فتح الباري في فرية تدليس البخاري [في الصحيح] ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله وعلى أله وصحبه أجمعين ولعن الله أعدائهم إلي يوم الدين .
تناقلت كثير من المنتديات مسألة عظيمة في حق أمير المؤمنين في الحديث " محمد بن إسماعيل البخاري " ورواية أمير المؤمنين البخاري عن شيوخه في الصحيح وقد قيل أن الإمام البخاري يدلسُ مشيختهُ في الصحيح فهذه المسألة يتطرق إليه في علم المصطلح ومناهج المحدثين , فما الغاية إن كان الإمام البخاري قد أبهم بعض مشيخته في الحديث في روايته عنهم فهذا يقتضي معرفة طالب العلم أن الإمام البخاري قد ذكرهُ في موطن أخر , أو شيخ الإمام البخاري معروف كإسحاق بن راهويه , وإبن المديني فإنه إن حدث عنهم نسبهم إلي جدهم أو قال حدثنا إسحاق وهو إسحاق بن راهويه رحمهم الله تعالى ورضي عنهم أجمعين .
وبعض هذه الطعونات في رواية أمير المؤمنين فالشبهة بعنوان .
[ اعتراف وتصريح الذهبي بتدليس البخاري في شيوخه !! ] .
الإمام البخاري من أعلام المحدثين وأئمة هذه الصنعة , فقد كان علماء الحديث يأخذون منه علم الحديث والعلل وكان من منهجه رحمه الله تعالى في الصحيح " إشتراط السماع " فما العلة من إباهم إسم : [ محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي ] أيسمى هذا تدليس والله المستعان فإن شيوخ الإمام البخاري معروفون فإن قال بإسمه فإنه يريد به شيخهُ , وسأضرب مثالاً واضحاً حول هذه المسألة المهمة والله الموفق .
فتح الباري شرح صحيح البخاري حديث ( 2547 ) : " وقوله في أول الإسناد " حدثنا محمد بن عبد الله " كذا للأكثر ، ووقع في رواية النسفي وأبي أحمد الجرجاني بإسقاطه فصار الحديث عندهما عن البخاري عن عبد العزيز وإسحاق ، وعبد العزيز الأويسي من مشايخ البخاري وهو الذي أخرج عنه الحديث الذي في الباب قبله ، وروى عنه هذا بواسطة ، وكذلك إسحاق بن محمد الفروي حدث عنه بواسطة وبغير واسطة ، ومحمد بن جعفر شيخهما هـو ابن أبي كثير ، والإسناد كله مدنيون . وأما محمد بن عبد الله المذكور فجزم الحاكم بأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي ، نسبه إلى جده . والله أعلم " قلتُ : هذا تعليق الإمام الحافظ إبن حجر العسقلاني حول أحد الروايات في الصحيح من طريق محمد بن عبد الله الذهلي , وقد عرفه أبي عبد الله الحاكم ولا يقتضي بذلك أن يرمى الإمام البخاري بالتدليس , وإنما هذا منهج الإمام البخاري رحمه الله تعالى.
فقد قال بعض الأعلام أن المراد بهِ هو [ محمد الذهلي ] ولكن المتأخرين من أهل الحديث نفى كون الإمام البخاري روى عن الإمام محمد الذهلي في الصحيح فقد قال الشيخ [ عبدالوكيل بن عبدالحق الهاشمي ] والشيخ المسند غني عن التعريف فقد كتب رسالة نفيسة عظيمة في إثبات أن الإمام البخاري لم يروي عن الإمام محمد الذهبي حسبما أذكر من إطلاعي على كلام الاعلام والمحدثين , وأن المواضع التي ذكر فيها البخاري حدثنا محمد مهملا وذكر بعضهم أنه الذهلي غير صحيح واستدل على ذلك بأدلة متعددة ومنها أن البخاري انتهى من تصنيف صحيحه قبل الفتنة التي حصلت مع الذهلي وسماع الفربري له سنة 253 قبل الفتنة فقد نقل شيخنا عبد الرحمن الفقيه شيء من هذه الرسالة عن العلامة الشيخ عبد الوكيل بن عبد الحق الهاشمي حول هذا الكلام ولعلني اورد جزء منها بإذن الله تعالى .
ذكر الحاكم في المدخل إلى الصحيح (ق44أ) =كتاب تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم ص 278 : (محمد بن عبدالله الأنصاري ، روى أبو عبدالله عنه في كتاب الوكالة وغيره، ثم روى عن علي بن المديني عنه، وعن قتيبة بن سعيد عنه، وعن يحيى بن جعفر عنه، وعن قتيبة بن سعيدد عنه، وعن يحيى بن جعفر عنه، وعن محمد بن عبدالله بن إسماعيل عنه، وعن بندار بن بشار عن، ومحمد بن خالد هو محمد بن يحيى الذهلي .هذه الروايات في كتاب الوكالة ، وكتاب التفسير عنه، وبدء الخلق ، والأحكام). فإن قول الإمام البخاري في الصحيح محمد بن يحيى وتعقيب الحافظ إبن حجر العسقلاني كما تقدم أنه الذهلي فإن الشيخ وفقه الله قد تكلم في هذه المسألة بشكل موسع وقد تعقب الحافظ إبن حجر في تعليقه في الفتح ...
فقد وقع في هذه المسألة إختلاف في كون الإمام البخاري روى عن الذهلي أم لم يروِ عنهُ , ومع العلم أن الإمام البخاري من أقران محمد الذهلي ناهيك عن كون الإمام البخاري روى عن تلامذتهِ , ولا يمنعُ ذلك أن يروي عن محمد الذهلي في الصحيح إلا أن المسألة سواء أكانت بالنفي أو بالإثبات فمنهج الإمام البخاري واضح وضوح الشمس كون الإمام البخاري لم يروي عن الذهلي أو روى عنهُ لا يضر بشيء , ولكن قال بعض العلماء أن رواية الإمام البخاري عن الذهلي لم تثبت , ولكن علنا نبين بعض النقاط التي ذكرت في هذه القضية من نفي إثبات أن الإمام روى عن محمد الذهلي رحمهم الله تعالى .
أما التدليس المذكور عن البخارى فالمراد به التعمية القليلة عن الشخ من أجل الخلاف المذهبى فليس هو التدليس المنفى عنه فى كلام ابن أبى حاتم , فالتصريح بهِ في الشروح والأخبار هذا كافٍ لنفي مسألة التدليس عن الإمام البخاري رحمه الله تعالى , وسنبين ذلك بالوثائق بحول الله تعالى وقوته فكم عجز الرافضة عن الفهم .
الإمام البخاري رضي الله عنه بعيد كل البعد عن التدليس .
روى الخطيب البغدادي بسنده إلى محمد بن أبي حاتم قال : ( سُئل محمد بن إسماعيل عن حديثٍ ، فقال : يا أبا فلان أتراني أدلس ؟ !! تركتُ أنا عشرة آلاف حديث لرجل لي فيه نظر ، وتركت مثله أو أكثر منه لغيره لي فيه نظر )انظر تاريخ بغداد للخطيب ( 2 / 25 ) طبعة دار الكتاب العربي .
قال الخطيب في ترجمته للذهلي : ( وقد حدث عنه جماعة من الكبراء : كسعيد بن أبي مريم المصري ، وأبي صالح كاتب الليث بن سعد ، وعبدالله بن محمد بن علي بن نفيل النفيلي ، وسعيد بن منصور ، ومحمود بن غيلان ، ومحمد بن المثنى ، ومحمد بن إسماعيل الصغاني ، ويعقوب بن شيبة السدوسي ، وعباس بن محمد الدوري ، وأبي داود السجستاني ، ومن بعدهم ) . أهـ تاريخ بغداد للخطيب ( 2 / 415 و 416 ) طبعة دار الكتاب العربي . فقد نقل بعض أهل العلم أن الإمام البخاري لم يروِ عن الذهلي إلا أن هذا فيه إختلاف يسير والمرجح عندي ما نقلهُ الشيخ الدكتور المسند عبد الوكيل ..
لم يشترط البخاري ذكر كل حديث صحيح عنده في صحيحه، بل صرح بخلاف ذلك، وقد سأله تلميذه الترمذي عن عدة أحاديث لم يروها في صحيحه فصححها. لكنه جمع في حديثه أصح الأحاديث وفق شروط لم ينص عليها، لكن العلماء حالوا باجتهادهم معرفتها. وذكر ابن حجر في كتابه النكت: أن أكثر هؤلاء الرجال الذين تكلم فيهم من المتقدين يخرج البخاري أحاديثهم غالباً في الاستشهاد والمتابعات والتعليقات بخلاف مسلم، فإنه يخرج لهم الكثير في الأصول والاحتجاج ولا يعرج البخاري في الغالب على من أخرج لهم مسلم في المتابعات. فأكثر من يخرج لهم البخاري في المتابعات يحتج بهم مسلم، وأكثر من يخرج لهم مسلم في المتابعات لا يعرج عليهم البخاري.
روى الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح بسنده إلى الحافظ أبي الفضل ابن طاهر المقدسي أنه قال: "شرط البخاري أن يخرّج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات ويكون إسناده متصلا غير مقطوع وإن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن وإن لم يكن إلا راو واحد وصح الطريق إليه كفى" انتهى. وهذا الذي رواه الحافظ عنه في مقدمة الفتح صرح به المقدسي نفسه بلفظ قريب منه في أول كتابه شروط الأئمة الستة، وقال الحافظ في مقدمة الفتح وفي شرح نخبة الفكر في معرض ترجيح صحيحه على صحيح مسلم: "أما رجحانه من حيث الاتصال فلاشتراطه أن يكون الراوي قد ثبت له لقاء من روى عنه ولو مرة واكتفى مسلم بمطلق المعاصرة"، وقال في شرح النخبة أيضا في أثناء تعداد مراتب الصحيح: "ثم يقدم في الأرجحية من حيث الأصحية ما وافقه شرطهما لأن المراد به رواتهما مع باقي شروط الصحيح…".
وقال الشيخ عبد العزيز الطريفي: «وإذا قال البخاري: "قال فلان"، وهو من شيوخه، كما حكاه عن هشام بن عمار وعلي بن المديني وعبدالله بن صالح وغيرهم، فيظهر أنه أراد أنه دون شرطه في الصحيح، مع ثبوت الاتصال في هذا الخبر لأن البخاري ليس من أهل التدليس. والله أعلم». قلتُ : الإمام البخاري ليس من أهل التدليس وإنما إن قال " فلان " او قال " إسحاق " أو قال " محمد " فإنهُ يعني بذلك أحد شيوخه الذين حدث عنهم والمعروف عند أهل الحديث أن الإمام البخاري ليس من أهل التدليس , كما أن الذهلي إن لم أخطئ كان ياخذ منه .
وأما البخاري، فقد وصفه ابن منده بالتدليس لأنه كان يقول: "قال فلان، وقال لنا فلان" لكن لم يوافق على هذا الرأي فكان شاذاً. كما وصف الإمام مسلم بذلك أيضاً. وقد رد العلماء ذلك وقالوا: هذه الروايات التي لم يصرح فيها أصحابها بالسماع منزلة منزلة السماع، وذلك لمجيئها من طريق آخر مصرح فيه بالسماع، غير أنهما يؤثران الطريق التي لم يصرح بالسماع لكون الأولى جاءت على شرط صاحب الكتاب دون الثانية، قال ابن الصلاح: ( كل هذا محمول على ثبات السماع عندهم من جهة أخرى) كما أنه يشفع للشيخين ( البخاري ومسلم) ما جاء في المستخرجات على صحيحيهما من الطرق الكثيرة، التي صرح فيها بالتحديث والسماع. كما يشفع لمسلم خاصة كثرة طرق الحديث الواحد في صحيحه، فهو يأتي بالمتصلة أولاً وما صرح فيها بلفظ السماع، ثم يعقبها بما ليس فيه تصريح بالسماع، وهو بهذا إذا احتج إنما يحتج بالمتصلة منها لا بغيرها.
قلتُ : وهذا لا يقبل من إبن منده رحمه الله تعالى وصف الإمام البخاري بالتدليس وقد أشرنا إلي ان الإمام البخاري وكلامهُ " محمد " ليس تدليساً بمعناهُ المتعارف عليه عند أهل الحديث , ورواية الإمام البخاري والسماع الصحيح يثبت أن الإمام البخاري ليس من أهل التدليس رحمه الله تعالى , فينفي كون الإمام البخاري دلس في الصحيح , وصغير طالب العلم يعرف أن الإمام البخاري إن قال " إسحاق " أو غيره فيعني أحد شيوخهِ .
والله أعلى وأعلم بالصواب .
كتبهُ /
أهل الحديث