أحبائي في الله، أبي رجلٌ مسنٌّ، أُصيب بجلطة في المخِّ، ومن بعدها وهو لا يتمكن من المشي؛ فهو طريح الفراش، ويتبوَّل ويتبرز على نفسه.
في البداية أتعبَنا؛ لأنه يرفض أن يلبس (الحفاض)، ويرفض أن ننظِّفه، ولكن بعد عناءٍ وبعضِ الشدَّة منا، أصبحنا نغيِّر له (الحفاض)، ولكن بصعوبة لأنه غير متعاوِن، وقد ترك الصلاة، مع العلم أن عمره 83 عامًا، فهل هذه سنُّ أرذل العمر؟ وهل تسقط عنه العبادات؟ وهل علينا إثم لأنه لا يصلي؟
بالإضافة إلى أنه - أحيانًا - يصرخ وينادي على الجيران؛ ليحضروا له الطعام أو الشراب؛ مع أننا نوفِّر له كل شيءٍ.
نحن متزوجون، وكلٌّ منَّا في بيت مستقلٍّ، ولكننا - يوميًّا - نزور والدي ووالدتي؛ لتنظيف والدي، وتوفير احتياجاتهما.
أفيدونا، يرحمكم الله.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فأسأل الله العظيم أن يشفي والدك شفاءً لا يُغادر سقمًا، وبعدُ:
فمن الواضح - أيها الأخ الكريم - أنك بحمد الله - عز وجل - حريصٌ على بر والدك المسكين، الذي ابتُلي بما أشرتَ إليه، وهذا أمرٌ تحمَد عليه، ويدخل في برِّه، والإحسان إليه، ومن السعي في مصلحته العاجلة والآجلة إن شاء الله - جل وعلا، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾[الإسراء: 23].
وتأمَّل - رعاك الله - قوله تبارك وتعالى: ﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ ﴾؛ أشار - سبحانه - إلى حالة كِبَر السن في بر الوالدين، فمع أن الإنسان مطالبٌ بأن يبرَّ والديه في جميع أحوالهما؛ سواءٌ كانا شابين، أو شيخين، إلا أن الله - جل وعلا - نبَّه على حالة الكِبَر؛ لما ينوب الإنسان فيها من الضعف، ولما ينوبه من الأحوال التي تقتضي زيادة الصبر عليه، وزيادة الرعاية له، وهذا ما تقوم به أنت وإخوانك، وما يجب عليكما؛ ولذلك نُبَشِّرك بأن هذا العمل الذي تقوم به لن يضيعَ - إن شاء الله تعالى - كما قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾[يوسف: 90]، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((رغِم أنفُ عبدٍ أدرك أبويه أحدهما أو كليهما ولم يُدخلاه الجنة)).
أما عن حالة والدك، فإن كان وضعُه العقلي قد أصابه خللٌ، ووقع في الخرف - كما يظهر من كلامك - فهو غير مُكلَّفٍ - حينئذٍ - لأن العقل هو مناط التكليف، فلا يكون مطالبًا بالأحكام الشرعية؛ لأن هذا أمرٌ مَرَدُّه إلى طبيعة القدرات الذِّهنيَّة التي لديه، فمن المعلوم أن القوة العقلية ليستْ شيئًا واحدًا، ولكنها تتنوَّع إلى قدراتٍ عديدةٍ، فقد يصيب الإنسان - نتيجة بعض العوارض الصحية العضوية؛ كالجلطة في الدماغ، أو كذلك حدوث بعض الأمراض؛ كالخلايا السرطانية، ونحوها من الأمراض - قد يصيبه فَقْدٌ لبعض قدراته العقلية، وهذا يختلف بحسب نوع المرض وشدته، وهذا من شأن المختصين في هذا الأمر، ولكن إن كان قد أصبح فاقدًا للإدراك العام، أو فاقدًا للتمييز بين الحلال والحرام؛ بحيث لا يعقل معنى التقرُّب إلى الله - جل وعلا - ومعنى أن هذا من الحرام، أو أن هذا من الحلال، وغير ذلك من الأمور، فلا يكلف بشيءٍ.
أما إن كان مدركًا لتصرُّفاته، ويعلم - مثلًا - أن التعرِّي عيبٌ لا ينبغي أن يقع منه أمام الناس، ويُدرك معنى وجود الله - جل وعلا - ومعنى الثواب والعقاب، والحلال والحرام؛ فتكون قدراته العقلية تسمح له بأن يزاول عباداته الشرعية، فحينئذ يجب أن تخاطبوه بها، ويكلم بها، ويحث عليها، وبينوا له أنه يجوز له أن يصلي على حاله ولو من غير طهارةٍ.
وقوموا على خدمته، وراعوه، وابذلوا وُسعكم في القيام على شأنه وعاونوا والدتكم، فهو - كما ترى - أحوج ما يكون للعون، وهو بابٌ عظيمٌ لكم للجنة، فاغتنموه، وهو واجبٌ إسلامي، واجتماعي، وأخلاقي، ومهما كانت تصرُّفاته فيجب تحمُّله، وتقديم كل مساعدةٍ ممكنةٍ له، ويمكنكم التناوُب على خدمته.
وفقكم الله لكل خير