كيفية الصلاة
هل تأولتم الصلاة؟
قال الرافضي:
ولا توجد أي رواية صحيحة بكيفية الصلاة ولا حتى رواية ضعيفة السند في كتب السنة
لا يقول هذا الكلام إلا جاهل لا يميز بين البقرة والحمار, كتب أهل السنة قديما وحديثا أفرد فيها للصلاة أبوابا خاصة تتحدث عن الوضوء وأحكامه والتيمم وأحكامه والصلاة وأحكامها. ومن العلماء من ألف كتابا خاصا لصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم جمع فيه كل الأحاديث الصحيحة ومن هؤلاء العلماء الشيخ الألباني رحمه الله والشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وغيرهم كثير.
وللعلم ايها الرافضي فالصلاة من السنن الفعلية التي نقلها لنا الصحابة رضوان الله عليهم وتعلموها من النبي صلى الله عليه وسلم ونقلوا لنا كيفيتها وصفتها:
قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) (البخاري ومسلم)
وقد بين صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة قولا وفعلا حتى إنه صلى مرة على المنبر يقوم عليه ويركع ثم قال لهم:
(إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي) (البخاري ومسلم)
ذكر الرافضي هذا الأثر عن أنس بن مالك رضي الله عنه ليستدل على ما قال أنفا:
((الزهري يقول: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهويبكي فقلت ما يبكيك؟ فقال لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت)) [1].
هذا الأثر له علاقة بأثر أخر رواه الزهري عن أنس بن مالك وفيه إنكاراً من أنس على الحجاج بن يوسف الذي كان والياً على العراق لبني أمية، وكان يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها -كما كان على ذلك بعض أمراء بني أمية- (البداية والنهاية لابن كثير 9/ 94)
قال الزهري: قال أنس بن مالك ما عرفت شيئاً مما كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل الصلاة، قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها.
فأنكر ذلك أنس -- رضي الله عنه - تضييع الصلاة عندما كان مقيماً بالعراق على ما روى ثابت البناني قال: (كنا مع أنس بن مالك فأخر الحجاج الصلاة، فقام أنس يريد أن يكلمه فنهاه إخوانه شفقة عليه منه، فخرج فركب دابته فقال في مسيره ذلك: والله ما أعرف شيئاً مما كنا عليه على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ) (ذكره ابن حجر في فتح الباري 2/ 13) الخ كلامه.
إذن فالأثر الذي ذكر الرافضي عن أنس رواه عنه الزهري بعد قدومه لدمشق, قال ابن حجر رحمه الله «كان قدوم أنس دمشق في إمارة الحجاج على العراق، قدمها شاكياً من الحجاج للخليفة، وهوإذ ذاك الوليد بن عبدالملك». (فتح الباري 2/ 13) فتبين أن قول أنس -- رضي الله عنه -- هووصف لحال ذلك الزمان الذي أدركه في آخر حياته، وما رأى فيه من التغيير، وتأخير الصلوات عن وقتها، من قبل بعض الأمراء في عهد الدولة الأموية. وأنس -- رضي الله عنه -- كان من المعمرين ببركة دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث دعا له بطول العمر ..
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- عند شرحه للأثرين السابقين لأنس، حيث قال: «إطلاق أنس محمول على ما شاهده من أمراء الشام والبصرة خاصة، وإلا فسيأتي في هذا الكتاب أنه قدم المدينة فقال: (ما أنكرت شيئاً ... )» (فتح الباري 2/ 14.)، ثم ساق الأثر.
إيراد هذه الآثار للقول بأن أهل السنة ضيعوا الصلاة أوكما فعل أسلاف القدس في إيراد هاذين الأثرين لإتهام الصحابة بتضيع الصلاة إنما هومن جهل هؤلاء القوم بالسير والتاريخ والسنة وإتباعهم لأهوائهم وزندقتهم وكل غرضهم النيل من خير الخلق بعد الأنبياء وهم الصحابة رضي الله عنهم. فخاب سعيهم.
قال الرافضي:
أخرج الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله، صلى بمنى ركعتين، وأبوبكر بعده، وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدرا من خلافته، ثم أن عثمان صلى بعد أربعا)) [2]
((قال الزهري قلت لعروة ما بال عائشة تتم الصلاة في السفر؟ قال إنها تأولت كما تأول عثمان)) [3]
فهل يجوز التأول أمام نص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتحريف سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخصوصا في ما يعتبر عمود الدين؟
أولا
: بالنسبة لقول عروة فقد قال ابن حجر رحمه الله في شرح عبارته: (إن عائشة تأولت كما تأول عثمان): «التشبيه بعثمان في الإتمام بتأويل، لا اتحاد تأويلهما، ويقويه أن الأسباب اختلفت في تأويل عثمان فتكاثرت، بخلاف تأويل عائشة». (فتح الباري لابن حجر 2/ 571)
ثانيا:
سبب إتمام عثمان رضي الله عنه للصلاة في منى:
قال ابن حجر رحمه الله: «والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصاً بمن كان شاخصاً سائراً، وأما من أقام في مكة في أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم، والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم علينا معاوية حاجاً صلى بنا الظهر ركعتين بمكة، ثم انصرف إلى دار الندوة، فدخل عليه مروان وعمروبن عثمان فقالا: لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة، قال: وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء أربعاً أربعاً، ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة». (فتح الباري 2/ 571، والحديث رواه أحمد في المسند 4/ 94.)
ثالثا:
سبب إتمام عائشة رضي الله عنها للصلاة في السفر:
يقول ابن حجر رحمه الله: «وأما عائشة فقد جاء عنها سبب الإتمام صريحاً، وهوفيما أخرجه البيهقي من طريق هشام بن عروة، عن أبيه: (أنها كانت تصلي في السفر أربعاً، فقلت لها: لوصليت ركعتين، فقالت: ابن اختى إنه لا يشق علي). إسناده صحيح وهودال على أنها تأولت أن القصر رخصة، وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل». (فتح الباري لابن حجر 2/ 571)
وكلام ابن حجر رحمه الله موافق لكلام للقرطبي رحمه الله سنذكره في أقول العلماء في اجتهاد عثمان وعائشة رضوان الله عليهما.
رابعا:
أقوال العلماء في اجتهادهما رضوان الله عليهما:
قال النووي: «اختلف العلماء في تأويلهما، فالصحيح الذي عليه المحققون: أنهما رأيا القصر جائزاً والإتمام جائزاً، فأخذا بأحد الجائزين، وهوالإتمام». (شرح صحيح مسلم 5/ 195)
وقال القرطبي: «اختلف في تأويل إتمام عائشة وعثمان في السفر على أقوال، وأولى ما قيل في ذلك أنهما تأولا: أن القصر رخصة غير واجبة، وأخذا بالأكمل، وما عدا هذا القول إما فاسد وإما بعيد». (المفهم للقرطبي 2/ 327) ثم ذكر بقية الأقوال ورد عليها.
وهذا الذي ذكره القرطبي هنا في سبب تأولهما فيه ترجيح الإتمام على القصر على اعتبار أن القصر رخصة، وأن الإتمام عزيمة ولذا قال: أخذا بالأكمل. بخلاف توجيه النووي فالظاهر منه أنه يستوي فيه الأمران وإنما أخذا بأحد الجائزين.
والصواب إن شاء الله ما قاله بعض أهل العلم في أن الذي حمل عثمان رضي الله عنه على الإتمام في منى لما بلغه أن بعض الأعراب الذين كانوا شهدوا معه الصلاة في الأعوام الماضية ظنوا أنها ركعتان فأراد أن يعلمهم أنها أربع.
قال أبونعيم في: (كتاب الإمامة): «وإن الذي حمل عثمان -- رضي الله عنه -- على الإتمام أنه بلغه أن قوماً من الأعراب ممن شهدوا معه الصلاة بمنى رجعوا إلى قومهم فقالوا: الصلاة ركعتان، كذلك صليناها مع أمير المؤمنين عثمان بن عفان -- رضي الله عنه -- بمنى، فلأجل ذلك صلى أربعاً ليعلمهم ما يستنوا به للخلاف والاشتباه». (الإمامة والرد على الرافضة ص312).
وقال ابن العربي في العواصم «وأما ترك القصر: فاجتهاد إذ سمع أن الناس افتتنوا بالقصر، وفعلوا ذلك في منازلهم، فرأى أن السنة ربما أدت إلى إسقاط الفريضة، فتركها مصلحة خوف الذريعة، مع أن جماعة من العلماء قالوا: إن المسافر مخير بين القصر والإتمام». (العواصم من القواصم ص9.).
ويؤيد هذا أن عثمان رضي الله عنه ما كان يقصر الصلاة في بداية عهده، بل بقي سبع سنين من خلافته وهويقصر الصلاة بمنى، ثم أتم بعد ذلك، فهودليل أنه ما فعل ذلك إلا لأمر طرأ.
روى ابن أبي شيبة عن عمران بن حصين أنه قال: (حججت مع عثمان سبع سنين من إمارته لا يصلي إلا ركعتين، ثم صلى بمنى أربعاً) (المصنف لابن أبي شيبة 2/ 2.7).
وعلى كل حال فكل من عثمان وعائشة -رضي الله عنهما- كانا مجتهدين فيما ذهبا إليه أياً كان السبب الحامل لهما على ذلك.
خامسا:
بعد أن ذكرنا أقوال العلماء في سبب اجتهادهما رضوان الله عليهما وبينا فساد ماذهب إليه الرافضي سنذكر بعض الأوجه الأخرى التي تؤكد ماذكرنا أنفا:
1 - الوجه الأول: أنهما مجتهدان، والمجتهد معذور، بل مأجور على كل حال لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر). ([4])
وهذا أمر مقرر عند أهل السنة لا يختلفون فيه، وإنما يخالف فيه أهل البدع.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة، وإن كان ذلك في المسائل العلمية، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمة». ([5])
2 - الوجه الثاني: أن القول بإتمام الصلاة في السفر لم ينفرد به عثمان وعائشة -رضي الله عنهما- وإنما هوقول طائفة من الصحابة.
قال أبونعيم: «وقد رأى جماعة من الصحابة إتمام الصلاة في السفر منهم عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها، وعثمان رضي الله عنه وسلمان رضي الله عنه وأربعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم». ([6])
ومكانة سلمان رضي الله عنه عند الشيعة معروفة فهل اجتهاده هذا يطعن فيه وقد رووا أنه من الأربعة الذين لم يرتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؟
إن قالوا معذور بإتمام الصلاة فكذلك عثمان، وعائشة رضي الله عنهما معذوران في ذلك حكمهما حكمه. كما أن الطعن في عثمان وعائشة بهذا طعن في سلمان، ويتوجه عليه من الذم والقدح ما يتوجه عليهما على حد سواء.
3 - الوجه الثالث: أن الصحابة رضي الله عنهم سواء من قال بإتمام الصلاة في السفر، أومن قال بالقصر، ما كان بعضهم يعيب على بعض، كما روى ابن أبي شيبة من طريق عبدالرحمن بن حصين عن أبي نجيح المكي قال: (اصطحب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في السفر، فكان بعضهم يتم، وبعضهم يقصر، وبعضهم يصوم، وبعضهم يفطر، فلا يعيب هؤلاء على هؤلاء، ولا هؤلاء على هؤلاء). (المصنف لابن أبي شيبه 2/ 2.8).
وهذا يدل على أنهم كانوا يرون التوسعة في هذا، وإلا لأنكر كل فريق منهم على الآخر ما يرى أنه منكر ومخالفة، فهم أقوم الناس بعد رسول الله بدينه، وأشدهم على المخالفين لهديه، فرضي الله عنهم أجمعين.
4 - الوجه الرابع: أنه ثبت أن عامة الصحابة الذين شهدوا الصلاة مع عثمان رضي الله عنه في منى تابعوه على ذلك، بل كان بعضهم إماماً خاصاً لأصحابه فصلى بهم أربعاً متابعة لعثمان رضي الله عنه الإمام العام للحج على ماروى الطبري في تاريخه أن عبدالرحمن بن عوف كلم عثمان في إتمامه للصلاة فاعتذر له فخرج عبدالرحمن فلقي ابن مسعود فقال: (أبا محمد غُير ما يُعلم؟ قال: لا، قال: فما أصنع؟ قال: اعمل أنت بما تعلم، فقال ابن مسعود: الخلاف شر، قد بلغني أنه صلى أربعاً، فصليت بأصحابي أربعاً، فقال عبد الرحمن بن عوف: قد بلغني أنه صلى أربعاً فصليت بأصحابي ركعتين، وأما الآن فسوف يكون الذي تقول -يعني نصلي معه أربعاً-). (تاريخ الطبري 4/ 268).
وفي سنن أبي داود قال الأعمش: فحدثني معاوية بن قرة عن أشياخه (أن عبد الله صلى أربعاً قال: فقيل له: عبت على عثمان، ثم صليت أربعاً قال: الخلاف شر). (رواه أبوداود في سننه: (كتاب المناسك، باب الصلاة بمنى) 2/ 492)
الخطابي معلقاً: «قلت لوكان المسافر لا يجوز له الإتمام، كما يجوز له القصر، لما تابعوا عثمان عليه، إذ لا يجوز على الملأ من الصحابة متابعته على الباطل، فدل ذلك على أن من رأيهم جواز الإتمام، وإن كان الاختيار عند كثير منهم القصر». (معالم السنن 2/ 181).
5 - الوجه الخامس: أنه ثبت عن علي رضي الله عنه أنه اجتهد في مسائل فأخطأ وخالف بذلك السنة متأولاً فلم يضره ذلك لمّا كان مجتهداً.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية بعض هذه المسائل فقال: «وكذلك قضى علي رضي الله عنه في المفوضة بأن مهرها يسقط بالموت، مع قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق بأن لها مهر نسائها. وكذلك طلبه نكاح بنت أبي جهل، حتى غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرجع عن ذلك. وقوله لما ندبه وفاطمة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة بالليل فاحتج بالقدر، لما قال: ألا تصليان فقال علي: إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فولّى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهويضرب فخذه ويقول (وكان الإنسان أكثر شئ جدلاً ... ) وعلي عرف رجوعه عن بعضها فقط، كرجوعه عن خطبة بنت أبي جهل.
... وأما بعضها كفتياه بأن المتوفى عنها تعتد أبعد الأجلين، وأن المفوضة لامهر لها إذا مات الزوج، وقوله إن المخيرة إذا اختارت زوجها فهي واحدة، مع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير نساءه ولم يكن ذلك طلاقاً، فهذه لم يعرف إلا بقاؤه عليها حتى مات، وكذلك مسائل كثيرة ذكرها الشافعي في كتاب (اختلاف علي وعبدالله) ... ». (منهاج السنة 6/ 28 - 29)
نكتفي بهذا القدر
ونسأل الرافضي:
هل إجتهاد علي وسلمان رضوان الله عليهما في مسائل متأولين فيها يعتبر تحريفا ومخالفة للسنة؟
إن قلت نعم فقبحك الله وإن قلت لا فكذلك باقي الصحابة. والسلام
هذا والله أعلى وأعلم
[1] صحيح البخاري ج1 ص198 ح5.7.
[2] صحيح البخاري ج 2 ص 154، صحيح مسلم ج1ص 482 ح17.
[3] صحيح البخاري ج1 ص369 ح1.4. , صحيح مسلم ج1 ص478 ح3.
[4] رواه البخاري في: (كتاب الاعتصام، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب ... أوأخطأ) فتح الباري 13/ 318، ح7352، ومسلم: (كتاب ... الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أوأخطأ) صحيح مسلم ... 3/ 1342، ح1716
[5] مجموع الفتاوى 2./ 165.
[6] الإمامة 312