اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي))([1]).
الشرح:
أي كما جعلت يا اللَّه خلقي مستقيماً معتدلاً في غاية الإحسان والإتقان, أسألك أن تُحسّن أخلاقي فتكون في غاية الحسن، والكمال كهيئة خَلْقي.
فيه توسل إلى اللَّه تعالى بصفاته، وأفعاله من كمال القدرة, وحسن التصوير، وهو من أعظم أنواع التوسل إلى اللَّه تعالى.
قوله: ((كما أحسنت)) فيه توسلٌ آخر، وهو توسل بنعمه السابقة، فجمع بين توسلين عظيمين, قبل الدعاء لما يترتب عليها من الاستجابة والقبول.
وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يُحسّن خُلُقَه تعليماً له ولأمته في سؤال لما له من شأن عظيم، وفضل كبير, وموقع جليل في قلوب العباد، فقد جاءت الأحاديث الكثيرة في بيان فضله، وعلو شأنه: فعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قال: لم يكن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاحشاً، ولا متفحشاً, و كان يقول: ((إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً))([2]).
وعن أبي الدرداء رضى الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة, من حسن الخُلق))([3])، وهو من أعظم الأسباب في القرب من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فعن جابر رضى الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من أحبكم إليَّ، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً))([4]).
وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة في فضل حسن الخلق.
((وحسن الخلق يكون مع اللَّه تعالى, ويكون مع عباد اللَّه، فحسن الخلق مع اللَّه تعالى: يكون الرضا بحكمه شرعاً وقدراً, وتلقي ذلك بالانشراح وعدم التضجر، وعدم الأسى والحزن، وحمده وشكره على بلائه ونعمائه سراً وعلناً، وحسن الخلق مع الخلق هو كف الأذى، وبذل الندى، وطلاقة الوجه.
كف الأذى: بألا يؤذي الناس لا بلسانه، ولا بجوارحه.
وبذل الندى: يعني العطاء, من مال وعلم وجاه وغير ذلك.
وطلاقة الوجه: أن يلاقي الناس بوجه منبسط([5]).
([1])أخرجه أحمد، 1/373، برقم 3823، وأرقام 24392، و25221، والأدب المفرد، برقم 290، ، وابن حبان، برقم 959، والطيالسي،374، ومسند أبي يعلى، برقم 5181، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 1/113، برقم 74.
([2]) البخاري، كتاب المناقب، باب صفة النبي ^، برقم 3559، ومسلم، كتاب الفضائل، باب كثرة حيائه ^، برقم 2321.
([3]) الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في حسن الخلق، برقم 2002، والأدب المفرد، برقم 470، وابن أبي الدنيا في التواضع والخمول، برقم 172،و صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، تحت الرقم 876، وفي صحيح الترغيب والتهيب، برقم 2641.
([4]) الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في معالي الأخلاق، برقم 2018، وابن حيان، 2/ 231، وابن أبي شيبة، برقم 25829، وعبد الرزاق، 11/ 144، والطبراني في الكبير، 19/ 80، برقم 4616، وصححه الألباني في التعليقات الحسان، برقم 482، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 791.
([5]) شرح رياض الصالحين للعلامة ابن عثيمين رحمه الله، 2 / 341 .