تقول بعض الطوائف من المسلمين بأن الرسول صلى الله عليه وسلم, قد ألمح بأن الخلافة بعده هي للإمام علي رضي الله عنه. و بعد وفاة المصطفى تولى الخلافة أبو بكر وعمر( رضي الله عنهما) ولكن الإمام علي لم يكن راضيا عن ذلك لأنه كان يعتقد بأن الخلافة يجب أن تبقى في آل بيت رسول الله. فهل صحيح أن عليا عليه السلام رفض مبايعة أبي بكر رضي الله عنه. وإن كان تأ خر في مبايعته , فما هو سبب ذلك؟ ولكم منا جزيل الشكر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإن ما أشيع ويعتقد من بعض الطوائف من أن النبي صلى الله عليه وسلم ألمح إلى أن الخلافة من بعده هي لعلي رضي الله عنه، أو أوصى بها له لهو محض اختراع وتلفيق. إذ إن الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم من الدين الذي يجب أن لا يحيد عنه أحد من المسلمين، فالحيدان عنه إنما هو اتهام للمسلمين كافة وطعن في إيمان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعهم. فكيف يقبل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ترك هذه الوصية ويقود مباشرة تعطيلها، ثم كيف يقبل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالسكوت عن هذه الوصية مدة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وهو الذي لا يخشى في الله لومة لائم. ولئن ذكر بعضهم أنه بايع في الظاهر. فمتى كان علي رضى الله عنه والصحابة أجمعين يظهرون غير ما يبطنون وقد عرف منه ومن بقية الصحابة ما عرف من الشجاعة والقوة في الحق. وقد صدر من النبي صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى خلافة أبي بكر رضي الله عنه فقد ارتضاه النبي صلى الله عليه وسلم إماماً للمسلمين في مرض موته ولئن ارتضاه إماماً لهم في الصلاة التي هي عمود الدين ففي ذلك إشارة إلى ارتضائه إماماً لهم في الخلافة التي هي سياسة الدولة بالدين.
وأما ما أشيع عن رفض علي رضي الله عنه مبايعة الخليفة الراشد أبي بكر رضي الله عنه فهو محض افتراء وكذب، فما كان علي ليفارق جماعة المسلمين و الذي عرف بالإيمان ودعا إلى وحدة القلوب وأحس بأخوة الإسلام منذ نعومة أظافره، وقد حدثت فترة كان علي رضي الله عنه فيها معتزلا في البيت بسبب مرض فاطمة رضي الله عنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقد شغل بتمريضها حتى توفيت بعد ستة أشهر من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. ثم بايع علي رضي الله عنه أبا بكر ولعل مبعث اللبس هوما حدث بين فاطمة وعلي وأبي بكرم وذلك أن فاطمة رضي الله عنها قد جاءت مع العباس رضي الله عنه إلى أبي بكر رضي الله عنه يطلبان ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر وفدك فقال لها أبو بكر رضي الله عنه: "أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال وإني والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه إلا صنعته" فحدثت جفوة بعد ذلك بين علي وأبي بكر رضي الله عنهما. فلما توفيت فاطمة رضي الله عنها اجتمع عدد من بني هاشم عند علي رضى الله عنه وأرسلوا إلى أبي بكر ليأتيهم فجاءهم، فقام علي رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فإنه لم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكاراً لفضلك ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم به علينا ثم ذكر قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقه ولم يزل علي يذكر ذلك حتى بكى أبو بكر. فلما سكت علي تشهد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله
ثم قال: أما بعد فوالله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصلهم من قرابتي وإني والله ما آلو بكم في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم على الخير ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نورث ما تركناه صدقة وإنما يأكل آل محمد في هذا المال" (يعني من بيت المال من غير الزكاة) وإني والله لا أذكر صنعة فيه إلا صنعته إن شاء الله. ثم قال علي رضي الله عنه: "موعدك للبيعة العشية فلما صلى أبو بكر الظهر أقبل على الناس ثم عذر علياً ببعض ما اعتذر به ثم قام علي فعظم حق أبي بكر وذكر فضله وسابقته ثم مضى فبايعه وأقبل الناس على علي فقالوا : أصبت وأحسنت، وقد ثبت أن أصل هذه القصة في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها. والاعتذار كان عن الجفوة وعدم التردد على دار أبي بكر رضي الله عنه.
والله أعلم.