السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
هل يجوز للمسلم أن يتعاملَ مع بنكٍ ربويٍّ؟
إذا اشترى البنكُ ملكيةَ بيتٍ أو سيارة، فهل مِن اختيار الشخص الذي سيتعامل مع البنك أن يشتري منه بثمن يزيد على الثمن الحقيقي، والأداء يكون بالتقسيط، وعلى سنوات؟
وجزاكم الله عنا خيرًا.
الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فجزاكِ الله خيرًا - أيتها الأختُ الكريمةُ - على سؤالكِ واستفساركِ، قبل إقدامكِ على الفعل؛ هذا مِن الأمور الواجبة التي أهملها كثيرٌ مِن المسلمين.
أما التعامُل مع البنكِ الربويِّ، فلا يجوز لا بالأخْذ منه، ولا بالإيداع فيه؛ لأنها تعاملاتٌ ربوية؛ وقد قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ فَلَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فله مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة:275،276].
ولعن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ((آكل الربا، ومُوكله))؛ رواه البخاري، رواه مسلم عن جابر، قال: ((لَعَنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكلَ الرِّبا، وموكلَهُ، وكاتِبَه، وشاهدَيْهِ، وقال: هُم سواءٌ)).
كما لا يجوز غير ذلك من التعامُلات؛ لما فيها التعاوُن على الإثم الذي نهى الله عنه بقوله: ﴿ وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]، إلا في حال الاضطرار، وعدم توفر بنكٍ إسلامي يُرفع بوجوده الاضطرارُ للبنك الربوي.
أما شراءُ البيت أو السيارة أو غيره بالتقسيط عن طريق البنك، فجائزٌ إذا ضُبِطَ بِالضَّوابِطِ الشَّرعيَّة؛ ومِنْ هذه الضوابط:
1- ملكيَّةُ البنك الكاملةِ للبيت أو السيارة أو غيره؛ لأنَّه لا يَجوز بيْعُ سِلعةٍ قبل شرائِها، وحِيازَتِها؛ لِما ثَبَتَ على النبي - صلَّى الله عليه وسلم - من حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: ((نَهَى رَسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ، حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ))؛ رواه أبو داود (3499)، قال الشيخ الألباني: حسنٌ لغيره، وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنِ اشترى طعامًا، فلا يبِعْهُ حتَّى يَستوفِيَهُ))؛ رواه مسلمٌ (1596).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تَبِعْ ما لَيْسَ عندك))؛ رواه أحمد، وأبو داود (3503)، وصحَّحه الشيخ الألبانيُّ في صحيح الجامع (7206).
وقال ابن عمر - رضي الله عنهما -: "كنَّا نشتَرِي الطَّعامَ جُزافًا، فيبعَثُ إلينا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَن يَنهانا أن نَبِيعَهُ حتَّى ننقلَه إلى رحالِنا"؛ متفق عليه، واللفظ لمسلم.
أمَّا في حالِ عَدَم تَمَلُّكِ البَنْكِ للبيت أو السيارة أو غيره، وإنَّما يدفع المال نيابةً عنك، على أن تُسَدِّد له أكثَرَ مِمَّا دَفَع، فهذا مُحرَّم، وحقيقتُه أنَّه قرضٌ رِبوي مشتملٌ على الفائدة، ولا يَجوزُ لِلمسلم أن يُقْدِمَ على ذلك.
2- خلوُّ العقد من اشتراط غرامةٍ في حال التأخُّر عن السداد؛ لأنَّ هذا الشرط من الرِّبا المُحرَّم، فلا يجوز دفعُه ولا يجوز أخذُه، وهذا ما قرَّره أكثرُ الفُقهاء قديمًا وحديثًا، وأخذتْ به المجامع الفقهيَّة المعتَمَدة؛ فقد جاء في قرار مَجلس المجمع الفِقْهِيِّ التابع لرابطة العالم الإسلامي، بِمكَّة المكرَّمة ما يلي:
"إنَّ الدَّائنَ إذا شرط على المدين أو فَرَضَ عليه أن يدفع له مبلغًا من المال غرامةً ماليَّةً جزائيَّة - مُحدَّدة أو بنسبةٍ مُعَيَّنة - إذا تأخَّر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرطٌ أو فرضٌ باطلٌ، ولا يجب الوفاءُ به، ولا يحلُّ؛ سواءٌ أكان الشارطُ هو المَصْرفَ، أو غيرَه؛ لأنَّ هذا بعينه هو رِبا الجاهليَّة الَّذِي نزَل القُرآنُ بِتَحْرِيمه".
وفق الله الجميع للعمل بالكتاب والسنة.