تابعت كما تابع غيري مجريات الملتقى الثالث للحوار الوطني بالمملكة العربية السعودية، وتعجبت وأنا أستمع عبر قناة العربية لسلسلة المطالب التي لا يمكن أن تكون هي تعبير المرأة السعودية، وأكبرت حلم العلماء عن هذه الصفاقة والتعدي على الأعراف المرعية والأوامر الربانية، وتعجبت أكثر عندما شرحت لي والدتي المشاركة في الحوار كل القضية، فناديت لجلسة طارئة أسرية لوضع خطة عملية لمقاومة هذا التمييز والعنف ضد منهجية الفكر وضد الشريعة الربانية تحت شعارات الحرية ومشاركة المرأة في نهضة البلاد الاقتصادية.
وأسفرت المداولات الكلامية عن هذه المقامة الأدبية نبيّن خلالها أبعاد القضية:
هناك من يتباكون على المرأة السعودية ويزعمون أنها مسلوبة الحرية، ترزح تحت نير الخصائص الأنثوية مهمشة في مجتمع له صبغة الذكورية، ويتم تزويجها بمؤامرة أسرية، يشترك فيها أبوها وأخوها والعادات القبلية، وتمضي حياتها مضطهدة تحت قيود الولاية والقوامة الشرعية مع التقاليد والعادات البدوية، والفتاوى المخالفة لإجماعات المجامع الفقهية.
إنها محرومة من أبسط حقوق الإنسانية..ولها ألف قضية وقضية تحتاج إلى تضافر أقطاب العلمانية وربيبات الليبرالية، لتكوين جمعية دولية تأخذ بيدها لتوصلها إلى جوار أختها الغربية، ومن تبعها من بنات الدول الإسلامية حيث المساواة الحقيقة بعيداً عن عقدة الخصوصية، فتمارس حياتها بحرية وتختار مستقبلها بعيداً عن القيود الفكرية والثقافة المحلية، فلها سواعد فتية تمكنها من ممارسة الحفر والتنقيب في مصانع محلية، ولها قوام رشيق يساعدها على اعتلاء السقالات للمساهمة في نهضة البلاد العمرانية، ومن طموحاتها أن تكون مربية لدجاج الشركات الوطنية، أو ساقية في المطاعم والمنتزهات عوضاً عن العمالة الفلبينية، وما المانع أن تشارك أخاها الرجل في أعمال الصيانة وسباكة المصارف الصحية، ولم لا تتولى المناصب الوزارية لتتمكن من إدارة شئون الرعية بمهاراتها الكامنة الخفية، فتقود البلاد لنهضة حقيقية لا فرق فيها بين ذكر وأنثى إلا بالفحوصات الطبية.
العجيب في الأمر أن أصحاب هذه الدعوات يرفعون عقيرتهم بـ "وفق الضوابط الشرعية" في ذات الوقت الذي يتعدون فيه على فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث الشرعية، ويطالبون بحجاب خارج عن جميع الآراء الفقهية، وليس داخلا ضمن أيّ اختلافات مذهبية منطلقين فيه من فتوى كشف الوجه إلى كل أمور السفور والتبرج بكل المقاييس العقلية التي لايختلف فيها الحنابلة عن الحنفية ولا الشافعية والمالكية..
يريدون عباءة مزينة ملونة مزركشة ولكنها شرعية، ووجه مكشوف مزين بمساحيق تجميلية مراعاة لغريزة حب التزين الأنثوية التي هي خصيصة مرعية تشهد لها الآية القرآنية "أومن ينشأ في الحلية"، ولابأس بإبداء خصلة شعر ذهبية وأخرى كستنائية فالدين يسر ومسألة الحجاب يمكن تكييفها بحسب الناحية الذوقية مراعاة لحق المرأة في الحرية ففتوى الحنفية يمكن توسيعها أكثر مراعاة للثقافة العالمية.
أما إذا كانت المرأة رشيقة طويلة فمن أبسط حقوقها، ومن مقتضى العدالة الاجتماعية المستقاة من روح الديانة الإسلامية أن تأخذ حقها في إبداء مياسة قدها بعباءة مخصّرة فرنسية.
أما عطرها فلابد من تغيير فتوى منعه وتحريمه فالأنظمة تمنع التمييز ضد المرأة السعودية، ومن التمييز منعها من ممارسة حقها في أن تنشر روائحها العطرية كأختها الأجنبية، ولا ينسوا لإخفاء صفاقتهم العلنية أن يضيفوا عبارتهم الدعائية "وفق الضوابط الشرعية".
ومسألة الولي والقوامة تحتاج عندهم إلى إعادة النظر، فمن المعلوم أن الفتوى تتغير مع تغيير الزمان والمكان، وقد تغير الزمان حقاً وذابت فيه الفروق بين الذكر والأنثى فلابد من تمكين المرأة من التحرك بحرية فتدخل وتخرج وتسافر وتتزوج وتطلق بدون قيود الولاية والقوامة وبـ "مراعاة الضوابط الشرعية".
أما تعليمها فيجب أن يتحرر من النظرة الدونية التي حصرت التخصصات فيما يتناسب مع الطبيعة الأنثوية أو بعض الفتاوى الفقهية بنظرة بعيدة عن الواقعية فحرمتها من تخصص الطيران وأنواع الهندسة الميكانيكية، وأغفلت في تعليمها الموسيقى والفنون المسرحية مما سبب مشكلة بطالة نسوية وتأخر عن المدنية واتهام للدين بالرجعية، فلابد من إعادة هيكلة تعليم البنات ليكون على مبدأ الإعداد لسوق العمل لا الإعداد لرسالة الحياة اليومية، ولابد "من مراعاة الضوابط الشرعية " في كل تطوير فمطالبنا بالسفور والموسيقى والخلوة والاسترجال لا تعني أننا نساوم على ثوابتنا العقدية ولا نقبل بغير الشريعة الإسلامية.
حقاً إنها بلية..
والعجيب أنهم يطالبون باعتماد آرائهم الشاذة دستوراً للبلاد السعودية، وينادون بتعديل التعليم، والقضاء، وتغيير النظم الاجتماعية، وتغيير الثقافة العامة، وتعديل القيم والأعراف والحقائق الدينية ولم ينسوا أن يتشدقوا مع هذا كله بعبارتهم المهمة الضرورية: "وفق الضوابط الشرعية ومع مراعاة الثوابت الإسلامية".
إن الغريب في الأمر أن هؤلاء المستغربات مع من وافقهن من أصحاب المطالب الخاصة لا يشعرون بغضاضة وهم يمارسون هذا العنف ضد جماهير النساء المحجبات بمطالباتهم بسلب حقهن في التزين، وممارسة حياتهن بحرية في بيئة تضمن لهن الخصوصية، ويريدون أن يجعلوا الاختلاط هو السياسة المحلية فيصبح الخيار بين المحجبات اللاتي هن الأغلبية إما ارتداء كامل حجابهن طيلة الحياة اليومية في كل محاضن البلاد العلمية وتجمعاتها التربوية ومؤسساتها الحكومية، أو البحث وراء الرخص الشرعية، أو اللحاق بركب أدعياء المدنية حتى لا يصبحن في عزلة اجتماعية تمنعهن من المشاركة في الحياة الاقتصادية وتقديم دليل المشاعر الوطنية، أو يتركن العمل والتعليم ويتفرغن للبيت ولتحقيق معاني العبودية والرضا باختيار رب البرية.. وليتهن عندها سيسلمن.. كلا فيصبحن عالة في الحياة الاجتماعية، وسيرمين بالتنكر للوطنية وستطالهن الملاحقات القانونية فالتعليم المنظم له صبغة الإلزامية، وعملهن في المنزل تعطيل للقوى البشرية حسب آخر التقارير الاقتصادية..
إنها حملة إرهاب حقيقية تحت شعارات الحرية للتضييق على المرأة السعودية التي نشأت على التزام هدى خير البرية، واتباع خطى أمهات المؤمنين المرضية..
إنه عنف موجه ضد من مارست حياتها بحرية متمتعة ببيئة تحوطها بالخصوصية مراعية ديانتها الإسلامية، وشروط الحجاب الشرعية، فوصلت ـ بفضل الله - إلى أعلى المراتب العلمية، وشاركت في نهضة البلاد الاقتصادية ولها حضورها في الصروح الطبية والإسهامات العلمية، وفي المشاركات الدولية مع ما تعيشه من سعادة قلبية بطاعتها لرب البرية وبعدها عن مظان السوء، ومكامن الشهوات الدنية التي هتكت بالمجتمعات الغربية ومثيلاتها الشرقية...
والعجيب أنهم وهم يهمشون الأغلبية يتباكون على أقلية في قرية نائية لم يتمكن نساءها من الانخراط في سلك الوظائف الرسمية وكأن العمل لايكون إلا بترك الحياة الأسرية الواجبات المنزلية والإبداعات التربوية وممارسة أي وظيفة خارجية، لتكون مستقلة من الناحية الاقتصادية فالحقوق في منظورهم هي التي تنادي بها الأجندة الغربية في مؤتمرات المرأة العالمية.
إن ملتقى الحوار الثالث جمع مع أصحاب المعالي والفضيلة وكبار الدعاة والتربويين أفرادا من جميع التوجهات الفكرية، والآراء الشاذة والغربية وأتاح لهم أن يعرضوا مطالبهم بحرية، وذكّرهم رعاته الأفاضل بمواعظهم الإيمانية ضرورة مراعاة شرف الجوار من الحجرات النبوية، والتأدب بآداب الشريعة المحمدية دون أن يأطروهم على الحق ويجبروهم على خفض أصواتهم عند صوت النبي، ولكن كما قال الشاعر:
إن أنت أكرمت الكريم ملكته | | وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا |