السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيرًا على ما تُقَدِّمونه لمنفعة الناس، وهذه أول زيارة لي للشبكة، وأسأل الله التوفيق.
أنا محتارٌ بين أن أُصَلِّي في المسجد مع الجماعة، وبين ترْك المحل الذي هو محطة نقل مسافرين، ولا أستطيع تركه؛ لأن الناس يجلسون فيه حتى يصل (الباص)، وأرحلهم للسفر؛ فقد يؤذِّنُ وأنا على هذه الحال.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
فجزاك الله خيرًا - أخي الكريم - على حِرْصك على أداء الجماعة في المسجد، وهذا هو شأن المسلم الحق أن يحرصَ على الجماعة في المسجد ما أمكنه ذلك، فإن تعذَّر عليه الذهاب لأجل سببٍ شرعيٍّ؛ كالعمل، صلَّى - جماعةً - مع بعض زملائه في العمل، فتكون قد أديت الواجب.
فصلاةُ الجماعة واجبةٌ على الأعيان، فإذا لم يكن لك عذرٌ يبيح ترْك الجماعة، وجب عليك شهودها إذا كنتَ تسمع النِّداء؛ لما رُوِيَ عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن سمع النداء فلم يأته، فلا صلاة له، إلا مِن عذرٍ))؛ رواه ابن ماجه، عن ابن عباس.
والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لم يرخِّصْ للأعمى في ترْكِها؛ كما في صحيح مسلمٍ، بل قد هم بتحريق بيوت المتخلفين عنها؛ كما في الصحيحين، ولا خلاف بين أحدٍ مِن أهل العلم أن الصلاة في المسجد لها فضلٌ عظيمٌ، وقد تكاثرت الأحاديثُ الدالة على فضيلة المشي إلى المساجد، وعمارتها، وانتظار الصلاة فيها، وحسبك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في السبعة الذين يُظلهم الله في ظلِّه، يوم لا ظل إلا ظله: ((ورجلٌ قلبُه مُعَلَّقٌ بالمساجد))؛ متفقٌ عليه، ومع هذا فأكثرُ العلماء الموجبين للجماعة لا يوجبونها في المسجد؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وجُعِلَتْ لي الأرض مسجدًا وطهورًا))؛ متفق عليه.
قال ابن قُدامة في "المغني": "ويجوز فِعْلها في البيت والصحراء، وقيل: فيه روايةٌ أخرى: أن حضور المسجد واجبٌ إذا كان قريبًا منه؛ لأنه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)).
ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أعطيت خمسًا لم يعطهنَّ أحدٌ قبلي: جعلت لي الأرض طيبةً وطهورًا ومسجدًا، فأيما رجلٍ أدركته الصلاة، صلى حيث كان))؛ متفقٌ عليه.
وقالت عائشة: ((صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته، وهو شاكٍ فصلى جالسًا، وصلى وراءه قومٌ قيامًا، فأشار إليهم أن اجلِسوا))؛ رواه البخاري.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجلين: ((إذا صليتما في رحالكما، ثم أدركتما الجماعة فصليَا معهم، تكن لكما نافلةً)).
وقوله: ((لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)): لا نعرفه إلا من قول علي نفسه، كذلك رواه سعيدٌ في "سننه"، والظاهر أنه إنما أراد الجماعة؛ وعبر بالمسجد عن الجماعة؛ لأنه محلها، ومعناه لا صلاة لجار المسجد إلا مع الجماعة.
وقيل: أراد به الكمال والفضيلة، فإن الأخبار الصحيحة دالةٌ على أن الصلاة في غير المسجد صحيحةٌ جائزةٌ". اهـ.
وما دام حالك كما ذكرت، فصلِّ جماعةً في مكان عملك؛ فالمسجد ليس شرطًا في الجماعة، وإن كان لك عذرٌ يبيح لك ترْك الجماعة، كأن تكون تحفظ مالًا يخشى ضياعه، أو عملًا يخاف عليه الفساد، فلا حرج عليك في ترْك الجماعة إذًا؛ كما قال في "كشَّاف القناع"، حيث قال وهو يعدُّ الأعذار المبيحة لترك الجمعة، والجماعة: "(أو) خائفٍ من (ضررٍ فيه)؛ أي: ماله، (أو في معيشةٍ يحتاجها، أو أطلق الماء على زرعه أو بستانه، يخاف إن تركه فسد، أو كان مستحفظًا على شيءٍ يخاف عليه) الضياع (إن ذهب وتركه؛ كناطور بستانٍ، ونحوه)؛ لأن المشقة اللاحقة بذلك أكثر من بَلِّ الثياب بالمطر الذي هو عذرٌ بالاتفاق". اهـ.
هذا؛ وقد نصَّ بعض العلماء على أن الأجير يترك الجماعة، إلا إن أذن له المستأجر، أو كان شرط ذلك عند العقد؛ قال في "مطالب أولي النهى": "(ويتجه باحتمالٍ) قويٍّ أن للأجير الخاص فعل الصلاة (جماعة)، لكن قال المَجْدُ: ظاهر النص أنه يمنع من خصوص الجماعة إلا بإذنٍ، أو شرطٍ". اهـ.
رزقنا الله وإياك العلم والعمل الصالح
آمين