حول الإعجاز في قوله تعالى (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ...)(الآية: 40)
الكاتب: الأستاذ./ عبد الرحيم الشريف
الشبهة
ورد في القرآن في سورة يس آية هذا نصها(لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) واضح أنه لكي يمكن فرضا للشمس ان تدرك القمر ينبغي منطقيا أن يكونا:
أولاً: متحركين (يسبحون تعنى الحركة اى ان الشمس تتحرك)
ثانياً: أن يكون تحركهما على الأقل في مدارين متقاربين بحيث يمكن تصور إمكانية حدوث هذا الإدراك الذي تنفيه الآية..
أما إذا كان هذا الإدراك هو امر مستحيل حدوثه أصلا ولا ينفع حدوثه بأي حال من الأحوال فان الآية تصبح لا معنى لها وضربا من ضربات الهذيان.. لأنها في هذه الحالة الافتراضية تنفى وقوع حدث لا يمكن أصلا وقوعه.. أين هو الأعجاز الذي يتكلمون عنة ؟؟؟؟
الــــــرد
أولاً: جريان الشمس والقمر:
عبّر القرآن الكريم عن هذا الجريان بالسباحة في الأفلاك.. أي كلٌّ من الكواكب والكويكبات والنجوم والمذنبات.. له فلك خاص به يسبح فيه.
وبما أن لكل منها فلكه الخاص ـ الذي لا يتداخل مع فلك غيره ـ فإن أحدها لن يدرك الآخر فيصدم به مما يحدث خللاً في نظام الكون فيؤثر سلباً على الحياة على الأرض.
ووجد علماء الفلك أن الشمس ـ مع كواكبها السائرة في فلكها ـ تسبح في الفضاء متنقلة بين النجوم، بسرعة قدرت بثلاثين كيلومتراً في الثانية وهي تتجه نحو نجم يدعى (الجاثي على ركبته).
والشمس في حركتها السنوية تمر ببروج ـ وهي مناطق ممتدة على جانبيها ـ قسموها إلى اثني عشر قسماً، كل شهر تمر ببرج منها.[1]
كل ما في الكون يدور[2]، ولكل من الشمس والقمر والأرض... مدار خاص، وسرعة دوران مختلفة، كل هذا يمنع أحدها، عن إدراك الآخر والاصطدام به.
" كُلٌّ ": للعموم، فكأنه أخبر عن كل كوكب في السماء سيار ".[3]
وقد قدر علماء الفلك أن الشمس ـ وتوابعها ـ أكملت ثماني عشرة دورة حول المجرة، وبدورها هذه المجرة تدور حول مجموعة من المجرات تسمى (كدس المجرات). وكدس المجرات يجري نحو ما يسمى (كدس المجرات العملاق).[4]
ثانياً: كروية الشمس:
لو قال القرآن إن الشمس مربعة أو مثلثة أو أي شكل غير الدائري ـ الكروي، إن أخذنا أبعاده الثلاثة ـ لما آمن إنسان على وجه الأرض.
والذي أوقعه في هذا الخطأ، جهله بأن المقصود بالتكوير هو الجمع والضم واللف.. فالمعلوم أن: " الكاف والواو والراء أصلٌ صحيحٌ يدلّ على دُوْرٍ وتجمُّع.
من ذلك الكوْر: الدَّور. يقال كار يَكُورُ، إذا دار. وكَوْرُ العمامة: دَوْرُها. والكُورَةُ: الصُّقْع [أي: المنطقة السكنية]، لأنَّه يدُور على ما فيه من قُرىً. ويقال: طعَنَه فكَوَّرَه، إذا ألقاه مجتمِعاً. ومنه قولُه تعالى: " إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ " [التكوير: 1]، كأنَّها جُمِعَت جَمْعاً ".[5]
أما الإعجاز العلمي في الآية الكريمة، فهو كما يلي مختصراً:
ما للشمس من وهج، يتكون من اندماجٍ داخل باطن الشمس لذرتين من الهيدروجين مما ينتج الهيليوم..
ونفاد الأكسجين من باطن الشمس ووفرة الهيليوم بعد سنين لا يعلمها إلا الله، يحدث اضطراب وعدم توازن في جسم الشمس؛ لأن الهيليوم أثقل من الهيدروجين بأربع مرات، عندها تلجأ الشمس إلى حركة تعيد توازنها فينتفخ الجزء الخارجي من الشمس ويتقلص لبها.
وعندها يكون اللب أضعف من أن يُسند الجزء الخارجي من الشمس، فينهار جسم الشمس على بعضه ـ بسبب جاذبية أجزاء بعضها لبعضها الآخر ـ فتنكمش الشمس انكماشاً سريعاً مفاجئاً فتتقارب الذرات تقارباً شديداً حتى تكاد تتداخل وهذا هو التكوير.
ولكن قوة التنافر بين الذرات تحافظ على مسافة بينها تمنع الالتحام، فتتعادل قوى التنافر الكهربائي مع قوى الجذب الناتج عن التكوير، عندها يحصل شيء من التوازن في الشمس وتسمى تلك المرحلة علمياً بمرحلة (القزم الأبيض).. فلا يبقى من نورها إلا ضوء خافت واهن.
وقد لاحظ العلماء ـ الذين يراقبون ولادة وموت النجوم ـ أن النجوم التي أكبر من شمسنا بمرة ونصف تصل إلى مرحلة التكوير ثم تتلاشى وتنفجر دون أن تتوازن فلا تصل إلى حالة (القزم الأبيض).
بينما النجوم التي تقارب حجم شمسنا فإنها تؤول إلى حالة مستقرة تماماً مع انخفات ضوئها.. وهذا يمكن أن يكون تفسير المستقر في قوله تعالى: " وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ " [يس: 38]. [6]
==========
[1] موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص306.
[2] حتى السائل الحي في الخلية السيتوبلازم وأصغر مادة في الكون الذرة تدور الإلكترونات حول النواة.. والعجيب أن كل ما في الكون يدور بعكس عقارب الساعة كطواف الطائفين حول الكعبة. انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص350-352. نقلاً عن أ.د. أحمد فؤاد باشا، نائب رئيس جامعة القاهرة.
[3] مفاتيح الغيب، الرازي 26/71.
[4] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص368,
[5] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس 5/114.
[6] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص356. عن أبحاث لعالم فلك اسمه شاندرا سيخار. ونقل ص:369 عن الموسوعة الأمريكية أن علماء الفلك قدروا أن ما تملك الشمس من طاقة يكفيها لمدة خمسة بليون سنة أخرى ثم تنتهي كنجم قزم، وتبقى مستقرة على تلك الحالة.
==========
*موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة