((اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لاَ قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلاَ بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلاَ هَادِيَ لِمَنْ أَضْلَلْتَ، وَلاَ مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلاَ مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، وَرَحْمَتِكَ، وَفَضْلِكَ، وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنَا، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزِيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ [آمِينْ]))([1]).
المفردات:
((لا قابض لما بسطت)): القبض هو الإمساك والتضييق, والبسط: السعة.
((بركاتك)): الخير، والنماء، والزيادة.
((العيلة)): الفقر.
((غير خزايا)): جمع خزيان و هو من وقع في ذل المعصية ((ولا مفتونين)): غير واقعين في الفتنة، والبلية الأخروية.
((رجزك)): العذاب المعلق، قال تعالى: "عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ"([2]) أي مزلزل مزعج.
الشرح:
قوله: ((اللَّهم لك الحمد كله)): يا اللَّه لك المحامد، نخصك بها لكمالك وعظمتك.
بدأ بالحمد والثناء على اللَّه، والتوسل إليه بأسمائه وصفاته، وذلك أرجا وأوقع في قبول الدعاء، كما تقدم في آداب الدعاء.
قوله: ((اللَّهم لا قابض لما بسطت, ولا باسط لما قبضت)): اللَّهم لا أحد يستطيع أن يُضيِّق ما وسعت، وبسطت له لكمال قدرتك ومشيئتك, ولا أن يُوسع إذا أردت أن تضيق عليه، فلك المشيئة والقدرة الكاملة.
قوله: ((ولا هادي لمن أضللت، ولا مُضلَّ لمن هديت)): أي لا أحد يقدر أن يهدي من أردت إضلاله، ولو اجتمع عليه جميع الخلائق, ولا يقدر أحد أن يُضلَّ من هديت، لنفوذ مشيئتك، وقدرتك، وحكمتك.
قوله: ((ولا معطي لما منعت, ولا مانع لما أعطيت)): من علم، أو رزق، أو مال، أو سلطان، أو جاه، أو غير ذلك، فلا أحد يقدر على المنع أو الإعطاء إلا بإذنك.
ولا يخفى في تعظيم كمال صفاته جل وعلا، حيث نفى ما يُضادّ كمال صفاته من كل وجه.
قوله: ((اللَّهم ابسط علينا من بركاتك، ورحمتك، وفضلك، ورزقك)): بعد أن قدم الثناء على اللَّه جل وعلا، والتوسل بأسمائه وصفاته, شرع بمطلوبه من خيري الدنيا والآخرة، اللَّهم وسِّع علينا وكثِّر من خيراتك, ورحماتك، وفضلك، ورزقك، وأدمها, فأنت مالك كل شيء، فنسأله منك لا من أحد سواك.
قوله: ((اللَّهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول)): أسألك يا اللَّه النعيم الدائم الذي لا يتحول, ولا يتغير، وهو نعيم الآخرة.
قوله: ((اللَّهم إني أسألك النعيم يوم العيلة)): أسألك يا اللَّه أن تكمل علي النعيم يوم الشدة والفقر, وأن تُغنيني عن السؤال، والافتقار لسواك من الخلق.
قوله: ((والأمن يوم الخوف)): وأسألك الأمان, والاطمئنان, يوم أن يحل الخوف والفزع.
وفي رواية: ((والأمن يوم الحرب))([3]): سؤال اللَّه الأمان, وثبات الأقدام في الحرب والقتال.
قوله: ((اللَّهم إني عائذ بك من شرِّ ما أعطيتنا)): فيه طلب الاستعاذة من شر ما يُعطاه, من الرزق والخير, فيؤدي به إلى ترك ما يجب عليه من الزكاة، وصلة الأرحام, وبأن يكون سبباً للطغيان والعصيان والاستكبار، قال اللَّه تعالى: "كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى *أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى"([4])، و قد لا يوظّف ما أعطاه اللَّه ورزقه في الطاعات والخيرات.
قوله: ((وشرِّ ما منعتنا)): استعاذ من الشر الذي منعه اللَّه منه, لكمال علمه, وحكمته بحاله, فيؤدي إلى الحسد، وما يتولَّد عن الحسد, كالسعي في هلاكه بغياً وعدواناً، ومن الحزن، والهمّ المانع من الأمور المهمّة في الدين, والدنيا, بسبب عدم القناعة والرضى بما قسم اللَّه له.
قوله: ((حبِّب إلينا الإيمان و زيِّنه في قلوبنا)): أي اجعل الإيمان محبوباً لنا في نفوسنا، مُزيناً في قلوبنا، فيتزَّين ظاهرنا بالأعمال الصالحة، بما زيّنت به باطننا، فإنه أعظم أعمال القلوب الموصلة إلى دار الخلود.
قوله: ((وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان)): أي اجعل قلوبنا ونفوسنا تكره وتبغض هذه المعاصي العظام من الكفر، والخروج عن الطاعة، والعمل بالمعصية.
قوله: ((واجعلنا من الراشدين)): اجعلنا راشدين مستقيمين، في أعمالنا على طاعتك، وحسن عبادتك في الظاهر والباطن، وفي كل أحوالنا، كما أفادته الجملة الاسمية من الدوام والثبات.
قوله: ((اللَّهم توفنا مسلمين)): اللَّهمّ أمتنا على الإسلام، ففيه سؤال اللَّه تعالى الموت بحسن الخاتمة.
كما قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"([5])، فمن مات عليه بُعث سالماً من العذاب.
قوله: ((وأحْيِنا مسلمين)): بأن نحيا على الإسلام، وذلك بالاستسلام لك في الظاهر والباطن.
قوله: ((وألحقنا بالصالحين)): بأن نلحق في ركبهم، وهذا لا يكون إلا إذا صحبهم العبد في الدنيا وأحبهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((المرء مع من أحبّ)).
قوله: ((غير خزايا)): أصل الخزي، هو الذل الذي يُستحيا من مثله لما يخاف من الفضيحة منه، والمعنى لا تذلّني بمعصيتك، ولا تُهني بترك أوامرك.
قوله: ((ولا مفتونين)): أي غير واقعين في الفتنة الدينية، والبلية الأخروية، أو لا معذبين، نسأل اللَّه الحفظ والسلامة في الدنيا والآخرة([6]).
قوله: ((اللَّهم قاتل الكفرة الذين يُكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك)): بتثبيتنا، وقذف الخوف والوهن في قلوبهم، أو بإمداد الملائكة، وفيه بيان من يستحق عليهم القتال، وبيان العلّة في قتالهم، وهو من يصدّ عن سبيل اللَّه، ويكذّب الرسل.
قوله: ((واجعل عليهم رجزك وعذابك)) أي أنزل عليهم الرجس والعذاب، وإنما خصّ الرجس بالذكر مع كونه داخلاً تحت العذاب لبيان شدته وقوته([7]).
قوله: ((اللَّهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب، إله الحق آمين)) هذا الدعاء كسابقه، فذاك للكافرين عامّة، وهذا في كفار أهل الكتاب، ثم ختم باسمين من أسمائه جلّ وعلا، وهذا من حسن الختام، ومعنى اسمه تعالى ((الإله)) هو المألوه، أي المستحقّ أن يؤلّه: يعبد، ويفرد بالعبادة دون أحد سواه.
واسمه ((الحق)) هو الإله الحق: ضد الباطل، وكل معبود دونه باطل، فهو سبحانه متحقق في وجوده، وفي ربوبيته، وإلهيته، وأسمائه، وصفاته أزلاً وأبداً.
قوله: ((آمين)) أي استجب، فهو طلب الإجابة من الرب عز وجل واستنجازها، والتأمين: تأكيد لما تقدّم من الدعاء، وتكرير له بأوجز عبارة، فيُندب للداعي أن يؤمّن في نهاية دعائه – كما تقدم سابقاً في آداب الدعاء- ويدلّ كذلك على تضرّع العبد للربّ، وذلّه، وعبوديته في الطمع في إجابة مسألته، ففيه نوع من الإلحاح.
([1]) أحمد بلفظه، 24/ 246، برقم 15492، وما بين المعقوفين للحاكم، 1/ 507، 3/ 23- 24، والنسائي في الكبرى، كتاب الجمعة، باب كم الجمعة، 6/ 156، والبزار، 9/ 175، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، برقم 699، وأبو نعيم في معرفة الصحابة،
3/ 1644، والدعوات الكبير للبيهقي، 1/ 279، وصححه الألباني في تخريج فقه السيرة، ص 284، وفي صحيح الأدب المفرد للبخاري، برقم 538، ص 259، وقال محققو المسند، 24/ 247: <رجاله ثقات>.
([2]) سورة سبأ، آية : 5 .
([3]) الأدب المفرد، للإمام البخاري، برقم 699، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص 538.
([4]) سورة العلق، الآيتان: 6-7.
([5]) سورة آل عمران، الآية: 102.
([6]) انظر: فضل الله الصمد، 2/49 ، وشرح الأدب المفرد، 2/365-367 بتصرف.
([7]) تحفة الذاكرين، ص 254 .