السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أُريد أن أستشيركم فيما يخصُّ حفْلَ زفافي الذي سيُقام حسب العادات والتقاليد التي ضِقْتُ بها ذرعًا، فسيكون في زفافي أغانٍ وموسيقا، ورقص للنساء، وقد أَخْبَرتُ أبي بأنني لا أُريد الأغاني في زفافي، فقال لي: حفل الزفاف ليس مِن مسؤولياتك، وأنا المسؤول عنه! كما أنْكَر أفرادُ عائلتي عليَّ طلباتي تلك، وقالوا لي: كيف يكون حفل زفاف بلا فرحة وغناء، ولماذا سنستدعي الحضور إذًا إن لم تكنْ هناك سهرة؟
كما أنَّ هؤلاءِ الحضور - أقصد النساء - سيجلبْنَ معهنَّ آلات تصوير، وأنا - إن شاء الله - أنوي أن أقولَ لكلِّ مَن يُريد تصويري: إني لا أسمح بذلك! فماذا أفعل مع اللاتي يُصَوِّرْنَنِي دون علمي؟
كما أن والِدَيْ خطيبي لن يكونا حاضرَيْنِ في الحفل؛ وسيطلبان التقاط الصور لهما، فماذا أفعل؟ فلا أستطيع منعها، وإلا ستحصل مشاكلُ، وستُوَبِّخني عائلتي، وأنا أرفض التصوير؛ لأني لا أضمن أن يرى هذه الصور رجالٌ؛ علمًا بأن - حسب العادات والتقاليد - العروس تصوَّرُ ويُشاهِد صورَها كلُّ مَن لم يحضرْ؛ رجالٌ كانوا أو نساء.
سؤالي: ماذا أفعل إنْ أصرَّ والدِي على أن تكونَ سهرةُ العُرس بغناءٍ وموسيقا، ولم يستمعْ لكلامي؟ وماذا أفعل في موضوع التصوير؟
أصبحتُ أحس باليأس مِن هذا الحفل، ورغم أن الجميع يُسميه: ليلة العمر، أو: فرحة العمر، إلا أنني أُسميه: كابوس العمر، وأتمنى - دائمًا - أن يكون مجرد عقد زواج، ويمضي دون سهرةٍ أو حفلٍ.
أشيروا عليَّ، سدَّد الله خطاكم، ونفع بكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فشكر الله لك - أيتها الابنة الكريمة - تلك الغَيْرة المحمودة، والرغبة في الخير، والحرص على عدم انتهاك حدود الله، وأسأل الله أن يتم زواجك على خيرٍ، وبدون أدنى مخالفةٍ شرعيةٍ.
أما ما يجب عليك ابتداءً لإقناع والديك، فيبدأ بالاجتهاد بالبحث عن بدائل شرعيةٍ لإقامة حفل الزفاف على صورةٍ ترضي الله تعالى، وأرجو أن تجدي مَن يُساعدك من أهل الخير في ذلك؛ سواءٌ في إقناع والديك، أو بإخراج الحفل بصورةٍ لا تتنافَى مع الشرع؛ كأن يحضر - مثلًا - بعض أهل العلم والخير، فيشارك بكلماتٍ توجيهيةٍ نافعةٍ، أو البحث عن بعض المنشدين، وأرجو أن يكون طلبك برفقٍ، وخاصةً مع والديك، واجتهدي في بيان هدي الإسلام في الفرح، وأن نِعَم الله تعالى تُوجب الشكر، لا أن يستخدمها المسلم في معصية الله، وبَيِّني لهم أن للمعاصي شؤمها، وآثارها المدمرة، وأنك تخافين على نفسك وعليهم - بلا شك، وعلى أسرتك الناشئة من آثار تلك المخالفات الشرعية، وقد حذَّرَنا تعالى مِن ذلك فقال: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]، وقال: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: 82]، والمعنى: وتجعلون شُكر الله على رزقه وإحسانه إياكم التكذيب، ومقابلة مِنَّة الله عليكم بالمعاصي، وما أسوأَه مِن رزقٍ!
فإنَّ إدخال الفرح والسرور على الوالدين لا يكون إلا بطاعة الله تعالى، والفرحة التي لا تسخط الله سبحانه، وكيف تقابل نعمة الزواج بمعصية الغناء، ويكون يوم الزفاف يوم شؤم بدلًا مِن أن يكونَ يوم شكر لله تعالى؟!
كما يُمكنك الاستعانة بإخوانك الكبار أو بعض الأقارب أو أصدقاء الوالدين؛ ليكونوا عونًا لك، وكذلك خطيبك أخبريه بأنه يجب عليه بذْل الوسع في الحفاظ عليك، وأن يحرص على ألا يراكِ بزينتك مَن لا يحل له رؤيتك مِن الرجال الأجانب، وأن الزواجَ الناجح يبدأ بالنِّيَّة الصالحة، والحرص على طاعة الله، وتجنُّب مَعاصيه، وأنه لا يجوز لكما عمل عرسٍ به منكرٌ؛ كالأغاني، والموسيقا، والاختلاط، وأنه لا يجوز استماع المعازف، ولا استعمالها، إلا الدُّف للنساء في النكاح؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أعْلِنوا هذا النكاح، واضْربوا عليه بالدفوف))؛ رواه البيهقي عن عائشة - رضي الله عنها - وفيه ضعفٌ، ولكن العمل عليه عند أكثر أهل العلم، فيجوز عمل كل ما فيه إظهار الفرح والسرور، في حدود الشرع، ودون اقتراف ما نهى الله عنه مِن موسيقا وغناء فاحش، وإظهار للعورات، ونحوها.
وأن المعازف قد جاء في تحريمها قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليكونن مِن أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف))؛ رواه البخاري معلقًا.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((صوتان ملعونان؛ صوت مزمارٍ عند نعمةٍ، ورنةٌ عند مصيبةٍ))؛ رواه البزَّار، والضياء، عن أنسٍ، وحسَّنه الألباني.
ويُمكن استبدالها بأناشيد الأفراح الإسلامية، وهي كثيرةٌ متنوِّعةٌ، والحصول عليها يسيرٌ عن طريق المواقع الإلكترونية.
وأُنَبِّهك - أيتها الابنة الكريمة - إلى أنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الله، ولا يجوز إرضاء الناس بسخط الله؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - أنها سمعتْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن الْتَمَس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومَن التمس رضاء الناس بسخط الله وكَلَه الله إلى الناس))؛ رواه أحمد، والترمذي.
تيَقَّني - ابنتي الكريمة - بمدد الله لك، وإعانته وتوفيقه لكلِّ خير؛ ما دمت تريدين طاعة الله وتقواه، فاجتهدي بالطاعة والدعاء أن يشرحَ الله صدور أهلك لما فيه الحق والخير.
وأخيرًا إن لم يُجْدِ مع أسرتك شيءٌ - لا قدر الله - وأجبروك على فرحٍ جاهلي، ولم يصغ أحدٌ إليك، فلك حكم المضطرين في تلك الحال.
وفقك الله لكلِّ خير، وشرح صدور أسرتك لما يُحِبُّ ويرضى.