ورد في الحديث: (يؤذيني ابن آدم) و (فقد آذى الله) وفي الآية: (يؤذون الله) فأنا ما ظهر لي أنه ثبت أذية ابن آدم لربه، ولكني أرى أن هذا لا يعني أن الله تأذى، وأن الأذية لحقت بالله تعالى, فأقول إن بعض الناس بأفعالهم يؤذون الله دون أن يتأذى، ودون أن يلحقه ضرر. هل أخطأت؟؟؟ وهل أخطأ الشيخ ابن عثيمين عند ما أوحى أن تأذي الله صفة ثابتة من الأحاديث حينما قال: إن الله يتأذى من بعض الأفعال، ولكن كما يليق بجلاله، وذكر الآية: (ليس كمثله شيء) فنفى المماثلة، وأنتم تعلمون أنه حينما نثبت شيئا لله ونذكر هذه الآية يعني كأننا اعتبرنا ما أثبت له صفة؟؟ طيب ثابت بالحديث (يشتمني ابن آدم) فعلى قاعدة ابن عثيمين الشتم ثابت لله على ما يليق بوجه. هو هذا لا يعقل, فنرجو التوضيح لو سمحتم وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد دلت النصوص الكثيرة على أن الخلق يؤذون الله عز وجل؛ قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا. {الأحزاب:57}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من لكعب بن الأشرف، فإنه قد آذى الله ورسوله؟ متفق عليه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار. متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم. متفق عليه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن بصق في القبلة: إنك آذيت الله عز وجل . أخرجه أحمد، وأبو داود. وصححه ابن حبان .
والأذى لا يلزم منه الضرر، فإن الله جل وعلا لا يضره شيء سبحانه وتعالى، كما قال تعالى في الحديث القدسي: يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني .. الحديث. أخرجه مسلم.
والشيخ ابن عثمين رحمه الله قال بمقتضى هذه النصوص، فقد قال في كتابه القول المفيد: قوله: " فقد آذى الله": لا يلزم من الأذية الضرر; فالإنسان يتأذى بسماع القبيح أو مشاهدته، ولكنه لا يتضرر بذلك، ويتأذى بالرائحة الكريهة كالبصل والثوم ولا يتضرر بذلك، ولهذا أثبت الله الأذية في القرآن، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} [الأحزاب:57] . وفي الحديث القدسي: "يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار" ونفى عن نفسه أن يضره شيء، قال تعالى: {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً} [آل عمران: من الآية176] ، وفي الحديث القدسي: "يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني" رواه مسلم. اهـ.
وقال :(يؤذيني ابن آدم). أي: يلحق بي الأذى؛ فالأذية لله ثابتة ويجب علينا إثباتها؛ لأن الله أثبتها لنفسه، فلسنا أعلم من الله بالله، ولكنها ليست كأذية المخلوق؛ بدليل قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ {الشورى:11}. وقدم النفي في هذه الآية على الإثبات، لأجل أن يرد الإثبات على قلب خال من توهم المماثلة، ويكون الإثبات حينئذ على الوجه اللائق به تعالى، وأنه لا يماثل في صفاته كما لا يماثل في ذاته، وكل ما وصف الله به نفسه؛ فليس فيه احتمال للتمثيل؛ إذ لو كان احتمال التمثيل جائزاً في كلامه سبحانه وكلام رسوله فيما وصف به نفسه؛ لكان احتمال الكفر جائزاً في كلامه سبحانه وكلام رسوله.
وهذا القول لم يتفرد به الشيخ ابن عثيمين، فقد قال الإمام ابن القيم: ليس أذاه سبحانه من جنس الأذى الحاصل للمخلوقين، كما أن سخطه وغضبه وكراهته ليست من جنس ما للمخلوقين. اهـ.
وأما ما جاء في الحديث القدسي( شتمني ابن آدم ) فلا يلزم منه إثبات صفة الشتم، فإن الشتم أصلا متعلق بالشاتم، وليس صفة لمن شُتِم.
والله أعلم.