((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَأَدْخِلْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلاً كَرِيمًا))([1]).
[الشرح]:
هذا الدعاء المبارك جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهذين الصحابيين الجليلين، فعن أبي موسى رضى الله عنه قال: ((لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين، بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دُريد بن الصِّمَّة، فُقتل دُريد، وهزم اللَّه أصحابه، قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، فرُمي أبو عامر في رُكبته، رماه رجل من بني جُشم بسهم، فأثبته في رُكبته، فانتهيت إليه فقلت: يا عمِّ من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الذي رماني، فقصدت له، فلحقته، فلما رآني ولَّى، فاتبعته، وجعلت أقول له: ألا تستحي، ألا تثبت؟ فكفّ، فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قتل اللَّه صاحبك، قال: فانزع هذا السهم، فنزعته فنزا منه الماء، قال: يا ابن أخي، أقرئ النبي صلى الله عليه وسلم السلام وقل له: استغفر لي، واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيراً ثم مات، فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مُرمل، وعليه فراش قد أثَّر رمال السرير بظهره وجبينه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ منه ثم رفع يديه، ثم قال: ((اللَّهم اغفر لعبيد أبي عامر)) ((حتى رأيت بياض إبطيه))، ثم قال: ((اللَّهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس))، فقلت: ولي يا رسول اللَّه! استغفر))، فقال صلى الله عليه وسلم ((اللَّهم اغفر لعبد اللَّه بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مُدخلاً كريماً))، ((قال أبو بُرده: إحداهما لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى)).
هذا الحديث العظيم مشتمل على فوائد عديدة في الدعاء، فمنها:
1- استحباب طلب الدعاء من الرجل الصالح.
2- ((استحباب الوضوء لإرادة الدعاء.
3- استحباب رفع اليدين في الدعاء خلافاً لمن خص ذلك بالاستسقاء))([2]).
4- يستحب لمن دعا لشخص أن يذكر اسمه، وكذلك كنيته، واسم أبيه, أو قبيلته.
5- أهمية سؤال اللَّه تعالى المغفرة وأنها أحق بالتقديم في السؤال, وهذا هدي الأنبياء والمرسلين, كما في دعوة إبراهيم ونوح عليهما السلام كما تقدم.
6- أن التخلية مقدمة على التحلية؛ حيث قدم صلى الله عليه وسلم سؤال اللَّه تعالى المغفرة، وهي التخلية من الذنوب وآثارها على التحلية في قوله ((اللَّهم اجعله فوق كثير من خلقك من الناس)) أي في المنزلة، والرتبة في الجنان، وقوله كذلك لعبد اللَّه بن قيس: ((وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً)).
7- تعظيم الرغبة والهمة في حال الدعاء، كما دل [عليه] قوله: ((اللَّهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من الناس)).
8- أن من طلب منه الدعاء أن يدعو في حاله وحينه, ولا يؤخرّه, وهذه سنة الأنبياء, كما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك في دعاء زكريا:"هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ" ([3]).
([1]) البخاري، برقم 4323، كتاب المغازي، باب غزوة أوطاس، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة y، باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، برقم 2498، والدعاء في المتن مقتبس من دعاء النبي r لعُبَيْدٍ أبي عامر، ومن دعائه r لأبي
بردة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
([2]) انظر: فتح الباري، 8/ 43.
([3]) سورة آل عمران, الآية: 38. وانظر شرح هذا الدعاء في الدعاء رقم (9).