يا عليّ إن فيك من عيسى مثلاً أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه, وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها
حديث علي رضي الله عنه، قال: دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: (يا عليّ إن فيك من عيسى مثلاً أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه, وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها) , وقال عليّ: ألا إنه يهلك فيّ محبّ مطرئ يفرطني بما ليس فيّ، ومبغض مفترٍ يحمله شنآني على أن يبهتني , ألا وإني لست بنبي ولا يوحى إليّ ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبييّه صلّى الله عليه وسلّم ما استطعت , فما أمرتكم به من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم أوكرهتم، وما أمرتكم بمعصية أنا وغيري فلا طاعة لأحد في معصية الله , إنما الطاعة في المعروف إ. ه. أخرجه الحاكم (3/ 123) , وعبد الله بن أحمد في (زوائد المسند) (1/ 16) , وأبويعلى (1/ 156) , وابن أبي عاصم في (السنة) (14) , وابن الجوزي في (العلل المتناهية) (1/ 162) كلهم من طريق الحكم بن عبد الملك عن الحارث بن حصيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ- يقال ناجد- عن عليّ. وهذا إسناده ضعيف، فيه علل:
الحكم بن عبد الملك ضعيف كما في (التقريب) , وقد ضعفه غير واحد, وبه أعل الحديث الذهبي فرده على تصحيح الحاكم فقال: (الحكم وهّاه ابن معين)، وكذا أعله به الهيثمي في (المجمع) (9/ 123) , والألباني في (تخريج كتاب السنة) (987).
الحارث بن حصيرة فيه كلام يمنع من الإحتجاج بحديثه إذا انفرد خصوصاً في مثل فضائل عليّ، قال الحافظ في (التقريب) (صدوق يخطئ ورمي بالرفض)، وقد تقدم حاله ضمن الرواة المئة (رقم 18).
ربيعة بن ناجد- أوناجذ- هذا مجهول كما فصلنا حاله في صفحة (227 - 228)، قال الذهبي: لا يكاد يُعرف.
وقد تابع الحكم بن عبد الملك في رواية هذا الحديث عن الحارث بن حصيرة بإسناده, محمد بن كثير القرشي الكوفي عند البزار بلفظ مختصر- (مجمع الزوائد) (9/ 133) - لكن محمداً هذا ليس أحسن حالاً من الحكم، قال البخاري: منكر الحديث , وقال الحافظ في (التقريب): ضعيف. وكذا ضعفه الهيثمي في (المجمع).
فيبقى هذا الحديث ضعيفا غير صحيح لكن له شواهد موقوفة على عليّ رضي الله عنه من قوله وهي صحيحة ثابتة, مثل قوله رضي الله عنه: (ليحبني قوم حتى يدخلوا النار فيّ, وليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي) أخرجه ابن أبي عاصم في (السنة) (983) وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وغير ذلك, وهي وإن كانت موقوفة لكنها كما قال المحدث الشيخ الألباني: (ولكنها في حكم المرفوع لأنه من الغيب الذي لا يُعرف بالرأي). وإذا تقرر صحة هذا فنحن- والله- نفرح به فرحاً شديداً، ونضحك على هذا الرافضي عبد الحسين وأصحابه بإحتجاجهم بمثل هذه الأحاديث , فإنها تدينهم وهي دليل عليهم , وتشهد لأهل السنة ومذهبهم بالصحة والإستقامة , فهم وحدهم الذي يحبون عليّاً رضي الله عنه حباً يستحقه لا يرفعه عن منزلته إلى ما لا يليق به, كما يفعله الروافض هؤلاء أمثال صاحب (المراجعات) هذا , الذين ينطبق عليهم تماماً قوله في الحديث ( ... حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها) , وكذلك أهل السنة لا يبغضون عليّاً رضي الله عنه ويحطّون من قدره كما يفعله الخوارج والنواصب الذي ينطبق عليهم تماماً قوله ( ... مبغض مفتر يحمله شنآني على أن يبهتني).
فالحديث إذاً في الرد على الروافض- أمثال عبد الحسين هذا- وعلى الخوارج أيضا, ولا نجد هذا الحديث أبداً في كتب الشيعة الأصول , بل هومن رواية أهل السنة أرادوا به إنصاف عليّ رضي الله عنه من مبغضيه وشانئيه , ومن المغالين في محبته كذلك , فهم الوسط دوماً بين الغالى والجافي تحقيقاً لقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً} والوسط كما أنه يعني الخيار والأجود فهويتضمن الطريق بن المغالي والجافي , إذ لا خير ولا جودة في أين منهما بل بينهما , والله ولي التوفيق.
فعاد هذا الحديث من أدلتنا نحن أهل السنة على عبد الحسين الرافضي هذا وأشباهه, ولله الحمد والمنة.