افتراء الیهود على إبراهيم وبنيه بنسبتهم لليهودية
الآثار:
قولـه تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ = 67 } [سورة آل عمران 3/67]
5695- حدثني إسحاق بن شاهين الواسطي قال: ثنا خالد بن عبد الله عن داود عن عامر قال: قالت اليهود: إبراهيم على ديننا وقالت النصارى: هو على ديننا فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً} ... الآية. فأكذبهم الله وأدحض حجتهم يعني اليهود الذين ادعوا أن إبراهيم مات يهودياً. ([1])
قوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ = 84 } [سورة الشعراء 26/85]
20258- حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن أبي بكر عن عكرمة قوله: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ = 84 } قوله {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ = 27 } [سورة العنكبوت 29/27]. قال: إن الله فضله بالخلة حين اتخذه خليلاً فسأل الله فقال: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ = 84 } حتى لا تكذبني الأمم فأعطاه الله ذلك فإن اليهود آمنت بموسى وكفرت بعيسى وإن النصارى آمنت بعيسى وكفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم وكلهم يتولى إبراهيم؛ قالت اليهود: هو خليل الله وهو منا فقطع الله ولايتهم منه بعد ما أقروا لـه بالنبوة وآمنوا به فقال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ = 67 } [سورة آل عمران 3/67] ثم ألحق ولايته بكم فقال: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ = 68 } [سورة آل عمران 3/68] فهذا أجره الذي عجل له وهي الحسنة إذ يقول: {وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ = 122 } [سورة النحل 16/122] وهو اللسان الصدق الذي سأل ربه. ([2])
قولـه تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونََ = 140 } [سورة البقرة 2/140]
1759 - فحدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ} [سورة البقرة 2/140] قال: في قول يهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما إنهم كانوا يهوداً أو نصارى. فيقول الله: لا تكتموا مني شهادة إن كانت عندكم فيهم. وقد علم أنهم كاذبون. ([3])
1760 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: حدثني إسحاق عن أبي الأشهب عن الحسن أنه تلا هذه الآية: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} إلى قوله: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ} قال الحسن: والله لقد كان عند القوم من الله شهادة أن أنبياءه برآء من اليهودية والنصرانية كما أن عند القوم من الله شهادة أن أموالكم ودماءكم بينكم حرام فبم استحلوها؟. ([4])
5698 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} [سورة آل عمران 3/68] يقول: الذين اتبعوه على ملته وسنته ومنهاجه وفطرته، {وَهَذَا النَّبِيُّ} وهو نبي الله محمد. {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ} وهم المؤمنون الذين صدقوا نبي الله واتبعوه، كان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه من المؤمنين أولى الناس بإبراهيم. ([5])
الدراسة:
طلب اليهود من الرسول صلى الله عليه وسلم و أصحابه أن يكونوا هوداً حتى يهتدوا إلى الحق بزعمهم ولكن الله ألهم نبيه صلى الله عليه وسلم حجة بالغة, فأمره الله أن يقول لهم: تعالوا نتبع ملة إبراهيم عليه السلام التي تجمع جميعنا على الشهادة لها بأنها دين الله الذي ارتضاه واجتباه وأمر به فقال تعالى: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة البقرة 2/135] ، فاليهود إذاً يزعمون أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام وأبناؤه كانوا هوداً أو على ملتهم، وهذا محال؛ لأن اليهودية حدثت بعدهم, حين بعث الله موسى عليه السلام وقد أكذبهم الله بهذه الفرية بقوله: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ} [سورة البقرة 2/140] يعني بما كانوا عليه من الأديان ثم جاء القول الفصل {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ} ومن أصدق من الله قيلاً، ولكن هل كان اليهود يظنون أنهم على حق في نسبتهم إبراهيم عليه السلام إلى اليهودية, أم هي عادتهم التي جبلوا عليها من الافتراء والكذب؟
وختام الآية يبين الجواب: قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ} [سورة البقرة 2/140]. فلا أظلم منهم، حين عرفوا الحق وكتموا شهادته.
ولكن هل لليهود شهادة عندنا؟ الجواب: "الشهادة التي عندهم من الله في أمرهم، ما أنزل الله إليهم في التوراة والإنجيل، وأمرهم فيها بالاستنان بسنتهم واتباع ملتهم، وأنهم كانوا حنفاء مسلمين. وهي الشهادة التي عندهم من الله التي كتموها حين دعاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فقالوا لـه: {لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} [سورة البقرة 2/111] وقالوا له ولأصحابه: {كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ} [سورة البقرة 2/135]. فأنزل الله فيهم هذه الآيات في تكذيبهم وكتمانهم الحق، وافترائهم على أنبياء الله الباطل والزور." ([6])
ولن يفيدهم أن يكون بينهم وبين من ذكروا من الأنبياء صلة النسب من غير متابعة لهم حتى يكونوا منقادين مثلهم لأوامر الله واتباع رسله.
وأما إبراهيم عليه السلام فقد بين الله من أولى الناس به فقال: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ = 68 } [سورة آل عمران 3/68] وليس كما قال رؤساء اليهود: والله يا محمد لقد علمت أنا أولى الناس بدين إبراهيم منك ومن غيرك، فإنه كان يهودياً وما بك إلا الحسد؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية. ([7]) فكان أحق الناس بإبراهيم عليه السلام ونصرته وولايته، الذين سلكوا طريقه ومنهاجه، فوحدوا الله مخلصين له الدين، وسنوا سننه، وشرعوا شرائعه وكانوا لله حنفاء مسلمين غير مشركين به. وهم محمد صلى الله عليه وسلم والذين صدقوا محمداً، وبما جاءهم به من عند الله.
وعن ابن مسعود _ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل نبي ولاة من النبيين وإن وليي منهم أبي وخليل ربي عز وجل ثم قرأ {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} [سورة آل عمران 3/68] )) ([8])
---------------------------------------------------------
([1]) تفسير الطبري ( 3 / 307 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 237 )
([2]) - تفسير الطبري ( 19 / 86 )
([3]) تفسير الطبري ( 1 / 574 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 341 )
([4]) - تفسير الطبري ( 1 / 574 )
([5]) تفسير الطبري ( 3 / 308 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 239 ) حسنه في التفسير الصحيح (1/223)
([6]) تفسير الطبري (1/575)
([7]) تفسير القرطبي ج4/ص109
([8]) مسند الإمام أحمدج1/ص400 وسنن الترمذي ج5/ص223 والحاكم في المستدرك ج2/ص320وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.