الآثار الواردة في علاقة اليهود بالمنافقين
الآثار:
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)} [سورة المجادلة 58/14]
26178- حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم} إلى آخر الآية قال: هم المنافقون تولوا اليهود وناصحوهم. ([1])
26179 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قول الله عز وجل {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ} قال: هؤلاء كفرة أهل الكتاب اليهود والذين تولوهم المنافقون تولوا اليهود وقرأ قول الله: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [سورة الحشر 59/11] حتى بلغ {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} لئن كان ذلك لا يفعلون وقال: هؤلاء المنافقون قالوا: لا ندع حلفاءنا وموالينا يكونوا معا لنصرتنا وعزنا، ومن يدفع عنا نخشى أن تصيبنا دائرة، فقال الله عز وجل : {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)} [سورة المائدة 5/52] حتى بلغ: {فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13)} [سورة الحشر 59/13] وقرأ حتى بلغ: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14)} [سورة الحشر 59/14] قال: لا يبرزون. ([2])
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ} [سورة الحشر 59/2]
26195 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق عن يزيد بن رومان أن رهطاً من بني عوف بن الخزرج منهم عبد الله بن أبي بن سلول ووديعة ومالك ابنا نوفل وسويد وداعس بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم وإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن خرجتم خرجنا معكم فتربصوا لذلك من نصرهم فلم يفعلوا وكانوا قد تحصنوا في الحصون من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل بهم. ([3])
قوله تعالى: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا} [سورة الحشر 59/11]
26257 - حدثني به محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا} قال: عبد الله بن أبي ابن سلول ورفاعة أو رافعة بن تابوت. وقال الحارث: رفاعة بن تابوت ولم يشك فيه وعبد الله بن نبتل وأوس بن قيظي. ([4])
26258 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا} يعني عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه ومن كان منهم على مثل أمرهم. ([5])
قوله: {يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11)} [سورة الحشر 59/12]
26259 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما {يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} يعني: بني النضير. ([6])
قوله تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14)} [سورة الحشر 59/15]
26261 - حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً} قال: المنافقون يخالف دينهم دين النضير. ([7])
26262 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا مهران عن سفيان عن ليث عن مجاهد {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً}] قال: هم المنافقون وأهل الكتاب. ([8])
13046 - حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم، كل قد حدث في غزوة تبوك ما بلغه عنها، وبعض القوم يحدث ما لم يحدث بعض، وكل قد اجتمع حديثه في هذا الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم، وذلك في زمان عسرة من الناس وشدة من الحر وجدب من البلاد، وحين طاب الثمار وأحبت الظلال، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص عنها على الحال من الزمان الذي هم عليه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها وأخبر أنه يريد غير الذي يصمد لـه، إلا ما كان من غزوة تبوك، فإنه بينها للناس لبعد الشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي صمد لـه ليتأهب الناس لذلك أهبته. فأم الناس بالجهاد، وأخبرهم أنه يريد الروم، فتجهز الناس على ما في أنفسهم من الكره لذلك الوجه لما فيه، مع ما عظموا من ذكر الروم وغزوهم. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في سفره، فأمر الناس بالجهاز والانكماش، وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله. فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع، وضرب عبد الله بن أبي ابن سلول عسكره على ذي حدة أسفل منه نحو ذباب جبل بالجبانة أسفل من ثنية الوداع، وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين؛ فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبي فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب، وكان عبد الله بن أبي أخا بني عوف بن الخزرج، وعبد الله بن نبتل أخا بني عمرو بن عوف، ورفاعة بن زيد بن التابوت أخا بني قينقاع، وكانوا من عظماء المنافقين، وكانوا ممن يكيد للإسلام وأهله. قال : وفيهم أنزل الله: {لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ} . الآية . ([9])
الدراسة:
بداية عداوة المنافقين:
بدأ النفاق حين قويت شوكة الدين بانتصار رسول صلى الله عليه وسلم العظيم، والمؤمنون في معركة بدر الكبرى، وكان رأس النفاق رجل من سادات أهل المدينة كان أهلها يستعدون لتنصيبه ملكاً عليهم قبل وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مهاجره، كما في الصحيحين عن عروة بن الزبير قال أخبرني أسامة بن زيد _ أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارا عليه إكاف تحته قطيفة فدكية وأردف وراءه أسامة بن زيد وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج وذلك قبل وقعة بدر حتى مر في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفيهم عبد الله بن أبي بن سلول وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي بن سلول: أيها المرء لا أحسن من هذا، إن كان ما تقول حقاً فلا تؤذنا في مجالسنا وارجع إلى رحلك، فمن جاءك منا فاقصص عليه، قال ابن رواحة: اغشنا في مجالسنا فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى هموا أن يتواثبوا، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم، ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة فقال: ((أي سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب - يريد عبد الله بن أبي- قال: كذا وكذا)) ، قال: ((اعف عنه يا رسول الله واصفح، فوالله لقد أعطاك الله الذي أعطاك ولقد اصطلح أهل هذه البحرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك فذلك فعل به ما رأيت.)) فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم . ([10])
ظهور النفاق على يد اليهود وبعض صوره:
معلوم أن هناك فئة من أهل المدينة لم تسلم، وهذه الفئة حينما عاينت انتصار المسلمين في بدر هالها الأمر، وأدركت أن المسلمين أصبحوا قوة لا يستهان بها، وأنه من الخير لهم ألا يقفوا منها موقف المعادي، وأن يجاروا المسلمين، فأظهروا إسلامهم نفاقاًًًًً، وتبعهم على ذلك بعض اليهود زوراً وبهتاناً ممن أظهر إسلامه بلسانه وأخفى في قلبه الحقد والغيظ على الإسلام وأهله.
وقد نجح سادة اليهود في جعل هؤلاء الذين لم يدخل الإسلام قلوبهم أدوات في أيديهم يستخدمونهم في تنفيذ مؤامراتهم ضد الإسلام وأهله، وقد كان المنافقون يشكلون جبهة داخلية مهمتها تقويض أركان الإسلام، وذلك باستغلال الأحداث التي تعرض للمسلمين، ومحاولة تضخيمها.
ويظهر القرآن الكريم مدى ارتباط المنافقين باليهود وذلك في حديثه عن المنافقين في سورة البقرة، يقول تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14)} [سورة البقرة 2/14]
قال ابن كثير في معنى {شَيَاطِينِهِمْ} : "سادتهم وكبراؤهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين والمنافقين ... قال ابن عباس رضي الله عنهما : {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ}: من يهود الذي يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ." ([11])
فالآية السابقة إذاً توضح مدى الارتباط الكلي بين المنافقين واليهود، وتبين دور اليهود في تكوين فرق المنافقين، ولاشك أن النفاق أمر تعود عليه اليهود منذ القدم، فهم إذا ما غلبوا على أمرهم، وأصبحوا لايستطيعون المواجهة فحينئذ تبرز خصلة النفاق وسيلة تنقذهم مما هم فيه، وتساعدهم على تدبير المكائد والخطط.
إذاً لا عجب والأمر كذلك أن يستخدم اليهود النفاق مع المسلمين في ذلك الوقت فيُكَونوا الطائفة التي عرفت بالمنافقين والتي كان دورها كبيراً في كثير من الأحداث التي حصلت للمسلمين فيما بعد بتوجيه من اليهود الذين عجزوا عن الاختراق المباشر لصفوف المسلمين، فبدأوا يوجهون الأحداث عن بعد، عن طريق المنافقين الذين كان على رأسهم: عبدالله بن أبي بن سلول.
يقول الميداني رحمه الله : "وبذلك استطاع اليهود أن يكونوا حزباً مستوراً من المنافقين من عرب يثرب مع بعض أفراد من يهود أسلموا نفاقاً، وصاروا يغذونهم بعوامل النفاق التي لهم فيها باع طويل وخبرات كثيرة مارسوها منذ آلاف السنين، في مختلف الأمم التي حكمتهم وأذلتهم، ويؤكد ذلك أيضاً أنه لما تم جلاء اليهود عن المدينة خفتت أصوات المنافقين، وتجمدت معظم حركاتهم، وصلح بال الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الصادقين من جهة سلامة الصف الداخلي من عوامل الفتنة ومسببات التخلخل." ([12])
وهذا عرْض لبعض المواقف التي كان للمنافقين فيها دور كبير، ولليهود توجيه لا يخفى على أحد:
1- أولاً: في غزوة بدر الكبرى :
نصر الله - تعالى - المسلمين في غزوة بدر على قلتهم، وغاظ هذا النصر اليهود والمنافقين، فبدأوا يروجون الإشاعات والأراجيف حول المعركة، وذلك قبل وصول الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة، فقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة رضي الله عنهما ليبشرا أهل المدينة بالنصر. فلما سمع اليهود والمنافقون بهذا قال أحدهم: (قتل صاحبكم ومن معه؟ وقال آخر لأبي لبابة : قد تفرق أصحابكم تفرقاً لا يجتمعون فيه أبداً، وقد قتل عليه أصحابه، قتل محمد وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ماذا يقول من الرعب.) ([13]) ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرسل زيداً على ناقته القصواء. لذا قالوا ما قالوه نشراً للفتنة، ومحاولة لزرع الشبهات في صفوف المسلمين، واستبعاداً لحصول النصر، وتهويناً من أمره في نفوس المسلمين، ولكن الله أظهر أمرهم، وفضح نيتهم، ورد كيدهم في نحورهم، ذاك أنه عندما سمع أسامة بن زيد بن حارثة هذه المقالة، سأل أباه عن الحقيقة، يقول أسامة: ((فجئت حتى خلوت بأبي فقلت أحق ما تقول؟ فقال: إي والله حق ما أقول، فقويت نفسي ورجعت إلى ذلك المنافق فقلت: أنت المرجف برسول الله وبالمسلمين، لنقدمنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم فليضربن عنقك، فقال: إنما هو شيء سمعته من الناس يقولونه.)) ([14])
أما كعب بن الأشرف، وهو من أشد اليهود عداء قال: (أحق هذا؟ أترون محمداً قتل هؤلاء الذين يُسمِّي هذان الرجلان؟ - يعني زيداً وعبد الله بن رواحة - فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس والله لئن كان محمداً أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها.) ([15]) ولم يكتف بهذا، بل إنه ذهب إلى قريش يندب قتلاها، ويحرض على أخذ الثأر،كما تقدم.
2- ثانياً : في غزوة أحد :
وقعت غزوة أحد في السنة الثالثة في شهر شوال منها، وكان لليهود فيها عن طريق المنافقين دور لا يخفى، حيث رجع عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش، ولم يقاتل في ذلك اليوم هو ومن تبعه من المنافقين واليهود، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك قد استشار جملة من المسلمين في أن يخرج لمواجهة قريش خارج المدينة، أو أن ينتظرهم داخلها، فأشار عليه البعض ومنهم ابن أُبي بأن لا يخرج، بينما رأى آخرون الخروج وملاقاة قريش خارج حدود المدينة، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يأخذ برأي ابن أبي، رجع ومعه ثلث جيش المسلمين.
يروى ابن إسحاق هذه القصة قائلاً: "حتى إذا كانوا بالشَّوط بين المدينة وأحد، انخذل عنه عبدالله بن أبي بن سلول بثلث الناس، وقال: أطاعهم وعصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا! أيها الناس فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق والريب واتَّبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام، أخو بني سلمة يقول: ((يا قوم أذكّركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ولكنا لا نرى أنه يكون قتال. قال: فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله، فيسغني الله عنكم نبيه)) ([16])
وقد كان صنيعة اليهود عبد الله بن أبي يظن -وهم من وراءه- أنه بفعله هذا سيضعف من موقف المسلمين في المعركة، أو يفقدهم ثقتهم بأنفسهم حينما يرون ثلث الجيش قد انخذل ورجع، لكن هذا الأمر لم يحصل، وقد كانت تلك مكيدة مدبرة بين اليهود وبين ابن أبي نفذها بتخطيطهم، وإن كانت تنسب إليه، إلا أن أصابع اليهود الخفية لعبت فيها دوراً لايُنكر، ثم كيف تابع اليهود ابن أبي، مع العلم أن غزوة أحد وقعت في السنة الثالثة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أجلى قبيلة بني قينقاع حلفاء ابن أبي قبل ذلك، فكيف انضم من بقي في المدينة من اليهود وهم بنو قريظة والنضير إلى ابن أبي مع أنهم لم يكونوا حلفاءه في يوم من الأيام!؟ ولكن حينما تتضح وحدة الهدف الذي يسعى إليه كل من ابن أبي المنافق واليهود بكافة قبائلهم وطوائفهم، يظهر سر اتحادهما معاً ضد المسلمين.
يقول الأستاذ إبراهيم سالم : "وعجيب أن ينضم بنو النضير وبنو قريظة إلى ابن أبي الخزرجي وكانوا من قبل أحلافاً للأوس ضد الخزرج، وهذا يدل دلالة واضحة على أنه كان هناك تنظيم دقيق أنشأه اليهود قضى بتجميع كل من أمكن وضمه لمعاداة المسلمين، ووضعــوا لـه خطـطاً، ونصـــبوا عليه ابن أبي زعيماً لما رأوا فيه شخصاً مريض القلب والنفس معجباً بنفسه، متفانياً ومتهالكاً في طلب السلطة." ([17])
وعلى الرغم من كل ما فعله، فقد حاول أن يستعيد بعد ذلك مكانته وهيبته بين صفوف المسلمين، يقول ابن إسحاق: "فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان عبد الله بن أبي بن سلول له مقام يقومه كل جمعة لا يُنْكر، شرفاً لـه في نفسه وفي قومه، وكان فيهم شريفاً، إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يخطب الناس، قام فقال: أيها الناس، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم، أكرمكم الله وأعزكم به، فانصروه وعزروه، واسمعوا لـه وأطيعوا، ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع، ورجع بالناس، قام يفعل ذلك كما كان يفعله، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا: اجلس، أي عدو الله، لست لذلك بأهل، وقد صنعت ما صنعت، فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: والله لكأنما قلت بجراً ([18]) أن قمت أشدد أمره، فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد فقال: مالك؟ ويلك، قال: قمت أشدد أمره، فوثب علي رجال من أصحابه يجذبونني ويعنفونني، كأنما قلت بجراً أن قمت أشدد أمره، قال: ويلك، ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: والله ما أبتغي أن يستغفر لي." ([19])
ويتضح من خلال استعراض الأحداث التي قام بها اليهود، سواءً سعيهم في الوقيعة بين المسلمين بتذكيرهم بالماضي، وما كانوا عليه، أم في زرعهم لشجرة النفاق في المدينة، وتغذيتها، أن هؤلاء اليهود اتخذوا هذه الطرق لتساعدهم في التصدي للإسلام، حين أيقنوا عجزهم عن مواجهته علناً، فبذلوا الجهد في محاربته سراً، وعن طريق تفكيك وحدة المسلمين، وتقويض أركانه الداخلية، ومع ذلك كشفهم الله تعالى، وفضح خبيئتهم، فلم تعد تلك الأساليب تنطلي على المسلمين في ذلك الوقت، ولم يعد لها أثر من جهة تماسكهم وترابطهم.
قال الطبري في قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ} [سورة الحشر 59/12]
يقول تعالى ذكره: لئن أخرج بنو النضير من ديارهم، فانجلوا عنها لا يخرج معهم المنافقون الذين وعدوهم الخروج من ديارهم، ولئن قاتلهم محمد صلى الله عليه وسلم لا ينصرهم المنافقون الذين وعدوهم النصر، ولئن نصر المنافقون بني النضير ليولن الأدبار منهزمين عن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه هاربين منهم، قد خذلوهم. يقول: ثم لا ينصر الله بني النضير على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بل يخذلهم. ([20])
روؤس المنافقون من أحبار اليهود:
فمن بني قينقاع:
1-5 سعد بن حنيف، وزيد بن اللُّصيت، ونعمان بن أوفى ابن عمرو، وعثمان بن أوفى، وزيد بن اللصيت، الذي قاتل عمر بن الخطاب _ بسوق بني قينقاع، وهو الذي قال حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم : يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه الخبر بما قال عدو الله في رحله، ودل الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على ناقته: ((إن قائلاً قال: يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء ولا يدري أين ناقته؟ وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها، فهي في هذا الشعب، قد حبستها شجرة بزمامها، فذهب رجال من المسلمين، فوجدوها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكما وصف.)) ([21])
6-8 ورافع بن حريملة، وهو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حين مات: ((قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين)) ، ورفاعة بن زيد بن التابوت، و هو الذي قال لـه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هبت عليه الريح، وهو قافل من غزوة بني المصطلق، فاشتدت عليه حتى أشفق المسلمون منها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تخافوا، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار.)) فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وجد رفاعة بن زيد ابن التابوت مات ذلك اليوم الذي هبت فيه الريح, وسلسلة بن برهام, وكنانة بن صُوريا. ([22])
---------------------------------------------------------
([1]) - تفسير الطبري ( 28 / 23 ) تفسير عبد الرزاق ( 3 / 280 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 85 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)
([2]) - تفسير الطبري ( 28 / 23 )
([3]) تفسير الطبري ( 28 / 29 ) - تفسير القرطبي ( 18 / 7 ) - تفسير ابن كثير ( 4 / 332 ) - الطبقات الكبرى ( 2 / 29 ) إسناده ضعيف.
([4]) تفسير الطبري ( 28 / 46 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 115 ) - تفسير القرطبي ( 18 / 34 )
([5]) تفسير الطبري ( 28 / 46 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 115 ) إسناده ضعيف.
([6]) تفسير الطبري ( 3 / 14 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 977 ) إسناده ضعيف.
([7]) تفسير الطبري ( 28 / 48 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 10 / 3347 ) - تفسير الدر المنثور ( 8 / 115 )
([8]) تفسير الطبري ( 28 / 48 ) إسناده ضعيف.
([9]) تفسير الطبري ( 10 / 147 ) - تفسير الدر المنثور ( 4 / 214 ) إسناده ضعيف.
([10]) أخرجه البخاري 5/ 2307و مسلم 3/1424
([11]) تفسير ابن كثير، 1/72.
([12])مكايد يهودية عبر التاريخ، عبد الرحمن الميداني ص94؛ وانظر كتاب: النفاق والمنافقون في عهد رسول الله ‘، تأليف: إبراهيم على سالم، دار الشعب، القاهرة، وذلك في سبب نشوء النفاق في المدينة، من ص 75 إلى 87 .
([13]) البداية والنهاية ج:3 ص:304
([14]) البداية والنهاية ج:3 ص:304
([15]) سيرة ابن هشام، 2/51.
([16]) سيرةابن هشام، 2/64.
([17]) النفاق والمنافقون، إبراهيم على سالم، ص 128.
([18]) قولاً كاذباً. لسان العرب ج3/ص202
([19]) سيرة ابن هشام، 2/105.و تفسير ابن كثير ج4/ص370
([20]) تفسير الطبري ج1/ص401
([21]) تاريخ الطبري ج:2 ص:184 البداية والنهاية ج:3 ص:240 فتح الباري ج13/ص364
([22]) مسند أبي يعلى ج4/ص201 تاريخ مدينة دمشق ج13/ص311 لم أفصل في علاقة اليهود بالمنافقين لوجود رسالة عن آثار السلف عن المنافقين في الطبري.