السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لديَّ مشكلةٌ تسببَّتْ لي في الطلاق، والمشاكل النفسية والاجتماعية؛ فقد اكتشفتُ منذ سنتين أنني أُصِيب مَن أراه بالعين، ومن بعدها وأنا كل تفكيري في هذا الشيء، حتى أتاني الوسواسُ القهري، وكلما أريد أن أتخلَّص منه، وأدعو الله أن يشفيني، تأتيني فكرة: "انظري دعاءك"! لدرجة أنني أفكِّر جديًّا في الدعاء، وفي كرم الله العظيم، وأحس أنني أنظره.
لم يتوقَّف الأمرُ عند ذلك، بل كلما فكَّرتُ في أي ميزة لدي - في صحة، أو مال، أو بيت، أو الأشخاص الذين أحبهم - أجدُها تذهب؛ فمثلًا: في الصحة، ضَعُف نظري حتى كدتُ أفقده!
والله، إنها لمشكلة عظيمة، فإذا استمرَّ حالي على ما أنا عليه، فقد أنتحر!
لا أُطِيق أن أظلَّ هكذا، أو أحسد نفسي أو الآخرين، أجيبوني: هل الدعاء يُنظَر؟ بمعنى آخر: إذا فكَّرت فيه وحسدتُه، هل لا يستجيب الله الدعاء، بسبب أنني حسدت نفسي؟!
الجواب
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فالذي يظهر مِن كلامِك - أيتها الأخت الفاضلة - أنكِ مُصابة بوسواس النظر، أو الحسد، وعلاجه كعلاجِ باقي أنواع الوسواس يكون بإهمالِه، وترْك الالتفات إليه، وعدم الاستجابة لمُوجِب الوسوسة، ثم العمل بمشورتي، وما سأبينه لكِ من أين أتيتِ؟ فإنك - أيتها الكريمة - لما علمتِ أن العين حقٌّ، وأنه أمرٌ ثابت بأدلة الكتاب والسنة، وأنها قد يُضَرُّ بها الإنسان، ولكن بإذن الله تعالى؛ فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن – فُتِح عندك بابُ الوسوسة بالحسد، حتى في الدعاء، إلا أنه لا ينبغي أن يصلَ الإنسانُ إلى درجة الغلوِّ، أو الهوَس بالعين، فيرجع كل ما يقع له إلى العين، حتى تقوم القرينة الدالَّة على ذلك.
وسألخِّص لك بعض النقاط التي تُعِينك - بحول الله وقُدرته - على التخلُّص من ذلك الوسواس:
أولًا: تيقَّني أن ما يقع مِن أذًى بالعين وغيره، فبتقديرِ الله وإذنه، وقد أرشدنا - جل وعلا - إلى أن نذكرَه عند إعجابنا بأموالِنا، أو بأولادنا، أو أنفسنا؛ كما قال - جل وعلا -: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [الكهف: 39]، وكذلك أَمَرَنا - صلوات الله وسلامه عليه - إذا أعْجَبَنا شيءٌ أن نبرك عليه، فهذا يشمل جميع الأشياء التي تُعجِب الإنسان؛ سواء كانتْ من نفسه، أو من غيره، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما يمنعُ أحدكم إذا رأى مِن أخيه ما يُعجِبه في نفسه أو ماله، فليبرِّك عليه؛ فإن العينَ حقٌّ))، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رأى أحدُكم ما يُعجِبه في نفسه أو ماله، فليبرِّك عليه؛ فإن العينَ حقٌّ)).
وقد نصَّ العلماءُ على أنه إذا خَشِي العائنُ ضررَ عينه وإصابتها للمعين، فليدفع شرَّها بقوله: اللهم باركْ عليه؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حُنَيف: ((أَلَا برَّكتَ))؛ أي: قلتَ: اللهم بارك عليه، مما يدفع به إصابة العين قول: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله.
وروى هشام بن عُروة، عن أبيه، أنه كان إذا رأى شيئًا يُعجبه، أو دخل حائطًا من حيطانه، قال: "ما شاء الله، لا قوة إلا بالله".
ثانيًا: أرى أنَّ هناك مُبالَغةً بيَّنة في ظنِّك بنفسك أنك تحسدين نفسك، أو دعاءَك، أو أهلَك، فالمبالَغةُ ظاهرةٌ في هذا، ولستِ أنتِ كما تظنين بنفسك، فإن العبد المؤمن إذا ذكر الله - جل وعلا - كأن يقول: ولدي قد شُفِي؛ والحمد الله، أو ما شاء الله؛ فإنه بمجرَّد أن يذكرَ الله - جل وعلا - يكون قد أدَّى المطلوب، بل لو قال: الحمد لله، لكفى ذلك، فكيف إذا أضاف إلى ذلك أن يقولَ: ما شاء الله، أو: لا قوة إلا بالله، أو يقول: بارك الله لك؟ أو نحو ذلك مِن الأدعية المشروعة، وليس عليك أكثرُ مِن هذا؛ فاللهُ - جل وعلا - لا يكلِّف نفسًا إلا وُسْعها، ولا تلتفتي لشيء بعد ذلك.
ثالثًا: خُذي نفْسَك بالحزْم، ولا تسترسلي معها، ولا تجعلي في نفسِك أنك حسَّادة، ونحو ذلك، فيُصيبك الهمُّ والحزن لأجله، وهذا ما يُريده الشيطان لنا من التنغيص، والتحزين، وعدم الاستبشار؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المجادلة: 10]، وهو عكس مُرادِ الشارع؛ إذ يقول: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾[آل عمران: 139]، وقال: ﴿ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آل عمران: 153]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].
رابعًا: شأنُ المؤمن أن يأخذَ بأسباب الوقاية له ولغيره، وبقي غير ما ذكرنا لك معرفة أن الحسد ذنبٌ يبغضه الله، ومعصية تُوجِب سخط الله، فما كان كذلك فيجب ترْكه والتوبة منه، والعمل على التخلُّص منه، لا سيما وحقيقة الحسد اعتراض على الله؛ لأنَّ الحاسدَ إنما يكره أن تُصِيب النِّعمة غيره، ويتمنَّى زوالها عن المحسود، وهذا في الحقيقة بُغضٌ لما أراده الله ولما قدَّره الله، ولذلك لما ذكر الله الحاسدين أشار إلى أنه هو الذي يُؤتِي مِن فَضْلِه مَن شاء، كما قال تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا ﴾ [النساء: 54].
خامسًا: عدم الاشتِغال بالنظر إلى النِّعم التي عند النفس والآخرين، والإعراض عن ذلك، والاشتغال بالشُّكر والحمد، وبذْل الخير للناس، وإعانتهم على تحصيل المنافع لهم، فمِن المَعلوم أن الذي ينفع الناس ويُعِينهم مأجورٌ على ذلك، مع كونه يَصير بهذه الإعانة محبوبًا لله تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].
ونسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكِ لأحْسَن الأخلاق، وأحسن الأعمال، لا يهدي لأحسَنِها إلا هو، وأن يَقِيَنا سيِّئ الأخلاق والأعمال، لا يَقِي سيِّئَها إلا هو!