شبهة تأليف القاضي عياض كتاباً في عصمة الإمام مالك ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله وعلى أله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلي يوم الدين ولعن الله أعدائهم إلي يوم الدين .
قد رأيتُ لأحد أتباع محامي الخيبة كلاماً نقله عن الأرنؤوط ينقلُ عنه كلام في ان الإمام الثقة الحجة القاضي عياض قد كتب فصلاً في عصمة الإمام مالك بن أنس , ولعل الرافضي يقرأ النصوص على ظاهرها ولا يدرسها دراسة علمية واضحة , بل ينقل الكلام كحامل الأسفار سواء أكان عن هذا الجاهل المسمى محامي الخيبة , أو عن طريق البحث جاهلاً حقيقة الكلام المراد به في حاشيات أهل العلم والتعليقات .
يقول في حاشية سير أعلام النبلاء ج8-ص93 - حاشية 1 :
( راجع الفصل الذي كتبه القاضي عياض في " ترتيب المدارك " 1 / 89، 102 في ترجيح مذهب الامام - يعني مالك بن أنس - على غيره من الائمة، فإنك ستعلم أن الامام الذهبي كان محقا في تعقبه ونقده في مواطن من كلامه، فقد كتب هذا الفصل يدافع التعصب المقيت الحامل على الغلو والاطراء في المدح، وإضفاء صفة الكمال والعصمة لغير من هي له، ونسبة أقوال إلى غيره من الائمة لا تصح عنهم، يلزم عنها الطعن فيهم والنبيل منهم، فالامام مالك رحمه الله مع كونه صاحب فضل وعلم، واجتهاد وورع، هو كغيره من الائمة المجتهدين، يصيب ويخطئ، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ، فله أجر واحد، وقد انتقده غير واحد من الائمة كالشافعي وأحمد وغيرهما في أكثر من مسألة وبينوا أن الصواب في غير ما ذهب إليه، وذلك مدون في مظانه من كتب الخلاف، وجاء في " حلية الاولياء " 6 / 323 عن سعيد بن سليمان قال: قلما سمعت مالكا يفتي بشئ إلا تلا هذه الآية: (إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) ولست أشك في أن الامام مالكا لو رأى الذي كتبه القاضي عياض لتبرأ منه، وأنحى بالائمة عليه ) إنتهى . ما حقيقة هذا النص ولماذا نقرأ تعليقات أقرب إلي الغباء المفرط من قبل هؤلاء الحمقى عقب إيراد كل نص من كتب أهل الحق نصرهم الله تعالى .. !!
يقول الحافظ الذهبي معلقاً بعد ذكر قول القاضي عياض : " ثم قال القاضي عياض: وعندنا ولله الحمد لكل إمام من المذكورين مناقب، تقضي له بالامامة " . قلتُ ورحم الله تعالى الأرنؤوط وهذا لا يحملُ على العصمة والتعظيم , بل الإمامة التي أظنهُ رحمه الله تعالى عناها هي إمامةُ الهدى والإقتداء , والمعرفة بالدين فالإمام مالك إمام من أئمة أهل السنة وهذا لا يقدح في مالك ولا في القاضي عياض ولا في علم الأرنؤوط شيئاً بل جزى الله خيراً شيخنا بتعليقه النافع ولكن الرافضة لم تفهم الكلام وقد أشرنا إلي تعليق الأرنؤوط وما لم يفهمه الرافضة من كلامهِ .
قال الحافظ الذهبي : " قلت: ولكن هذا الامام الذي هو النجم الهادي قد أنصف، وقال قولا فصلا، حيث يقول: كل أحد يؤخذ من قوله، ويترك، إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم. ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقها، وسعة علم، وحسن قصد، فلا يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله، لانه قد تبرهن له مذهب الغير لكنه لا يفتي العامة إلا بمذهب إمامه، أو ليصمت فيما خفي عليه دليله.
قال الشافعي: العلم يدور على ثلاثة: مالك، والليث وابن عيينة.
قلت: بل وعلى سبعة معهم، وهم: الاوزاعي، والثوري، ومعمر، وأبو حنيفة، وشعبة، والحمادان. وروي عن الاوزاعي أنه كان إذا ذكر مالكا يقول: عالم العلماء، ومفتي الحرمين.وعن بقية أنه قال: ما بقي على وجه الارض أعلم بسنة ماضية منك يا مالك " . فلا بد من فهم النصوص والتعليقات التي في الكتب , وكلام الأرنؤوط لا يحمل على أن القاضي عياض قد كتب كتاباً بل إستعمل لفظ " كتبهُ " سواء أكان في كتاب أو كان كتابة بعيد عن التأليف والكتب , فإن هذا لا يقدح في القاضي عياض وأهل السنة على أنه لا عصمة لبشر إلا للأنبياء والمرسلين , والقاضي لم يغالي في الإمام مالك .
أعيدُ نص كلام الحافظ الذهبي كاملاً : " وَلِلزَّيْدِيَّةِ مَذْهَبٌ فِي الْفُرُوعِ بِالْحِجَازِ وَبِالْيَمَنِ، لَكِنَّهُ مَعْدُودٌ فِي أَقْوَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ، كَالْإِمَامِيَّةِ، وَلَا بَأْسَ بِمَذْهَبِ دَاوُدَ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ حَسَنَةٌ، وَمُتَابَعَةٌ لِلنُّصُوصِ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْعُلَمَاءِ لَا يَعْتَدُّونَ بِخِلَافِهِ، وَلَهُ شُذُوذٌ فِي مَسَائِلَ شَانَتْ مَذْهَبَهُ.
وَأَمَّا الْقَاضِي، فَذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِهِمْ إِجْمَاعًا، فَإِنَّهُ سَمَّى الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ، وَالسُّفْيَانِيَّةَ، وَالْأَوْزَاعِيَّةَ، وَالدَّاوُدِيَّةَ. ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ: فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَقَعَ إِجْمَاعُ النَّاسِ عَلَى تَقْلِيدِهِمْ، مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي أَعْيَانِهِمْ، وَاتِّفَاقُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ، وَالِاقْتِدَاءِ بِمَذَاهِبِهِمْ، وَدَرْسِ كُتُبِهِمْ، وَالتَّفَقُّهِ عَلَى مَآخِذِهِمْ، وَالتَّفْرِيعِ عَلَى أُصُولِهِمْ، دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَقَدَّمَهُمْ أَوْ عَاصَرَهُمْ، لِلْعِلَلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. وَصَارَ النَّاسُ الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا إِلَى خَمْسَةِ مَذَاهِبَ، فَالْخَامِسُ: هُوَ مَذْهَبُ الدَّاوُدِيَّةِ. فَحَقٌّ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَعْرِفَ أَوْلَاهُمْ بِالتَّقْلِيدِ، لِيَحْصُلَ عَلَى مَذْهَبِهِ. وَهَا نَحْنُ نُبَيِّنُ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ ذَلِكَ، لِجَمْعِهِ أَدَوَاتِ الْإِمَامَةِ وَكَوْنِهِ أَعْلَمَ الْقَوْمِ.
ثُمَّ وَجَّهَ الْقَاضِي دَعْوَاهُ، وَحَسَّنَهَا وَنَمَّقَهَا، وَلَكِنْ مَا يَعْجِزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ حَنَفِيٍّ، وَشَافِعِيٍّ، وَحَنْبَلِيٍّ، وَدَاوُدِيٍّ، عَنِ ادِّعَاءِ مِثْلِ ذَلِكَ لِمَتْبُوعِهِ، بَلْ ذَلِكَ لِسَانُ حَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفُهْ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَعِنْدَنَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - لِكُلِّ إِمَامٍ مِنَ الْمَذْكُورِينَ مَنَاقِبُ تَقْضِي لَهُ بِالْإِمَامَةِ. ويدور المدار حول إتباع المذاهب الأربعة , ومن قال بإتباع واحد منها , او من قال بالإجماع , ورغم أن القاضي عياض قد أثنى على الإمام مالك فإنهُ يرى إتباع المذاهب الأربعة .
والله أعلى وأعلم .
كتبه /
أهل الحديث