شبهة معاتبة أم المؤمنين حفصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
الشبهة
جاء فى تفسير قوله تعالى:
(( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)) (التحريم) .
عدة روايات إنتقى الخبثاء بعضها و نفخوا فيها ليغيروا معانيها و يحمّلوها أكثر مما تحتمل بكثير .
و مفاد هذه الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب ماريا أم إبنه إبراهيم فى البيت المخصص لحفصة فقالت :
أى رسول الله فى بيتى و فى يومى؟
فقال صلى الله عليه وسلم :
ألا ترضين أن اًحرمها على فلا أقربها ؟
فقالت : أى رسول الله كيف يحرُم عليك الحلال ؟
فحلف بالله ألا يصيبها و قال لا تذكرى ذلك لأحد .
و قالوا: أن أم المؤمين حفصة قد و جدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وضع (الخيانة الزوجية)!!
ووردت عدة روايات لهذا الحديث كثير منها ضعيف و منها روايات تفيد بأن ذلك كان يوم عائشة .
و الصحيح أن ذلك كان يوم حفصة كما دلت الكثير من النصوص.
و الله أعلم.
الرد على هذه الشبهة
و نقول لهؤلاء أين هذه الخيانة الزوجية؟
و هل معاشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لسريته و أم ولده تعتبر عندكم خيانة زوجية و العياذ بالله ؟
بالطبع لا فهى من نسائه اللاتى أحل الله له و هذا أمر معروف و لا حرج فيه .
و أما معاتبة أم المؤمنين حفصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تكن بسبب الخيانة كما يزعمون.
و إنما بسبب غيرتها عندما خلا رسول الله بأم إبراهيم فى البيت المخصص لها.
و كانت فى ذلك اليوم عند والدها عمر بن الخطاب( رضى الله عنه) فالمسألة كلها تتعلق بترك رسول الله صلى الله عليه وسلم للقسمة فى ذلك اليوم.
و كما هو واضح فهذا لم يكن عن عمد و لم يقصد به رسول الله صلى الله عليه وسلم إيذاء حفصة التى كانت شديدة الغيرة بدليل أنه طيب خاطرها و حرّم ماريا على نفسه إرضاءً لها .
و قد طلب منها صلى الله عليه وسلم عدم إخبار أحد لأمر من إثنين:
1- إما لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشأ ان تعلم عائشة فتحزن لذلك لانهاكانت أقرب زوجاته إلى قلبه "صلوات الله و سلامه عليه"ذلك على الأخذ بالروايات التى أشارت إلى أن ذلك كان يومها و هذا لا حرج فيه فهذه حياته الخاصة عليه السلام و هؤلاء هن زوجاته أمهات المؤمنين.
2- الأمر الثانى و هو الأرجح و دلت عليه كثير من الروايات:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب من حفصة عدم إخبار أحد "بكونه سيُحرم ماريا على نفسه "؛
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك و إنما فعله إرضاءً لها و لم يشأ أن يسُن ذلك لأمته فيحرم الناس على أنفسهم طيبات أحلها الله لهم فأنزل الله (التحريم) .
و من الروايات التى تؤكد ذلك المعنى مارَوَى الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ :
قُلْت لِعُمَرَ بْن الْخَطَّاب مَنْ الْمَرْأَتَانِ ؟
قَالَ عَائِشَة وَحَفْصَة وَكَانَ بَدْء الْحَدِيث فِي شَأْن أُمّ إِبْرَاهِيم مَارِيَة أَصَابَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْت حَفْصَة فِي نَوْبَتهَا فَوَجَدَتْ حَفْصَة.
فَقَالَتْ يَا نَبِيّ اللَّه:
لَقَدْ جِئْت إِلَيَّ شَيْئًا مَا جِئْت إِلَى أَحَد مِنْ أَزْوَاجك فِي يَوْمِي وَعَلَى فِرَاشِي.
قَالَ: " أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا فَلَا أَقْرَبَهَا "
قَالَتْ: بَلَى فَحَرَّمَهَا وَقَالَ لَهَا " لَا تَذْكُرِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ "
فَذَكَرَتْهُ لِعَائِشَةَ فَأَظْهَرَهُ اللَّه عَلَيْهِ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :
" يَا أَيّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّم مَا أَحَلَّ اللَّه لَك تَبْتَغِي مَرْضَات أَزْوَاجك " الْآيَات .
كما وردت روايات أخرى عن أسباب نزول هذه الأية الكريمة منها:
ما رواه البخارى عن عائشة قالت:
كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَب عَسَلًا عِنْد زَيْنَب بِنْت جَحْش وَيَمْكُث عِنْدهَا فَتَوَاطَأْت أَنَا وَحَفْصَة عَلَى أَيَّتِنَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ : أَكَلْت مَغَافِير إِنِّي أَجِد مِنْك رِيح مَغَافِير .
قَالَ": لَا وَلَكِنِّي كُنْت أَشْرَب عَسَلًا عِنْد زَيْنَب بِنْت جَحْش فَلَنْ أَعُود لَهُ وَقَدْ حَلَفْت لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا ".
فهل طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه الرواية من حفصة عدم إخبار أحد خشية الفضيحة أيضاًً ؟!!
و لو كانت المسألة بهذه الصورة الشوهاء التى رسمتموها فهل كانت تُذكر فى قرأن يُتلى على المؤمن و الكافر إلى يوم القيامة و يتدارسه المؤمنون فى كل وقت حين؟
كما قال أبى عبد الرحمن السلمى حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرأن:
كعبد الله بن مسعود و عثمان بن عفان و غيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا عن النبى صلى الله عليه وسلم عشر أيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم و العمل قال:
" فتعلمنا القرأن و العلم و العمل جميعاً ".
و نحن لم نسمع مثل هذه التعليقات السخيفة فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم و صحابته لا من يهودى و لا منافق و لا حتى نصرانى و بدأت سخافاتهم تظهر فى العصور اللاحقة شأن 99% من شبهاتهم الغير مقبوله.
أما عن ترك القسمة فى ذلك اليوم فهو حالة إستثنائية عارضة كما أوضحنا أنفاً.
و ما لا يعرفه هؤلاء أن القسمة لم تكن ((فريضة شرعية)) فى حق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أن القسمة الشرعية وُضعت عنه فى قوله تعالى:
((تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً)) (الاحزاب51)
لأن عالم الغيب سبحانه قد علم أن نبيه الكريم سيبقى على القسمة حتى لو لم تكن واجبة عليه فرفع عنه ذلك التكليف.
حتى إذا ما قسم لهن إختياراً استبشرن به و حملن جميلته فى ذلك و إعترفن بمنته عليهن فى إبقاءه على القسمة.
و قد ابقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه القسمة و كان يقول:
{ اللهم هذا فعلى فيما املك فلا تلمنى فيما تملك و لا أملك}
و ظل على هذا إلى مرض موته عليه السلام و لم يُطبب فى بيت عائشة إلا بعد ان جمع أزواجه و أستئذنهن فى ذلك .
و الأيات فى سورة التحريم تتضمن معجزة من معجزاته صلى الله عليه و سلم, فى قوله تعالى:
(( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ))(3 التحريم)
و الحديث الى أسره النبى لزوجته حفصة هو تحريمه ماريا و أكل العسل على نفسه .
فلما أنبأت حفصة عائشة بذلك أطلعه الله تعالى على ما دار بينهما .
فأخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض ما وقع منها و أعرض عن بعض بكرم خلقه فتعجبت و قالت من أنبأك هذا؟!!
قال صلى الله عليه وسلم نبانى العليم الخبير.
فما الذى يعترض عليه هولاء و قد قالت أم المومنين عائشة:
(( و الله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم إمرأة لا تحل له))
و أين ما ذكرناه من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العطرة التى نُقلت إلينا كاملة ساطعة البياض من سير داوود الذى زنى بإمراة جاره.
و لوط الذى زنى بابنتيه أو يهوذا الذى زنى بأرملة إبنه.
و إبراهيم الذى أراد إستغلال عرض زوجته ليكون له من وراءها خير كثير!
و القى بإحدى زوجاته فى الصحراء إرضاءًً لأخرى !!!.
=============
ابن مريم