صلاة العيدين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ:
فإن المسلمين ليس لهم إلا عيدان عيد الفطر وعيد الأضحى لما جاء عَنْ أَنَسٍ-رضي الله عنه-,قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ,وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ:(مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟) قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ)(1).
وهذان العيدان هما من شعائر الله التي ينبغي إحياؤها وإدراك مقاصدها واستشعار معانيها.
وقد شرعت صلاة العيدين في السنة الثانية من الهجرة، وواظب النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها حتى فارق الدنيا، واستمر عليها المسلون خلفاً عن سلف، لأنها من شعائر الدين الظاهرة.
حكم صلاة العيدين:
ذهب بعض العلماء إلى وجوبها,وهذا مذهب الأحناف,واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-(2)، وقالوا: إن النبي-صلى الله عليه وسلم- واظب عليها,ولم يتركْها ولا مرة واحدة، واحتجوا بقوله- تعالى-:((فصل لربك وانحر))الكوثر: 2 أي صلاة العيد والنحر بعده,وهذا أمر،وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بإخراج النساء من البيوت لشهادتها، والتي ليس عندها جلباب تستعير من أختها.
وذهب بعض العلماء إلى أنها فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين(3)، وهذا مذهب الحنابلة.
وذهب فريق ثالث إلى أن صلاة العيد سنة مؤكدة وهذا مذهب المالكية والشافعية، واحتجوا بحديث الأعرابي في أن الله لم يوجب على العباد إلا خمس صلوات(4).
فينبغي على المسلم أن يحرص على حضورها وشهودها خصوصاً وأنّ القول بوجوبها قول قوي ويكفي ما في شهودها من الخير والبركة والأجر العظيم والاقتداء بالنبي الكريم.
وقت صلاة العيد:
وقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس قدر ثلاثة أمتار إلى الزوال، لما أخرجه أحمد بن الحسن البناء من حديث جندب قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا الفطر والشمس على قيد رمحين، والأضحى على قيد رمح(5).
قال سعدي أبو حبيب في "موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي" (2/654): (ويُسن تقديم صلاة الأضحى, وتأخير صلاة الفطر, بلا خلاف يُعلم) اهـ(6).
موضع أداء صلاة العيد:
الجمهور غير الشافعية: يقولون أن موضعها المصلى (خارج البلد) إلا إذا كان من ضرورة أو عذر، بدليل فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومواظبته على ذلك، فإن كان عذر صلى في المسجد، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أصابنا مطر في يوم عيد، فصلى بنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد(7).
صفة صلاة العيد:
قال عمر -رضي الله عنه-: صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان، تمام غير قصر، على لسان نبيكم وقد خاب من افترى(8)، وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى يوم الفطر ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما(9).
وعن أبي سعيد قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة(10).
والتكبير سبع في الركعة الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدهما كلتيهما، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:(أن النبي-صلى الله عليه وسلم- كبَّر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة، سبعاً في الأولى وخمساً في الآخرة)(11).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما- قال: قال نبي الله-صلى الله عليه وسلم-: (التكبير في الفطر سبع في الأولى,وخمس في الآخرة,والقراءة بعدهما كلتيهما)(12).
القراءة في صلاة العيد:
يُستحبُّ أن يقرأ الإمام في صلاة العيد بـ (ق) و(اقتربت الساعة) كما في "صحيح مسلم" أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الأَضْحَى وَالْفِطْرِ، فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِـ(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)، وَ(اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)(13).
وأكثر ما ورد أنه-صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في العيد بسبح والغاشية، كما كان يقرأ بهما في الجمعة، فقد جاء عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ: بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى،وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)(14).
وقال سمرة -رضي الله عنه-: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين ((سبح اسم ربك الأعلى)) و((هل أتاك حديث الغاشية))(15).
وتكون الصلاة بغير أذان ولا إقامة، فعن ابن عباس، وجابر -رضي الله عنهما- قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى (16)، وروى مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة).
خطبة العيد:
الخطبة بعد صلاة العيد سنة,والاستماع إليها كذلك، فعن عبد الله بن السائب قال: شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العيد فلما قضى الصلاة قال: (إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس،ومن أحب أنْ يذهبَ فليذهب)(17).
وعن أبي سعيد -رضي الله عنه-: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإذا كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به، قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذت بثوبه، فجبذني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله. فقال: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلناها قبل الصلاة(18).
خُرُوجُ النِّساءِ والصِّبيان:
يُشرع خروج الصبيان والنساء في العيدين للمصلى من غير فرق بين البكر والثيب والشابة والعجوز والحائض(19)، لحديثِ أمِّ عطية,قالت:(أمرنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور,فأمَّا الحُيَّض فيعتزلن الصلاةَ ويشهدن الخير ودعوة المسلمين)(20).
آداب العيد
1- الاغتسال، والتطيب،ولبس أحسن الثياب للرجال، وللنساء في البيوت:
من آداب العيد الاغتسال قبل الخروج للصلاة فعن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: كَانَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ ويوم الأضحى(21).
وفي الصحيحين: أن عمر وجد حلة في السوق من استبرق تُباع فأخذها فأتى بها النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم-, فقال: يا رسول الله، ابتع هذه فتجمَّل بها للعيد وللوفود، فقال: (إنما هذه لباس مَن لا خلاقَ له)(22). وإنما قال ذلك لكونها من حرير وهو محرم على الرجال، والشاهد التجمل بمثل ذلك للعيد.
وكان -عليه السلام- يتطيب يوم العيد، ولو من طيب أهله، وكان له بُردٌ حمراء يلبسها يوم العيد(23).
2- الأكل قبل الخروج:
من الآداب ألا يخرج في عيد الفطر إلى الصلاة حتى يأكل تمرات؛ لما رواه البخاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ, قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا.
وإنما استحب الأكل قبل الخروج مبالغة في النهي عن الصوم في ذلك اليوم, وإيذاناً بالإفطار وانتهاء الصيام. وعلل ابن حجر -رحمه الله- بأنّ في ذلك سداً لذريعة الزيادة في الصوم، وفيه مبادرة لامتثال أمر الله(24). ومن لم يجد تمراً فليفطر على أي شيء مباح.
وأما في عيد الأضحى فإن المستحب ألا يأكل إلا بعد الصلاة ويكون من أضحيته، لحديث بريدة قال: كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل، ولا يأكل يوم النحر حتى يرجع)(25) زاد أحمد (فيأكل من أضحيته).
3- التكبير يوم العيد:
وهو من السنن العظيمة في يوم العيد؛لقوله-تعالى-: ((ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)) البقرة: 185.
جمهور العلماء على أن التكبير في عيد الفطر من وقت الخروج إلى الصلاة إلى ابتداء الخطبة،أما في عيد الأضحى فمن صبح عرفة إلى عصر أيام التشريق وهي: اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة(26).
4- مخالفة الطريق:
فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى استحباب الذهاب إلى صلاة العيد في طريق، والرجوع في طريق آخر؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (كان النبي-صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيد خالف الطريق)(27)، وعنه –أيضاً-, قال: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج إلى العيد يرجع في غير الطريق الذي خرج فيه)(28).
5- التهنئة:
يُستحبُّ أن يهنأ المسلمُ أخاه المسلمَ بالعيدِ، قال الحافظ ابنُ حَجَر:(وروينا في المحامليات بإسنادٍ حسنٍ عن جُبير بن نُفير,قال:كان أصحابُ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: (تقبل الله منا ومنك)(29).
وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّة:(قد رُوي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخَّصَ فيه الأئمةُ كأحمدَ وغيرِهِ)(30).
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1 - سنن أبي داود، وصححه الألباني، انظر صحيح سنن أبي داود رقم (1004).
2 - قال الشوكاني -رحمه الله- في "الدراري المضية شرح الدرر البهية" (1/263-264): (قد اختلف أهل العلم هل صلاة العيدين واجبة أم لا؟ والحق الوجوب؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- مع ملازمته لها، قد أمرنا بالخروج إليها، كما في حديث أمره- صلى الله عليه وسلم- للناس أن يغدوا إلى مصلاهم بعد أن أخبره الركب برؤية الهلال، وهو حديث صحيح، وثبت في الصحيح من حديث أم عطية قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرج في الفطر والأضحى، العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين"، والأمر بالخروج يقتضي الأمر بالصلاة لمن لا عذر لها بفحوى الخطاب، والرجال أولى من النساء بذلك).
3 - راجع: المغني: (2/367)، كشاف القناع (2/55).
4 - راجع: الفقه الإسلامي (2/363- 364).
5 - ذكره الحافظ في التلخيص الحبير (2/83) ولم يتكلم عليه.
6 - نقلاً من حاشية الدراري المضية (269).
7 - رواه أبو داود، وابن ماجه، والحاكم وصححه، وضعفه الألباني.
8 - رواه ابن خزيمة،وصححه الألباني في صحيح ابن خزيمة رقم (1425).
9 - متفق عليه.
10 - رواه البخاري.
11 - رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني
12 - رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (1020).
13 - صحيح مسلم.
14 - صحيح مسلم.
15 - رواه أحمد والترمذي وابن ماجه،وصححه الألباني في الإرواء رقم (644)، وصحيح ابن ماجه رقم (1061).
16 - متفق عليه.
17 - رواه النسائي، وأبو داود،وابن ماجه،وقال الألباني:صحيح.انظر الإرواء (3/96 رقم 629).
18 - رواه البخاري.
19 - راجع: فقه السنة (1/299).
20 - متفق عليه.
21 - رواه ابن ماجه، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه رقم (272)، والصحيح هو: (أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو) قال النووي: "أثر صحيح" المجموع (5/6).
22 - متفق عليه.
23 - رواه البيهقي عن ابن عباس، ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن جابر: (كان للنبي حلة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة) راجع: الفقه الإسلامي (2/388).
24 - فتح الباري (2/446).
25 - رواه أحمد، والترمذي وابن ماجه، وابن حبان، وصححه الألباني، انظر صحيح ابن ماجه رقم (1422).
26 - راجع: فقه السنة (1/305).
27 - رواه البخاري.
28 - رواه أحمد، ومسلم، والترمذي.
29 - فتح الباري (2/446).
30 - فتاوى شيخ الإسلام (24/253).