف من الغرام.
أخواننا الكرام, بالمناسبة مهما تصورت الأجزاء, هناك أجزاء أدق، تبدو عظمة الله عز وجل في الحجوم الكبيرة كالمجرات, وتبدو عظمة الله أيضاً في الأشياء الصغيرة.
فهذه في رأسها مئة عين, وفي فمها ثمانية وأربعون سناً, وهذا كله أظهرته الصور, وفي صدرها قلوب ثلاثة؛ قلب مركزي, وقلب لكل جناح, وفي كل قلب أذينان, وبطينان, ودسامان، حينما يقول الله عز وجل:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾
[سورة البقرة الآية:26]
إذاً: البعوضة في رأسها مئة عين, في فمها ثمانية وأربعون سناً, في صدرها قلوب ثلاثة؛ قلب مركزي, وقلب لكل جناح.
البعوضة آية من آيات الله الدالة على عظمته :
أيها الأخوة الكرام, البعوضة تملك جهازاً لا تملكه الطائرات, تملك جهاز رادار, أو بتعبير أدق تملك جهاز استقبال حراري, فهي تعرف الأشياء لا بأشكالها, ولا بألوانها, ولا بأحجامها, لكنها تعرف الأشياء بالحرارة, هذا الجهاز الحراري الذي ترى به الأشياء, كأن نقول مثلاً: الأشعة فوق الحمراء طريقة من طرق الاستكشاف في الليل, البعوضة تملك هذا الجهاز, ترى الأشياء بحرارتها فقط.
وقال العلماء: حساسية هذا الجهاز واحد على ألف من الدرجة المئوية، أي نحن بكل ما نملك من طاقات, ومن عين دقيقة في رؤيتها, أنت تملك حساسية تساوي ربع درجة, الذي عنده بصر حاد, يقول لك: حرارته سبع وثلاثون وثلاثة أرباع, لكن معظم الناس الحساسية مصدرية, سبع وثلاثون ونصف, فالإنسان كل حساسيته في الرؤية دقتها ربع درجة, أما البعوضة فواحد على ألف من الدرجة المئوية، لذلك: هذه الآية أنا أصنفها مع الإعجاز العلمي:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾
[سورة البقرة الآية:26]
والذبابة كذلك.
الذبابة أيها الأخوة في علم الطيران تملك أعلى إمكانية في الكون, على المغادرة في الجو, لا توجد طائرة ممكن أن تسير بسرعة ألف ميل, فجأة تنعطف تسعين درجة, لا يوجد خط منحن, انعطاف زاوية قائمة, لا تملك طائرة في الأرض أن تنعطف فجأة تسعين درجة بالضبط يمنة أو يسرة, لا يوجد في الأرض طائرة يمكن أن تهبط على سقف, أما الذبابة فتقف على السقف, وهي نحو الأسفل, ما الذي يحميها من السقوط؟ هناك مناورة للذبابة لا تستطيعها طائرة في الأرض, وأجهزتها على دقتها؛ عين, ورئتان, وجهاز هضم, وما إلى ذلك:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً﴾
[سورة الحج الآية:73]
هناك معلومات دقيقة عن البعوضة, والذبابة كذلك.
الأجهزة التي تملكها البعوضة :
هذه البعوضة في رأسها مئة عين, في فمها ثمانية وأربعون سناً, في صدرها قلوب ثلاثة؛ قلب مركزي, وقلب لكل جناح, وفي كل قلب أذينان, وبطينان, ودسامان, والبعوضة تملك هذا الجهاز الاستقبال الحراري, جهاز رادار، فهي ترى الشيء بالحرارة, لو أنها في غرفة في فصل الشتاء, الحرارة خمس, أما الطفل فحرارته تقدر بسبع وثلاثين, لا ترى إلا الطفل.
الآن: حينما تغرس خرطومها في جلد الطفل, ما كل دم يناسبها, تأخذ عينة, وتفحصها؛ فإذا كان هذا الدم مما يوافقها, تابعت أخذ الدم منه, فإن لم يكن يوافقها, تركته إلى أخيه، لذلك: هذا الجهاز -جهاز تحليل للدم- هل تتصور بعوضة بهذا الحجم معها جهاز تحليل للدم و جهاز تخدير؟ لأن هذا الإنسان إذا غرست البعوضة خرطومها في جلده, يقتلها؛ تخدره أولاً, ثم تغرس خرطومها في جلده, تمتص الدم, فإذا انتهت وطارت إلى سماء الغرفة ينتهي مفعول التخدير, يشعر الإنسان بلسع البعوض, يظنها عليه, يضربها بكل قوته, وهي في الحقيقة في سقف الغرفة تضحك عليه؛ معها جهاز تحليل للدم, معها جهاز تخدير, معها جهاز تمييع, دم الإنسان لا يسري في خرطوم البعوضة؛ تميعه, وتحلله, وتخدره, وتمتص عندئذ الدم.
وضع هذا الخرطوم تحت المجهر, وكبر مئات ألوف المرات, فالنتيجة مذهلة أن في خرطوم البعوضة ست سكاكين؛ أربع سكاكين لإحداث جرح مربع, وسكينان تلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم, وتملك البعوضة أرجل فيها مخالب إذا وقفت على سطح خشن, وفيها محاجم على الضغط إذا وقفت على سطح أملس.
الآية التالية تُعرف بالله عز وجل من خلال خلقه :
أنا أعتقد أن البحوث الحديثة فيها شرح دقائق خلق البعوضة أو الذبابة, وهي خير ما يفسر هذه الآيات:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾
[سورة الحج الآية:73]
أحياناً يجهد الإنسان بقتل ذبابة ولا يستطيع, تملك طاقة مناورة عالية جداً، فالإنسان قد يتأمل في خلق الله, ما دق في خلق الله وما عظم.
فالمجرات مثلاً هناك نجم واحد لبعض المجرات, هذه المجرة اسمها: مجرة العقرب, في المجرة نجم صغير, متألق, أحمر اللون, اسمه قلب العقرب, يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما, الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة, وبين الأرض والشمس مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر, الأرض والشمس مع المسافة بينهما يدخلان في نجم من نجوم برج العقرب, هو قلب العقرب.
الآن الصغر؛ هذه البعوضة تملك جهازاً لا تملكه الطائرات, تملك جهاز استقبال حراري, حساسيته واحد على ألف من الدرجة المئوية.
من ازداد معرفة بالله ازداد معرفة بضآلته :
إذاً:
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾
[سورة الحج الآية:73]
كلما ازددت معرفة بالله, ازددت معرفة بضآلتك.
وللإمام الشافعي كلمة رائعة يقول: "كلما ازددتُ علماً ازددت علماً بجهلي".
قل لمن يدعي في العلم فلسفة حفظت شيئاً وغابت عنك أشياءُ
***
ولا نهاية لعظمة هذا الكون؛ فيما هو كبير كالمجرات, وفيما هو صغير كالبعوضة.
لذلك أيها الأخوة هذه الآية تشبه تعريفاً بالله عز وجل من خلال خلقه:
﴿وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾
[سورة الحج الآية:73]
والحمد لله رب العالمين