إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً ..
من نعني بكلمة ملتزمة؟ إننا نعني بها تلك الفتاة التي آمنت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - نبياً ورسولاً، ورضيت منهج الله - تعالى - وشريعته ديناً ودرباً وطريقاً..
فلم ترض قوانين الشرق والغرب ولا تقاليدها، إنما رضيت أن تكون أسوتها وقدوتها هن النسوة المؤمنات الصالحات من أمهات المؤمنين ونساء الصحابة والتابعين، فليست هي تلك الفتاة التي أخذت الدين تقليداً عن آبائها وأجدادها وهي تشعر أنه عبء ثقيل تتمنى أن تلقيه عن كاهلها صباحاً أو مساءً.. كلا..
ولا تلك الفتاة التي أخذت من دينها بظاهره وغفلت عن باطنه وحقيقته، فإن الدين كله مظهر ومخبر وسلوك وعقيدة..
ولا ينبغي ولا يجوز للإنسان أن يفرط ببعض الكتاب {
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ } [البقرة: 85]
وهذه قصيدة للشاعر (العشماوي) في وصف بعض التناقض الموجود عند بعض البيئات وبعض النسوة:
هـــذي العيــون وذلك القـــــــد *** والشيح والريحــــان والند
مــن أيـــن جئت أ أنجبتك رؤى *** بيض فأنــت الزهر والــورد
قالــــت وفـي أجفانهـــا كحـــل *** يغري وفي كلماتــها جــد
عربيـــــة حريتــــي جعــــلــــت *** مني فتــاة مالهــــا نـــــد
أغشى بقاع الأرض ما سنحت*** لي فرصة بالنفس أعتــــد
عربية ! فســـألــت مسلمـــة؟ *** قالت نعم ولخالقي الحمد
فسألتها والحزن يـعصف بــــي ***والنــــار في قلبي لها وقــد
من أيـن هـذا الزي ما عـــرفت *** أرض الحجـــاز ولا رأت نـجد
هذا التبــــذل يــــا محدثتــــي *** سهم من الإلحـــاد مرتـــد
فتنمرت ثـــــم انثنــــت صلفــاً *** ولسانها لسبابهـــا عبـــد
قالت أنـــا بالنفــــس واثقـــــة ***حريتي دون الهـوى ســـــد
فأجبتها والنــــار تلفحــــنـــي *** أخشى بأن يتنــاثر العقــد
ضدان يا أختاه مـا اجتمعــــــا ***دين الهدى و الكفر والصـــد
والله مــــــــا أزرى بــــأمتنـــــا*** إلا ازدواج مــــالـــــه حـــــــد
****
ومصادر هذه المادة بعد كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذين بهما نسترشد ونستهدي في كل طرق الحياة، هي من رسائل الأخوات واستفساراتهن وكتاباتهن إلي.
فبدءاً من العنوان " هموم ملتزمة " وهو اقتراح من إحدى الأخوات، ومروراً بالموضوعات وانتهاء ببعض الأسئلة حرصت أن يكون كل ذلك مما عملته أيديهن.
تقول إحداهن في مطلع اقتراحها للموضوع:
إن الملتزمة بحاجة ماسة إلى من يأخذ بيدها ويطور لها التزامها، وبالذات مع شعورنا بأن هناك من الواعين من يعتقد أن تحجّب الفتاة وتركها لمشاهدة التلفاز، هو النقطة الأخيرة التي تقف عندها..
ليتهم يعلمون أن معظم الملتزمات يملكن كل شيء إلا الذكر والفهم السليم (هكذا تقول الأخت)، وإذا كنا نوافق أن كثيراً من الناس يظنون أن الالتزام ينتهي عند حد الحجاب، وترك مشاهدة التلفاز، مع أن الواقع أن المسلم والمسلمة لا يزالان في جهاد وترقب إلى الموت، تصديقاً لقول الله عز وجل: {
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }[الحجر: 99].
وقوله تعالى: {
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [العنكبوت: 69]
فالالتزام ليس مرحلة يتجاوزها الإنسان إلى غيرها.. أو قضية ينتهي عندها.. لا.. بل إن الالتزام هو محاولة مستمرة تـظل مع الفتى ومع الفتاة إلى الممات، حتى في ساعة الموت يجاهد الإنسان ويعبد ربه: {
حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحجر: 99]
وما دام أن الروح في الجسد وما دام أن النفس يتردد فأمام الإنسان ألوان وألوان من المجاهدات والمصابرات والمدافعات يحتاج المرء أو المرأة إليها.. ولكننا لا نوافق تلك الأخت على أن معظم الملتزمات يملكن كل شيء إلا الذكر والفهم السليم فإن كثيراً من الأخوات الملتزمات يملكن بحمد الله قدراً جيداً من الفهم السليم والعقول الناضجة والمواهب القوية، نسأل الله تعالى لنا ولهن جميعا الثبات.
أما العناوين فهي كالتالي:
أولاً: المرأة والالتزام.
ثانياً: من صفات الداعية.
ثالثاً: من مشكلات الدعوة النسائية.
رابعاً: عقبات في الطريق.
خامساً: موضوعات وكتب.
***********
أولاً : المرأة و الالتزام:
المرأة بطبيعتها أكثر تأثراً بالخير والشر وبما يحيط بها من الرجل، ولذلك نعرف خطر استغلال أجهزة الزور المسماة بأجهزة الإعلام في التخريب، وتأثير تلك الأجهزة في عقلية المرأة ناجمة عن بقاء المرأة في المنـزل ووجود الفراغ الذي تعيشه جزءا من الوقت, فكثير من النساء تعكف عند هذا الجهاز، ومنه تتناول ثقافتها وعلمها بل وحتى معلوماتها عن دينها، من خلال بعض الأقوال والآراء والأطروحات والأمور التي تقدم لها.
وإن من الواجب أن يستخدم الدعاة الوسائل العلنية العامة في مخاطبة النساء كالشريط والكتاب والمحاضرة المتخصصة بل والمدرسة والجامعة, حتى أقول: والسوق وكل وسيلة متاحة مباحة، فإنه ينبغي أن يستخدمها الدعاة إلى الله تعالى في الوصول إلى عقول النساء وقلوبهن ومخاطبتهن بآيات الله - تعالى - والحكمة..
أيها الأحبة.. أيتها الأخوات.. إن رموز الوطنية والتحرر والثقافة في معظم البلاد العربية أمثال هدى شعراوي وأمينة السعيد ونوال السعداوي والقائمة المعروفة.. كن رموزاً في نظرهم يطبّل لها الإعلام، وتتكلم عنها الصحافة ويعتبرن رائدات في مجالهن، أما في بلادنا في هذه الجزيرة بالذات فلا تزال المستغربات في العقل والشعور موضوع ازدراء وسخرية من المجتمع بحمد الله تعالى.
فهن يكتبن في صحفنا بكل تأكيد ولكن على استحياء وبشيء من الغموض فإذا أرادت إحداهن نقد الدين عبرت بالطقوس والتقاليد البالية والسراب ومخلفات القرون السابقة، لكنها لا تستطيع أن تتكلم عن الدين هكذا صراحاً بواحاً.
وإذا أرادت نقد العلماء والدعاة عبرت بالمتطرفين وبالأصوليين ضيقي الأفق, أو أبعد في النجعة فعبرت بالكهانة والكهنة.
وهذا يبرز مسؤولية القادرات من أخواتنا وبناتنا في وجوب وجود قيادات نسائية مـعروفة على كافة المستويات، فلا بد أن تكون في المدرسات قيادة وفي نطاق (التعليم) قيادات، وعلى مستوى البلد قيادات بل وعلى مستوى الإقليم قيادات، وهذا وإن كان واجباً في كل بلاد الإسلام إلا أنه في هذا البلد أسهل وأيسر، فلا يزال الميدان مكشوفاً مفتوحاً لمن أراد.
والبعض من الإخوة يعتبون علي ويقولون: لماذا تحرض النساء على الاستمرار في الدراسة مثلاً أو على مواصلة العمل وخاصة من المتدينات؟
والجواب.. أقول لإخوتي وأخواتي.. إننا في مجتمع لا ننفرد نحن بصياغته وصناعته، بل هو مجتمع فيه صناع كثيرون (ذووا) عقول شتى ومذاهب مختلفة وآراء (متباينة)، بل ونظريات واتجاهات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار كما يقال..
فإذا توقفت الملتزمة عند حد معين فغيرها لا يتوقف، ومعنى ذلك أننا حين ننصح المتدينات بترك مجالات العمل والتأثير فإننا سمحنا لكل تلك الفئات والطبقات والاتجاهات التي لا تسمع لنا أصلاً بأن تنمو وتتوغل وتتغلغل في المجتمع، ووضعنا سداً منيعاً أمام العنصر الوحيد الذي يمكن أن يساهم بشكل جيد في ضبط المسيرة، أو يساهم في تحجيم الشر والفساد، ولا أعتقد أن ثمة خدمة يمكن أن نقدمها بالمجان للعلمانيين وأصحاب النوايا السيئة وصرعى الشهوات أعظم من هذه الخدمة، ألا وهي أن تخلو التجمعات النسائية بجامعاتها ودراساتها ومعاهدها وندواتها وأعمالها من الملتزمة التي ترفع راية الدين وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر!
وأقل ما يمكن أن تقوم به تلك الملتزمة هي أن تشعر المجتمع بما يجري داخل تلك المجتمعات النسائية وما يكون وراء الكواليس ووراء الستار، إن العلماء والدعاة بل والعامة أحوج ما يكونون إلى من يقول لهم إنه يجري في أوساط النساء كيت وكيت، فأين دوركم وما مجالكم وأين هي أصواتكم؟
فإخبارهم بما يحصل ويحدث داخل تلك الأسوار هو أقل ما يمكن، ومع ذلك أعتقد أن زمن الشكوى المجردة قد انتهى أو كاد أن ينتهي (أي أن دور الخيريين والخيرات لا يجوز أبداً أن يتوقف عند مجرد رفع الشكاوى للجهات المختصة)، لأسباب أهمها:
أولاً: لو كان هناك إصرار من القمم على منع رياح التغيير والفساد لأحكموا غلق النوافذ، والمسؤولون الصغار دائماً وأبداً يتلمسون مواقف الكبار وردود فعلهم ومدى حزمهم أو تساهلهم، ولذلك يقال في النكت والطرائف، إذا أردت أن تعرف مدى قوة المسؤول في بلد، فانظر في سلوك البقال إذا صار بينك وبينه مشاجرة، فإذا قلت له إن فعلت وإلا رفعتك إلى مدير الشرطة أو إلى المحافظ أو إلى الأمير، فوجدته اضطرب وارتبك وخاف فاعرف أن هذا دليل القوة والعدل، وأن سيف الحق صارم، أما إذا قال لك: ارفع وافعل ما شئت، وأمامك هيئة الأمم المتحدة وأمامك وأمامك.. فاعلم أن الأمر دليل على التراخي..
ثانياً: ضغوط الناس لا يمكن إهمالها بحال من الأحوال، خاصة ونحن في عصر صار للجماهير فيه تأثير كبير، حيث أسقطوا زعماء كبار وهزوا عروشاً وحطموا أسواراً وحواجز، ولا زالت صورة العُزّل الذين يواجهون الدبابات بصدورهم في الاتحاد السوفيتي، بعدما قام الانقلاب الشيوعي الأخير الذي فشل، وهم يتدافعون في وجوه الدبابات بالآلاف بل بعشرات الآلاف، حتى استطاعوا وهم لا يملكون ولا حتى رصاصة واحدة، أن يقفوا في وجه ذلك الانقلاب ويفشلوه، لازالت هذه الصورة ماثلة للأذهان وقد رآها العالم كله حية على الهواء في شرقه وغربه.
فإذا كان المجتمع الذي نعيش فيه مجتمعاً منقسماً وهذه حقيقة {
فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } [النمل: 45]، وهذا الانقسام إلى حق وباطل ومهتدٍ وضال ومؤمن وفاجر، وهو أمر لا خيار فيه ولا حل له، ولا يعني أن هناك سعياً إلى تمزيق المجتمع بل هو سعي إلى تسمية الأمور بأسمائها الحقيقية، ووضع الأمر في نصابه.
أقول، إذا كان المجتمع منقسماً - وهذه حقيقة - فينبغي أن يمارس الخيّرون كافة الوسائل لتحقيق قناعاتهم الشرعية، والشكوى وسيلة لا يمكن أن نهون منها أو من شأنها، ولكنها من أضعف الوسائل خاصة إذا لم يكن معها غيرها، لكن يستطيع الأخيار أن يمارسوا دورهم كغيرهم، وكما أن تلك الفتاة المنحرفة المشبعة بأفكار الغرب واتجاهاته استطاعت أن تصل إلى موقع التأثير والمسؤولية، وغيرت عقول بعض بناتنا وبعض فتياتنا وأثرت عليهن، فكذلك تستطيع الطيبة الصالحة المهتدية أن تكون في الموقع نفسه، وليس هناك حواجز بحمد الله تقف في وجهها، وإن وجد حواجز فالتغلب عليها ممكن و(الحاجة أم الاختراع)، والمؤمن الصادق لا يعدم حيلة توصله بإذن الله تعالى إلى ما يريد.
ثالثاً: الذي يجعلني أقول إن مجرد الشكوى لا يكفي، أنه من غير الممكن اليوم أن نقول للناس أغلقوا الجامعات أغلقوا المستشفيات.. أغلقوا المؤسسات النسائية، فهذا أمر غير مطلوب فلابد للناس من كل هذه الأمور وهي مؤسسات ارتبطت بحياة الناس الآن بدون شك، فلم يبق إلا أن يرسم لهذه المؤسسات والمدارس والمستشفيات الإطار الشرعي الصحيح، والشرع جاء بضبط كل شيء {
وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } [الإسراء: 12]، فلم يبق إلا أن تشجع الفاضلات على إدارتها، أو على الأقل على المساهمة فيها ومزاحمة الاتجاهات الأخرى غير المهتدية.
ثانياً : من صفات الداعية
وإذا كنا نتحدث عن الفتاة الملتزمة، فإنني أكاد أعتقد أن امرأةً أو رجلاً ملتزماً، لا يمكن أن نتصور أنه غير داعية في مثل هذه الظروف الواقعة الآن، لأن من الالتزام أن يدعو الإنسان إلى الله، ومعنى كون المرأة ملتزمة أي أنها مطيعة لربها, والله عز وجل يقول: {
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ } [التوبة: 71]؛ إذن فأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر هو جزء من التزامها وقيامها بأمر الله تعالى هو كذلك جزء منه، لأن الله تعالى يقول: {
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } [آل عمران: 110]
ويقول: {
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [البقرة: 143]، إذن فقيامها بواجبها وقيامها بالدعوة إلى الله وقيامها بالإصلاح وقيامها بالأمر والنهي هو جزء من التزامها.
وقد أثبتت الأحداث والتجارب الكثيرة أن هذه الأمة رجالاً ونساءً لديها قدرة على قبول الحق، بل لديها رغبة في سماع الحق والتزامه.
إذن لا عذر لرجل منا أو امرأة أن يقول أنا ملتزم ولكنني غير داعية، أبداً كل ملتزم فهو داعية.. داعية بالفطرة.. لأن التزامه يعني أنه مطيع وأن الذي أمره بالصلاة هو الذي أمره بالدعوة وهو الذي أمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يمكن أن نفرق بين هذا وذاك بحال من الأحوال، ولذلك حديثي ينصب على الملتزمة الواعية الداعية باعتبار أنها هي المخاطبة أصلة بهذا الموضوع، ولا شك أن كل صفة نتصورها في الرجل الداعي هي أيضاً مطلوبة في المرأة..
الصفة الأولى: العلم بما تدعوا إليه، وهذا من الواجبات فلا يمكن أن تدعو إلى شيء وهي لا تعلم هل هو من الشرع أم ليس من الشرع هل هو من العادات أم من العبادات هل هو من الأمور الدينية أو من التقاليد الاجتماعية الموروثة مثلاً، والشرع واضح بحمد الله: إما آية محكمة أو سنة ماضية أو إجماع قائم، أو قول معروف مبني على اجتهاد صحيح واضح كالشمس.
فلا بد أن تعرف المرأة المسلمة الأمر الذي تدعو إليه بدليله بحيث إذا قال لها أحد لماذا وما الدليل استطاعت أن تجيب على ذلك.
الصفة الثانية: القدوة الحسنة، ومن قبل قال شعيب عليه السلام: {
وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } [هود: 88]، وفي صحيح البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور فيها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع إليه أهل النار فيقولون له يا فلان: ما لك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر، قال: بلى كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وكنت أنهاكم عن المنكر وآتيه ».
إذن فمن الخطورة بمكان أن يتكلم الإنسان فيكذب ذلك بأفعاله.
يا واعظ الناس قد أصبحت متهماً *** إذ عبت منهم أموراً أنت تأتيها
أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهداً *** والموبقات لعمري أنت جانيها
والكلام في الرجل والمرأة، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «
يؤتى بالرجل » لا يمنع والمرأة أيضاً، وإنما ذكر الرجل على سبيل التغليب، وإلا فالحكم واحد والطبيعة واحدة، وما ثبت في حق الرجل ثبت في حق المرأة إلا بدليل يخرجها منه..
يـا أيهــــا الرجـــــل المعلــــم غيـــره *** هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى*** كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانههــــا عـــن غيهــــــا *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيـم
وهناك يقبــــل إن وعظــــت ويقتـدى ***بالقول منـــك وينفع التعليم
لا تنـــه عن خلــــق وتأتـــي مثـلــــه ***عار عليك إذا فعلت عظيـــم
فالتربية والدعوة بالسلوك أحياناً أحسن من ألف محاضرة، وسلوك امرأة بين زميلاتها بحسن خلقها وأدبها ومظهرها ومخبرها وطيب حديثها والتزامها بشريعة ربها وصلاحها.. أفضل من كثير من الكلمات والمحاضرات، التي نبدأ فيها ونعيد ونردد الكلام، وقد لا يسمعه الكثيرون، فكثير من الأخوات تقول ليس لدي رغبة في أن أسمع الأشرطة الدينية، لكن لو وجدت أمامها نموذجاً حياً وصورة حية.. من فتاة ملتزمة متدينة فأعجبتها، فأعتقد أنها هنا لا تحتاج إلى أن تسمع شريطاً، والحق واضح ولا يحتاج إلى صعوبات في من يريده، فلا بد من القدوة الحسنة ولا بد من الأخت الداعية أن تكون قدوة حسنة في عبادتها وسلوكها ومخبرها وفي قلبها، وفي عقيدتها وأخلاقها وطيبتها، وفي مظهرها أيضاً، في شكلها وفي شعرها وفي ثيابها، وفي مشيتها وحركاتها وأعمالها وأقوالها وفي كل شيء.
وأضرب لك ولكِ مثلا على ذلك.. المرأة الداعية القدوة التي تظهر بمظهر لا يليق بمثلها، كأن تلبس مثلاً عباءة مطرزة أو تلبس كاباً مطرزاً، هو زينة في نفسه أو تضعه على كتفها أو تظهر زينتها للأجانب، أو تكون مولعة بمتابعة الموضات والتسريحات أولاً بأول، لا نقول أنه يجب عليها أن تسكت إذا كانت هكذا لا.. فهي مطالبة بالدعوة كما قلنا منذ قبل، ولكن أيضاً حين تدعو فإنها بهذا العمل الذي عملته سنت للأخريات سنة يقلدونها فيها، إما عن حسن ظن بأن هذا العمل الذي فعلته لا شيء فيه والدليل أن فلانة فعلته، أو سيقولون إن هذه المرأة لا تستحق أن يسمع لها لأنها تناقض قولها بفعلها.
فينبغي أن تتجنب الأخت الداعية بعض الأمور المشتبهة حماية لعرضها وحماية لدعوتها.
الصفة الثالثة: حسن الخلق والتواضع ولين الجانب، مما يحبب إليها الأخريات، ولعل غرس المحبة في نفوس المدعوات هو أول سبب لقبول الدعوة، والأسلوب شديد التأثير في قبول الدعوة أو ردها، ولا يجوز لنا أبداً أن نتجنى على الحق الذي نحمله، حين نقدمه للناس بالأسلوب الغليظ الجاف، بل يجب أن نعطف على الآخرين ونحتوي مشاعرهم، ونتلمس همومهم ونشاطرهم أفراحهم وأتراحهم، ولا نستعلي عليهم أو نستكبر فما تواضع أحد لله تعالى إلا رفعه.
الصفة الرابعة: أن يكون عند الداعية قدر من اهتمامها بمظهرها.. لأنه قد يظن البعض أنني أدعو إلى أن تكون المرأة المتدينة الداعية، مبتذلة بعيدة عن الاهتمام بمظهرها، وهذا مرفوض، فالمظهر هو البوابة الرئيسية التي لا بد من عبورها إلى قلوب الأخريات، ومن الطبيعي أن تتحلى المرأة أو تبحث عن الثوب الجميل، والله تعالى قال: {
أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } [الزخرف: 18]، فكون الفتاة تنشأ منذ طفولتها في الحلية هذا أمر طبعي لا تلام عليه.
ومن الطبيعي أن تهتم المرأة بتسريح شعرها وأن تعتني بمظهرها والرسول - صلى الله عليه وسلم - أوصى بذلك الرجل، فلما جاءه رجل أشعث الرأس أمره بأن يسرح شعره ويدهنه، ولما جاءه بعد ذلك قال: «
هذا خير من أن يأتي أحدكم أشعث الرأس كأنه شيطان »، فالمرأة مع بنات جنسها من باب أولى..
نحن بطبيعة الحال لا نقبل أبدا أن تتبرج المرأة المسلمة بزينة، ولا أن تتطيب لخروجها من بيتها، لكن هذا لا يعني بحال التبذل أو أن تذهب إلى المجتمعات النسائية في أثواب ممتهنة، خاصة حين تكون داعية يشار إليها بالبنان.
الفتيات اليوم يعرضن عن الدعوة لأنهن يعتقدن أن معنى الالتزام هو أن تتخلى عن كل مظهر من مظاهر اهتمامها بنفسها وهي بالطبع لا تريد ذلك، وتقول كل شيء إلا اهتمامي بمظهري!
ومن قال أن الإسلام يحول بينها وبين ذلك؟
ولكن في حدود ما أباحه الله تعالى، فمظهر مباح وثوب ليس زينة في نفسه غير متطيبة فيه ولا تظهر به أمام الرجال.
الصفة الخامسة: الاعتدال في كل شيء ومن ذلك الاعتدال في مشاعرها بين الإفراط والتفريط، فنحن نجد مثلاً من بعض الأخوات من تكون جافة في عواطفها ومشاعرها، لا تتجاوب مع الآخرين ولا تبادلهم شعوراً بشعور، ووداً بود ومحبة بمحبة أو تبتسم في وجوههم، وترى أن جدية الدين والدعوة تتطلب قدراً من الصرامة والوضوح والقسمات الجادة، وهذا أمر بلا شك غير مقبول «
وتبسمك في وجه أخيك صدقة » كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، ونقول للمرأة أيضاً: وتبسمك في وجه أختك هي صدقة أيضاً فالحكم عام.
وبالمقابل هناك من النساء أو من الأخوات من تبالغ في المشاعر وتبالغ في إغراق الآخرين بمشاعر تصل أحياناً إلى حد الإفراط، فتجدين أن من الأخوات لا تصبر عن فلانة ساعة من نهار، فإذا ذهبت إلى بيتها بدأت تتصل بها بالهاتف وتكلمها الساعات الطوال، وربما خلت بها الأوقات الطويلة تبث إحداهما إلى الأخرى مشاعرها وهمومها وشجونها، بل ربما تغار إذا رأت أخرى تجالسها أو تحادثها، لأنها تريدها لنفسها فقط، وهذا نوع مما يسمى بـ"الإعجاب" في أوساط البنات، فضلاً عن قضية المحاكاة والتقليد أي أنها تقلدها في كل شيء في حركاتها وسكناتها، وفي طريقة كلامها ولباسها وحذائها وثيابها، وحركات يدها وفي كل شيء، ولا شك أن ذوبان شخصية البنت في أخرى ولو كانت داعية ضياع، لأن الله عز وجل خاطب كل إنسان بمفرده {
إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً }[مريم: 93-95].
وقال سبحانه: {
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } [الشمس: 7-10]
فينبغي أن تشعر المسلمة باستقلاليتها، وأنه لا يجوز أن تذوب في شخصية أخرى، فهي موقوفة بين يدي الله تعالى يوم القيامة بذاتها وبمفردها.
ثالثاً : من مشكلات الدعوة النسائية
هناك مشكلات كثيرة في مجال دعوة النساء أشير إلى شيء منها فمن هذه المشكلات:
أولاً: قلة عدد النساء الداعيات، وهذه القلة يعاني منها الكثيرون، ولذلك نجد هناك جهلاً كبيراً في أوساط الفتيات.. حتى في عالم المدن فضلاً عن القرى والأرياف والمناطق النائية.
والحل أمام هذه المشكلة يتمثل في أمور، أعرضها في اختصار: فمن الحلول:
الحل الأول: طلب المشاركة من الجميع بمعنى أن تحرص الأخت المسلمة على أن تشارك كل النساء في الدعوة إلى الله تعالى، كل الغيورات حتى مع وجود شيء من التقصير، فلا يشترط للدعوة أن تكون كاملاً، فالدعوة ليست نادياً للكملة، والكمال في البشر عزيز، وما من إنسان إلا وفيه نقص ولكن هذا النقص لا يمكن أن يحول بين الإنسان وبين قيامه بواجب الدعوة إلى الله تعالى، فأنت تدعو مثلاً إلى ما عملت بل حتى ما لم تعمله..
ويمكن أن تدعو إليه بطريقتك الخاصة.. فمثلاً الإنسان المقصر رجلاً أو امرأة يمكن أن يقول للناس: "الأمر الذي وقعت فيه وهو كيت وكيت، أعرف أنه خطأ وأستغفر الله تعالى منه وأتوب إليه، وقد يكون منكم من هو أقوى عزيمة مني، أو أصلب إرادة أو أصدق إيمانا أو أخلص لله عز وجل، فيستطيع أن ينجح هو فيما فشلت فيه أنا"، فتكون دللت على الخير ولك مثل أجر فاعله ولو كنت مقصراً فيه.
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب *** فمن يعظ العاصين بعد محمد
ولذلك قال الأصوليون: "حق على من يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضاً"
يعني وقوع الإنسان في المعصية لا يسوغ له ترك النهي عنها أبداً، بل ينهى عن المعصية ولو كان واقعاً فيها ويأمر بالمعروف ولو كان تاركاً له، وإن كان الأكمل والأفضل والأدعى للقبول سيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: {
وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } [هود: 88].
ولكن حتى مع التقصير يجب أن تجد الأخت الساعية الأخريات إلى المشاركة.. مثلاً الطالبات في المدارس.. يمكن أن تشارك الطالبة في كلمة أو توجيه أو إعداد بحث مصغر في أمور معينة تحدث بها بنات جنسها من خلال حلقة المسجد أو الدرس أو أي مناسبة أخرى، مع مراعاة وتعاهد هؤلاء النساء بالتوجيه, فكونها قامت أو تكلمت أو ألقت محاضرة أو كلمة أو بحث لا يعني أنها قد جاوزت القنطرة، وأصبحت داعية يطلب منها ولا يوجه إليها، بمعنى يطلب منها أن تأمر الناس ولا تؤمر هي.. كلا.. بل هو مطلوب أن تتعاهد.. ويحرص عليها وتنصح وتقرأ مشاعرها، وتوضع في موضعها الطبيعي فلا نبالغ في الثقة بها وإطلاق العنان لها بما قد يضر بها..
وقد سمعت واطلعت على كثير من الحالات أن الفتاة لما تكون في المرحلة الثانوية مثلاً ثم يسند إليها أمر الدعوة كله في المدرسة فتكون هي الداعية وهي المعلمة والمتكلمة والواعظة والمتحدثة، وتصبح الأنظار تتجه إليها والأصابع تشير إليها، والأخريات ينظرن إليها نظرة معينة يفقدها ذلك أحياناً نوعاً من القدرة على ضبط نفسها وعلى اتزانها ويكون له تأثير سلبي على نفسيتها وعلى اهتماماتها التربوية الأخرى، فربما تنسى نفسها أحياناً وربما تبالغ في بعض الأمور وربما تجتهد فلا تصيب، لأن الفترة والسن الذي تعيش فيه لا تجعلها قادرة على الاجتهاد في كل المسائل، بل ربما يشعر أهلها بشيء من التقصير، وقد اطلعت على حالات وصلت إلى حد أزمة نفسية!!
إذن يجب أن نفرق فلا نقول لا تتدخل الفتاة وهي في مثل هذا السن في الدعوة، فهذا لا ينبغي، ولا يصح أن نضع في يدها الأمر كله من الألف إلى الياء ونجعلها هي القائمة بالأمر قياماً كاملاً، بل ينبغي أن تكون في مجال التدريب والمساهمة والمشاركة مع أخريات، وأن نتعاهدها بالتوجيه والنصح ونقول: هنا أصبت وهنا كنت تحتاجين إلى أن تجتهدي في الأمر أكثر وهذا خطأ ينبغي تجنبه وهكذا.
الحل الثاني: الاتجاه نحو الجهود العامة.. فمثلاً.. مجموعة من الجلسات قد تشمل عشرين أو ثلاثين امرأة، لكن نرى المرأة الداعية تجلس في بيتها جلسة خاصة لخمس من جيرانها، خمس نساء فقط، ولو أنها أقامت محاضرة أو درساً عاماً أو أمسيةً لكان من الممكن أن تشمل مئات النساء، فيكون هذا الجهد المحدود الذي صرفته إلى خمس من الممكن أن تصرفه إلى خمسين أو إلى خمسمائة امرأة.. بطبيعة الحال نحن لا نقلل من أهمية الدروس والجلسات الخاصة.. لا, فهذه الدروس والجلسات الخاصة لها أهميتها.. فهي:
أولاً: تخاطب فئة من المجتمع.
ثانياً: ربما يوجد امرأة تقدر أن تقيم جلسة خاصة لخمس لكنها لا تستطيع أن تقيم محاضرة أو درساً عاماً.
ثالثاً : أن الجلسة الخاصة لخمس نساء أو عشر يمكن التحكم في وقتها وفي مكانها ولكن درس أو محاضرة قد يصعب قيامه.
لكن نقول متى أمكن أن تقوم المرأة بنشاط عام كمحاضرة أو درس عام أو ندوة فإن ذلك يكون أبلغ في التأثير وأوسع في المنطقة التي تخاطبها.
الحل الثالث: ضرورة التركيز من الجميع رجالاً ونساءً، على إعداد جيل من الداعيات الواعيات، ممن يحملن هم الإسلام وتنمية معاني الدعوة لديهن.. قد تكون زوجتك ممن تصلح لهذا فلا يجوز أن يكون زواجها نهاية المطاف، أختك.. قريبتك.. بنت أختك.. محرمك.. ينبغي أن تُعْنـَى?
أن تعدها داعية إلى الله تعالى، وكذلك النساء الداعيات من المدرسات ينبغي أن يعتنين بإعداد نوعيات من الفتيات وتهيئهن وتأهيلهن للقيام بهذه المهمة الصعبة، لأن واحدة من النساء يمكن أن تقوم عن عشر وكما قيل:
والناس ألف منهم كواحد **** وواحد كالألف إن أمر عنى
ولا نحتاج إلى تحريف في هذا البيت فقد حرفه قبلنا عبد الرحمن بن عقيل فقال:
والناس ألف منهم كواحدة *** وواحدة كالألف إن أمر عنى
وهذا صحيح، ربما امرأة غلبت الآلاف من الرجال، ومن يستطيع أن يأتي في عيار أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, أو خديجة, أو حفصة, أو زينب, أو أم سلمة, أو غيرهن من المؤمنات الأول، حتى كبار الرجال تتقاصر هممهم دونهن، ولا زال في هذه الأمة خير رجالاً ونساءً.
الحل الرابع: الاستفادة من النشاطات الرجالية، فلماذا نتصور أن نشاط المرأة ينبغي أن يكون محصوراً؟؟ فالنشاطات الرجالية كالدروس والمحاضرات والندوات معظم الكلام الذي يقال فيها يصلح للرجال ويصلح للنساء، وكما أسلفت: الشرع جاء للرجل والمرأة وخاطب الاثنين معاً، وما ثبت للرجل ثبت للمرأة إلا بدليل، ولا يلزم أن تكون المرأة مجتمعاً مستقلاً متكاملاً فقيهته منه أو داعيته منه ومفتيته منه.
والرسل عليهم الصلاة والسلام كانوا رجالاً فقط، قال الله تعالى {
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ } [الأنبياء: 7].
إذاً فالرسل كانوا رجالاً، ولا أريد أن أدخل في جدل عقيم هل بعث من النساء أحد؟..
فابن حزم له رأي وبعض الفقهاء لهم رأي، لكن الجمهور كما ذكر القرطبي وغيره أن الرسل كلهم كانوا من الرجال، ولم تبعث نبية قط فلنقف عند الآية: {
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ } [الأنبياء: 7].
وهؤلاء الرجال كانوا يخاطبون الرجال ويخاطبون النساء، ويدعون الجميع على حد سواء، إذاً لا مانع حفظاً للجهود أن تنضم النساء إلى مواكب المستمعين إلى الدروس والمحاضرات والمجهودات الرجالية، بطبيعة الحال على انفراد ومع التزامهن بأوامر الشرع في عدم التطيب إذا أرادت الخروج، وعدم لبس الثوب الذي يكون زينة في نفسه وستر نفسها وعدم الجهر بالقول، والاختلاط بالرجال إلى غير ذلك، لكنها تستفيد في مجالاتها الخاصة المنعزلة.. وهنا يأتي أيضاً دوركم أنتم يا أولياء الأمور، دور الأب، دور الزوج، دور الأخ في تسهيل المهمة وإعانة المرأة على بلوغ محلها الذي تريد.
ثانياً: من المشكلات في مجتمعات الدعوة النسائية، صعوبة التوفيق بين العمل والدعوة والشؤون المنـزلية، فأمام المرأة مثلاً العمل، الدراسة، التدريس.. وأمامها الدعوة، وأمامها أيضاً بعض الشؤون المنـزلية.. البيت والزوج والأولاد، إلى غير ذلك..
وهذه بلا شك معضلة حقيقية، ولا أتجاوز الحقيقة إذا قلت إنها أكبر مشكلة تواجه الداعيات، وعلى عتبتها تتحطم الكثير من الآمال والطموحات، فكم من فتاة تشتعل في قلبها جذوة الحماس إلى الدعوة إلى الله تعالى، وتعيش في مخيلتها الكثير من الأحلام والآمال والطموحات، فإذا تزوجت وواجهت الحياة العملية تبخرت تلك الآمال، وذابت تلك المشاعر ولم تعد تملك منها إلا الحسرات والأنات والآهات والزفرات والذكريات والله المستعان..
كثير ما تقول الفتيات.. كنت وكنت.. أصبح كثير من الأخوات (كنتية ً)، تستطيع أن تقول كنت وكنت، ولكن لا تستطيع أن تقول: أنا الآن أفعل كذا إلا في القليل.
ولا أزعم أيضا أنني أملك حلاً لهذه المعضلة، ولكني أحاول المشاركة في بعض الحلول فأول إضاءة في هذا الطريق:
الإضاءة الأولى: هي في ظل قول الله عز وجل: {
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } [الطلاق: 2-3]
يقول الله تعالى: {
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً }[الطلاق: 5]
ويقول الله تعالى:{
يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [الأنفال: 29]، فالتقوى هي أول حل، أن يتقى العبد ربه وتتقي الأمة ربها جل وعلا في نفسها، في زوجها، في وقتها, في عملها, في مسؤولياتها..
والتقوى ليست معنى غامضاً كما يتصور البعض.. لا.. يمكن أن نحدد التقوى في بعض النقاط والأمثلة فقط.
من التقوى أن تختصر الفتاة ثلاث ساعات تجلسها أمام المرآة وهي تعبث بالأصباغ وترسم وتمسح وتزين شعرها لتصبح هذه الثلاث ساعات نصف ساعة مثلاً.. أو ثلث ساعة دون تفريط في العناية بجمالها لزوجها الذي هو جزء من شخصيتها.
ومن التقوى أن تختصر الفتاة مكالمة هاتفية لمدة ساعتين مع زميلتها، في أحاديث لا جدوى من ورائها، لتكون هذه المكالمة ربع ساعة أو عشر دقائق في السؤال عن الحال والحلال والعيال.. وغير ذلك..
ومن التقوى أن تختصر الفتاة الوقت المخصص لصناعة الحلوى مثلاً، من ساعة ونصف إلى صناعة أمور جيدة جاهزة، لا يستغرق تحضيرها أحياناً نصف ساعة.
ومن التقوى أن تقتصد المؤمنة في نومها.
فالنوم من صلاة الفجر إلى الساعة العاشرة ضحى وبعد الظهر وقسط كافي من الليل، لا يسوغ, وهو من عادات الجاهلية، وامرؤ القيس لما كان يمدح معشوقته كان يقول: (نؤوم الضحى)، فيمدحها بكثرة نومها، لكن في الإسلام مضى عهد النوم وأصبح المؤمن مطالباً بأن يكون قسطه من النوم مجرد استعداد لاستئناف حياة من البذل والجهاد..
ولذلك في قصة أم زرع وهي في صحيح البخاري ومسلم أن اثنا عشر امرأة اجتمعن وتعاهدن وتعاقدن على أن لا يكتمن عن أخبار أزواجهن شيئاً، فكل واحدة قالت زوجي كذا, وقالت الثالثة زوجي: المشنق إن أنا أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق.. إلى آخر القصة الطويلة التي لا شأن لنا بها الآن، لكن قالت الخامسة منهن: "زوجي إن دخل فهد وإن خرج أسد، و لا يسأل عما عهد"، فما معنى فهد؟ يقول ابن النباري: أن معنى قولها إذا دخل فهد معنى صار كالفهد، وهو حيوان كثير النوم، فهي تقول إذا دخل التف بفراشه وغفل عنها ونام نوماً طويلاً، أما إذا خرج فهو كالأسد على الناس، ولا يسأل عما عهد، يعنى أنه رجل فيه كرم وإعراض فهو لا يدقق في كل شيء ولا يسأل عن كل شيء، وقد كان العرب يمدحون الإنسان بمثل هذا الشيء، وما زال العرب أيضاً يمدحون الإنسان بقلة نومه واقتصاده في ذلك، تذكرون قول الهذلي الذي يقول:
فأتت به حوش الفؤاد مبطناً *** سهداً إذا ما نام ليل الهوجل