هم العدو فاحذرهم
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد:
أيها الناس:
إن الإسلام منذ بزغ نجمه وأعداؤه يحاولون القضاء عليه بكل ما يستطيعون من قوة: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (32) سورة التوبة. فلقد حاول أعداء الإسلام أن يقضوا عليه في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم في عهد خلفائه الراشدين, ثم في العصور التالية إلى وقتنا هذا, حاولوا القضاء على الإسلام وبني الإسلام بالعنف والصراع المسلح تارة, وبالمكر والخداع والخطط الهدامة تارة أخرى ولسنا مجازفين عندما نقول ذلك, فبين أيديكم التاريخ يشهد بما نقول وبين أيديكم شهادة أعظم وأصدق, وهي شهادة الله تعالى في كتابه وكفى بالله شهيداً, وليست هذه المحاولة من أعداء المسلمين من صنف واحد منهم, ولكن من سائر أصناف الأعداء من المشركين واليهود والنصارى وسائر الكفار والمنافقين، اسمعوا ما قال الله تعالى في المشركين وهم يفتنون الناس عن دينهم: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (217) سورة البقرة. وقال في اليهود والنصارى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (120) سورة البقرة. وقال فيهم أيضاً: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقٌُّ} (109) سورة البقرة. وقال في سائر الكفار: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ* بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} (149-150) سورة آل عمران. وقال في المنافقين: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً*وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} (88-89) سورة النساء. فهذه -أيها المسلمون- شهادة الله تعالى على أعدائكم بما يريدون منكم وما يحاولونه من صدكم عن دينكم, وأي شهادة أعظم من شهادة الله, وأي شهادة أصدق من شهادته فهو العليم بنيات عباده وأحوالهم, وإن التاريخ في ماضيه البعيد لن يخفي ما شهد الله تعالى به عليهم كما نطق به في وقته الحاضر على ألسنة قادة الكفر السياسيين والمفكرين.
قال أحد رؤساء الوزارة البريطانية سابقاً: "لن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق, ولا أن تكون هي نفسها في أمان ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين, وقال الحاكم الفرنسي في الجزائر قبل استقلالها: لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن ويتكلمون بالعربية, فيجب أن نزيل القرآن من وجودهم ونقتلع العربية من ألسنتهم". وهكذا يغري قادة الكفر بإزالة القرآن من الوجود, وهم لا يعنون إزالة نسخ القرآن من أيدي المسلمين, إنما يريدون أن يزيلوا من المسلمين روح القرآن والعمل به؛ حتى لا يبقى بين المسلمين من القرآن إلا رسمه, ولا من الإسلام إلا اسمه.
قال رئيس جمعيات المنصرين في مؤتمر القدس المنعقد قبل أكثر من أربعين عاماً يخاطب جماعة التنصير: "إن مهمتكم ليس في إدخال المسلمين في النصرانية, إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله, وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها". هذا -أيها المسلم- كلام قادة الكفر في الغرب, فماذا عن كلام قادة الكفر في الشرق؟
لقد كتبت إحدى الصحف الشيوعية في روسيا تقول: "من المستحيل تثبيت الشيوعية قبل سحق الإسلام نهائياً, فكفار الشرق والغرب كلهم أعداء للإسلام, كلهم يريدون القضاء عليه؛ لأنه هو الذي يخيفهم ويرعبهم كما أقر به أحد رؤساء الوزارة البريطانية في كلامه السابق, وقال أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية قبل سنوات: "إن الخطر الذي يهددنا تهديداً مباشراً وعنيفاً هو الخطر الإسلامي".
فلا تعجبوا أيها المسلمون من تصريح هؤلاء بالخوف من الإسلام فإن الله يقول: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (33) سورة التوبة. وجماعة الكفر لم يخافوا من المسلمين اليوم؛ لأن المسلمين اليوم في حال يرثى لها من الضعف والذل, ليس لهم هيبة ولا منهم خوف بسبب تفرقهم في دينهم وإعراض الكثيرين منهم عنه، وإنما يخاف جماعة الكفر من الإسلام نفسه, فوالله لو أن المسلمين طبقوا الإسلام عقيدة وعملاً لملكوا مشارق الأرض ومغاربها, قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ} (105-106) سورة الأنبياء1.
أيها المسلمون: إن صوراً كثيرة من صور العداء والكيد للإسلام وأهله مرت وتمر بالمسلمين منذ بعث محمد –صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا, بل ولا يزالون يقاتلوننا ويؤذوننا في كل وقت وحين, ولعل أبرز ما يدل على هذا الأمر بحيث يتوجب على المسلمين أن يفيقوا من غفلتهم ويتنبهوا لما يكيده المنافقون؛ إذ أن خطرهم أعظم وأطمّ من خطر الكفار؛ لأنهم مدسوسون بين صفوف المسلمين, وإن أبرز حادثة تدل على ذلك ما حدث في غزوة بني المصطلق, فلننظر ما الذي حدث, ولنقتدي برسول الله –صلى الله عليه وسلم- في أسلوب الحذر منهم, وكيفية الرد عليهم بأسلوب شرعي رادع.
والقصة التي حدثت في تلك الغزوة هي أن واردة من الناس وردت تستقي حول ماء المريسيع, ومعها الخيل والإبل, وتزاحم الدواب على الشرب, وتدافع أحد المهاجرين -وكان أجيراً لعمر بن الخطاب- مع أحد الأنصار-وكان أجيراً لعبد الله بن أبي- ووقع بينهما ما أثار الشر والغيظ فصرخ الأنصاري: "يا معشر الأنصار", وصرخ المهاجريّ: "يا معشر المهاجرين"، فغضب عبد الله بن أُبيِّ -رأس المنافقين- وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم -غلام حدث- فقال: "أوَقَـد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا! والله ما عدنا وجلاليب قريش إلا كما قيل: سمِّن كلبك يأكلك, أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل!!". ثم أقبل على من حضره من قومه فقال لهم: "هذا ما فعلتم بأنفسكم حللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم, أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم". فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وكان في جمع من أصحابه منهم عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- الذي أشار بقتل أبن أُبي، ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال له: (دَعْهُ، لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ؟)2. وأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالرحيل؛ لئلا ينشغل الناس بهذه الفتنة ويجد الشيطان سبيلاً, إلى قلوبهم وذلك في ساعة لم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرتحل فيها فارتحل الناس, ومشى عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بلغه أن زيداً قد بلغه ما سمع منه, فحلف للرسول -صلى الله عليه وسلم- كذباً أنه ما قال ولا تكلم, فقال من حضر ذلك من الأنصار: "عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال". وسار الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلقيه أسيد بن حضير فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح في مثلها, فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أو ما بلغك ما قال صاحبكم)؟ قال: وأي صاحب يا رسول الله؟ قال عبد الله بن أبي, قال: وما قال؟ قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (زعم إنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل). قال أسيد: "فأنت يا رسول الله, والله تخرجه منها إن شئت, هو والله الذليل وأنت العزيز" ثم قال: يا رسول الله, أرفق به فوالله لقد جاءنا الله بك, وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه يري أنك قد استلبته ملكه". ومشى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس يومهم حتى أمسى ليلتهم حيث أصبح وصدر اليوم التالي حتى آذتهم الشمس, ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياماً, وإنما فعل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من عبد الله بن أبي, وتابع الرسول -صلى الله عليه وسلم- سيره حتى عاد إلى المدينة.
ولم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم - يصل إليها حتى نزلت سورة المنافقين وفيها قول الله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ* يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (7-8) سورة المنافقون. فقرأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- على المؤمنين هذه السورة وفيها فضيحة عبد الله بن أبي وإخوانه من المنافقين, وتصديق زيد بن أرقم, فظن قوم أن في هذه الآيات القضاء على ابن أبي وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا شك آمر بقتله, وبلغ ذلك ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي –رضي الله عنه- وكان من أقوى الناس إسلاماً فذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه, فإن كنت لابد فاعلاً فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه, فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني, وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله, فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا"3.
هذه واقعة من وقائع المنافقين بالمسلمين, ولا يخفى على كبير ولا صغير حادثة الإفك التي أحدثها المنافقون وما أدت إليه, لذلك ينبغي أخذ الدروس والعبر ممن مضى, ولنتعامل مع الأعداء بحزم ونباهة, وبالأساليب الشرعية.
أيها العلماء والدعاة وطلبة العلم: حذِّروا الناس من النفاق وأهله، ويبينوا للناس أساليبهم, كما كان نهج القرآن ونهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسمُّوا العلمانيين والحداثيين وغيرهم ممن سار على شاكلتهم بالمنافقين, مع الأخذ بالاعتبار عدم إطلاقها على المعيَّن حتى يتلقاهم المجتمع بحزم وحذر أكثر، ويكرههم غاية الكراهية، وعندما تقرؤون مواقفهم في سورة آل عمران أو النساء أو الأنفال أو التوبة أو الحشر أو المنافقون أو غيرها أنزِلوا هذه الآيات على الواقع, وأدركوا خطورة الأمر, وبذلك يكسب أهلُ الصحوةِ المجتمعَ, في مواجهة أولئك المنافقين دون تعب أو عقد محاضرات وكتابة مقالات؛ إذ المجتمع جاهز لمعاداة هؤلاء ومحاربتهم ما داموا منافقين4.
ونسأل الله أن يكفي المسلمين شر المنافقين، وأن يفضحهم بين العالمين، وأن يرد كيدهم في نحورهم ويريح المسلمين منهم, ونستغفر الله العظيم ونتوب إليه, إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فـ"إن النفاق داء عضال، وانحراف خلقي خطير في حياة الأفراد، والمجتمعات، والأمم، فخطره عظيم، وشرور أهله كثيرة، وتبدو خطورته الكبيرة حينما نلاحظ آثاره المدمرة على الأمة كافة، وعلى الحركات الإصلاحية الخيِّرة خاصة؛ إذ يقوم بعمليات الهدم الشنيع من الداخل، بينما صاحبه آمن لا تراقبه العيون ولا تحسب حسابًا لمكره ومكايده، إذ يتسمى بأسماء المسلمين ويظهر بمظاهرهم ويتكلم بألسنتهم.
وإذا نظرت إلى النفاق نظرة فاحصة لوجدته طبخة شيطانية مركبة من جبن شديد، وطمع بالمنافع الدنيوية العاجلة، وجحود للحق، وكذب.. ولك أن تتخيل ما ينتج عن خليط كهذا!!.
أيها المسلمون: إن للمنافقين صفات كثيرة نشير إليها مجرد إشارات مختصرة، وإلا فإن التفصيل يحتاج إلى مؤلفات تفضح ما هم عليه، ومن هذه الصفات:
1- أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) البقرة:8.
2- أنهم يخادعون المؤمنين: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) البقرة:9.
3- يفسدون في الأرض بالقول والفعل: (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) البقرة:12.
4- يستهزؤون بالمؤمنين: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) البقرة:14، 15
5- يحلفون كذبًا ليستروا جرائمهم: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) المنافقون:2.
6- موالاة الكافرين ونصرتهم على المؤمنين: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً)النساء:138-140.
ويقول الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ)الحشر:11، 12.
7- العمل على توهين المؤمنين وتخذيلهم: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً) الأحزاب:12-18.
8- تدبير المؤامرات ضد المسلمين أو المشاركة فيها، والتاريخ مليء بالحوادث التي تثبت تآمر المنافقين ضد أمة الإسلام، بل واقعنا اليوم يشهد بهذا، فما أوقع كثيرًا من المجاهدين في قبضة الكافرين والأعداء إلا تآمر هؤلاء المنافقين في فلسطين، وغيرها.
9- ترك التحاكم إلى الله ورسوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)النساء:60-63.
هكذا حال المنافقين، فهم حين لا يقبلون حكم الله ورسوله، ويفتضح نفاقهم، يأتون بأعذار كاذبة ملفقة، ويحلفون الأيمان لتبرئة أنفسهم، ويقولون: إننا لم نرد مخالفة الرسول في أحكامه، وإنما أردنا التوفيق والمصالحة، وأردنا الإحسان لكل من الفريقين المتخاصمين. ومن عجيب أمرهم في ذلك أنهم إذا وجدوا الحكم لصالحهم قبلوه، وإن يك عليهم يعرضوا عنه، كما أخبر الله بذلك حيث قال: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)النور:47-50.
10- ومن صفاتهم الخبيثة طعنهم في المؤمنين وتشكيكهم في نوايا الطائعين: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)التوبة:79..5
فهذه من أبرز صفات المنافقين الذين فضحهم الله تعالى في كتابه وبين حالهم أتم بيان، ليعلم المسلمون أنهم أشد خطراً على الإسلام من الكفار، إذ الكافر كفره ظاهر جلي، والمنافق كفره مدسوس خفي، نسأل الله أن يحمي بلاد المسلمين منهم، وأن يفضحهم شر فضيحة قبل أن يصلوا إلى غاية، أو ترفع لهم راية.. اللهم إنا نسألك أن تصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، وأن تهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين..
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
1 الضياء اللامع من الخطب الجوامع لـ(ابن عثيمين).
2 رواه البخاري (4525) ومسلم (4682).
3 السيرة النبوية لـ(ابن كثير). وأصل القصة في الصحيحين.
4 مجلة البيان العدد 152 ص 138 ربيع الآخر 1421هـ.
5 عن موقع الشبكة الإسلامية..