الآثار الواردة في قسوة قلوب الیهود
الآثار:
قولـه تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة البقرة 2/7]
255 حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي الحسين بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ = 7 } والغشاوة على أبصارهم . ([1])
256 -حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: حدثنا ابن جريج قال: الختم على القلب والسمع، والغشاوة على البصر، قال الله تعالى ذكره: {فَإِنْ يَشَأْ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ = 24 } وقال: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ = 23 } [سورة الجاثية 45/23] ([2])
257 -حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ = 7 } أي عن الهدى أن يصيبوه أبدا بغير ما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك، حتى يؤمنوا به، وإن آمنوا بكل ما كان قبلك. ([3])
258 -حدثني موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ = 7 } يقول فلا يعقلون، ولا يسمعون ويقول: وجعل على أبصارهم غشاوة، يقول: على أعينهم فلا يبصرون. ([4])
قولـه تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ = 74 } [سورة البقرة 2/74]
1088 -حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: لما ضرب المقتول ببعضها - يعني ببعض البقرة - جلس حيا، فقيل له: من قتلك؟ فقال: بنو أخي قتلوني. ثم قبض، فقال بنو أخيه حين قبض: والله ما قتلناه. فكذبوا بالحق بعد إذ رأوه، فقال الله: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} يعني بني أخي الشيخ، {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ = 74 } ([5])
1089 -حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} يقول: من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى، وبعد ما أراهم من أمر القتيل ما أراهم، فهي كالحجارة أو أشد قسوة. ([6])
قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
1092حدثني بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} ثم عذر الحجارة ولم يعذر شقي ابن آدم، فقال: {وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}. ([7])
قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ}
1238 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير بن سلمان، قال: ثنا عمرو بن قيس الملائي، عن عمرو بن مرة الجملي، عن أبي البختري، عن حذيفة قال: القلوب أربعة. ثم ذكرها، فقال فيما ذكر: وقلب أغلف: معصوب عليه، فذلك قلب الكافر. ([8])
1239- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما : {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ = 88 } أي في أكنة. ([9])
حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما ،: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ = 88 } فهي القلوب المطبوع عليها. ([10])
1240 - حدثني عباس بن محمد، قال: ثنا حجاج، قال: قال ابن جريج، أخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قوله: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ = 88 } عليها غشاوة. ([11])
1241 -حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا شريك عن الأعمش قوله: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ = 88 } قال: هي في غلف. ([12])
1242 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ = 88 } أي لا تفقه. ([13])
1243- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ = 88 } قال: هو كقوله: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ = 5 }. ([14])
1244- حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} أي لا تفقه. ([15])
1245- حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ = 88 } قال: يقولون: عليها غلاف وهو الغطاء. ([16])
1246- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ = 88 } قال: يقول قلبي في غلاف، فلا يخلص إليه مما تقول. وقرأ: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ}[سورة فصلت 41/5] ([17])
1247- حدثني عبيد بن أسباط بن محمد، قال: ثنا أبي، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ = 88 } قال: أوعية للذكر.
حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا فضيل، عن عطية في قوله: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ = 88 } قال: أوعية للعلم. ([18])
1248 - حدثت عن المنجاب، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ}. قال: مملوءة علما لا تحتاج إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره. ([19])
الدراســــة:
من أبرز الصفات التي وصف الله بها اليهود: قسوة قلوبهم، وبعدها عن قبول الحق، وهذا الوصف القرآني جاء في عدة آيات منها:
{وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً = 13 } [سورة المائدة 5/13] وقسوة القلب غلظته يقال: قسا القلب يقسو قساء، والقسوة: الصلابة في كل شيء، وحجر قاس: صلب، وأرض قاسية: لا تنبت شيئاً، وتأويل قست في اللغة: غلظت ويبست وعست، فتأويل القسوة في القلب: ذهاب اللين والرحمة والخشوع منه، وقسا قلبه قسوة وقساوة وقساء بالفتح والمد وهو: غلظ القلب وشدته. ([20])
وفي (قاسية) قراءة أخرى هي (قسية) ([21]) ومعنى "قسية" غير معنى القسوة؛ وإنما القسية في هذا الموضع: القلوب التي لم يخلص إيمانها بالله، ولكن يخالط إيمانها كفر كالدراهم القسية، وهي التي يخالط فضتها غش من نحاس أو رصاص وغير ذلك، كما قال أبو زبيد الطائي:
صاح القسيات في أيدي الصياريف
لها صواهل في صم السلام كما
يصف بذلك وقع مساحي الذين حفروا قبر عثمان على الصخور، وهي السلام.
قال الطبري رحمه الله : "وأعجب القراءتين إلي في ذلك قراءة من قرأ: (وجعلنا قلوبهم قسية) على فعيلة، لأنها أبلغ في ذم القوم من قاسية."
وقد بين الله -تبارك وتعالى - أن قسوة قلوبهم هي أشد من قساوة أنواع من الحجارة كما في قصة القتيل في سورة البقرة: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ = 74 } [سورة البقرة 2/74]
قال ابن كثير رحمه الله : يقول تعالى توبيخاً لبني إسرائيل وتقريعاً لهم على ما شاهدوه من آيات الله تعالى وإحيائه الموتى {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} كله فهي كالحجارة التي لا تلين أبداً، ولهذا نهى الله المؤمنين عن مثل حالهم فقال: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَـزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ = 16 } [سورة الحديد 57/16] ([22])
والقسوة في قلوبهم صفة لازمة لهم كما قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ = 41 } [سورة المائدة 5/41] قال القرطبي: أي لم يرد الله أن يطهر قلوبهم من الطبع عليها والختم، كما طهر قلوب المؤمنين ثواباً له.([23]) فهي عقوبة لازمة لهم؛ إذ لما قست قلوبهم كان الجزاء أن طبع الله عليها وختم وكل ذلك بأسباب كثيرة من ذنوبهم وإعراضهم.
قال الشنقيطي رحمه الله : ".. هذا الطبع والختم على القلوب، وكذلك الأغلال في الأعناق والسد من بين أيديهم ومن خلفهم: أن جميع تلك الموانع المانعة من الإيمان ووصول الخير إلى القلوب: أن الله إنما جعلها عليهم بسبب مسارعتهم لتكذيب الرسل، والتمادي على الكفر، فعاقبهم الله على ذلك بطمس البصائر، والختم على القلوب والطبع عليها، والغشاوة على الأبصار لأن من شؤم السيئات أن الله جل وعلا يعاقب صاحبها عليها بتماديه على الشر، والحيلولة بينه وبين الخير، جزاه الله بذلك على كفره جزاء وفاقا" ([24])
ووصف الله لقلوبهم أنها أشد من الحجارة قسوة بينه الله من سيرتهم مع الحجارة فيما قص سبحانه وتعالى: فأورد للمخاطب منهم مقارنة بين قلوبهم القاسية وما نكرته من الحق وبين الحجارة التي شاهدوها في مسيرتهم وذلك في قوله: {وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ} وقد شاهدوا هذا عندما استسقوا موسى عليه السلام فأمره الله فضرب الحجر فتشقق وخرج منه اثنتا عشرة عيناً, {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وهو ما شاهدوه عندما رجف جبل الطور ورفعه الله فوق رؤوسهم، ومن قبله ما أخبرهم موسى عليه السلام من دك الجبل وهبوطه لما تجلى الله لـه، وعلى هذا يخلص إلى أن الحجارة ألين من قلوبهم.
هذا وصف الله لقلوب اليهود, أما هم فلهم وصف آخر لقلوبهم على عادتهم في تحريف الكلم وصرفه حسياً ومعنوياً عن مراده، فقالوا عن قلوبهم إنها (غلف)، قال تعالى{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [سورة البقرة 2/88]
قال الطبري رحمه الله : "اختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأه بعضهم (وقالوا قلوبنا غلْف) مخففة اللام ساكنة، وهي قراءة عامة الأمصار في جميع الأقطار، وقرأه بعضهم وقالوا (قلوبنا غلُف) مثقلة اللام مضمومة، فأما الذين قرءوها بسكون اللام وتخفيفها فإنهم تأولوها أنهم قالوا قلوبنا في أكنة وأغطية وغلف، والغلف على قراءة هؤلاء جمع أغلف وهو الذي في غلاف وغطاء، كما يقال للرجل الذي لم يختتن أغلف والمرأة غلفاء. ([25])
ولكن اليهود يقولون: غلف أي أوعية للعلم وهي في حصن أن يصلها شىء فلا يخلص إليه مما تقول. وهي أوعية للعلم فلا حاجة بنا إلى علم سوى ما عندنا فكذبوا الأنبياء بهذا القول، وهذا من قسوة قلوبهم وضلالهم عن الطريق.
ويكفي في ذلك رد الله عليهم في ختمه وطبعه على قلوبهم كقوله تعالى: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [سورة النساء 4/155]
قال الشنقيطي رحمه الله : "وذلك الختم والأكنة على القلوب جزاء من الله تعالى لهم على مبادرتهم إلى الكفر وتكذيب الرسل باختيارهم ومشيئتهم، كما دلت عليه آيات كثيرة كقولـه : {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [سورة النساء 4/155] وقوله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [سورة الصف 61/5] وقوله: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} [سورة البقرة 2/10] وقوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} [سورة التوبة 9/125] وقولـه: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [سورة الأنعام 6/110] إلى غير ذلك من الآيات. ([26])
ويلاحظ وصف الله لقلوبهم بالختم مرة وبالطبع مرة فهل بينهما فرق؟
قال القرطبي رحمه الله : "الختم يكون محسوساً كما بينا ومعنىً كما في هذه الآية: فالختم على القلوب عدم الوعي عن الحق سبحانه مفهوم مخاطباته، والفكر في آياته، وعلى السمع عدم فهمهم للقرآن إذا تلى عليهم، أو دعوا إلى وحدانيته، وعلى الأبصار عدم هدايتها للنظر في مخلوقاته، وعجائب مصنوعاته." ([27])
و فصل الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان _ أنواع القلوب فقال: ((القلوب أربعة: قلب أغلف فذلك قلب الكافر، وقلب مصفح فذلك قلب المنافق، وقلب أجرد فيه مثل السراج فذلك قلب المؤمن، وقلب فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب، ومثل النفاق كمثل قرحة يمدها القيح والدم، فأي المادتين غلبت صاحبتها أهلكته.)) ([28]) وهذه قلوب اليهود مغلفة عن قبول الحق وأشد من الحجر قسوة.
-------------------------------------------------
([1]) تفسير الطبري ( 1 / 114 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 42 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 73 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 47 ) إسناده ضعيف
([2]) تفسير الطبري ( 1 / 114 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 46 )
([3]) تفسير الطبري ( 1 / 115 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 41 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 72 ) إسناده ضعيف.
([4]) تفسير الطبري ( 1 / 115 )- تفسير الدر المنثور (1 / 73 )- تفسير ابن كثير ( 1 / 47 )
([5]) تفسير الطبري ( 1 / 362 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 114 ) إسناده ضعيف
([6]) تفسير الطبري ( 1 / 362 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 197 ) و صححه في التفسير الصحيح (1/176)
([7]) تفسير الطبري ( 1 / 364 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 197 ) - تفسير القرطبي ( 1 / 464 ) وصححه في التفسير الصحيح (1/176-177)
([8]) تفسير الطبري ( 1 / 406 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 214 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 124 ) إسناده ضعيف.
([9]) تفسير الطبري ( 1 / 406 ) - تفسير ابن أبي حاتم بنحوه ( 4 / 1275 ) - تفسير الدر المنثور ( 3 / 260 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 124 ) إسناده ضعيف.
([10]) تفسير الطبري ( 1 / 406 ) إسناده ضعيف
([11]) تفسير الطبري ( 1 / 406 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 214 )
([12]) تفسير الطبري ( 1 / 407 )
([13]) تفسير الطبري ( 1 / 407 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 170 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 214 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 124 ) وحسنه في التفسير الصحيح (1/194)
([14]) تفسير الطبري ( 1 / 407 ) - تفسير القرطبي ( 2 / 25 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 124 ) وحسنه في التفسير الصحيح (1/194)
([15]) تفسير الطبري ( 1 / 407 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 170 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1108 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 124 ) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (6/366) وحسنه في التفسير الصحيح (1/194)
([16]) تفسير الطبري ( 1 / 407 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 124 )
([17]) تفسير الطبري ( 1 / 407 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 124 )
([18]) تفسير الطبري ( 1 / 407 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 4 / 1108 ) - تفسير القرطبي ( 2 / 25 ) - تفسير ابن كثير ( 1 / 125 )
([19]) تفسير الطبري ( 1 / 407 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 214 ) إسناده ضعيف
([20]) لسان العرب - ابن منظور ج:15 ص:181
([21]) وهي قراءة حمزة والكسائي كما نبه عليها الطبري وانظر القراءات العشر المتواترة على هامش المصحف لعلوي بلفقيه ص109
([22]) تفسير ابن كثير ج:2 ص:60 التفسير الكبير - الرازي ج:11 ص:148
([23]) تفسير القرطبيتفسير القرطبي ج:6 ص:182
([24]) أضواء البيان - الشنقيطي ج:6 ص:289
([25]) تفسير الطبري 1/406
([26]) أضواء البيان - الشنقيطي ج:2 ص:176
([27]) تفسير القرطبي ج:1 ص:186
([28]) الدر المنثور ج:1 ص:214